الرئيس سليمان فرنجية (1) استخدم هذه الجملة عنواناً لافتتاحية كتبها في جريدة النهار قبل أن ينَّصَب رئيساً للجمهورية اللبنانية.
يبدو أن مدلول "وطني دائماً على حق" شيء بديهي ولا يحتاج مناقشةً أو إثباتاً. ولقد استخدم هتلر بداهةَ هذا المدلول ليؤسس للعنصرية والنازية... ألمانيا فوق الجميع.
واستخدمه ستالين في الحرب العالمية الثانية، عندما أسقط شعار السوفييت وشعار ديكتاتورية البروليتاريا، وقال روسيا فوق الجميع واخترع ميدالية وطنية رمزها بطرس الأكبر. وقاد هتلر وستالين وموسوليني البشرية إلى الجحيم، وقضوا نحبهم قبل شاوشيسكو وبول بوت، أما غيرهم من أعداء الأمم والحرية، ينتظرون وعد ربهم القريب... صدام القومي العربي تلميذ عفلق العربي المسلم واحد منهم على وجه التحديد.
لقد نقل مفكرو القومية العربية ذلك المدلول القومي المغلق وغلَّفوه برومانسية ساذجة عندما وصفوا الأمة العربية بالخلود، نقلوه وهم متكئين على سرير ثقافي حضاري تاريخي لا علاقة له بالقومية، متكئين زوراً وبهتاناً على أنهم خير أمة أُخرِجت للناس، متكئين على الحديث الشريف عندما دار جبريل في الكون فلم يجد أرضاً وأمةً خيراً من العرب ثم خيراً من قريش ثم خيراً من بني هاشم "وأنّا خيارُ من خيارٍ من خيار". أمتنا خالدة والأمم الباقية بائدة، أمتنا واحدة أما أوروبا فأمم فاشلة مجزأة، وعلامة فشلهم اتحادهم الأوروبي الذي استغرق حدوثه خمسون عاماً؟!، أمتنا واحدة ورسالتنا خالدة، ونحن خير الأمم. وِفْقَ أية نظرية؟ وبأية عوامل؟ وبشرعية أيّة قراءة تاريخية؟ وأيّة قراءة جغرافية؟ وبأيّ تحقق فعلي عبر قرن كامل هو القرن العشرين؟
نقلنا الفكر القومي العربي عن الفكر القومي الغربي عشوائياً، وليت كان استنساخاً، لَرَأى أولادنا أو أحفادنا بعض الحق والحقيقة على أرض الواقع، بديلاً عن الفشل البانورامي من المحيط إلى الخليج، بدءاً من هزيمة 1948 إلى فك الارتباط في غزة 2005، مروراً بالسقوط الكلي في حزيران 1967.
كانت قوميتنا تِرداداً لقوميات الغرب. وعلى استحياء ذكر رومانسيوا قوميتنا الديمقراطيةَ في إبداعاتهم الخارقة، ذكروها ذكراً متواضعاً جزئياً متردداً، وفي أول محطة تنكروا لها وطردوها خارج الأرض وخلف التاريخ بعد أن أسلموا العسكر الجهلة زمام الأمور فحكموا عليها وعلى شعوبهم بالإعدام، أو ما هو قريب منه.
ولنسأل مرةً ثانية: وطني دائماً على حق؟. كان أقرب إلى الحقيقة أن يقول الرئيس سليمان فرنجية، وطني دائماً مع الحق! وطني دائماً مع الحقيقة.
في الغرب تطابقت الدولة مع الأمة، فكانت الدولة القومية، وكان أساس التطابق الديمقراطية، حكم الشعب بالشعب وللشعب، بديلاً عن الإقطاع والكنيسة وبديلاً عن حكم الملوك وبلا دستور. عندما نزعنا اللب جوهر الشيء، نزعنا جوهر التطابق بين الدولة والأمة، فأضعنا الدولة والأمة. تعمَّق وتجذَّر تجزؤ الأمة، وساد المستبدون والقتلة في كل ذرة رمل عربية وفي كل نقطة عربية، وفي أضعف نسمة هواء عربية. ساد حكم القبائل والطوائف والأعراق والمذاهب من تطوان المغربية حتى طُنب الصغرى شرقاً ومن القامشلي شمالاً حتى عدن جنوباً... ما أغبى فكر وفعل النائمينَ في عسل القومية العنصرية، المتحدرين من صلبها الحضاري.
وسنبقى كذلك ما دام العربي يقرأ نصف صفحة في السنة، والغربي يقرأ أربعاً وعشرين كتاباً في السنة. وما دمنا نردد مع سليمان فرنجية وطننا دائماً على حق وليس مع الحق ومع الحقيقة.
وإن أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
كلام قاله أعرابي قبل أكثر من ألف عام وردده سليمان فرنجية سكراناً بالعنصرية والعصبية.
ورغم ما نحن عليه وما نحن فيه، يتشدق خير الدين حسيب ومعن بشور وعبد الباري عطوان ومصطفى البكري أصدقاء صدام، والمربوطون بالحبل السري "الحضاري" بابن لادن والزرقاوي، يتشدقون بتحرير الرئيس "القومي العربي" الأسير من "براثن" الأمريكان..
عندما لا يكون الوطن كله مع الحقيقة، يكون المواطنون كلهم مع الوهم، وللواهمين والجهلة والعنصريين طريق وحيد، ونهاية واحدة، هي الفشل المحيط، وليَقْتَتْ رومانسيو القومية القاموسَ المحيط صفحة بالية تلو صفحة بالية، لأنهم لا يستحقون كسرة الخبز أو قطرة الماء. وليس لأعداء الحرية والحق والحقيقة إلا ما تحت التراب. وسيفعل بهم التاريخ ذلك بالتأكيد، وفي اللحظة الباهرة لحظة هيغل المجنونة، يكتشف العالم كله جريمة العصر، على يد قاضي التحقيق ميليس، ابن الوطن الألماني الذي حولته الحضارة الإنسانية من: "وطني دائماً على حق" إلى: "وطني دائماً مع الحق".
فهنيئاً لميليس لقبه الجديد... قاضي القرن الواحد والعشرين وهنيئاً للرومانسيين "القوميين" السذج مأواهم الجديد تحت التراب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق