السبت، أكتوبر 15، 2005

رحلة معاكسة الى الواقع

حازم صاغية - الحياة
إذا كان الإعلام قاتلاً، حسب ما نسب اليه السيد فاروق الشرع، يصير السؤال الواجب الطرح: ألا يستحق سمير قصير ومي شدياق ما حل بهما؟
نغض النظر عن الموضوع والتداعيات التي قد تثيرها الإجابة عن سؤال كهذا. لكن يبقى مقذوفاً في وجوهنا هذا الاستسهال المدهش لاتهام الإعلاميين، وإلا فالسياسيين، وإلا فالقضاة. وهؤلاء الثلاثة العلامة الأبرز على تقدم مجتمع ما وحداثته وديموقراطيته. وهو، بطبيعة الحال، استسهال لا يصدر إلا عن أمكنة لا يُعرف الفارق فيها بين القتل والنحر والانتحار!
والحق أن سورية الرسمية، الحكومية و»الإعلامية»، تمنعنا دوماً من الدفاع عن سورية. فالأولى لم تكتف بالنيابة عن الثانية، والمصادرة عليها، إذ هي الآن، تحول دون الدفاع عن مصيرها وبعض مقوّمات وجودها.
وبالفعل ما من فرصة أو حيّز متاحين الآن للذي يريد الاعتراض على السياسات الاميركية حيال دمشق بما فيها من تهديدات تلوح، بين فينة وأخرى، بتوجيه ضربات عسكرية وأعمال انتقامية. كما لا تُترك فرصة أو حيّز للذي يريد القول إن سياسات التهديد الأميركية هذه خاطئة وخطرة، وان درس العراق هو ما لا يبدو ان صقور الادارة الاميركية قد تعلموه واستوعبوه. ولن يكون سهلاً، والحال على ما هي عليه، ان تُكلل بالنجاح الجهود الرسمية العربية التي تبغي إقالة دمشق من عثارها.
وسبب ذلك ان النظام السوري يحجب سورية اليوم كما فعل منذ الاستيلاء البعثي في 1963. وهو يحدد، للدفاع عنها، الصوت الوحيد المقبول الذي هو صوته، والصدى الوحيد المقبول الذي هو صداه، والرواية الوحيدة المقبولة عن الأحداث التي هي روايته.
وفي هذا كله، يقفز أهل النظام في دمشق الى أمامٍ غامض ومجهول، إن لم يكن أماماً وهمياً. فبدل التواضع ومراجعة النفس، أقلّه في ما خص التجربة اللبنانية دخولاً اليها وخروجاً منها، وإدارتها أمناً وسياسةً واقتصاداً، يلجأ كتبة النظام و»سياسيوه» أحياناً، الى توزيع الاتهامات، لسبب ولا سبب، على الإعلام اللبناني. وبدل بذل الجهد للعثور على نبرة جديدة تعزز اعتدال المعتدلين في لبنان، وتقع الطريق على من يشتهي فيهم تصعيد الغرائز ضد سورية والسوريين، تفاجئنا الهجمات اللفظية المتقطعة، بعد الحصار البري، مؤديةً الى العكس تماماً. وبدل الانكباب على اجتراح لغة سياسية عاقلة، تشبه الوضع السوري المترنّح وتسعى الى وقف ترنّحه، تمضي اللغة الانتصارية، الظافرة والاتهامية، محددةً من هو «الوطني» ومن هو «غير الوطني»، كما لو ان النظام البعثي يراكم من الانتصارات، ومن الحقائق، ما يفيض عن قدرته على الاستيعاب!
ثم، ما الذي يتوقعه أهل النظام البعثي من اللبنانيين؟ أن تستولي عليهم سعادة غامرة لفقد رفيق الحريري، وفقد الذين سبقوه ولحقوه، في ظل الرعاية الأمنية السورية لبلدهم؟ ان لا يُبدوا حماسة للتحقيق في تلك الجرائم ولمعرفة الحقيقة بشأنها، بحجة ان اميركا تريد «تسييس» القضية! أن يؤرّقهم شوق لا يستطيعون كبت التعبير عنه للطريقة «الأخوية» التي سيس بها بلدهم في ظل «الرعاية الإقليمية» تلك؟
في سلوك كهذا نجد خير تجسيد للنظرية السياسية التي تقول ان سياسة نظام ما خارج بلده تتوّج سياسته داخل بلده. لكننا نقع ايضاً على خير تجسيد للنظرية البسيكولوجية التي تقول بعيش العُظامي المنفصم في الهذيان أكثر من عيشه في الواقع. ويُستحسن بـ «الأخوة والرفاق» في دمشق تنظيم رحلة معاكسة الى الواقع لا تغني عنها «عدالة القضية»... فـ «أمي قبل العدالة»، كما كتب ذات مرة ألبير كامو، وكما قد يردد لبنانيون كثيرون وهم يرون نُتَف لحوم أصدقائهم تلتصق بالحيطان.
ويبقى ان الذي يتمنى الخير لسورية، وللبنان، عليه الابتداء من مكان بسيط ومتواضيع: ان يصير وزيرُ الخارجية وزيرَ خارجية، ورئيسُ الحكومة رئيسَ حكومة، وان يغدو الصحافي صحافياً، وتغدو «الاقتصادية» اقتصادية حقاً، شريطة ان ينشأ اقتصاد. وهو أول الخلاص الوطني.

ليست هناك تعليقات: