عزيز الحاج - الحوار المتمدن
إن من يراجع تطور الوضع السياسي في عهد حكم البعث، يجد أن كل الأحزاب والتيارات تقريبا ومعظم الشخصيات السياسية قد غيرت مواقفها السياسية، إما لشعورها بالخطأ وإما لأن الظروف السياسية تغيرت. وسبق لفيكتور هيجو أن قال: "إنه لثناء باطل أن يقال عن رجل إن اعتقاده السياسي لم يتغير منذ أربعين سنة. . فهذا يعني أن حياته كانت خالية من التجارب اليومية، والتفكير، والتعمق الفكري في الأحداث.إنه كمثل الثناء على الماء لركوده وعلى الشجرة لموتها."
إن دراسة وقائع التاريخ والأحداث المهمة في حياة الأمم تستدعي التوثيق الأمين وتفكيك المسؤوليات بأمانة ومن موقع تسجيل الحقائق واتخاذ العبر السياسية وليس من باب التعريض وتصفية الحسابات. وهذه مهمة المؤرخين والباحثين المتعمقين. فظاهرة هتلر وغزواته وجرائمه لا تبحث من دون الإشارة للتأييد الشعبي الساحق الذي رفعه للسلطة بالانتخابات وبعد غسل الأدمغة. ولكن الدول الكبرى المنتصرة لم تقدم للمحاكمات غير كبار المجرمين وبدلا من التعريض بالألمان كشعب ووضعهم في قفص الاتهام أطلقت الولايات المتحدة مشروع مارشال لإعادة بناء ألمانيا وفرنسا وأوروبا الغربية عموما. والحرب العراقية ـ الإيرانية حين نلقي مسؤوليتها الكبرى على حكم صدام لإشعاله تلك الجريمة الكبرى لابد في الوقت نفسه تذكر استفزازات الزعماء الإيرانيين الجدد عن "تصدير الثورة" وثم إصرار إيران على مواصلة الحرب ست سنوات اخرى بعد تحرير كافة أراضيها المحتلة وبرغم نداءات مجلس الأمن والمؤتمر الإسلامي وهيئات أخرى.. وحين الحديث عن حكم البعث ولاسيما بعد انفراد صدام بكل السلطة فليس جميع العراقيين الذين كانوا يخرجون للشوارع مهللين قد كان مغلوبا عليهم بل والدوافع العاطفية والدعايات المضللة كانت تغلب على الكثيرين منهم. وهناك أحزاب وهيئات في الجبهة الوطنية وشخصيات تعاونت مع حكم البعث سنوات لأسباب سياسية وأشادت به باستمرار ثم طعنها من الخلف. وهناك من حاربوا الجيش العراقي في صفوف القوات الإيرانية نكاية بالطاغية وجرائمه الشنعاء. وهناك الدول العربية والغربية والشرقية التي ساندت حكم صدام لحد غزو الكويت ومنهم من ظل يسانده كفرنسا مثلا، والمئات من الشخصيات العربية والفلسطينية من يساريين وقوميين جاءوا العراق في السبعينات معتقدين أنه الملجأ الآمن! وأذكر أن السيد فاروق قدومي زار باريس قبيل حرب التحالف ضد العراق إثر غزو الكويت. أخذنا مندوب فلسطين ونحن خمسة مندوبين لليونسكو لمعرفة الوقائع بعد أن كان قد زار بغداد والتقى بصدام ثم جنيف ورافق محادثات بيكر مع طارق عزيز. قال لنا ما معناه إن لدى العراق أسلحة خفية فتاكة جدا وإن أمريكا لن تجرؤ على شن الحرب. عندما ركبت سيارة صديقي الأردني لإيصالي للبيت قلت له بالحرف الواحد: "العراق سيخرب. مادام لنا أصدقاء وأشقاء هكذا يؤيدون إصرارنا على عدم الانسحاب." حتى إيران بعد الحرب وبالعكس من الضحية الكويت الشقيق أقامت في التسعينات مع حكم صدام علاقات نفطية وتجارية قوية وعارضت حرب تحرير العراق من شروره، بل وتسلل عبرها زعماء قاعديون لنشر الإرهاب. وهذه الحقائق إذ تذكر فليس لنكأ جراح الحرب بل لقيام علاقات متينة بين العراق وإيران على أسس المنافع المتبادلة وحسن الجوار وليس بالتدخل الفظ في شؤون الآخر كما يفعل اليوم نظام ولاية الفقيه.
كنت شخصيا أحد "المغيرين للمواقف والإيديولوجيا. فبعد ربع قرن في الحركة الشيوعية تركتها مع احترامي لها ولسائر الحركات والتيارات الوطنية. وحين أكتب اليوم كما قبل سقوط النظام السابق فإنني أكتب بصفة مثقف عراقي حر غير مقيد بالإيديولوجيات ولا بطلب المنافع المادية [نقطة ضوء: لا أعيش من مقالاتي بل من المعونة الاجتماعية الفرنسية، ولا امتلك أي تقاعد رغم وجودي في الوظيفة منذ 1947 كمدرس ثانوية أي قبل تأسيس حزب البعث في العراق". أكتب عند الضرورة من منطلق واجبي الوطني وشعوري بالمسؤولية وأيضا بإلحاح الكثيرين من المثقفين والساسة العراقيين. وبالنسبة لعهد صدام، كنت أتعاون سياسيا وعدت لوظيفتي التي استقلت منها عام 1947 من وزارة التربية لأسباب سياسية. وقد اخترت اليونسكو في باريس لأنني أولا كنت في حاجة لسلسلة عمليات جراحية على عين أصابها التعذيب وتقتضي العمليات عدة سنوات من فترات، ولأنني كنت مصمما على البعد عن أجواء بغداد الملوثة في منظمة ثقافية والثقافة كلما أملك، ومنها انتقلت للسياسة العراقية ذات المطبات الكثيرة لأعود مكرسا ما بقي لي من طاقة لخدمة البلد وشعبنا بالكتابة بما يمليه الضمير. وخلال التسعينات وبعد خروجي من الوظيفة غيرت تقديراتي عن حكم قاسم مرات وفي القضية الفلسطينية جذريا، واستفدت من عشرات المؤلفات والكتاب العراقيين في المراجعة والتصحيح. وكل هذا مذكور في آخر كتبي "شهادة للتاريخ" الصادر قبل ثلاث سنوات وحيث حللت سيرتي السياسية بروح النقد الذاتي الصارم لحد أن بعض الكتاب الوطنيين اعتبر ذلك جلدا غير مبرر للذات. وفي موضوع غزو الكويت كنت قبل وقوعه قد حذرت قيادة صدام في عدة رسائل خاصة لها من الانزلاق للحل العسكري وقد نشرت نصوص بعض تلك الرسائل. ورغم اضطراري كممثل للعراق لتبرير الموقف الرسمي في المحفل الدولي، فإنني أرسلت لهم أكثر من عشر رسائل واضحة أناشدهم فيها الانسحاب بشرف والتجاوب مع مبادرات الملك حسين وميتران وطلب مدير اليونسكو العام للتدخل بنفسه في محاولة لحل القضية سلميا. وكان صدام يعتقد وللنهاية بأن أمريكا لن تجرؤ على الحرب خوفا من عواقب كفيتنام!! مع أن الدلائل كانت تؤكد وقوع الحرب. وأعتقد أن من أحزاب العراق وشخصياته السياسية من وقعوا خلال ذلك العهد وبعده في أخطاء هي أضعاف أخطائي والأكثر خطورة. منهم القليل من راجعوا مواقفهم والغالبية ظلوا لحد اليوم صامتين عن أخطاء أمس!
قبل حوالي ثماني سنوات نشرت في صحيفة "الحياة" مقالا بالعنوان أعلاه نقدا للغة المهاترات والمغالطات التي يستخدمها كتاب عراقيون في التنفيس عن أحقاد شخصية أو عقد طائفية أو عرقية. وكان كاتب هذه السطور قد تعرض في أوائل التسعينات لسلسة تعليقات من صداميين وغيرهم في التحامل على شخصي. ووصل الحال عام 2000 لأن يصدر عدي صدام في صحيفته (بابل) قائمة أسماء لكتاب ومثقفين عراقيين في الخارج يصفهم ب"المرتدين" والخونة الذين تجب محاكمتهم. وكان اسمي هو السابع، مما دعا الحكومة الفرنسية لبسط حمايتها الأمنية على شخصي واعتباري لاجئا سياسيا، مشمولا بالحماية الفرنسية. وقد نشرت مؤخرا مقالا عاما في إيلاف عن مرض السجال العراقي المريض الذي يجعل البعض يتهمون كل من ينتقد حزبا إسلاميا أو كرديا بالطائفية أو معاداة الأكراد. وقبل أسبوعين تقريبا نشر الدكتور الباحث المتميز علاء الدين الظاهر مقالا أشار فيه لمقالي في الحياة ولعنوان ذلك المقال. وكان مقاله ردا على كاتب عراقي وصف شخصي ب"خائن الشعب العراقي![ بس!!] وقال له الظاهر "كنت أتمنى لو راجع من يهاجمون الحاج مواقفهم السابقة وأخطاءهم عشر معشار ما فعله الحاج في مقالاته وكتبه، وآخرها كتاب "شهادة للتاريخ" الصادر في لندن عام 2000. وأضيف لذلك حلقات حواري مع إيلاف في العام الماضي، وحيث أجبت على الكثير من الأسئلة عن الوضع العراقي وعن بعض مواقفي زمن صدام. وكان الأستاذ خضير طاهر جريئا كالعادة في أسئلته وقدرت له ذلك. وكانت محطة فضائية الحرة قد أجرت هي الأخرى لقاء آخر معي على حلقتين طويلتين.
إن الحديث عن النفس ثقيل حقا عندي كما لا أحب تكرار ما سبق لي نشره مرارا وتكرارا وإن كان هناك من يقرؤون عمدا بعيون مغمضة من الحقد والحسد معا حيث أن لي ولله الحمد عشرات الأصدقاء من خيرة المثقفين العراقيين والعديد من ساسة العراق ورجال حكمه البارزين، هو ما أعتز به. كما أن معظم مقالاتي في إيلاف قبل الحرب ولحد اليوم يعاد نشرها في المواقع العراقية وعدد من كبريات الصحف الوطنية في العراق. وإذن فلمصلحة من يريد البعض يائسا إسكاتي كما حاول البعثيون على صفحات القدس العربي في التسعينات؟! أية مصلحة تخدم الحملات المتتالية على كتابنا الأحرار؟ ولماذا لا يملا البعض مقالاتهم بغير الشتم والتهاتر لجر موقع إيلاف الأثير لمنزلق مستوى مؤلم من المهاترات كما يأمل هذا البعض؟!
لماذا التذكير بكل هذا يا ترى؟ السبب أن كاتبا عراقيا "خليجيا" وجد من سماحة الأستاذ العمير وسعة صدر إيلاف مجالا للتعريض والغمز بالكثيرين وصولا في مقاله الأخير للتعريض الصريح بي!
كان بودي لو راجع هذا الرجل وأمثاله حلقات إيلاف وكتاب "شهادة للتاريخ" وكتبوا ردا عليها بدلا من تكرار أسئلة عتيقة لفظها وأدانها الكثيرون من الكتاب العراقيين، لا دفاعا عن الحاج بل عن الموضوعية، ولفتا للنظر إلى أن من نصب نفسه إماما لتلقين غيره درسا، فليبدأ بتعليم نفسه ومراجعة مواقفه الصدامية العرقية الطائفية! وعليه ترك توقيعه المتنكر في التعقيبات على الآخرين وأن يكتب بصراحة أكثر مما فعل اليوم باسمه الصريح، تاركا الحكم للعراقيين الباحثين عن كلمة الحق.
إن مجرد نشر مقالات كيفما كان لا يخلق كاتبا حقيقيا، وإن غمز الآخرين باستمرار واستصغارهم لا يشرف أحدا. وعلى الذين لا يجرئون على تمجيد عهد صدام اليوم صراحة أن يكفوا عن التنفيس عن عقدهم المريضة بشتم الكتاب الذين يكتبون عن ذلك العهد بموضوعية وعقلية لبرالية متفتحة، وينتقدون الطائفية والعرقية بكل أشكالهما، ومنهم من نبذوا كل إيديولوجية مغلقة ويعتزون بكونهم اليوم من الكتاب الذين يحترمون كل الآراء الوطنية، والمؤمنين بالحوار الموضوعي في خدمة العراق والحقيقة.
قبل أربع سنوات نشر مثقف عراقي بارز مقالا يرد على من اعتبر تعييني مندوبا لدى "المنظمة الثقافية" في باريس مجرد رشوة وشراء موقف. لقد كتب الصديق إنه لو كان في العراق عند تعيين الحاج 100 مثقف عراقي ذوي وزن لكان الحاج في المقدمة. وهذا من ذاك!!
إن من يراجع تطور الوضع السياسي في عهد حكم البعث، يجد أن كل الأحزاب والتيارات تقريبا ومعظم الشخصيات السياسية قد غيرت مواقفها السياسية، إما لشعورها بالخطأ وإما لأن الظروف السياسية تغيرت. وسبق لفيكتور هيجو أن قال: "إنه لثناء باطل أن يقال عن رجل إن اعتقاده السياسي لم يتغير منذ أربعين سنة. . فهذا يعني أن حياته كانت خالية من التجارب اليومية، والتفكير، والتعمق الفكري في الأحداث.إنه كمثل الثناء على الماء لركوده وعلى الشجرة لموتها."
إن دراسة وقائع التاريخ والأحداث المهمة في حياة الأمم تستدعي التوثيق الأمين وتفكيك المسؤوليات بأمانة ومن موقع تسجيل الحقائق واتخاذ العبر السياسية وليس من باب التعريض وتصفية الحسابات. وهذه مهمة المؤرخين والباحثين المتعمقين. فظاهرة هتلر وغزواته وجرائمه لا تبحث من دون الإشارة للتأييد الشعبي الساحق الذي رفعه للسلطة بالانتخابات وبعد غسل الأدمغة. ولكن الدول الكبرى المنتصرة لم تقدم للمحاكمات غير كبار المجرمين وبدلا من التعريض بالألمان كشعب ووضعهم في قفص الاتهام أطلقت الولايات المتحدة مشروع مارشال لإعادة بناء ألمانيا وفرنسا وأوروبا الغربية عموما. والحرب العراقية ـ الإيرانية حين نلقي مسؤوليتها الكبرى على حكم صدام لإشعاله تلك الجريمة الكبرى لابد في الوقت نفسه تذكر استفزازات الزعماء الإيرانيين الجدد عن "تصدير الثورة" وثم إصرار إيران على مواصلة الحرب ست سنوات اخرى بعد تحرير كافة أراضيها المحتلة وبرغم نداءات مجلس الأمن والمؤتمر الإسلامي وهيئات أخرى.. وحين الحديث عن حكم البعث ولاسيما بعد انفراد صدام بكل السلطة فليس جميع العراقيين الذين كانوا يخرجون للشوارع مهللين قد كان مغلوبا عليهم بل والدوافع العاطفية والدعايات المضللة كانت تغلب على الكثيرين منهم. وهناك أحزاب وهيئات في الجبهة الوطنية وشخصيات تعاونت مع حكم البعث سنوات لأسباب سياسية وأشادت به باستمرار ثم طعنها من الخلف. وهناك من حاربوا الجيش العراقي في صفوف القوات الإيرانية نكاية بالطاغية وجرائمه الشنعاء. وهناك الدول العربية والغربية والشرقية التي ساندت حكم صدام لحد غزو الكويت ومنهم من ظل يسانده كفرنسا مثلا، والمئات من الشخصيات العربية والفلسطينية من يساريين وقوميين جاءوا العراق في السبعينات معتقدين أنه الملجأ الآمن! وأذكر أن السيد فاروق قدومي زار باريس قبيل حرب التحالف ضد العراق إثر غزو الكويت. أخذنا مندوب فلسطين ونحن خمسة مندوبين لليونسكو لمعرفة الوقائع بعد أن كان قد زار بغداد والتقى بصدام ثم جنيف ورافق محادثات بيكر مع طارق عزيز. قال لنا ما معناه إن لدى العراق أسلحة خفية فتاكة جدا وإن أمريكا لن تجرؤ على شن الحرب. عندما ركبت سيارة صديقي الأردني لإيصالي للبيت قلت له بالحرف الواحد: "العراق سيخرب. مادام لنا أصدقاء وأشقاء هكذا يؤيدون إصرارنا على عدم الانسحاب." حتى إيران بعد الحرب وبالعكس من الضحية الكويت الشقيق أقامت في التسعينات مع حكم صدام علاقات نفطية وتجارية قوية وعارضت حرب تحرير العراق من شروره، بل وتسلل عبرها زعماء قاعديون لنشر الإرهاب. وهذه الحقائق إذ تذكر فليس لنكأ جراح الحرب بل لقيام علاقات متينة بين العراق وإيران على أسس المنافع المتبادلة وحسن الجوار وليس بالتدخل الفظ في شؤون الآخر كما يفعل اليوم نظام ولاية الفقيه.
كنت شخصيا أحد "المغيرين للمواقف والإيديولوجيا. فبعد ربع قرن في الحركة الشيوعية تركتها مع احترامي لها ولسائر الحركات والتيارات الوطنية. وحين أكتب اليوم كما قبل سقوط النظام السابق فإنني أكتب بصفة مثقف عراقي حر غير مقيد بالإيديولوجيات ولا بطلب المنافع المادية [نقطة ضوء: لا أعيش من مقالاتي بل من المعونة الاجتماعية الفرنسية، ولا امتلك أي تقاعد رغم وجودي في الوظيفة منذ 1947 كمدرس ثانوية أي قبل تأسيس حزب البعث في العراق". أكتب عند الضرورة من منطلق واجبي الوطني وشعوري بالمسؤولية وأيضا بإلحاح الكثيرين من المثقفين والساسة العراقيين. وبالنسبة لعهد صدام، كنت أتعاون سياسيا وعدت لوظيفتي التي استقلت منها عام 1947 من وزارة التربية لأسباب سياسية. وقد اخترت اليونسكو في باريس لأنني أولا كنت في حاجة لسلسلة عمليات جراحية على عين أصابها التعذيب وتقتضي العمليات عدة سنوات من فترات، ولأنني كنت مصمما على البعد عن أجواء بغداد الملوثة في منظمة ثقافية والثقافة كلما أملك، ومنها انتقلت للسياسة العراقية ذات المطبات الكثيرة لأعود مكرسا ما بقي لي من طاقة لخدمة البلد وشعبنا بالكتابة بما يمليه الضمير. وخلال التسعينات وبعد خروجي من الوظيفة غيرت تقديراتي عن حكم قاسم مرات وفي القضية الفلسطينية جذريا، واستفدت من عشرات المؤلفات والكتاب العراقيين في المراجعة والتصحيح. وكل هذا مذكور في آخر كتبي "شهادة للتاريخ" الصادر قبل ثلاث سنوات وحيث حللت سيرتي السياسية بروح النقد الذاتي الصارم لحد أن بعض الكتاب الوطنيين اعتبر ذلك جلدا غير مبرر للذات. وفي موضوع غزو الكويت كنت قبل وقوعه قد حذرت قيادة صدام في عدة رسائل خاصة لها من الانزلاق للحل العسكري وقد نشرت نصوص بعض تلك الرسائل. ورغم اضطراري كممثل للعراق لتبرير الموقف الرسمي في المحفل الدولي، فإنني أرسلت لهم أكثر من عشر رسائل واضحة أناشدهم فيها الانسحاب بشرف والتجاوب مع مبادرات الملك حسين وميتران وطلب مدير اليونسكو العام للتدخل بنفسه في محاولة لحل القضية سلميا. وكان صدام يعتقد وللنهاية بأن أمريكا لن تجرؤ على الحرب خوفا من عواقب كفيتنام!! مع أن الدلائل كانت تؤكد وقوع الحرب. وأعتقد أن من أحزاب العراق وشخصياته السياسية من وقعوا خلال ذلك العهد وبعده في أخطاء هي أضعاف أخطائي والأكثر خطورة. منهم القليل من راجعوا مواقفهم والغالبية ظلوا لحد اليوم صامتين عن أخطاء أمس!
قبل حوالي ثماني سنوات نشرت في صحيفة "الحياة" مقالا بالعنوان أعلاه نقدا للغة المهاترات والمغالطات التي يستخدمها كتاب عراقيون في التنفيس عن أحقاد شخصية أو عقد طائفية أو عرقية. وكان كاتب هذه السطور قد تعرض في أوائل التسعينات لسلسة تعليقات من صداميين وغيرهم في التحامل على شخصي. ووصل الحال عام 2000 لأن يصدر عدي صدام في صحيفته (بابل) قائمة أسماء لكتاب ومثقفين عراقيين في الخارج يصفهم ب"المرتدين" والخونة الذين تجب محاكمتهم. وكان اسمي هو السابع، مما دعا الحكومة الفرنسية لبسط حمايتها الأمنية على شخصي واعتباري لاجئا سياسيا، مشمولا بالحماية الفرنسية. وقد نشرت مؤخرا مقالا عاما في إيلاف عن مرض السجال العراقي المريض الذي يجعل البعض يتهمون كل من ينتقد حزبا إسلاميا أو كرديا بالطائفية أو معاداة الأكراد. وقبل أسبوعين تقريبا نشر الدكتور الباحث المتميز علاء الدين الظاهر مقالا أشار فيه لمقالي في الحياة ولعنوان ذلك المقال. وكان مقاله ردا على كاتب عراقي وصف شخصي ب"خائن الشعب العراقي![ بس!!] وقال له الظاهر "كنت أتمنى لو راجع من يهاجمون الحاج مواقفهم السابقة وأخطاءهم عشر معشار ما فعله الحاج في مقالاته وكتبه، وآخرها كتاب "شهادة للتاريخ" الصادر في لندن عام 2000. وأضيف لذلك حلقات حواري مع إيلاف في العام الماضي، وحيث أجبت على الكثير من الأسئلة عن الوضع العراقي وعن بعض مواقفي زمن صدام. وكان الأستاذ خضير طاهر جريئا كالعادة في أسئلته وقدرت له ذلك. وكانت محطة فضائية الحرة قد أجرت هي الأخرى لقاء آخر معي على حلقتين طويلتين.
إن الحديث عن النفس ثقيل حقا عندي كما لا أحب تكرار ما سبق لي نشره مرارا وتكرارا وإن كان هناك من يقرؤون عمدا بعيون مغمضة من الحقد والحسد معا حيث أن لي ولله الحمد عشرات الأصدقاء من خيرة المثقفين العراقيين والعديد من ساسة العراق ورجال حكمه البارزين، هو ما أعتز به. كما أن معظم مقالاتي في إيلاف قبل الحرب ولحد اليوم يعاد نشرها في المواقع العراقية وعدد من كبريات الصحف الوطنية في العراق. وإذن فلمصلحة من يريد البعض يائسا إسكاتي كما حاول البعثيون على صفحات القدس العربي في التسعينات؟! أية مصلحة تخدم الحملات المتتالية على كتابنا الأحرار؟ ولماذا لا يملا البعض مقالاتهم بغير الشتم والتهاتر لجر موقع إيلاف الأثير لمنزلق مستوى مؤلم من المهاترات كما يأمل هذا البعض؟!
لماذا التذكير بكل هذا يا ترى؟ السبب أن كاتبا عراقيا "خليجيا" وجد من سماحة الأستاذ العمير وسعة صدر إيلاف مجالا للتعريض والغمز بالكثيرين وصولا في مقاله الأخير للتعريض الصريح بي!
كان بودي لو راجع هذا الرجل وأمثاله حلقات إيلاف وكتاب "شهادة للتاريخ" وكتبوا ردا عليها بدلا من تكرار أسئلة عتيقة لفظها وأدانها الكثيرون من الكتاب العراقيين، لا دفاعا عن الحاج بل عن الموضوعية، ولفتا للنظر إلى أن من نصب نفسه إماما لتلقين غيره درسا، فليبدأ بتعليم نفسه ومراجعة مواقفه الصدامية العرقية الطائفية! وعليه ترك توقيعه المتنكر في التعقيبات على الآخرين وأن يكتب بصراحة أكثر مما فعل اليوم باسمه الصريح، تاركا الحكم للعراقيين الباحثين عن كلمة الحق.
إن مجرد نشر مقالات كيفما كان لا يخلق كاتبا حقيقيا، وإن غمز الآخرين باستمرار واستصغارهم لا يشرف أحدا. وعلى الذين لا يجرئون على تمجيد عهد صدام اليوم صراحة أن يكفوا عن التنفيس عن عقدهم المريضة بشتم الكتاب الذين يكتبون عن ذلك العهد بموضوعية وعقلية لبرالية متفتحة، وينتقدون الطائفية والعرقية بكل أشكالهما، ومنهم من نبذوا كل إيديولوجية مغلقة ويعتزون بكونهم اليوم من الكتاب الذين يحترمون كل الآراء الوطنية، والمؤمنين بالحوار الموضوعي في خدمة العراق والحقيقة.
قبل أربع سنوات نشر مثقف عراقي بارز مقالا يرد على من اعتبر تعييني مندوبا لدى "المنظمة الثقافية" في باريس مجرد رشوة وشراء موقف. لقد كتب الصديق إنه لو كان في العراق عند تعيين الحاج 100 مثقف عراقي ذوي وزن لكان الحاج في المقدمة. وهذا من ذاك!!