فايز شاهين - شفاف الشرق الأوسط
كان الاعتقاد بأن الجمهورية الإسلامية في إيران قد تعدّت مرحلة الصِدام الذي أتى بعد الثورة عام 1979 م. ولكن يبدو أن الأيام تُثبِت لنا أنّ الإيرانيين لم يتعلّموا من دروس الماضي، وتصريحات الرئيس الإيراني بأن إسرائيل يجب إزالتها من الوجود لهو جهل مركب وغباء وحمق سياسي لا نظير له.
إيران يعيش بها أكثر من سبعين مليون إنسان، عانوا على مدى طويل من الزمن في فترة حكم الشاه، وبعد انتصار الثورة حيث الحرب العراقية الإيرانية التي نتيجتها أن قضت على أكثر من مليون من البشر وعدة ملايين من النازحين ودمار يحتاج لأكثر من 500 مليار دولار لإعادة الوضع كما كان عليه.
الإيرانيون الذين كانوا أول ضحايا الحروب وأول ضحايا الديكتاتوريات، كان أملهم أن يعيشوا بسلام ورخاء وحرية. وكانت الثورة هي الأمل في ذلك الوقت. كان عدد الشعب الإيراني لا يزيد عن 35 مليون إنسان مع بداية الثورة، أي نصف عدده الآن، وأكثر من نصف شعبه تحت الثلاثين من العمر. هذا الشعب يعش حالة من الفقر والبطالة، وآخر ما يبحث عنه المزيد من الضغوط الخارجية، سواءً اقتصادية أو سياسية، أو حالة استنفار "لحرب" ربما تقع، فهذا يعني المزيد من المآسي لهذا الشعب المسكين.
الكثير اعتقد أن إيران قد وعت دروس الماضي، وبسبب عدم قدرة الرئيس السابق خاتمي على تنفيذ وعوده السابقة من انفتاح سياسي على الدول الأخرى وحريات وتحسّن في الوضع الاقتصادي الداخلي لأن الرئيس الإيراني لا يحكم، وإنما الإمام علي خامنائي هو الرئيس الفعلي، بسبب ذلك توجّه الناخبون لانتخاب "واحد من الفقراء" كما يُقال، أي ممن يعيش مثلهم. للأسف، فالرئيس الجديد بدأ رئاسته بتصريحات أبعد ما تكون عن الدبلوماسية ومصلحة الشعب الإيراني، وأولها تصريحاته بأن إسرائيل يجب أن تُلغى من الوجود وأنه مع "المقاومة الفلسطينية"، حماس. هذه التصريحات أتت في الوقت الذي يتهم الغرب إيران ببناء ترسانة نووية وتدخّله في الشأن العراقي. وهذه التصريحات صبّت الزيت على النار وأكّدت تخوّف الغرب من التوجّهات الإيرانية.
حكومة نجاة لم تتوقف هنا، بل زادت على ذلك بأن أوقفت عرض جميع الأفلام الغربية التي يطالها سابقاً مقص الرقيب ويتم عرضها في صالات السينما وكذلك في التلفزيون الحكومي بحجة أن هذه الأفلام تحمل أفكاراً وتوجهات منافية للدين وتدعو للتفسخ والانحدار، إلى آخر تلك "الأعذار". وكأن حكومة إيران الجديدة نسخة من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية.
الحماقة ليست في قرار إيقاف عرض أفلام أجنبية في إيران، ولكن التضحية بمصلحة 70 مليون إنسان من أجل قضية خاسرة وليس لإيران علاقةً بها. خاصةً أن الجهة المدعومة، المقاومة الفلسطينية المتمثّلة في حركة حماس كانت أكثر المدافعين عن صدّام وأزلامه ونظامه، وأكثر الشامتين في الشيعة، وكانوا أول من تباكوا على عدي وقصي أبناء الدكتاتور صدّام, ومواقعهم على الإنترنت تطعن في الشيعة باستمرار وتحتفل بقتلهم في العراق وتساند الإرهابيين في العراق. إذاً ما الذي يجعل إيران وهي دولة لها مصالحها، 70 مليون مصلحة، ما الذي يجعلها تضحّي بكل ذلك من أجل "عصابة إرهابية" تحت أعذار غير مقبولة؟
لو أن تركيا، الإمبراطورية العثمانية سابقاً، وشعبها أكثره من المسلمين، لو أنها قالت بتحرير فلسطين، لفهمنا أنها ترغب في إعادة أمجاد الماضي. ولكنها ليست فقط بعيدة عن التاريخ، بل أن لها علاقات مع إسرائيل قوية، من تبادل تجاري وعسكري. لو أن الدول العربية، خاصة الأردن قال بتحرير فلسطين، لقلنا ربما نجد العذر له في ذلك، لأن أكثر من نصف شعبه هم من الفلسطينيين، ولو أن دولاً عربية أخرى حذت حذو ذلك، فمعقول لأن هذه الدول هي التي ضيّعت فلسطين. ولو أن محمود عباس قال ذلك، فأيضاً له حجة بأن "اليهود اغتصبوا" جميع أرض فلسطين، لكن العكس صحيح. الدول العربية لها علاقات مع إسرائيل وتبادل سفراء وسفارات، ولا تخفي ذلك. بل حتى الفلسطينيين يعملوا في إسرائيل وعلاقتهم بإسرائيل لا تحتاج للحديث، فنحن نرى محمود عبّاس كل يوم ينتقد حركة حماس وينتقد العمليات "العسكرية" في إسرائيل لأنها تستهدف الأبرياء وليس العسكريين.
الرئيس أحمدي نجاة يعلم علم اليقين لو أن حرباً اندلعت مع إسرائيل، ستكون إيران الخاسر فيها حتى بدون استخدام صواريخ إسرائيلية نووية. فترسانة إسرائيل من الطيران العسكري المتطور لا يعادله إلاّ ترسانات مشابهة في أوربا وأمريكا. بل أن إسرائيل تعتبر خامس دولة في العالم في تصدير السلاح المتطور في العالم، وتبيع لدول مثل الصين والهند. إيران تعيش حالة من الفقر الشديد ولا يتعدى دخل الفرد سنوياً فيها أكثر من 7 آلاف دولار (تقديرات 2004 م – ترتيبها 98)، بينما يصل معدل دخل الفرد سنوياً في إسرائيل إلى 21 ألف دولار سنويا (ترتيبها 46)، أي ثلاثة أضعاف الدخل الإيراني وهي دولة غير نفطية، وتطمح إسرائيل أن يرتفع دخل الفرد فيها لتكون في العشرة الأوائل خلال عشر سنوات. بمعنى آخر فإن إيران تعتمد اعتماداً كبيراً على بيع النفط حيث أنه لا توجد لديها مصادر دخل أخرى، ولهذا فإيران بتهديداتها المتزايدة خاصةً عندما تتحدث بأنها ستغلق الخليج الفارسي في حالة أي هجوم عليها، لا يزيد الأمر إلاّ من سيء إلى أسوء.
على إيران الآن أن تقوم بترقيع هذه التصريحات، وأن تعود من جديد وتعتذر عن تصريحات رئيسها، وأنه لا يقصد من تلك التصريحات ما تمّ ذكره. وفي اعتقادي بأن ذلك سيتم وستنأى الحكومة بنفسها عن هذه التصريحات، ولكن تلك التصريحات لن يتم نسيانها بسهولة. الشعب الإيراني الذي انتخب أحمدي نجاة على أنّه يمثل الطبقة الفقيرة لينقذها من براثن الفقر، يبدو أنّه أخطأ في انتخابه لهذا "المعتوه"، فهو لا يبدو أنّه سينقذه من الفقر ويقوده إلى الانفتاح والرفاه والحرية، بل العكس من ذلك. وإذا ما ازدادت الأمور تعقيداً، فإن هذا الشعب المسكين لو خُيّر بين الشاه وبين أحمدي نجاة وأشباهه، لاختار الشاه بديلاً، فهو لن يكون بهذا الغباء المركب.
كان الاعتقاد بأن الجمهورية الإسلامية في إيران قد تعدّت مرحلة الصِدام الذي أتى بعد الثورة عام 1979 م. ولكن يبدو أن الأيام تُثبِت لنا أنّ الإيرانيين لم يتعلّموا من دروس الماضي، وتصريحات الرئيس الإيراني بأن إسرائيل يجب إزالتها من الوجود لهو جهل مركب وغباء وحمق سياسي لا نظير له.
إيران يعيش بها أكثر من سبعين مليون إنسان، عانوا على مدى طويل من الزمن في فترة حكم الشاه، وبعد انتصار الثورة حيث الحرب العراقية الإيرانية التي نتيجتها أن قضت على أكثر من مليون من البشر وعدة ملايين من النازحين ودمار يحتاج لأكثر من 500 مليار دولار لإعادة الوضع كما كان عليه.
الإيرانيون الذين كانوا أول ضحايا الحروب وأول ضحايا الديكتاتوريات، كان أملهم أن يعيشوا بسلام ورخاء وحرية. وكانت الثورة هي الأمل في ذلك الوقت. كان عدد الشعب الإيراني لا يزيد عن 35 مليون إنسان مع بداية الثورة، أي نصف عدده الآن، وأكثر من نصف شعبه تحت الثلاثين من العمر. هذا الشعب يعش حالة من الفقر والبطالة، وآخر ما يبحث عنه المزيد من الضغوط الخارجية، سواءً اقتصادية أو سياسية، أو حالة استنفار "لحرب" ربما تقع، فهذا يعني المزيد من المآسي لهذا الشعب المسكين.
الكثير اعتقد أن إيران قد وعت دروس الماضي، وبسبب عدم قدرة الرئيس السابق خاتمي على تنفيذ وعوده السابقة من انفتاح سياسي على الدول الأخرى وحريات وتحسّن في الوضع الاقتصادي الداخلي لأن الرئيس الإيراني لا يحكم، وإنما الإمام علي خامنائي هو الرئيس الفعلي، بسبب ذلك توجّه الناخبون لانتخاب "واحد من الفقراء" كما يُقال، أي ممن يعيش مثلهم. للأسف، فالرئيس الجديد بدأ رئاسته بتصريحات أبعد ما تكون عن الدبلوماسية ومصلحة الشعب الإيراني، وأولها تصريحاته بأن إسرائيل يجب أن تُلغى من الوجود وأنه مع "المقاومة الفلسطينية"، حماس. هذه التصريحات أتت في الوقت الذي يتهم الغرب إيران ببناء ترسانة نووية وتدخّله في الشأن العراقي. وهذه التصريحات صبّت الزيت على النار وأكّدت تخوّف الغرب من التوجّهات الإيرانية.
حكومة نجاة لم تتوقف هنا، بل زادت على ذلك بأن أوقفت عرض جميع الأفلام الغربية التي يطالها سابقاً مقص الرقيب ويتم عرضها في صالات السينما وكذلك في التلفزيون الحكومي بحجة أن هذه الأفلام تحمل أفكاراً وتوجهات منافية للدين وتدعو للتفسخ والانحدار، إلى آخر تلك "الأعذار". وكأن حكومة إيران الجديدة نسخة من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية.
الحماقة ليست في قرار إيقاف عرض أفلام أجنبية في إيران، ولكن التضحية بمصلحة 70 مليون إنسان من أجل قضية خاسرة وليس لإيران علاقةً بها. خاصةً أن الجهة المدعومة، المقاومة الفلسطينية المتمثّلة في حركة حماس كانت أكثر المدافعين عن صدّام وأزلامه ونظامه، وأكثر الشامتين في الشيعة، وكانوا أول من تباكوا على عدي وقصي أبناء الدكتاتور صدّام, ومواقعهم على الإنترنت تطعن في الشيعة باستمرار وتحتفل بقتلهم في العراق وتساند الإرهابيين في العراق. إذاً ما الذي يجعل إيران وهي دولة لها مصالحها، 70 مليون مصلحة، ما الذي يجعلها تضحّي بكل ذلك من أجل "عصابة إرهابية" تحت أعذار غير مقبولة؟
لو أن تركيا، الإمبراطورية العثمانية سابقاً، وشعبها أكثره من المسلمين، لو أنها قالت بتحرير فلسطين، لفهمنا أنها ترغب في إعادة أمجاد الماضي. ولكنها ليست فقط بعيدة عن التاريخ، بل أن لها علاقات مع إسرائيل قوية، من تبادل تجاري وعسكري. لو أن الدول العربية، خاصة الأردن قال بتحرير فلسطين، لقلنا ربما نجد العذر له في ذلك، لأن أكثر من نصف شعبه هم من الفلسطينيين، ولو أن دولاً عربية أخرى حذت حذو ذلك، فمعقول لأن هذه الدول هي التي ضيّعت فلسطين. ولو أن محمود عباس قال ذلك، فأيضاً له حجة بأن "اليهود اغتصبوا" جميع أرض فلسطين، لكن العكس صحيح. الدول العربية لها علاقات مع إسرائيل وتبادل سفراء وسفارات، ولا تخفي ذلك. بل حتى الفلسطينيين يعملوا في إسرائيل وعلاقتهم بإسرائيل لا تحتاج للحديث، فنحن نرى محمود عبّاس كل يوم ينتقد حركة حماس وينتقد العمليات "العسكرية" في إسرائيل لأنها تستهدف الأبرياء وليس العسكريين.
الرئيس أحمدي نجاة يعلم علم اليقين لو أن حرباً اندلعت مع إسرائيل، ستكون إيران الخاسر فيها حتى بدون استخدام صواريخ إسرائيلية نووية. فترسانة إسرائيل من الطيران العسكري المتطور لا يعادله إلاّ ترسانات مشابهة في أوربا وأمريكا. بل أن إسرائيل تعتبر خامس دولة في العالم في تصدير السلاح المتطور في العالم، وتبيع لدول مثل الصين والهند. إيران تعيش حالة من الفقر الشديد ولا يتعدى دخل الفرد سنوياً فيها أكثر من 7 آلاف دولار (تقديرات 2004 م – ترتيبها 98)، بينما يصل معدل دخل الفرد سنوياً في إسرائيل إلى 21 ألف دولار سنويا (ترتيبها 46)، أي ثلاثة أضعاف الدخل الإيراني وهي دولة غير نفطية، وتطمح إسرائيل أن يرتفع دخل الفرد فيها لتكون في العشرة الأوائل خلال عشر سنوات. بمعنى آخر فإن إيران تعتمد اعتماداً كبيراً على بيع النفط حيث أنه لا توجد لديها مصادر دخل أخرى، ولهذا فإيران بتهديداتها المتزايدة خاصةً عندما تتحدث بأنها ستغلق الخليج الفارسي في حالة أي هجوم عليها، لا يزيد الأمر إلاّ من سيء إلى أسوء.
على إيران الآن أن تقوم بترقيع هذه التصريحات، وأن تعود من جديد وتعتذر عن تصريحات رئيسها، وأنه لا يقصد من تلك التصريحات ما تمّ ذكره. وفي اعتقادي بأن ذلك سيتم وستنأى الحكومة بنفسها عن هذه التصريحات، ولكن تلك التصريحات لن يتم نسيانها بسهولة. الشعب الإيراني الذي انتخب أحمدي نجاة على أنّه يمثل الطبقة الفقيرة لينقذها من براثن الفقر، يبدو أنّه أخطأ في انتخابه لهذا "المعتوه"، فهو لا يبدو أنّه سينقذه من الفقر ويقوده إلى الانفتاح والرفاه والحرية، بل العكس من ذلك. وإذا ما ازدادت الأمور تعقيداً، فإن هذا الشعب المسكين لو خُيّر بين الشاه وبين أحمدي نجاة وأشباهه، لاختار الشاه بديلاً، فهو لن يكون بهذا الغباء المركب.