الجمعة، أكتوبر 14، 2005

بين العراق و لبنان... تطورات دراماتيكية و تداعيات

راغدة درغام - الحياة
في ضوء التصويت على الدستور العراقي غداً السبت، وفي ضوء التقرير الدولي حول اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري المنتظر تقديمه في غضون عشرة أيام، ستتصاعد وتزداد التفجيرات والاغتيالات والانتحارات الجماعية منها، وربما الفردية، من أجل دب الفوضى لمنع الاستقرار. فهناك شبه شراكة تحالف مبطنة.
عراقياً أولاً، ان التصويت على الدستور العراقي نقطة مهمة جداً في مسيرة الثقة بين العراقيين وفي امتحان ما تبقى من رغبة أو عزم على صون وحدة العراق بدلاً من الانسياق وراء الوعود بتقسيمه لاستفادة أطراف متضاربة تتحارب فيه وعليه وضده زاعمة ان الحرب من أجله وله.
القرار الاقليمي، العربي منه والايراني، حسبما يبدو، هو انجاح الاستفتاء على الدستور. القطب العربي يريد الـ «نعم» السنية للدستور بهدف ترجيح كفة الاعتدال في العراق كاستثمار، ومن أجل اقناع واشنطن بأن عليها الضغط على الداخل العراقي لمنع تسلط ايران على العملية السياسية وعلى المستقبل العراقي برمته. ما توصل اليه بعض قيادات السنة في العراق من تفاهم أو حل وسط مع القيادات الشيعية والكردية أول من أمس يوحي بأن هناك بعداً اقليمياً عربي الهوية في هذا التطور. أما القطب الايراني في التأثير في الحل الوسط فإنه نتيجة دراسة عقلانية تدخل أيضاً في خانة الاستثمار في الاعتدال، عراقياً ومع الولايات المتحدة الاميركية.
الانقسام بين السنة حول الدستور هو «اللغة» الجديدة التي برزت بعد التفاهم على التنازلات والحلول الوسطى وأبرزها التصويت الآن على الدستور بـ «نعم» وادخال التعديلات على الدستور نفسه لاحقاً - إذا لاقت التعديلات دعم الأكثرية اللازمة - بهدف طرح الدستور المعدل مجدداً الى التصويت بعد شهور قليلة.
الاتهامات والتهم المتبادلة غزيرة قد تكون الثقة بين العراقيين قد بلغت أدنى درجاتها لأسباب متفرعة بينها محاولات استعجال الاستفتاء وضمان الـ «نعم» على الدستور بصورة أو بأخرى من جانب أطراف شيعية وكردية. وقد يكون سنة العراق أدركوا ان التصويت، معهم أو من دونهم، كان سيؤدي الى تبني الدستور من دون مساهمتهم وبلا قولٍ لهم الآن أو غداً.
لكن المهم في التفاهم على المشاركة في التصويت ان رسالته موجهة الى الارهابيين والتكفيريين والصداميين بأن لغة الفتنة كسلاح غير مرحب بها وان هناك عزماً على محاولة لم الشمل العراقي وتجنيب العراق التقسيم والتشرذم والتفكيك. المهم ايضاً ان هناك مباركة اقليمية لهذا التوجه وهذه الرسالة وهذا القرار. وهذا مفيد في خضم الاجواء التصعيدية على الصعيد الاقليمي والاستفزازية على الصعيد العراقي الداخلي.
فمسألة الدستور باتت مسألة حيوية لمستقبل العراق بغض النظر عن الأخطاء التي رافقت صياغته والطريقة التي زُج بها الى الاستفتاء بسرعة غير ضرورية وبتواريخ أخيرة مصطنعة. فالدستور اصبح الآن حجر اساس في العملية السياسية برمتها. العراق الآن في حال ضعف يخيّم عليه شبح التفكيك. إذا فشل العراقيون في تبني الدستور الذي يهدف الى تنظيم المرحلة الجديدة وبناء الدولة الجديدة، ان تعميق التفكك سيؤدي الى تقسيم البلاد.
البعض يرى العكس ويعتقد ان فكرة الفيديرالية المقترحة هي تقسيم الأمر الواقع للعراق. لنقل جدلاً ان هذا ممكن. انما ما يجب الاستطراد به هو التفكير من واقع العراق في ضوء الدستور والفيديرالية من جهة وفي ضوء الفراغ الدستوري وعدم وجود نظام سياسي في البلاد من جهة اخرى.
إن الفراغ هو الاخطر لأنه يستلزم إما بقاء الاحتلال لملء الفراغ أو سده على أيادي التمرد المتطرف أو الارهاب أو الأطراف الاقليمية العازمة على استخدام العراق لغاياتها الضيقة ومصالحها الاستراتيجية. وتمكين العراقيين من رسم توجهات البلاد هو الوسيلة للتخلص من كل من الاحتلال ومن الارهاب المستورد الى البلاد. الصراع على السلطة من طبيعة السياسة. لكن غير المقبول للعراق هو التطاول على العملية السياسية لاستغلالها ضد الوعود الديموقراطية للعراق. وهذا ما يحدث بالتأكيد، وتجب معالجته.
بعد غد، سيكون التحدي للذين أرادوا الاستفتاء الآن هو التحدي لنزاهة وعودهم ولصدق مزاعمهم بأن هذا من أجل العراق. هذا استثمار بهم خصوصاً انهم الذين يقولون ان الدستور كتب بأيدٍ عراقية وان الدستور لبنة بناء العراق الجديد وضمان وحدته.
وزير خارجية العراق هوشيار زيباري يرى ان حشد تعبئة سياسية للتصويت يأتي من أجل عزل الارهابيين والمتشددين. ويقول ان ما حدث أول من أمس هو انه للمرة الأولى حصل نقاش صريح وواضح وبحث في كل المحرمات، و «كانت هناك خلافات عميقة، لكن الكل حرص على تقديم التنازلات المؤلمة جداً»، في اشارة الى الشيعة والسنّة والأكراد، وما اتفقوا عليه في ميادين كتابة الدستور النهائي، وموقع الدين في إصدار التشريعات، وشكل الفيديرالية، ومسألة الثروات وموقع كركوك فيها وهوية العراق، ومسألة اجتثاث البعث، خلاصة ما حدث هو الاتفاق على ان «الدستور ككل قابل للتعديل، انما لا بد من البدء من نقطة معينة» حسب تعبير زيباري، على ان تقدم أي تعديلات خلال 4 أشهر ليصوت عليها، فإذا لم تُرفض، يطرح الدستور المعدل على التصويت حوالي منتصف السنة المقبلة.
التصويت، بعد اتفاق الحل الوسط، قد يؤدي بالمعارضين للتصويت الى تصعيد الأعمال ضده بصورة نوعية ما أدى الى اتخاذ قرار اغلاق الحدود وحركة الطيران وإلى حال تأهب للقوات الدولية للمشاركة في ضمان أمن الناخبين وسلامتهم.
رأي زيباري هو ان الدستور ليس بياناً سياسياً وانما مجموعة أسس لتنظيم الدولة، وهو يتوقع ان يصوت الشعب العراقي مع الدستور وان يرمي التكفيريون ثقلهم ضده لتعطيل عملية التصيت. أما إذا رُفض الدستور، يقول زيباري «ستعم الفوضى ويتفكك البلد» ذلك ان «الرابط الجامع هو الوصول الى مواقف نحو أي من العراق نريد ان نعيش فيه والدستور هو اللحمة التي تعطي الكل الشعور بأن له مستقبلاً في هذا البلد».
لا داعي للتفاؤل بمستقبل مزدهر وآمن لعراق موحد بدستور عادل وديموقراطية من دون احتلال أو ارهاب. فالواقع العراقي مخيف جداً ومقلق للغاية، والأخطاء التي ارتكبت في العراق ضخمة ان كانت عبر الغزو والاحتلال أو عبر تغييب المشاركة العربية في التأثير في العراق كما فعلت ايران. انما لا داعي ايضاً لإعاقة عملية من شأنها ان تؤدي الى الخلاص من الاحتلال اذا رافقتها الثقة المتبادلة بين العراقيين والضرورية جداً إذا كان للبلاد ألا تتقسم.
أما الاهتمام العربي بالعراق، والذي جاء متأخراً ولأسباب الخوف من النفوذ الايراني في العراق فإنه سيشكل مساهمة ايجابية اذا كان اهتماماً متماسكاً، وإذا كف عن تقنين نفسه في موازين التصدي للنفوذ الايراني. ان الحاجة ماسة حقاً الى استراتيجية متكافئة ومتماسكة نحو العراق وايران وسورية ولبنان، اقله من الدول العربية الكبرى ذات الوزن المميز والنفوذ الفاعل في المنطقة. إذ أن ترك الساحة للأخطاء الاميركية بات خطيراً للغاية، خصوصاً في عهد ضعف ادارة جورج بوش.
من هنا، فإن مواقف دول مثل مصر والسعودية حيال الملف العراقي كما حيال الملف اللبناني - السوري هي مواقف مهمة في هذه الفترة الانتقالية الحاسمة.
ايران حلقة مهمة في الملفين وقد اتخذت طهران قراراتها الاستراتيجية نحوهما، ومعها سيناريوات وهوامش للأخذ والعطاء. المطلوب هو فكر استراتيجي بالمقابل وسيناريوات عربية مدروسة لمختلف التطورات الآتية الى الساحات العراقية واللبنانية والسورية.
القيادة السورية، كما قال الرئيس بشار الأسد الى شبكة تلفزيون «سي ان ان» قبيل اعلان الحكومة السورية عن «انتحار» وزير الداخلية غازي كنعان، «ليست معزولة حتى الآن». سورية دولة يجب أخذها في الحساب نتيجة نفوذها ودورها الاقليمي، حسب قوله «فنحن أساسيون... ولا يمكن لهم عزل سورية». قال ان «الفوضى أرض خصبة للارهاب» وان العراق المشرذم المفكك يمكن له نشر العدوى في بقع اخرى ولمح الى ان الفوضى في سورية قد تؤدي الى الانهيار والى حرب أهلية.
فحوى رسالته هو ان النظام في سورية هو صمام الأمان ضد الفوضى التي بدورها تشكل ارضاً خصبة للارهاب. وقال ان في حال توصل ديتليف ميليس رئيس اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق في اغتيال رفيق الحريري الى أدلة واستنتاجات تدين سورياً فإنه يكون «خائناً» ويستحق العقاب إما أمام محاكم دولية أو سورية. قال ايضاً انه ليس «رئيساً بالصدفة» وانه ليس غائباً عما يحيط به فيما يحكم غيره البلاد، ووصف نفسه بأنه رجل هادئ لا يهدد «ولا يوجد لدينا في سورية نظام الاغتيالات» مؤكداً انه علم باغتيال الحريري «من خلال وسائل الانباء وأنا في مكتبي».
الهجوم الفاتن عبر الإعلام لن يؤثر في تقرير ديتليف ميليس. ما قد يؤثر به هو موت غازي كنعان، قائد جهاز الاستخبارات السورية في لبنان وحاكمه الفعلي لحوالي عشرين سنة. ما يعرفه ميليس قد يكون مفتاحاً للتعرف عما إذا كان كنعان انتحر أو نحر. وما لا نعرفه هو ما إذا كان كنعان شاهداً حذف نفسه أو حُذف عن الإدلاء بالشهادة حول من تورط في اغتيال الحريري.

ليست هناك تعليقات: