ميشال كيلو - القدس العربي
قدم الأستاذ فاروق الشرع، وزير خارجية سوريا، ردا علي سؤال شغل الرأي العام السوري، الذي أصابه بذهول حقيقي وخوف جدي انتحار وزير الداخلية ورجل الأمن المخضرم اللواء غازي كنعان. قال الأستاذ الشرع إن بعض وسائل الإعلام اللبنانية مسؤولة عن ما اعتبره قتل كنعان، وحمّل ميليس وما يشوب عمله من انتهاك لاتفاقات عقدها مع النظام السوري جزءا من المسؤولية عن ما حدث. يلفت النظر أن انتحار الرجل وضع في سياق خارجي، وأن من كلف بتفسيره وزير الخارجية، الذي أكد أن انتحار كنعان لم يحدث لأسباب تتعلق بالنظام السوري، وأنه لم تكن له أية مشاكل مع هذا النظام، فالأسباب، إذن، خارجية، ردها إلي موقف بعض الإعلام اللبناني منه . هذا التوضيح يطرح التساؤلات التالية: ـ إذا كان محضر لقاء كنعان مع ميليس موجودا، وكان يبرئه من التهم، المالية أساسا، التي وجهت إليه، أما كان يكفي نشر هذا المحضر لإسكات بعض الإعلام اللبناني الكاذب ورد الاعتبار للمسؤول السوري الكبير؟ لماذا لم ينشر اللواء نفسه المحضر المذكور، رغم أنه كان يعرف ما فيه، ويعرف أن أحدا لن يعاقبه لأنه سيكون قد غادر دنيانا إلي دار الحق، ويعرف كذلك أن ميليس سيؤكد براءته وسيبيض صفحته؟ هل أحجم عن نشر المحضر، لأن سورية التزمت خارجيا أن لا تنشر شيئا عن التحقيق، أم لأن ثمة قرارا داخليا يحظر ذلك؟ ـ هل قتل اللواء كنعان، وهو من هو في عالم الأمن والإعلام والصراعات السياسية، نفسه لأنه لم يجد لديه القدرة علي الصبر عشرة أيام أخري تفصله عن صدور تقرير ميليس، الذي يثق كل الثقة، كما قال هو نفسه، أنه سيبيض صفحته وسيرد علي تهم الفساد المالي الموجهة إليه، باعتبار أنه ليس متهما بقتل الحريري، صديقه وشريكه في إدارة لبنان وفي الموقف من الرئيس لحود؟ أليس غريبا أن رجلا مثله لديه وثائق رسمية تثبت براءته، أعلن في حديث إذاعي حي أنها بحوزته، بمعني أن أحدا لا يستطيع تزويرها أو تغييبها عن الرأي العام، ينتحر، وأن زميله وزير الخارجية يبرر انتحاره بحجة واهية هي أن بعض الإعلام اللبناني ظلمه؟ أم أنه كان شخصا ضعيف الشخصية ومحدود القدرات إلي درجة جعلته يقتل نفسه، رغم وجود وثيقة بحوزته تثبت كذب بعض الإعلام اللبناني ، يعرف أن نسخة منها ستذاع خلال أيام بصورة رسمية وعلي لسان ناطق يتحدث باسم مجلس الأمن الدولي؟ ليس حديث الأستاذ الشرع مقنعا. ثمة حاجة إلي قول حقائق مقنعة حول حدث جلل غيب أحد أهم أركان النظام السوري في لحظة مفصلية من تاريخ سورية الحديث، فلا يجوز أن تبقي أسباب غيابه دون توضيح أو تفسير، وإلا كانت مناسبة أخري للتخمين والتنجيم وإثارة البلبلة والشك لدي الرأي العام الوطني والعربي، ولا يجوز أن يبقي النظام صامتا حيال أسباب انتحار الرجل وعليه استغلال الفترة القصيرة جدا، التي تفصلنا عن تقرير ميليس يوم 21 أو 25 من الشهر الجاري، وهي فترة تقل عن أسبوعين، لإخبار مواطنيه بأسباب إقدام كنعان علي قتل نفسه، كي لا يكون التقرير، في حال تضمن حقائق تدين اللواء وتتخطي المسائل المالية، ضربة قاصمة للسياسة السورية، ولا يبقي لغز الانتحار غامضا وبلا تفسير، في حال برئ المنتحر، لأن الناس ستضرب عندئذ أخماسا بأسداس حول سبب غيابه، وستكون نهبا لأنواع جديدة من الشائعات، أين منها الشائعات الرائجة بكثافة في الشارع السوري اليوم!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق