راشد عيسى - السفير
من الصعب العثور على نزار قباني في مسلسله الذي يعرض حالياً على قناتيْ <<دبي>> والأرضية السورية. فحين تضيق السبل بمشتغلي العمل، يجدون طريقة ما في العثور على وسامة تلفزيونية لنجم بإمكانه أن يطيّب الخواطر إلى حد، ولكن ذلك لن يستمر إلى النهاية. فبعد مرور أكثر من نصف المسلسل أصبح من حقنا أن نسأل: ماذا يفعل هذا الشاب هنا؟ لا لعلة فيه، بل لوضع درامي جعل منه، في مسلسل يحمل اسم شخصيته، مجرد مستمع لا حول له. هذا ما كان عليه في الفترة المصرية من سير المسلسل، حين تحوّل إلى مستمع لمحاضرات السفير السوري في مصر (أدى دوره جمال قبش)، وما لبث أن صار مستمعاً أيضاً إلى محاضرات أخرى ألقاها عليه السفير السوري في تركيا (طلحت حمدي). لعل هذا ما يحدث عندما تغيب المادة الدرامية الأساس، وهي في حالة نزار قباني أو سواه تستقى من شخصيات عاشت معه أو بالقرب منه، كيف ذلك والحال على ما هي عليه من خصام وقرصنة؟ بغياب الدراما والحدث، لا مناص من مقاطع شعرية أو سردية من حياته يمليها الممثل على مسامعنا، وأخرى من محاضرات لكبار الساسة، فما الذي يبقى لنزار غير ذلك كي يقوله؟ وماذا بوسعه أن يفعل غير التبختر أمامنا بهالة من السجائر والدخان كما لو كان رأفت هجان سورياً؟ حضور السياسة والتاريخ في العمل لم يكن حضوراً مفتعلاً وحسب (فليس كل حدث مرّ في حياته جديراً بالتسجيل، إلا إذا كان البطل فاعلاً أو متأثراً بشكل واضح)، لقد كان حضوراً مزوراً أيضاً، لنقل إنه ملحوظ من وجهة نظر لن نغامر إذا وصفناها بوجهة النظر البعثية. فكل من مرّ قبل تاريخ تسلم البعث للسلطة سيبدو غير ذي نفع (سبق للمخرج باسل الخطيب أن قدم <<هولاكو>> من وجهة نظر بعثية). لا يصح، من وجهة نظر درامية على الأقل، أن يجري تناول حسني الزعيم بهذه الطريقة الكاريكاتيرية، أما مهزلة المهازل فكانت في الشتيمة التي وجهت إلى واحد من أبرز صانعي تاريخ سوريا، حين سخر المسلسل منه بالقول إن أكرم الحوراني، وهو الاشتراكي: صاحب مسرحية توزيع الأراضي على الفلاحين في مدينة حماه، بينما وزع أراضي الجزيرة السورية على أقاربه. لا نعرف سبباً درامياً لهذه العبارة، وأي علاقة لها بحياة نزار. يمكننا أن نتوقع تزويراً كهذا فقط حين يكتب واحد مثل قمر الزمان علوش، لكنه لا يدري أن الشخصية الإيجابية الوحيدة من أهل السلطة، عادل أرسلان وزير الخارجية في عهد حسني الزعيم بدا كما لو كان علي عقلة عرسان. لا يعرف علوش نموذجاً آخر للشخصية الإيجابية. لم يفتْه أيضاً مقاربة الأزمة الراهنة في العلاقات اللبنانية السورية ليسوق كلاماً على لسان وزير الخارجية أرسلان، من قبيل إن ثمة جهات في لبنان تحاول استغلال أي حدث للإساءة إلى سوريا. في شروط الفضائيات العربية يصعب أن يشكل نزار قباني شخصية تلفزيونية، ذلك أن جوهر شخصيته كمبدع وشاعر هو في خرق حجاب العري.. فهل يصح أن يقدم المسلسل أكثر قصائده تحجباً؟ ومن جهة أخرى، من يجرؤ على إعلان قصائده ومعاركه في السياسة، مثلاً: هل يستطيع مسلسل باسل الخطيب أن يكون جريئاً في إعلان علاقته مع السلطة السورية في الثلاثين عاماً الأخيرة كما كان <<مقداماً>> في التجرؤ على ما قبلها؟ إن العمل، حتى وهو ينصاع لكل شروط الرقابة، لم يستطع أن ينجو من الرقابتين السورية والإماراتية، فعلى الشاشة السورية حذفت عبارة تقول: <<إن وزير الدفاع كان شريكاً لتاجر يهودي من بيت (آل) طوطح، ولما صار وزيراً لم يقطع علاقته به، بل ما زال شريكاً له في شركة سيارات أميركية، وحين طلب أحد النواب فتح تحقيق بالموضوع أسكتوه>>. أما في <<دبي>> فحذف كلام للسفير المصري مع هيكل حول مؤتمر القمة العربية و<<مقررات على الورق بسبب الدول العربية المشغولة بنفسها>>، ويروح يعد تلك الدول ف<<اليمن وجودها وعدم وجودها واحد، والحكومة السورية ترى أن إلقاء الخطب الحماسية يغني عن أي عمل>>، ويمضي في انتقاد السعودية ولبنان ومصر والعراق.