المحرر العربي
قبل سنوات كتب رئيس تحرير «المحرر» مقالاً أثار ضجة كبرى تحت عنوان «ظاهرة عربية اسمها أولاد المسؤولين». وقد لاقى المقال صداه البعيد، وكان له وقع عظيم الخبر والأثر. فقد أوصل لمن يجب ما يجب. أشعر من يهمه الأمر بالأمر. وبدأت رحلة التغيير بتغييب من كان مطلوباً إزاحته وسحبه من التداول..؟. يومذاك علق الكثيرون على التغيير القادم ورجاله الجدد آمالاً عريضة.. وها هم الذين شاركوا في اللعبة يعضون الأصابع..؟ اليوم تتكرر ظاهرة أولاد السلطة على نحو أشد وتستفحل. إنها تزداد اتساعاً، طولاً وعرضاً وعمقاً، ويتحدث عنها الناس علناً بعد أن ظلت لزمن حديث الهمس. أولاد السلطة، الاشتراكية المنشأ والمنبت والفكر والشعارات لئلا ننسى، أولاد السلطة هؤلاء اشتراكيون أمناء. إنهم يفهمون الاشتراكية على أنها مشاركة المجتمع في كل المرافق.. إنهم من فرط ذكائهم الاشتراكي يفهمون في كل شيء، ويقبضون بأيديهم، الطويلة بسلطة آبائهم أو أقربائهم ذوي الصولجان، على كل الموارد! يفهمون في الخليوي فيخلو لهم الجو، وتبيض لهم حماماته ذهباً.. يفهمون في الأسواق الحرة فتمتلئ بها جنبات الحدود لتسرق مواردُها مواردَ الدولة وأرباحُها أرباحَ التجارة الشرعية اللاقدرة لها على الاعتراض. يفهمون في النفط.. فينفطونه ولات ساعة منفط لنافط منفوط يستنفط ما بباطن الأرض وما على ظهرها..؟ يفهمون في الصحافة ولو كانوا أميين، وفي الإعلان ولو كانوا مجرد وسطاء لا يعرفون غير العمولة. آه ما أسرع الوصول بالعمولة إلى مراتب كبار رجال الأعمال من دون جهد ولاعمل.؟!! يفهمون أكثر في المشاركة والمحاصصة والمقاسمة: مشاركة كل صاحب مشروع مجز أو وكالة ذات ربح.. محاصصة كل صاحب عمل ورزق.. مقاسمة كل ذي دخل وافر. أخيراً مناصفة السُرّاق في كل المرافق. إنهم يفهمون في التهرب والتهريب. يفهمون في كل ما يتصل بالقطاع الخاص عظيم الربح، وقد أصبح عنوان المرحلة البديل من الاشتراكية التي أدت وظيفتها في فقار أغنياء الجهد والوراثة لتُغني دعاتها، فهم يستولون على المكتسب والموروث، أما القطاع العام الاشتراكي، وقد صار عبئاً، فيتركونه للأجراء الجدد يرتزق منه من يرتزق ويحمل الشعب ما تبقى من عبئه ويدفع خسائره..؟!أولاد السلطة الجدد، وبعضهم عتيق قديم مستمر متجدد، يعرفون من أين تؤكل الأكتاف كلها: كتف المواطن.. وكتف الدولة.. وكتف العلاقات.. وكتف لبنان.. أخيراً: كتف العراق بملياراته المنقولة وقضيته القومية التي يطيب فيها القبض والدفع باسمها وتحت ستارها، وما زال كتف العراق يؤكل. ما زالوا يأكلونه، وتستمر القضية ما استمر القبض والدفع من حقوق شعب يتناهبه الجميع: بعض أهله هناك وبعض جواره، هنا وهناك وهنالك..؟ يعرفون ما يريدون من الدولة فيأخذونه عبّاً غبّّاً ويرضى الناس اللا حيلة لهم بقسمتهم الضيزى غصباً. هنا يتذكر الناس مقولة العامة: اليد التي لا تستطيع قطعها قبّلها وادع عليها بالكسر..! يعرفون ما يتطلع إليه الآخرون من فتات المصالح والمنافع والخدمات فيشاركونهم فيه أيضاً بالحماية.. ويرضى الآخرون ممن لا حيلة لهم غير الرضى، اضطراراً وحباً. يعرفون كيف يستخدمون الناس بنظام السخرة، ويرمون بهم بعد أن يكونوا قد استهلكوهم واستنفدوهم وعصروهم عصراً، وشعارهم في سلوكهم ما تقوله العامة في توصيف هذه الحالة عجيبة الذل: بوسوا إيدنا، والحسوا قفانا وكلوا في بيوتكم. أي إنهم يتفضلون عليك بخدمتهم ويمنحونك شرف الانحناء أمام سلطانهم عظيم السطوة عظيم الجشع عظيم الجهل والغطرسة، ثم يسمحون لك بأن تأكل في بيتك، هذا إذا أبقى لك السُرّاق النَهَبَةُ بيتاً تأكل فيه، أو مصدر رزق يحررك من الحاجة إليهم..؟أولاد السلطة الاشتراكية اشتراكيون أمناء صادقو الإيمان بالاشتراكية. إنهم يشاركون الناس في كل شيء.؟ أولاد السلطة هم أولاد السادة الجدد الذين أوصلهم طريق الاشتراكية إلى الرأسمالية، أما المواطن المستباح فمن أبناء الجواري الذين أخذت منهم الاشتراكية حق الحياة والكرامة وقذفت بهم إلى قارعة الطريق يتسولون حق المواطنة. المواطن العادي يرفع يديه إلى السماء بهذا الدعاء: اللهم اجعلنا من أولاد السُلْطَة بلحمها وخبزها وخيرها، برزقها الوافر وتخمتها وأسواقها الحرة وأموال العراق المنهوبة.. اللهم ولا تجعلنا من أولاد السَلَطَة بحشائشها وبصلها وفجلها وشحّ زيتها وقلة خيرها ومآل جوعها وتخمتها من الشعارات والأحلام والنفاق.. عفواً. نسينا إسرائىل، فلولاها لما أصاب الشعب ما أصابه. لنشتمها إذن ولنرفع راية الكفاح العظيم نغطي بها حالة السفاح العظيم..