سركيس نعوم – النهار
اعرب مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط ديفيد ولش وبعد لقاء مع الرئيس المصري حسني مبارك في القاهرة قبل يومين عن "قلق" الولايات المتحدة لتصرفات سوريا في الشرق الاوسط ولفت الى ان نظام الرئيس بشار الاسد لا يستجيب الدعوات لتغيير سلوكه في العراق ولبنان والاراضي الفلسطينية. ونقلت عنه الوكالات العالمية للانباء بعد ذلك كلاما يصب في الاتجاه نفسه نصح فيه الحكومة السورية بعدم التورط في امور كهذه. لكنه بدا يائسا من امكان استجابتها هذا النصح اذ قال: يبدو ان المسؤولين فيها لا يستمعون وان هذا السلوك لن يتغير.
طبعا ليس هذا الكلام الاميركي على سوريا جديدا. الا انه يبقى مهما لانه يوحي ان الموضوع السوري هو مدار بحث ومناقشة مستفيضين بين الولايات المتحدة ومصر ولانه يأتي بعد موجة من الاخبار والتحليلات العربية والاجنبية التي تشير الى ان تحركا عربيا معينا وتحديدا مصريا سعوديا بدأ منذ مدة هدفه ترتيب العلاقة المتدهورة بين دمشق وواشنطن او بالاحرى محاولة ترتيبها وخصوصا بعدما صارت العاصمتان قاب قوسين او ادنى من المواجهة المكلفة والصعبة جدا.
هل من جديد عن هذا الموضوع علما ان ما كتب عنه في الاسبوعين الماضيين كثير جدا؟ وكيف ينظر الاميركيون اليه؟
يقول احد الاميركيين الذين تعاطوا مباشرة وعلى مدى 13 او 14 سنة ملف العلاقة السورية الاميركية ولا يزالون يتابعونها عن قرب، ان سوريا بشار الاسد طلبت من المملكة العربية السعودية ومن مصر مرات عدة في الماضي غير البعيد التوسط بينها وبين اميركا وتحديدا ادارة الرئيس جورج بوش بغية ازالة الالتباسات والاشكالات التي تحولت مشكلات ذات عواقب صعبة. ويقول ايضا ان الجوابين المصري والسعودي ركزا ان على سوريا اتخاذ سلسلة مواقف وتنفيذ مجموعة من الاجراءات كي يصبح التوسط ممكنا او بالاحرى كي ينجح. اول هذه المواقف والاجراءات التوقف التام عن التدخل في لبنان. وثانيها عدم السماح للمتطرفين الاسلاميين بالانتقال من لبنان الى العراق لمقاتلة الاميركيين والنظام فيه عبر الاراضي والحدود السورية. وثالثها بدء عملية "تسريح" المقاومة الاسلامية التابعة لـ"حزب الله" والمتمركز معظمها في جنوب لبنان. ورابعها التوقف عن دعم التيارات والحركات الفلسطينية المتطرفة اسلامية اصولية كانت او وطنية او قومية. وخامسها سحب مقاتلي "حزب الله" اللبناني الموجودين في جنوب العراق او السعي لسحبهم. ويقول ثالثا ان الوسطاء بين سوريا واميركا وفي مقدمهم المصريون والسعوديون ابلغوا الى الرئيس بشار الاسد عدم وجود اي مشكلة خاصة او شخصية بين الرئيس الاميركي وبينه ومع سوريا وابلغوا اليه ايضا ان اي مشكلة من هذا النوع لن تنشأ اذا استجاب الطلبات الخمسة المذكورة اعلاه. ويقول رابعا ان المحاولة الاخيرة للتوسط بين دمشق وواشنطن والتي بدأتها القاهرة والرياض اجهضت قبل انطلاقها. وكان لهذا الاجهاض سببان. الاول، عندما ارسلت القيادة السياسية السورية العليا او عندما سمحت بارسال الجهات الفلسطينية المتحالفة معها الى لبنان ربما بغية استعمالها لمواجهة "لبنان الجديد" الذي يتكون وكذلك لمواصلة المواجهة مع اميركا. والثاني، تحول الجماعة المنتمية الى "حزب الله" اللبناني والموجودة في جنوب العراق الى الفعل والنشاط بعدما كانت اكتفت سابقا بالوجود من دون التدخل في العمل العسكري. هذان السببان، يضيف احد الاميركيين الذين تعاطوا مباشرة ملف دمشق وواشنطن او اشتغلوا على الخط بينهما لسنوات طويلة اغضبا السعودية التي اعربت عن جزء من هذا الغضب عندما اتهمت صراحة ايران الاسلامية بالتدخل في جنوب العراق. واغضبا في الوقت نفسه مصر والسلطة الوطنية الفلسطينية ومعهما اسرائيل. واسرائيل كما يعرف الجميع في العالم كله هي الاكثر تأثيرا في اميركا وخصوصا عندما يتعلق الامر بأمنها ومستقبلها وكذلك بسوريا ونظامها ومستقبلها.
الى اين وصلت "الوساطات" العربية بين سوريا واميركا؟ وهل تخوف السوريين من وجود قرار اميركي بالعمل لتغيير النظام في بلادهم او بالسعي الى تغييره في محله؟
قيل الكثير عن تغيير النظام في وسائل الاعلام الاميركية والاوروبية والعربية، يجيب المتابع سابقا مباشرة وحاليا مداورة ملف دمشق - واشنطن. الا ان هذا الموضوع لم يطرح على طاولة البحث اطلاقا وخصوصا ما يتعلق باجراء تغيير من داخل. وهو لن يكون موضع بحث رغم اليأس من النظام او من سياساته وممارساته الذي يشعر به الاميركيون. كما ان دعمه لاستعادة القوة بعد طول وهن ليس مطروحا بدوره ولاسيما في ظل تمسكه بسياساته ومواقفه. وما تناوله البحث، يوضح "المتابع" نفسه في الاشهر القليلة الماضية او ربما الاسابيع كان طريقة اقناع الرئيس بشار الاسد بالقيام بتغيير داخلي يبعد عن السلطة المسؤولين الذين ارتبطت اسماؤهم بقضايا ومشكلات عدة متنوعة. الا ان احدا لم يهتد الى طريقة كهذه اذ بدت لواشنطن استحالة هذا النوع من التغيير لاسباب عدة. وقد تؤدي الاستحالة الى محاولة اقناع قاعدة النظام بالسعي الى ترتيب الاوضاع لان الامتناع عن ذلك يؤذيه ويؤذي سوريا ويؤذي المنطقة والعالم وهو غرق سوريا في الفوضى والفتن او اتجاهها نحو التيارات الاصولية المتطرفة. وهذا الاذى تعترف به وتخاف منه المنطقة كلها من اشقاء او اصدقاء واعداء ومعها المجتمع الدولي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق