مارك غوبن - الحياة
أصبح الدين المنظم، في السنوات الأخيرة، متنفساً للعقائد السياسية الأكثر تطرفاً في العصر الحديث. ويصيبنا بالرعشة التقاء التطرف الديني الأعمى والعقائد العنصرية والتعطش الفعلي للدم. لكن علينا الحذر، فالانطباعات يمكن أن تكون مخادعة في عالمنا الحديث. وليس من المبالغة بشيء الإشارة إلى مقدار القوة الهائلة التي تتمتع بها الأشكال المختلفة للإعلام الجماهيري وتأثيرها على ما نظن أنه يتحكم بحياتنا اليومية وثقافاتنا. إلا أن الحقيقة قد تكون مغايرة. فالغالبية الساحقة من الناس ما زالوا يظنون أن أديانهم في جوهرها سلمية، كما أن غالبية الناس يؤمنون، عند طرح السؤال عليهم، بحلول وسطية عقلانية لأكثر القضايا السياسية التي تواجه الشرق الأوسط تعقيداً. لكن يبدو أن التكنولوجيا أغدقت على المتطرفين سلطة هائلة لإرهاب معظم بني البشر بقوة المواد المتفجرة.
في جو الخوف وعدم الثقة هذا هناك أمر واحد له تأثير على تطوير العلاقة بين الغرماء، وهو قدرة اللفتات التي يتم الإعراب عنها عبر الحضارات. فما نفعله هو ما يعرّف بنا إلى حد كبير، والجميع ينتظرون فرصة وجود مساحة من عدم الوضوح بين الغرماء لملئها بالأفعال.
وللأسف فإن معظم تلك المساحات يملأها المتطرفون بينما يقبع بقيتنا أسرى للصمت والدهشة والوجل. هذا ما لا يجب أن تكون عليه الحال.
عندما وقفت العام الفائت أمام ثلاثمائة من المثقفين الدمشقيين المُعتدّين بأنفسهم، الذين وجهوا لي أسئلة صعبة عن أميركا وإسرائيل في مركزهم الثقافي الرئيسي، مكتبة الأسد، بينما كانت كاميرات تلفزيونهم الوطني تدور، وبحضور كبار صحافييهم البعثيين، كنت أدرك أن كل كلمة أتفوه بها في ذلك الخطاب، وخلال تسعين دقيقة من الأسئلة والأجوبة، يسهل تشويهها. لذلك اخترت أن أوجه أكثر من لفتة احترام أكدت من خلالها على النواحي المرنة لثقافة سورية الضاربة في التاريخ، والإمكانية الهائلة المتاحة لها للنهوض مرة أخرى لتبؤ مركز ثقافي عالمي في ما لو تحركت باتجاه مجتمع ديموقراطي مفتوح.
وكلما ازدادت إيجابية حديثي عن ثقافتهم، ازداد صدقي حول إخفاق جميع الحكومات والقوى العسكرية، بما فيها حكومتي، وتحول ذلك العرض الذي قدمه بعض الحاضرين في محاولة منهم لإضفاء صفة الشيطان على بلدي إلى محتوى أجوف وخارج المزاج الإيجابي الذي طغى على المكان في ذلك المساء الذي قضيته معهم. إنها تلك اللفتة التي ذهبت من خلالها إلى حضارتهم والوقوف وحيداً أمامهم، بما يحمله الأمر من مخاطرة شخصية، والتي حرّكت مشاعر هؤلاء الناس وأحال بعضهم إلى أصدقاء أعزاء لي. ومنهم فاقدو القدرة، مثل معظمنا، تجاه إجراء تغيير سريع في سياسة بلدهم.
إذا كنا نحن الذين نعيش في ديموقراطية غير قادرين على محاربة التطرف، يستطيع المرء أن يتخيل كيف يشعر هؤلاء الذين يعيشون في دول غير ديموقراطية. لكن لفتات مؤثرة تستطيع التغلب على الفجوة الفاصلة وقادرة على تمكين الناس على جانبي الحدود الفاصلة بين «الأعداء» لزرع بذور تسويات مستقبلية. وقد ضمّت مفاتيح النجاح هنا إنصاتا صابرا لا نهاية له، حتى أمام ادعاءات عنيفة، وتصميم عنيد على احترام الأفضل في حضارة عدو، والاستفادة إلى أقصى حد ممكن من ثقافة حوار يمكنها أن تحل محل ثقافة إضفاء الشيطنة على الغير. هذا ما تحتاجه إسرائيل وفلسطين اليوم، وبأسلوب يستطيع التواصل مع عدد كبير من الناس على الطرفين، وليس فقط أصحاب الإمتيازات والمثقفين. هذا ما يحتاجه الشرق الأوسط برمّته. فنحن بحاجة إلى العديد من اللفتات على جانبي الحدود، ما يكفي للبدء في إيجاد نقطة تحول لصالح العلاقات الإنسانية، كما قال مالكولم غلادويل، مثل تلك التي حققناها في أيرلندا، والتي أرست قواعد المفاوضات السياسية حول مصالح حيوية.
فمعظمنا مرتعب من التفجيرات الانتحارية وقطع الرؤوس الذي يقوم بها المتطرفون الذين يطوفون العالم متستّرين بالدين. نحن نعلم من الدراسات في مجال علم النفس الاجتماعي أنه من السهل، إلى حد يثير الدهشة، تحويل أناس ميسورين ومثقفين إلى مرتكبي تعذيب باستخدام شخصيات لها سلطتها وتأثيرها. كما نعلم أن معظم المفجّرين الانتحاريين مثقفون وغير فقراء. فرجال الدين المتطرف,ن استطاعوا أن يؤثروا على عقول الكثير من المهمشين، ولكن بإمكاننا مواجهة هذا العمل بخلق تحالف استراتيجي جديد. يتوجب على المتدينين وغير المتدينين أن يتحلوا بالشجاعة الكافية للاتصال ببعضهم بعضاً لإيجاد حلف جديد بين الدين السمح المعتدل ومؤسسات الدولة الرئيسية الديموقراطية والتي تنادي بسيادة القانون. يجب أن يُنظر إلى الدولة على أنها مكان يُرحّب ويحترم الدين دون أن تستسلم في الوقت نفسه للاعتداء الديني السياسي. هذا يمكن تحقيقه من خلال العمل الجاد، وهو أمر ضروري لمستقبل الدولتين، فلسطين وإسرائيل، إضافة إلى معظم أنحاء العالم اليوم.
الخطر المتستّر بالإسلام يعبر عن نفسه على شكل عنف متطرف مضاد للدولة، لكن الخطر المتستر باليهودية والمسيحية والهندوسيّة يأتي على صورة استخدامات استغلاليّة لهياكل الدولة من أجل أهداف متطرفة. في جميع الأحوال لا يوجد سوى سبيل واحد نحو المستقبل، وهو تحالف بين الشعوب، متدينين وغير متدينين، والذين يمكن لهم أن يصنعوا معاً القيم الديموقراطية غير العُنفيّة التي يشتركون فيها. هذا، إضافة إلى أساليب شجاعة للتواصل مع الآخر على جانبي الحدود، يشكّل معادلة رابحة ستقوّي العلاقات السلمية الديموقراطية بين الشعوب وداخلها.
أصبح الدين المنظم، في السنوات الأخيرة، متنفساً للعقائد السياسية الأكثر تطرفاً في العصر الحديث. ويصيبنا بالرعشة التقاء التطرف الديني الأعمى والعقائد العنصرية والتعطش الفعلي للدم. لكن علينا الحذر، فالانطباعات يمكن أن تكون مخادعة في عالمنا الحديث. وليس من المبالغة بشيء الإشارة إلى مقدار القوة الهائلة التي تتمتع بها الأشكال المختلفة للإعلام الجماهيري وتأثيرها على ما نظن أنه يتحكم بحياتنا اليومية وثقافاتنا. إلا أن الحقيقة قد تكون مغايرة. فالغالبية الساحقة من الناس ما زالوا يظنون أن أديانهم في جوهرها سلمية، كما أن غالبية الناس يؤمنون، عند طرح السؤال عليهم، بحلول وسطية عقلانية لأكثر القضايا السياسية التي تواجه الشرق الأوسط تعقيداً. لكن يبدو أن التكنولوجيا أغدقت على المتطرفين سلطة هائلة لإرهاب معظم بني البشر بقوة المواد المتفجرة.
في جو الخوف وعدم الثقة هذا هناك أمر واحد له تأثير على تطوير العلاقة بين الغرماء، وهو قدرة اللفتات التي يتم الإعراب عنها عبر الحضارات. فما نفعله هو ما يعرّف بنا إلى حد كبير، والجميع ينتظرون فرصة وجود مساحة من عدم الوضوح بين الغرماء لملئها بالأفعال.
وللأسف فإن معظم تلك المساحات يملأها المتطرفون بينما يقبع بقيتنا أسرى للصمت والدهشة والوجل. هذا ما لا يجب أن تكون عليه الحال.
عندما وقفت العام الفائت أمام ثلاثمائة من المثقفين الدمشقيين المُعتدّين بأنفسهم، الذين وجهوا لي أسئلة صعبة عن أميركا وإسرائيل في مركزهم الثقافي الرئيسي، مكتبة الأسد، بينما كانت كاميرات تلفزيونهم الوطني تدور، وبحضور كبار صحافييهم البعثيين، كنت أدرك أن كل كلمة أتفوه بها في ذلك الخطاب، وخلال تسعين دقيقة من الأسئلة والأجوبة، يسهل تشويهها. لذلك اخترت أن أوجه أكثر من لفتة احترام أكدت من خلالها على النواحي المرنة لثقافة سورية الضاربة في التاريخ، والإمكانية الهائلة المتاحة لها للنهوض مرة أخرى لتبؤ مركز ثقافي عالمي في ما لو تحركت باتجاه مجتمع ديموقراطي مفتوح.
وكلما ازدادت إيجابية حديثي عن ثقافتهم، ازداد صدقي حول إخفاق جميع الحكومات والقوى العسكرية، بما فيها حكومتي، وتحول ذلك العرض الذي قدمه بعض الحاضرين في محاولة منهم لإضفاء صفة الشيطان على بلدي إلى محتوى أجوف وخارج المزاج الإيجابي الذي طغى على المكان في ذلك المساء الذي قضيته معهم. إنها تلك اللفتة التي ذهبت من خلالها إلى حضارتهم والوقوف وحيداً أمامهم، بما يحمله الأمر من مخاطرة شخصية، والتي حرّكت مشاعر هؤلاء الناس وأحال بعضهم إلى أصدقاء أعزاء لي. ومنهم فاقدو القدرة، مثل معظمنا، تجاه إجراء تغيير سريع في سياسة بلدهم.
إذا كنا نحن الذين نعيش في ديموقراطية غير قادرين على محاربة التطرف، يستطيع المرء أن يتخيل كيف يشعر هؤلاء الذين يعيشون في دول غير ديموقراطية. لكن لفتات مؤثرة تستطيع التغلب على الفجوة الفاصلة وقادرة على تمكين الناس على جانبي الحدود الفاصلة بين «الأعداء» لزرع بذور تسويات مستقبلية. وقد ضمّت مفاتيح النجاح هنا إنصاتا صابرا لا نهاية له، حتى أمام ادعاءات عنيفة، وتصميم عنيد على احترام الأفضل في حضارة عدو، والاستفادة إلى أقصى حد ممكن من ثقافة حوار يمكنها أن تحل محل ثقافة إضفاء الشيطنة على الغير. هذا ما تحتاجه إسرائيل وفلسطين اليوم، وبأسلوب يستطيع التواصل مع عدد كبير من الناس على الطرفين، وليس فقط أصحاب الإمتيازات والمثقفين. هذا ما يحتاجه الشرق الأوسط برمّته. فنحن بحاجة إلى العديد من اللفتات على جانبي الحدود، ما يكفي للبدء في إيجاد نقطة تحول لصالح العلاقات الإنسانية، كما قال مالكولم غلادويل، مثل تلك التي حققناها في أيرلندا، والتي أرست قواعد المفاوضات السياسية حول مصالح حيوية.
فمعظمنا مرتعب من التفجيرات الانتحارية وقطع الرؤوس الذي يقوم بها المتطرفون الذين يطوفون العالم متستّرين بالدين. نحن نعلم من الدراسات في مجال علم النفس الاجتماعي أنه من السهل، إلى حد يثير الدهشة، تحويل أناس ميسورين ومثقفين إلى مرتكبي تعذيب باستخدام شخصيات لها سلطتها وتأثيرها. كما نعلم أن معظم المفجّرين الانتحاريين مثقفون وغير فقراء. فرجال الدين المتطرف,ن استطاعوا أن يؤثروا على عقول الكثير من المهمشين، ولكن بإمكاننا مواجهة هذا العمل بخلق تحالف استراتيجي جديد. يتوجب على المتدينين وغير المتدينين أن يتحلوا بالشجاعة الكافية للاتصال ببعضهم بعضاً لإيجاد حلف جديد بين الدين السمح المعتدل ومؤسسات الدولة الرئيسية الديموقراطية والتي تنادي بسيادة القانون. يجب أن يُنظر إلى الدولة على أنها مكان يُرحّب ويحترم الدين دون أن تستسلم في الوقت نفسه للاعتداء الديني السياسي. هذا يمكن تحقيقه من خلال العمل الجاد، وهو أمر ضروري لمستقبل الدولتين، فلسطين وإسرائيل، إضافة إلى معظم أنحاء العالم اليوم.
الخطر المتستّر بالإسلام يعبر عن نفسه على شكل عنف متطرف مضاد للدولة، لكن الخطر المتستر باليهودية والمسيحية والهندوسيّة يأتي على صورة استخدامات استغلاليّة لهياكل الدولة من أجل أهداف متطرفة. في جميع الأحوال لا يوجد سوى سبيل واحد نحو المستقبل، وهو تحالف بين الشعوب، متدينين وغير متدينين، والذين يمكن لهم أن يصنعوا معاً القيم الديموقراطية غير العُنفيّة التي يشتركون فيها. هذا، إضافة إلى أساليب شجاعة للتواصل مع الآخر على جانبي الحدود، يشكّل معادلة رابحة ستقوّي العلاقات السلمية الديموقراطية بين الشعوب وداخلها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق