عبدالوهاب بدرخان - الحياة
من الواضح ان افتتاح البرلمان العربي خطوة في رحلة الألف ميل، تكمن أهميتها في ذاتها، أي في أن هذا «البرلمان» أبصر النور، لا أكثر ولا أقل. ومع انها بداية خجولة، إلا أنها طموحة، ولا يبدو أن المتاح عربياً يتجاوز مثل هذه البدايات التي لا ترقى أبداً الى مستوى الطموحات. ومن أين للعرب أن يتوقعوا الكثير طالما أنهم لم ينجزوا محلياً واقليمياً إلا القليل، فمثل هذا «البرلمان» يعبّر عن أحوالهم الراهنة، وهي بائسة عملياً، وكل الأمل في أن يكون واعداً وأن يتمكن بسرعة من ضخ دينامية جديدة ومختلفة في العمل العربي المشترك، اذا كان لا يزال هناك شيء اسمه عمل عربي مشترك.
وليحذر أعضاء هذا «البرلمان»، فمنذ جلسته الافتتاحية يتساءل المواطنون عن الحاجة اليه والدواعي لتشكيله وأهدافه... وهي تساؤلات غير مجحفة، لأن المواطنين يطرحونها في أحيان كثيرة خلال تقويمهم لمجالسهم المحلية، يتساوى في ذلك أن تكون هذه المجالس منتخبة مباشرة من الشعب أو معينة بمراسيم تصدرها السلطات. ولا شك ان الوصول الى مرحلة تأسيس برلمان عربي كان يفترض ان الحكومات بلغت مرحلة من التنسيق والتفاهم والالتزام في العمل العربي المشترك تحتم الانتقال الى الجانب البرلماني، أو أن الحكومات وجدت في سياق تنسيقها وتفاهمها والتزامها أن هناك عقبات باتت تتطلب إقحام الحقوقيين والمشرعين ليقولوا كلمتهم، طالما أن القيم والمفاهيم والأعراف والتقاليد ومصادر التشريع واحدة أو متقاربة الى حد كبير.
هذا ما كانت دول أوروبا توصلت اليه في تجربة «السوق المشتركة» وقبل الولوج في مرحلة «الاتحاد». لذلك جاء البرلمان الأوروبي تلبية لحاجة وهدف محددين، وحين ولد من صناديق الاقتراع كانت له وظيفة وصلاحية معروفتان، وراح يعمل وفقاً لجدول أعمال واضح، ولا تزال أمامه مهمات لم تكتمل. ومنذ وجد هذا البرلمان أصبح اطاراً للتفاعل المجتمعي مع الاتحاد، كما أنه أعطى قيمة قانونية حاسمة للشأن الأوروبي المواطني، خصوصاً عندما أصبح مثلاً مرجعية في حقوق الانسان تعلو على المرجعيات المحلية، أو حين أصبح مرجعاً للتحكيم في اختصامات بين الشركات الصناعية وغيرها. وبذلك استطاع هذا البرلمان ان يسد ثغرات في «دولة القانون» على رغم ان أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي لا بد أن تكون دولة قانون، وإلا فإن عضويتها تبقى معلقة في انتظار ان تطور تشريعاتها وممارساتها.
لا داعي للمقارنة، أو بالأحرى لا مجال لها، لكن التجربة الأوروبية موجودة كي يستفاد منها. ولا بأس في القول ان التجربة العربية لا يمكنها إلا أن تعكس الواقع أو أنها ستكون لها خصوصيتها وفرادتها. مع ذلك، تبقى هناك أساسيات وبديهيات لا يحسن تجاوزها، وإلا فقدت التجربة معناها وجدواها. ولو اتفقنا على تخطي الاعتبارات «الاجرائية» (الانتخاب والتعيين)، ولو بصعوبة، لأمكن مثلاً انتهاز وجود هذا «البرلمان» للقيام بمهمة عربية تاريخية لم تتح مقاربتها منذ نشوء الجامعة العربية، وهي اختبار مقومات الانتماء لهذه الجامعة ومكوناته ومفاهيمه واسقاط الثوب القانوني عليها لئلا تعود موضع شك أو تساؤل أو ردح هجائي فارغ. ثم ان «البرلمان»، متى وجد، لا بد ان يكون المكان المناسب لوضع معايير الالتزام بالقرارات العربية وتبعات عدم الالتزام، وإلا فما مبرر الانتماء والعضوية اذا كانت كل دولة تعتبر مسبقاً ان لا مصلحة لها في ما هو «مصلحة عربية» تتحدد معظم الاحيان «بالاجماع».
يبقى الأهم، وهو ان يبرهن «البرلمان العربي» انه يستطيع ان يطرح على مستوى عربي، الملفات التي باتت تفتح على مستوى محلي وداخلي، ولو بشكل مقنن ومحدود، ومن ذلك: أحوال الدساتير، تطبيق القوانين، المواجهة مع متطلبات العولمة، قضايا الفساد، برامج التعليم، خطط التنمية... وطبعاً لا بد ان يعني ذلك التزاماً عربياً عاماً باستحقاق الاصلاح السياسي والاقتصادي.
وهكذا، فإن «البرلمان» سيمضي سنوات طويلة أولى من عمره وهو مطالب بأن يعطي مبرراً لوجوده وان يقنع بجدواه، إلا اذا استطاع فعلاً ان يدخل في صلب الموضوع ويحدد إجابات عن التساؤلات الكثيرة المطروحة عربياً.
من الواضح ان افتتاح البرلمان العربي خطوة في رحلة الألف ميل، تكمن أهميتها في ذاتها، أي في أن هذا «البرلمان» أبصر النور، لا أكثر ولا أقل. ومع انها بداية خجولة، إلا أنها طموحة، ولا يبدو أن المتاح عربياً يتجاوز مثل هذه البدايات التي لا ترقى أبداً الى مستوى الطموحات. ومن أين للعرب أن يتوقعوا الكثير طالما أنهم لم ينجزوا محلياً واقليمياً إلا القليل، فمثل هذا «البرلمان» يعبّر عن أحوالهم الراهنة، وهي بائسة عملياً، وكل الأمل في أن يكون واعداً وأن يتمكن بسرعة من ضخ دينامية جديدة ومختلفة في العمل العربي المشترك، اذا كان لا يزال هناك شيء اسمه عمل عربي مشترك.
وليحذر أعضاء هذا «البرلمان»، فمنذ جلسته الافتتاحية يتساءل المواطنون عن الحاجة اليه والدواعي لتشكيله وأهدافه... وهي تساؤلات غير مجحفة، لأن المواطنين يطرحونها في أحيان كثيرة خلال تقويمهم لمجالسهم المحلية، يتساوى في ذلك أن تكون هذه المجالس منتخبة مباشرة من الشعب أو معينة بمراسيم تصدرها السلطات. ولا شك ان الوصول الى مرحلة تأسيس برلمان عربي كان يفترض ان الحكومات بلغت مرحلة من التنسيق والتفاهم والالتزام في العمل العربي المشترك تحتم الانتقال الى الجانب البرلماني، أو أن الحكومات وجدت في سياق تنسيقها وتفاهمها والتزامها أن هناك عقبات باتت تتطلب إقحام الحقوقيين والمشرعين ليقولوا كلمتهم، طالما أن القيم والمفاهيم والأعراف والتقاليد ومصادر التشريع واحدة أو متقاربة الى حد كبير.
هذا ما كانت دول أوروبا توصلت اليه في تجربة «السوق المشتركة» وقبل الولوج في مرحلة «الاتحاد». لذلك جاء البرلمان الأوروبي تلبية لحاجة وهدف محددين، وحين ولد من صناديق الاقتراع كانت له وظيفة وصلاحية معروفتان، وراح يعمل وفقاً لجدول أعمال واضح، ولا تزال أمامه مهمات لم تكتمل. ومنذ وجد هذا البرلمان أصبح اطاراً للتفاعل المجتمعي مع الاتحاد، كما أنه أعطى قيمة قانونية حاسمة للشأن الأوروبي المواطني، خصوصاً عندما أصبح مثلاً مرجعية في حقوق الانسان تعلو على المرجعيات المحلية، أو حين أصبح مرجعاً للتحكيم في اختصامات بين الشركات الصناعية وغيرها. وبذلك استطاع هذا البرلمان ان يسد ثغرات في «دولة القانون» على رغم ان أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي لا بد أن تكون دولة قانون، وإلا فإن عضويتها تبقى معلقة في انتظار ان تطور تشريعاتها وممارساتها.
لا داعي للمقارنة، أو بالأحرى لا مجال لها، لكن التجربة الأوروبية موجودة كي يستفاد منها. ولا بأس في القول ان التجربة العربية لا يمكنها إلا أن تعكس الواقع أو أنها ستكون لها خصوصيتها وفرادتها. مع ذلك، تبقى هناك أساسيات وبديهيات لا يحسن تجاوزها، وإلا فقدت التجربة معناها وجدواها. ولو اتفقنا على تخطي الاعتبارات «الاجرائية» (الانتخاب والتعيين)، ولو بصعوبة، لأمكن مثلاً انتهاز وجود هذا «البرلمان» للقيام بمهمة عربية تاريخية لم تتح مقاربتها منذ نشوء الجامعة العربية، وهي اختبار مقومات الانتماء لهذه الجامعة ومكوناته ومفاهيمه واسقاط الثوب القانوني عليها لئلا تعود موضع شك أو تساؤل أو ردح هجائي فارغ. ثم ان «البرلمان»، متى وجد، لا بد ان يكون المكان المناسب لوضع معايير الالتزام بالقرارات العربية وتبعات عدم الالتزام، وإلا فما مبرر الانتماء والعضوية اذا كانت كل دولة تعتبر مسبقاً ان لا مصلحة لها في ما هو «مصلحة عربية» تتحدد معظم الاحيان «بالاجماع».
يبقى الأهم، وهو ان يبرهن «البرلمان العربي» انه يستطيع ان يطرح على مستوى عربي، الملفات التي باتت تفتح على مستوى محلي وداخلي، ولو بشكل مقنن ومحدود، ومن ذلك: أحوال الدساتير، تطبيق القوانين، المواجهة مع متطلبات العولمة، قضايا الفساد، برامج التعليم، خطط التنمية... وطبعاً لا بد ان يعني ذلك التزاماً عربياً عاماً باستحقاق الاصلاح السياسي والاقتصادي.
وهكذا، فإن «البرلمان» سيمضي سنوات طويلة أولى من عمره وهو مطالب بأن يعطي مبرراً لوجوده وان يقنع بجدواه، إلا اذا استطاع فعلاً ان يدخل في صلب الموضوع ويحدد إجابات عن التساؤلات الكثيرة المطروحة عربياً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق