حيان نيوف و لميس حطيط - العربية.نت
قال مفتي طائفة الموحدين (الدروز) الأول في سوريا أحمد الهجري إن مواقف الزعيم اللبناني وليد جنبلاط التي أطلقها مؤخرا ضد النظام السياسي في دمشق لا تتم بالاتفاق مع الطائفة الموحدية (الدرزية) وإنما هي تعبير عن رأي حزب سياسي، فيما تحدث مراقبون عن بوادر أزمة داخل الطائفة الدرزية بسبب الخلاف السوري اللبناني.
وبخصوص موقف الدروز في سوريا، أوضح أحمد الهجري وهو ما يعرف بـ"شيخ عقل الدروز"، في تصريح خصّ به "العريبة.نت"، معلقا على تصريحات جنبلاط، أن الهيئة الروحية أو الدينية للطائفة الموحدية (الدرزية) "ليس هذا رايها بلبنان وفي النهاية وليد جنبلاط يمثل حزبا سياسيا فيه من كل الطوائف ونحن في سوريا نشعر بالراحة لأننا دولة مؤسسات وقواينن بينما في لبنان الطائفية تاخذ دورها، وعندما يتحدث ويصرح فهو لا يتكلم باسم الطائفة وإنما باسم الحزب".
وإزاء التصريحات التي أطلقها الشيخ الثاني للطائفة في سوريا حسين جربوع عندما هاجم جنبلاط دون أن يسميه، قال الشيخ أحمد الهجري:"لا أريد أن نمزق بعضنا ونضرب الحجارة على بعضنا. دعنا نفصل موضوع سوريا عن موضوع لبنان وهذا موضوع سياسي يبقى بين الحكومتين. صارت الأمور تحصل بشكل ارتجالي، الشيخ حسين العضو الثاني بهيئة الافتاء نحترم رايه لكنه ليس ناتج مشاورة وحصل الامر حسب تصوره هو، وهو يعبر عن رأيه".
وأكد الشيخ الهجري، عضو مؤتمر حوار الاديان العالمي الأول في بلجيكا عام 2001 ، أن الطائفة الموحدية (الدرزية) تدعم النظام في سوريا "لأنه يسهر على أمننا ولن نتخلى عنه وهذا ليس تصنعا"- حسب تعبيره.
بوادر ازمة داخل الطائفة
على صعيد آخر، تحدث مراقبون عن بوادر أزمة داخل الطائفة الدرزية بسبب الخلاف السوري اللبناني. وفي هذا السياق، أوضح المحلل السياسي اللبناني سليمان تقي الدين لـ"العربية.نت" أنه "لا يوجد نظام طائفي في سوريا، كالذي يحكم لبنان، كما لا توجد حريات سياسية. إلى جانب أن دروز سوريا مندمجين في نظامهم السياسي، ومرتاحين للأمان الذي يوفره لهم. والنظام السوري، منذ 35 عاماً، يتعامل مع الدروز بشكل ايجابي، عكس الأنظمة السابقة التي كانت ظالمة تجاههم".
تساهم كل هذه العوامل، بحسب تقي الدين، في تغليب الاتجاهات السياسية على العلاقة بين دروز لبنان وسوريا، لتظهر بوادر "أزمة" في داخل الطائفة، نتيجة الاختلاف الحاصل. ويقول: "لا تلعب العصبية الطائفية الدرزية أي دور يذكر في توحيد الموقف الدرزي بين لبنان وسوريا. لأن كل مجموعة تغلب الالتزام الحزبي على الديني، ما يعزز الاختلاف بينهم في هذه المرحلة".
لكن، هذا الاختلاف الدرزي، بين لبنان وسوريا، ليس له عمق تاريخي، إذ يشير تقي الدين إلى أن القسم الأكبر من الدروز في لبنان منذ العام 1976 "وتحديداً من زمن الزعيم الراحل كمال جنبلاط، كان الميل الغالب هو لعدم الاختلاف مع الموقف الدرزي السوري. لكن تختلف الأمور اليوم، إذ يميل الجو الدرزي اللبناني لتبني موقف وليد جنبلاط المعلن".
خيارات غير استراتيجية
يرى تقي الدين أن الوضع الحالي، يمثل واحداً من "الظروف الصعبة التي تمر بها الطائفة الدرزية، والتي تواجه فيها خيارات، يظهر أنها لا تتفق مع موقفها الاستراتيجي" مع دروز سوريا. ويشير إلى أن الطائفة في لبنان "تعيش حالة يسود فيها شعور بأنها متروكة، نتيجة قطيعتها مع سوريا، التي كانت تشكل، تاريخياً، ملاذاً وملجأ للطائفة". ويستشهد تقي الدين في حديثه بالعام 1958، "حين حضر مقاتلون من جبل العرب للقتال إلى جانب كمال جنبلاط".
ويشير المحلل اللبناني إلى أن الاتفاق السياسي بين الدروز في لبنان وسوريا "لا بد ان ينعكس ايجاباً على العلاقة بين الطرفين"، مؤكداً على ضرورة أن يكون الوضع اللبناني الداخلي مستقراً، "ليخفف من حدة "القلق الطائفي" السائد حالياً، ما سينعكس انفراجاً في العلاقة بين دروز لبنان وسوريا. لأن العداء لسوريا مخالف لمسار التاريخ، كما أنه مضر لجميع اللبنانيين".
ويصف تقي الدين الحالة السياسية التي يعيشها لبنان حالياً بأنها "موجة جنون سياسي كبيرة، تتحرك فيها الناس منقادة لعواطفها وغرائزها، ولا أعرف أين يمكن أن يوصلنا هذا الوضع".
وتقود تصريحات الزعيم اللبناني الدرزي وليد جنبلاط وردود الفعل عليها من قبل مشايخ عقل الطائفة في سوريا إلى الوقوف عند تاريخ ومعتقدات طائفة الموحدين (الدرزية) ودورها السياسي في الحياة السورية المعاصرة.
دروز السويداء
السويداء .. جنوب سوريا، مدينة أخرى يجهل تاريخها الكثيرون إلا أن زائرها للمرة الأولى سوف تتبادر إليه حكاية سلطان باشا الأطرش ورائحة بارود بندقيته بين صخور الريف هناك ذات الرمزية السياسية السورية عندما قاد هذا الزعيم السوري من أبناء الطائفة الدرزية الثورة السورية الكبرى في وجه الانتداب الفرنسي بالتنسيق مع ابراهيم هنانو في الشمال (سني) وصالح العلي في الساحل (علوي).
السويداء.. لن تنتهي اسطورتها عند "حقبة الأطرش"؛ بل تستمر بنكهة العمل السياسي والصراع على السلطة هذه المرة من خلال الدور البارز الذي لعبه ضباط دروز خلال الحياة السياسية السورية المعاصرة، من مواجهة الرئيس الشيشكلي في الخمسينات، إلى محاولة انقلاب سليم حاطوم على قيادة حزب البعث على أبواب سبعينات القرن المنصرم.في السويداء، وما يعرف بـ"جبل الدروز"، يقطن السوريون من أبناء الطائفة الدرزية، فضلا عن الدروز المتواجدين في الجولان السوري المحتل.
وبعيدا عن الدور السياسي للطائفة الدرزية، تبدو في الافق مجموعة من التساؤلات حول العقيدة التي يعتقنها أبناء هذه الطائفة وعلاقتها بالاسلام.
موحدون أم دروز ؟
يقول نبيه السعدي، أحد أبرز الباحثين في تاريخ هذه الطائفة وهو من أبنائها، إنه جرى التباس كبير بين مفهومي الموحدين والدروز. وأوضح، في حديثه لـ"العربية.نت"، أن " هناك تسمية خاطئة للطائفة و الاسم الاصلي في الكتب المذهبية هو الموحدون أو طائفة التوحيد وأما الدرزية فهي عقيدة أخرى نشأت إلى جانب التوحيد وكان مؤسسها نوشتكين الدرزي وهي طائفة حاربها التوحيد لأن أتباعها ألغوا التكاليف الشرعية وأباحوا المحظورات والمحرمات".
وتابع السعدي :"كشف التوحيد عن الدعوة عام 408 هجرية فحصل هناك حرب بين الجهتين كانت النصرة في البداية لأتباع نوشتكين الدرزي فأجبر حمزة بن علي بن أحمد إمام طائفة التوحيد على الاختفاء سنة 409 ولم تحسب هذه السنة من التقويم التوحيدي وفي بداية العام 410 قتل الدرزي ، علما أن الدرزي كان قد قام بانتحال صفة الامام للكشف عن الدعوى التوحيدية وادعى الامامة مكان حمزة الامام الاصلي فتبعه البعض وجمع حوله المئات وهاجموا الازهر و المصلين فحصلت معركة وهزموا ولحقتهم الناس واجتمع أهل السنة وعلمهم أنه هو المسؤول عن دعوة التوحيد و التبست الامور ".
وحسب السعدي تتألف الطائفة من مرتبتين : عقّال وجهّال ، وأما العقّال هم من التزموا بالمسلكية الدينية وارتدوا لباس رجال الدين والجهّال هم البعيدون عن العقيدة التوحيدية ولا يعرفون عنها شيئا ".
تناسخ الأرواح
وينفي السعدي ما يشاع عن أن طائفة الموحدين أنها تعتقد بألوهية الحاكم بأمر الله، ويوضح أن الحاكم بأمر الله هو "الخليفة الفاطمي في 386 واختفى سنة 411 الذي كان يقول أنا مخلوق من خالق أبي العزيز وجدي المعز وهو رجل تولى الخلافة وناصر دعوة التوحيد حتى اختفائه".
إلا أن نبيه السعدي لا ينفي اعتقاد معتنقي طائفة الموحدين بالتناسخ أي أن الإنسان إذا مات فإن روحه تتقمص إنساناً آخر يولد بعد موت الأول.
ويشدد السعدي على أن الكتاب المنزل عند الدروز هو القرآن الكريم لافتا إلى أنه لا كتاب منزلا غيره ولكن يوجد كتب مذهبية تسمى رسائل الحكمة ولا تدعي الانزال ولا تخلو أي صفحة منها من آيات القرآن الكريم.
كما نفى السعدي ما يشاع حول أن طائفة الموحدين استبدلت أركان الاسلام أو أن اتباعها يحجون إلى الكنيسة المريمية في دمشق، وقال "نحن نحج إلى مكة المكرمة ولكن الباطنية عندنا تضيف إلى أركان الاسلام أركانا أخرى مثل الولاية والطاعة والجهاد حت تصبح 7 ولها معان جوهرية مثل الصيام فهو الامتناع عن الكلام إلا عن توحيد الخالق".
ويؤكد السعدي أن الموحدين يمنعون تعدد الزوجات "انطلاقا من القرآن" ، و"لا اعتراف بحرمة الأخ أو الأخت من الرضاعة ولكن هناك اختلافات حيث هناك من يعود إلى الفكر السني الحنفي وهناك من من يجتهد اجتهادات شخصية ".
الدور السياسي والعسكري
يشير نبيه السعدي إلى أن وجود الموحدين في سوريا منذ زمن الشهابيين في القرن السادس عشر وخاصة في جبل العرب، لكن بعد التناحرات بين المسيحيين والدروز في لبنان نزح البعض إلى جبل العرب، مشيرا إلى أن عددهم بين 350 إلى 400 ألفا، ويقطنون أيضا في في جبل الأعلى وفي الجولان وقرية مجدل شمس وفي جبل الشيخ وفي غوطة دمشق أيضا.
وعن التمثيل السياسي الحالي للدروز في سوريا، يقول السعدي " يوجد ممثلون في مجلس الشعب وإنما ليس كدروز وإنما كمواطنين من محافظة السويداء لها عدد من السكان، وسوريا دولة علمانية لاتعترف بالطوائف والمذاهب، وأما عدد السكان في السويداء أكثرهم أو 90 % منهم من الدروز الموحدين لذلك لهم 6 نواب لا بحكم كونهم دروز لكن بحكم عددهم".
وتوجد محكمة خاصة بالطائفة الموحدية في سوريا سميت المحكمة المذهبية وأنشئت بقانون السلطة القضائية بالمادة رقم 10 ، "وتوجد محكمة واحدة نختلف فيها عن بقية المسلمين هي أنها تحكم بأمور الزواج والطلاق باعتبار أن الطلاق لا رجعة فيه والزواج لا يصح لأكثر من واحدة والوصية خلافا لما عند أهل السنة"– حسب السعدي.
مؤخرا، شيعت محافظة السويداء "نواف غزاله" عن عمر ناهز الثمانين عاما ، و هو قاتل الرئيس السوري الأسبق "أديب الشيشكلي" ( 1949- 1954) عندما قرر الانتقام من ممارسات الشيشكلي العسكرية ضد الدروز في منطقة جبل العرب.
ولعب الدروز دورا سياسيا بارزا في الحياة السورية المعاصرة حيث ظهرت شخصيات سياسية وعسكرية منهم في حقبة الانقلابات العسكرية وما بعدها، وقام الدرزي سليم حاطوم في نهاية الستينات بمحاولة انقلابية فاشلة على قيادة حزب البعث.وفشل انقلاب سليم حاطوم في 8 سبتمبر (أيلول) 1966، قبل أن يلجأ مع رفاقه إلى الأردن.
وقبل ذلك، كان قد شارك اثنان من الدروز هما حمد عبيد وسليم حاطوم القيادة القطرية السورية المؤقتة التي تقلدت زمام الحكم رسمياً في 23 فبراير (شباط) 1966. إلا أن حمد عبيد فقد مركزه في الحزب وفي الجيش نتيجة الموقف الذي اتخذه بعد فترة وجيزة من انقلاب 23 فبراير (شباط) 1966 .وكان عبيد وزيراً للدفاع بوزارة الدكتور يوسف زعين التي استقالت في 22 ديسمبر (كانون الأول) 1965 اثر حل القيادة القطرية السورية، واعتقد أن لديه الحق في استعادة مركزه السابق بالحكومة كمكافأة لدعمه صلاح جديد ضد أمين الحافظ .
دروز لبنان
تتركز تجمعات الدروز في لبنان في منطقة جبل لبنان الجنوبي، المعروفة تاريخياً بـ "الشوف القديمة". وهي منطقة تمتد، حالياً، من المتن الأعلى حتى اقيلم الخروب شرقي صيدا في جنوب لبنان.
وتشكل مناطق انتشار دروز لبنان ثلاثة أقضية، هي بعبدا، وعاليه، الشوف، إلى جانب مناطق حاصبيا في الجنوب اللبناني ومنطقة راشيا في البقاع الغربي.
أما عددهم فيبلغ نحو 250 ألف نسمة، كحد اقصى، يتوزعون بين كتلتين أساسيتين في الشوف وعاليه، حيث يعيش نحو 75 ألف درزي في كل منطقة، فيما يتوزع بقية الدروز بأعداد متقاربة بين 15 و20 ألف نسمة في باقي مناطق تواجدهم.
دروز.. واشتراكية
في لبنان، يتماهى موقف الطائفة الدرزية في لبنان بالمواقف السياسية للحزب التقدمي الاشتراكي، خاصة بعدما خوله قانون الانتخاب الأخير "احتكار" التمثيل الدرزي السياسي.يتخذ هذا الاحتكار الاشتراكي، بزعامة وليد جنبلاط، شرعيته، بحسب المحلل السياسي سليمان تقي الدين، من تأييد أغلبية الطائفة الدرزية للحزب، "إلى جانب التأثير الكبير لمستوى التوتر العالي الذي يشهده البلد".
ويوافق تقي الدين، في تصريح خاص لـ "العربية.نت"، على اعتبار مواقف جنبلاط تمثل موقف الدروز "تقريباً"، وإن كان لا ينفي وجود "فريق درزي آخر"، يمثلون اتجاهاً آخراً، "لكن سقط التمثيل السياسي لهذا الفريق، بسبب النظام الانتخابي المعتمد في الانتخابات الأخيرة، ما مكن جنبلاط من الاستفراد بالصوت الدرزي في البرلمان، من خلال ثمانية نواب"، هم مجموع نسبة التمثيل الدرزي في لبنان.
ويتحدث تقي الدين عن "مجموعة عوامل، أدت لتمكين جنبلاط ليكون له التمثيل الأقوى، وإدارة أمور الطائفة، ما يدفع الدروز لتأييده، بشكل عام".
وعن التزاوج السياسي والديني عند الدروز في لبنان، يقول: "كان في لبنان، تاريخياً، هيئة روحية دينية للطائفة، لكن ليس لها رأي سياسي مستقل، والجزء الأكبر من تيار رجال الدين ملتحقين، عملياً، بمواقف زعيم الاشتراكي جنبلاط"، مشيراً إلى وجود رآي آخر في الكتلة الدينية، "لكنه، أيضاً، ضعيف".
ويفسر تقي الدين العلاقة، في لبنان، بين مشيخة العقل الدرزية، والعمل السياسي، فيقول: "منذ أيام الإنتداب في لبنان، لم يكن لشيخ عقل الدروز أية سلطة، ولا حتى على رجال الدين. فهو مجرد تمثيل سياسي للهيئة الروحية، لكنه ليس مرجعية دينية". أما المرجعية الدينية فتعود لمجموعة من الشيوخ "عميقي التقوى، ذوي الرتبة الدينية العالية، لكنهم لا يتعاطون بالشؤون الزمنية، ولا يقبلوا بأن يكونوا في موقع مشيخة العقل". فيحضروا، لذلك، شخص يمثلهم، ويكون منضوياً تحت لواء السلطة السياسية، "التي يمثلها جنبلاط حالياً".
قال مفتي طائفة الموحدين (الدروز) الأول في سوريا أحمد الهجري إن مواقف الزعيم اللبناني وليد جنبلاط التي أطلقها مؤخرا ضد النظام السياسي في دمشق لا تتم بالاتفاق مع الطائفة الموحدية (الدرزية) وإنما هي تعبير عن رأي حزب سياسي، فيما تحدث مراقبون عن بوادر أزمة داخل الطائفة الدرزية بسبب الخلاف السوري اللبناني.
وبخصوص موقف الدروز في سوريا، أوضح أحمد الهجري وهو ما يعرف بـ"شيخ عقل الدروز"، في تصريح خصّ به "العريبة.نت"، معلقا على تصريحات جنبلاط، أن الهيئة الروحية أو الدينية للطائفة الموحدية (الدرزية) "ليس هذا رايها بلبنان وفي النهاية وليد جنبلاط يمثل حزبا سياسيا فيه من كل الطوائف ونحن في سوريا نشعر بالراحة لأننا دولة مؤسسات وقواينن بينما في لبنان الطائفية تاخذ دورها، وعندما يتحدث ويصرح فهو لا يتكلم باسم الطائفة وإنما باسم الحزب".
وإزاء التصريحات التي أطلقها الشيخ الثاني للطائفة في سوريا حسين جربوع عندما هاجم جنبلاط دون أن يسميه، قال الشيخ أحمد الهجري:"لا أريد أن نمزق بعضنا ونضرب الحجارة على بعضنا. دعنا نفصل موضوع سوريا عن موضوع لبنان وهذا موضوع سياسي يبقى بين الحكومتين. صارت الأمور تحصل بشكل ارتجالي، الشيخ حسين العضو الثاني بهيئة الافتاء نحترم رايه لكنه ليس ناتج مشاورة وحصل الامر حسب تصوره هو، وهو يعبر عن رأيه".
وأكد الشيخ الهجري، عضو مؤتمر حوار الاديان العالمي الأول في بلجيكا عام 2001 ، أن الطائفة الموحدية (الدرزية) تدعم النظام في سوريا "لأنه يسهر على أمننا ولن نتخلى عنه وهذا ليس تصنعا"- حسب تعبيره.
بوادر ازمة داخل الطائفة
على صعيد آخر، تحدث مراقبون عن بوادر أزمة داخل الطائفة الدرزية بسبب الخلاف السوري اللبناني. وفي هذا السياق، أوضح المحلل السياسي اللبناني سليمان تقي الدين لـ"العربية.نت" أنه "لا يوجد نظام طائفي في سوريا، كالذي يحكم لبنان، كما لا توجد حريات سياسية. إلى جانب أن دروز سوريا مندمجين في نظامهم السياسي، ومرتاحين للأمان الذي يوفره لهم. والنظام السوري، منذ 35 عاماً، يتعامل مع الدروز بشكل ايجابي، عكس الأنظمة السابقة التي كانت ظالمة تجاههم".
تساهم كل هذه العوامل، بحسب تقي الدين، في تغليب الاتجاهات السياسية على العلاقة بين دروز لبنان وسوريا، لتظهر بوادر "أزمة" في داخل الطائفة، نتيجة الاختلاف الحاصل. ويقول: "لا تلعب العصبية الطائفية الدرزية أي دور يذكر في توحيد الموقف الدرزي بين لبنان وسوريا. لأن كل مجموعة تغلب الالتزام الحزبي على الديني، ما يعزز الاختلاف بينهم في هذه المرحلة".
لكن، هذا الاختلاف الدرزي، بين لبنان وسوريا، ليس له عمق تاريخي، إذ يشير تقي الدين إلى أن القسم الأكبر من الدروز في لبنان منذ العام 1976 "وتحديداً من زمن الزعيم الراحل كمال جنبلاط، كان الميل الغالب هو لعدم الاختلاف مع الموقف الدرزي السوري. لكن تختلف الأمور اليوم، إذ يميل الجو الدرزي اللبناني لتبني موقف وليد جنبلاط المعلن".
خيارات غير استراتيجية
يرى تقي الدين أن الوضع الحالي، يمثل واحداً من "الظروف الصعبة التي تمر بها الطائفة الدرزية، والتي تواجه فيها خيارات، يظهر أنها لا تتفق مع موقفها الاستراتيجي" مع دروز سوريا. ويشير إلى أن الطائفة في لبنان "تعيش حالة يسود فيها شعور بأنها متروكة، نتيجة قطيعتها مع سوريا، التي كانت تشكل، تاريخياً، ملاذاً وملجأ للطائفة". ويستشهد تقي الدين في حديثه بالعام 1958، "حين حضر مقاتلون من جبل العرب للقتال إلى جانب كمال جنبلاط".
ويشير المحلل اللبناني إلى أن الاتفاق السياسي بين الدروز في لبنان وسوريا "لا بد ان ينعكس ايجاباً على العلاقة بين الطرفين"، مؤكداً على ضرورة أن يكون الوضع اللبناني الداخلي مستقراً، "ليخفف من حدة "القلق الطائفي" السائد حالياً، ما سينعكس انفراجاً في العلاقة بين دروز لبنان وسوريا. لأن العداء لسوريا مخالف لمسار التاريخ، كما أنه مضر لجميع اللبنانيين".
ويصف تقي الدين الحالة السياسية التي يعيشها لبنان حالياً بأنها "موجة جنون سياسي كبيرة، تتحرك فيها الناس منقادة لعواطفها وغرائزها، ولا أعرف أين يمكن أن يوصلنا هذا الوضع".
وتقود تصريحات الزعيم اللبناني الدرزي وليد جنبلاط وردود الفعل عليها من قبل مشايخ عقل الطائفة في سوريا إلى الوقوف عند تاريخ ومعتقدات طائفة الموحدين (الدرزية) ودورها السياسي في الحياة السورية المعاصرة.
دروز السويداء
السويداء .. جنوب سوريا، مدينة أخرى يجهل تاريخها الكثيرون إلا أن زائرها للمرة الأولى سوف تتبادر إليه حكاية سلطان باشا الأطرش ورائحة بارود بندقيته بين صخور الريف هناك ذات الرمزية السياسية السورية عندما قاد هذا الزعيم السوري من أبناء الطائفة الدرزية الثورة السورية الكبرى في وجه الانتداب الفرنسي بالتنسيق مع ابراهيم هنانو في الشمال (سني) وصالح العلي في الساحل (علوي).
السويداء.. لن تنتهي اسطورتها عند "حقبة الأطرش"؛ بل تستمر بنكهة العمل السياسي والصراع على السلطة هذه المرة من خلال الدور البارز الذي لعبه ضباط دروز خلال الحياة السياسية السورية المعاصرة، من مواجهة الرئيس الشيشكلي في الخمسينات، إلى محاولة انقلاب سليم حاطوم على قيادة حزب البعث على أبواب سبعينات القرن المنصرم.في السويداء، وما يعرف بـ"جبل الدروز"، يقطن السوريون من أبناء الطائفة الدرزية، فضلا عن الدروز المتواجدين في الجولان السوري المحتل.
وبعيدا عن الدور السياسي للطائفة الدرزية، تبدو في الافق مجموعة من التساؤلات حول العقيدة التي يعتقنها أبناء هذه الطائفة وعلاقتها بالاسلام.
موحدون أم دروز ؟
يقول نبيه السعدي، أحد أبرز الباحثين في تاريخ هذه الطائفة وهو من أبنائها، إنه جرى التباس كبير بين مفهومي الموحدين والدروز. وأوضح، في حديثه لـ"العربية.نت"، أن " هناك تسمية خاطئة للطائفة و الاسم الاصلي في الكتب المذهبية هو الموحدون أو طائفة التوحيد وأما الدرزية فهي عقيدة أخرى نشأت إلى جانب التوحيد وكان مؤسسها نوشتكين الدرزي وهي طائفة حاربها التوحيد لأن أتباعها ألغوا التكاليف الشرعية وأباحوا المحظورات والمحرمات".
وتابع السعدي :"كشف التوحيد عن الدعوة عام 408 هجرية فحصل هناك حرب بين الجهتين كانت النصرة في البداية لأتباع نوشتكين الدرزي فأجبر حمزة بن علي بن أحمد إمام طائفة التوحيد على الاختفاء سنة 409 ولم تحسب هذه السنة من التقويم التوحيدي وفي بداية العام 410 قتل الدرزي ، علما أن الدرزي كان قد قام بانتحال صفة الامام للكشف عن الدعوى التوحيدية وادعى الامامة مكان حمزة الامام الاصلي فتبعه البعض وجمع حوله المئات وهاجموا الازهر و المصلين فحصلت معركة وهزموا ولحقتهم الناس واجتمع أهل السنة وعلمهم أنه هو المسؤول عن دعوة التوحيد و التبست الامور ".
وحسب السعدي تتألف الطائفة من مرتبتين : عقّال وجهّال ، وأما العقّال هم من التزموا بالمسلكية الدينية وارتدوا لباس رجال الدين والجهّال هم البعيدون عن العقيدة التوحيدية ولا يعرفون عنها شيئا ".
تناسخ الأرواح
وينفي السعدي ما يشاع عن أن طائفة الموحدين أنها تعتقد بألوهية الحاكم بأمر الله، ويوضح أن الحاكم بأمر الله هو "الخليفة الفاطمي في 386 واختفى سنة 411 الذي كان يقول أنا مخلوق من خالق أبي العزيز وجدي المعز وهو رجل تولى الخلافة وناصر دعوة التوحيد حتى اختفائه".
إلا أن نبيه السعدي لا ينفي اعتقاد معتنقي طائفة الموحدين بالتناسخ أي أن الإنسان إذا مات فإن روحه تتقمص إنساناً آخر يولد بعد موت الأول.
ويشدد السعدي على أن الكتاب المنزل عند الدروز هو القرآن الكريم لافتا إلى أنه لا كتاب منزلا غيره ولكن يوجد كتب مذهبية تسمى رسائل الحكمة ولا تدعي الانزال ولا تخلو أي صفحة منها من آيات القرآن الكريم.
كما نفى السعدي ما يشاع حول أن طائفة الموحدين استبدلت أركان الاسلام أو أن اتباعها يحجون إلى الكنيسة المريمية في دمشق، وقال "نحن نحج إلى مكة المكرمة ولكن الباطنية عندنا تضيف إلى أركان الاسلام أركانا أخرى مثل الولاية والطاعة والجهاد حت تصبح 7 ولها معان جوهرية مثل الصيام فهو الامتناع عن الكلام إلا عن توحيد الخالق".
ويؤكد السعدي أن الموحدين يمنعون تعدد الزوجات "انطلاقا من القرآن" ، و"لا اعتراف بحرمة الأخ أو الأخت من الرضاعة ولكن هناك اختلافات حيث هناك من يعود إلى الفكر السني الحنفي وهناك من من يجتهد اجتهادات شخصية ".
الدور السياسي والعسكري
يشير نبيه السعدي إلى أن وجود الموحدين في سوريا منذ زمن الشهابيين في القرن السادس عشر وخاصة في جبل العرب، لكن بعد التناحرات بين المسيحيين والدروز في لبنان نزح البعض إلى جبل العرب، مشيرا إلى أن عددهم بين 350 إلى 400 ألفا، ويقطنون أيضا في في جبل الأعلى وفي الجولان وقرية مجدل شمس وفي جبل الشيخ وفي غوطة دمشق أيضا.
وعن التمثيل السياسي الحالي للدروز في سوريا، يقول السعدي " يوجد ممثلون في مجلس الشعب وإنما ليس كدروز وإنما كمواطنين من محافظة السويداء لها عدد من السكان، وسوريا دولة علمانية لاتعترف بالطوائف والمذاهب، وأما عدد السكان في السويداء أكثرهم أو 90 % منهم من الدروز الموحدين لذلك لهم 6 نواب لا بحكم كونهم دروز لكن بحكم عددهم".
وتوجد محكمة خاصة بالطائفة الموحدية في سوريا سميت المحكمة المذهبية وأنشئت بقانون السلطة القضائية بالمادة رقم 10 ، "وتوجد محكمة واحدة نختلف فيها عن بقية المسلمين هي أنها تحكم بأمور الزواج والطلاق باعتبار أن الطلاق لا رجعة فيه والزواج لا يصح لأكثر من واحدة والوصية خلافا لما عند أهل السنة"– حسب السعدي.
مؤخرا، شيعت محافظة السويداء "نواف غزاله" عن عمر ناهز الثمانين عاما ، و هو قاتل الرئيس السوري الأسبق "أديب الشيشكلي" ( 1949- 1954) عندما قرر الانتقام من ممارسات الشيشكلي العسكرية ضد الدروز في منطقة جبل العرب.
ولعب الدروز دورا سياسيا بارزا في الحياة السورية المعاصرة حيث ظهرت شخصيات سياسية وعسكرية منهم في حقبة الانقلابات العسكرية وما بعدها، وقام الدرزي سليم حاطوم في نهاية الستينات بمحاولة انقلابية فاشلة على قيادة حزب البعث.وفشل انقلاب سليم حاطوم في 8 سبتمبر (أيلول) 1966، قبل أن يلجأ مع رفاقه إلى الأردن.
وقبل ذلك، كان قد شارك اثنان من الدروز هما حمد عبيد وسليم حاطوم القيادة القطرية السورية المؤقتة التي تقلدت زمام الحكم رسمياً في 23 فبراير (شباط) 1966. إلا أن حمد عبيد فقد مركزه في الحزب وفي الجيش نتيجة الموقف الذي اتخذه بعد فترة وجيزة من انقلاب 23 فبراير (شباط) 1966 .وكان عبيد وزيراً للدفاع بوزارة الدكتور يوسف زعين التي استقالت في 22 ديسمبر (كانون الأول) 1965 اثر حل القيادة القطرية السورية، واعتقد أن لديه الحق في استعادة مركزه السابق بالحكومة كمكافأة لدعمه صلاح جديد ضد أمين الحافظ .
دروز لبنان
تتركز تجمعات الدروز في لبنان في منطقة جبل لبنان الجنوبي، المعروفة تاريخياً بـ "الشوف القديمة". وهي منطقة تمتد، حالياً، من المتن الأعلى حتى اقيلم الخروب شرقي صيدا في جنوب لبنان.
وتشكل مناطق انتشار دروز لبنان ثلاثة أقضية، هي بعبدا، وعاليه، الشوف، إلى جانب مناطق حاصبيا في الجنوب اللبناني ومنطقة راشيا في البقاع الغربي.
أما عددهم فيبلغ نحو 250 ألف نسمة، كحد اقصى، يتوزعون بين كتلتين أساسيتين في الشوف وعاليه، حيث يعيش نحو 75 ألف درزي في كل منطقة، فيما يتوزع بقية الدروز بأعداد متقاربة بين 15 و20 ألف نسمة في باقي مناطق تواجدهم.
دروز.. واشتراكية
في لبنان، يتماهى موقف الطائفة الدرزية في لبنان بالمواقف السياسية للحزب التقدمي الاشتراكي، خاصة بعدما خوله قانون الانتخاب الأخير "احتكار" التمثيل الدرزي السياسي.يتخذ هذا الاحتكار الاشتراكي، بزعامة وليد جنبلاط، شرعيته، بحسب المحلل السياسي سليمان تقي الدين، من تأييد أغلبية الطائفة الدرزية للحزب، "إلى جانب التأثير الكبير لمستوى التوتر العالي الذي يشهده البلد".
ويوافق تقي الدين، في تصريح خاص لـ "العربية.نت"، على اعتبار مواقف جنبلاط تمثل موقف الدروز "تقريباً"، وإن كان لا ينفي وجود "فريق درزي آخر"، يمثلون اتجاهاً آخراً، "لكن سقط التمثيل السياسي لهذا الفريق، بسبب النظام الانتخابي المعتمد في الانتخابات الأخيرة، ما مكن جنبلاط من الاستفراد بالصوت الدرزي في البرلمان، من خلال ثمانية نواب"، هم مجموع نسبة التمثيل الدرزي في لبنان.
ويتحدث تقي الدين عن "مجموعة عوامل، أدت لتمكين جنبلاط ليكون له التمثيل الأقوى، وإدارة أمور الطائفة، ما يدفع الدروز لتأييده، بشكل عام".
وعن التزاوج السياسي والديني عند الدروز في لبنان، يقول: "كان في لبنان، تاريخياً، هيئة روحية دينية للطائفة، لكن ليس لها رأي سياسي مستقل، والجزء الأكبر من تيار رجال الدين ملتحقين، عملياً، بمواقف زعيم الاشتراكي جنبلاط"، مشيراً إلى وجود رآي آخر في الكتلة الدينية، "لكنه، أيضاً، ضعيف".
ويفسر تقي الدين العلاقة، في لبنان، بين مشيخة العقل الدرزية، والعمل السياسي، فيقول: "منذ أيام الإنتداب في لبنان، لم يكن لشيخ عقل الدروز أية سلطة، ولا حتى على رجال الدين. فهو مجرد تمثيل سياسي للهيئة الروحية، لكنه ليس مرجعية دينية". أما المرجعية الدينية فتعود لمجموعة من الشيوخ "عميقي التقوى، ذوي الرتبة الدينية العالية، لكنهم لا يتعاطون بالشؤون الزمنية، ولا يقبلوا بأن يكونوا في موقع مشيخة العقل". فيحضروا، لذلك، شخص يمثلهم، ويكون منضوياً تحت لواء السلطة السياسية، "التي يمثلها جنبلاط حالياً".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق