حازم صاغية - الغد الأردنية
الملاحظة الأولى:
ها هم اللبنانيون يكتشفون أنهم يملكون سلاحاً لا يُحسب دائماً حسابه في المعارك. إنه الإعلام الذي يقال إن "وقف حملته" على دمشق بات أكثر ما يزعج الحكم السوري.
بطبيعة الحال، لم يخطر للبعث الحاكم، رداً على تحدٍ كهذا، إيلاء حرية أكبر للإعلام السوري كيما يتولى الردّ على الإعلام اللبناني. وبالطبع، لم يخطر له إطلاق الحرية لتأسيس صحف خاصة تنطق بألسنة أصحابها وبألسنة أحزاب معارضة حقيقية (هي غير قائمة أصلاً).
ذاك أن عدم الثقة بالإعلام اللبناني(أو أي إعلام) هو عدم ثقة بالإعلام عموماً. وهنا تكمن المعضلة التي تواجهها دمشق. فالذي يخاف التعبير والحرية، ولا يرى الا في الصمت والتعتيم حليفاً له، يكون عملياً في صف المهزومين حتى لو تأخّر إعلان هزيمته. ذاك أن الذي يكسب، في نهاية المطاف، هو من يواكب الحرية ويكون نصيرها، خصوصاً في زمن غدا معه أثر الإعلام على البنادق أكبر من أثر البنادق على الإعلام.
الملاحظة الثانية:
لبنان، على عيوبه، وعلى عيوب إعلامه، لا يملك الا أن يفخر بهذا الإعلام الذي بات يخيف الى هذا الحد نظاماً قائماً منذ 1963 ويحمل شعبه، منذ ذلك الحين، على العيش بموجب قوانين الطوارئ.
خلال مسيرته الدامية الطويلة، سقط من الإعلاميين اللبنانيين عدد كبير كان آخرهم سمير قصير وجبران تويني. وبين اغتياليهما أصيبت مي شدياق. وقبلهم جميعاً، استُهدف مروان حمادة الذي دخل الى السياسة أصلاً من باب الصحافة.
لكن هؤلاء سبقهم، منذ 1958، كثيرون قضوا على يد الاستبداد العسكري: من نسيب المتني وفؤاد حداد في أواخر الخمسينيات، الى كامل مروة في أواسط الستينيات، فسليم اللوزي ورياض طه في الثمانينيات.
واليوم، تحولت جريدة "النهار" الى رمز لا لحرية الصحافة والتعبير فحسب، بل أيضاً لرغبة وطن في الحرية والاستقلال.
على أبواب عيد رأس السنة الجديد هذا، والذي يأتي للبنانيين كئيباً وحزيناً، يميل المرء الى معايدة الزملاء في"النهار" ممن يعملون وسط ظروف لا يُحسدون عليها.
الملاحظة الثالثة:
السيد عمرو موسى، أمين عام الجامعة العربية، يمتلك منطقاً مدهشاً في تفكير الأمور وتعقّلها. إنه خير سليل للوعي الايديولوجي الذي تتجه أبصاره الى القضية (كما يستدعيها التحليل) أكثر مما الى الواقع الحسي والملموس.
المثال الساطع على ذلك أن الخليجيين يُرعبهم، اليوم، احتمال تطوير سلاح نووي إيراني. ذاك أن سلاحاً كهذا يمكنه التحكّم بحياتهم، كحد أقصى، وبمياههم وتحليتها كحد أدنى. ثم أن النظام الإيراني، إذا ما امتلك سلاحاً كهذا، مرشح لاستخدامه بنسبة أعلى من نسبة استخدام نظام برلماني لمثل هذا السلاح. فالنظام المذكور أبدى، منذ لحظة ولادته الأولى، عدم اكتراثه بالأعراف والمعايير، وذلك حين أقدم على احتلال السفارة الأميركية في طهران واحتجاز العاملين فيها. ثم أن تكوينه الايديولوجي، لا سيما بعد وصول السيد محمود أحمدي نجاد الى سدة الرئاسة، يزيد أسباب الخوف من استخدامه السلاح النووي.
وهذا لا يلغي خطورة السلاح النووي الاسرائيلي(وكل سلاح نووي)، ولا ضرورة للدعوة الى تجريد اسرائيل منه، أو تنظيف منطقة الشرق الأوسط كلها منه. بيد أن السوابق تقول إن الدولة العبرية خاضت أربع حروب أو خمساً ولم تستخدمه، فيما يظهر بين المحللين من يقول إن وجوده عنصر تفاوض احتياطي ما دام النزاع العربي-الاسرائيلي قائماً، وما دام الاسرائيليون يرهنون وجوده بـ"قنبلة" العداء لهم من أكثرية مليونية في المنطقة.
وكائنةً ما كانت درجة الصحة، ودرجة الخطأ، في تقديرات كهذه، يبقى ان الخليجيين متخوّفون الآن من الاحتمال النووي الايراني في الدرجة الأولى. فكيف وأن تجربتهم تقول لهم إن طهران احتلت ثلاثاً من جزرهم في عهد الشاه، الا أن النظام الخميني رفض إعادتها.
مع ذلك، يريد عمرو موسى من الخليجيين أن يمنحوا أولويتهم لخطر السلاح النووي الاسرائيلي، لا الايراني، لأن "النظرية" تقول ذلك.
بالمعنى نفسه، يريد موسى من اللبنانيين الذين يأتيهم الموت من "شقيقهم" الأكبر، أن يفكروا، أولاً وقبل كل شيء، بـ"الحرب التي تشنّها أميركا على سورية"، وليس بالحرب التي تُشنّ عليهم.
إن الوعي والسلوك اللذين يعكسهما السيد الأمين العام يهددان بـ"بهدلة" فكرة الجامعة العربية والعمل العربي المشترك جملةً وتفصيلاً.
الملاحظة الرابعة (وهي ساخرة كما لا بد أن يلاحظ القارئ اللبيب):
أزعم أني أملك حلاً منطقياً للمشكلة العالقة بين النظام السوري وأكثرية الشعب اللبناني وحزب الله.
فحزب الله يحب أن يقاتل ويحرر، فيما لم تعد هناك في لبنان أراض للتحرير. والنظام السوري - الذي يحب حزب الله كما يحبه الحزب - لديه أراض للتحرير، هي هضبة الجولان، وليست لديه قوى تحررها. وأكثرية اللبنانيين تريد وضع حد لهذا الوضع الملتبس بين سلام مهزوز وسلاح لم يعد له موجب.
الحل إذاً هو التالي: يتوجه حزب الله الى الجولان بحيث يقاتل لتحريرها. هكذا يُصاب الحزب بالسرور والغبطة لأنه يمضي في قتاله وتحريره، ويُصاب النظام السوري بالاصطهاج لأن طرفاً ما، سبق له أن حرر الجنوب اللبناني، مستعد لأن يحرر الهضبة السورية، وتُصاب أكثرية اللبنانيين بالارتياح والطمأنينة لأنها تكون، والحال على ما هي عليه، قد أعفت نفسها من تطبيق عنيف للقرار 1559 فيما زال كل لبس يخص التداخل بين الحرب والسلام.
هل يؤخذ اقتراح كهذا بجدية في العام 1906؟
الملاحظة الأولى:
ها هم اللبنانيون يكتشفون أنهم يملكون سلاحاً لا يُحسب دائماً حسابه في المعارك. إنه الإعلام الذي يقال إن "وقف حملته" على دمشق بات أكثر ما يزعج الحكم السوري.
بطبيعة الحال، لم يخطر للبعث الحاكم، رداً على تحدٍ كهذا، إيلاء حرية أكبر للإعلام السوري كيما يتولى الردّ على الإعلام اللبناني. وبالطبع، لم يخطر له إطلاق الحرية لتأسيس صحف خاصة تنطق بألسنة أصحابها وبألسنة أحزاب معارضة حقيقية (هي غير قائمة أصلاً).
ذاك أن عدم الثقة بالإعلام اللبناني(أو أي إعلام) هو عدم ثقة بالإعلام عموماً. وهنا تكمن المعضلة التي تواجهها دمشق. فالذي يخاف التعبير والحرية، ولا يرى الا في الصمت والتعتيم حليفاً له، يكون عملياً في صف المهزومين حتى لو تأخّر إعلان هزيمته. ذاك أن الذي يكسب، في نهاية المطاف، هو من يواكب الحرية ويكون نصيرها، خصوصاً في زمن غدا معه أثر الإعلام على البنادق أكبر من أثر البنادق على الإعلام.
الملاحظة الثانية:
لبنان، على عيوبه، وعلى عيوب إعلامه، لا يملك الا أن يفخر بهذا الإعلام الذي بات يخيف الى هذا الحد نظاماً قائماً منذ 1963 ويحمل شعبه، منذ ذلك الحين، على العيش بموجب قوانين الطوارئ.
خلال مسيرته الدامية الطويلة، سقط من الإعلاميين اللبنانيين عدد كبير كان آخرهم سمير قصير وجبران تويني. وبين اغتياليهما أصيبت مي شدياق. وقبلهم جميعاً، استُهدف مروان حمادة الذي دخل الى السياسة أصلاً من باب الصحافة.
لكن هؤلاء سبقهم، منذ 1958، كثيرون قضوا على يد الاستبداد العسكري: من نسيب المتني وفؤاد حداد في أواخر الخمسينيات، الى كامل مروة في أواسط الستينيات، فسليم اللوزي ورياض طه في الثمانينيات.
واليوم، تحولت جريدة "النهار" الى رمز لا لحرية الصحافة والتعبير فحسب، بل أيضاً لرغبة وطن في الحرية والاستقلال.
على أبواب عيد رأس السنة الجديد هذا، والذي يأتي للبنانيين كئيباً وحزيناً، يميل المرء الى معايدة الزملاء في"النهار" ممن يعملون وسط ظروف لا يُحسدون عليها.
الملاحظة الثالثة:
السيد عمرو موسى، أمين عام الجامعة العربية، يمتلك منطقاً مدهشاً في تفكير الأمور وتعقّلها. إنه خير سليل للوعي الايديولوجي الذي تتجه أبصاره الى القضية (كما يستدعيها التحليل) أكثر مما الى الواقع الحسي والملموس.
المثال الساطع على ذلك أن الخليجيين يُرعبهم، اليوم، احتمال تطوير سلاح نووي إيراني. ذاك أن سلاحاً كهذا يمكنه التحكّم بحياتهم، كحد أقصى، وبمياههم وتحليتها كحد أدنى. ثم أن النظام الإيراني، إذا ما امتلك سلاحاً كهذا، مرشح لاستخدامه بنسبة أعلى من نسبة استخدام نظام برلماني لمثل هذا السلاح. فالنظام المذكور أبدى، منذ لحظة ولادته الأولى، عدم اكتراثه بالأعراف والمعايير، وذلك حين أقدم على احتلال السفارة الأميركية في طهران واحتجاز العاملين فيها. ثم أن تكوينه الايديولوجي، لا سيما بعد وصول السيد محمود أحمدي نجاد الى سدة الرئاسة، يزيد أسباب الخوف من استخدامه السلاح النووي.
وهذا لا يلغي خطورة السلاح النووي الاسرائيلي(وكل سلاح نووي)، ولا ضرورة للدعوة الى تجريد اسرائيل منه، أو تنظيف منطقة الشرق الأوسط كلها منه. بيد أن السوابق تقول إن الدولة العبرية خاضت أربع حروب أو خمساً ولم تستخدمه، فيما يظهر بين المحللين من يقول إن وجوده عنصر تفاوض احتياطي ما دام النزاع العربي-الاسرائيلي قائماً، وما دام الاسرائيليون يرهنون وجوده بـ"قنبلة" العداء لهم من أكثرية مليونية في المنطقة.
وكائنةً ما كانت درجة الصحة، ودرجة الخطأ، في تقديرات كهذه، يبقى ان الخليجيين متخوّفون الآن من الاحتمال النووي الايراني في الدرجة الأولى. فكيف وأن تجربتهم تقول لهم إن طهران احتلت ثلاثاً من جزرهم في عهد الشاه، الا أن النظام الخميني رفض إعادتها.
مع ذلك، يريد عمرو موسى من الخليجيين أن يمنحوا أولويتهم لخطر السلاح النووي الاسرائيلي، لا الايراني، لأن "النظرية" تقول ذلك.
بالمعنى نفسه، يريد موسى من اللبنانيين الذين يأتيهم الموت من "شقيقهم" الأكبر، أن يفكروا، أولاً وقبل كل شيء، بـ"الحرب التي تشنّها أميركا على سورية"، وليس بالحرب التي تُشنّ عليهم.
إن الوعي والسلوك اللذين يعكسهما السيد الأمين العام يهددان بـ"بهدلة" فكرة الجامعة العربية والعمل العربي المشترك جملةً وتفصيلاً.
الملاحظة الرابعة (وهي ساخرة كما لا بد أن يلاحظ القارئ اللبيب):
أزعم أني أملك حلاً منطقياً للمشكلة العالقة بين النظام السوري وأكثرية الشعب اللبناني وحزب الله.
فحزب الله يحب أن يقاتل ويحرر، فيما لم تعد هناك في لبنان أراض للتحرير. والنظام السوري - الذي يحب حزب الله كما يحبه الحزب - لديه أراض للتحرير، هي هضبة الجولان، وليست لديه قوى تحررها. وأكثرية اللبنانيين تريد وضع حد لهذا الوضع الملتبس بين سلام مهزوز وسلاح لم يعد له موجب.
الحل إذاً هو التالي: يتوجه حزب الله الى الجولان بحيث يقاتل لتحريرها. هكذا يُصاب الحزب بالسرور والغبطة لأنه يمضي في قتاله وتحريره، ويُصاب النظام السوري بالاصطهاج لأن طرفاً ما، سبق له أن حرر الجنوب اللبناني، مستعد لأن يحرر الهضبة السورية، وتُصاب أكثرية اللبنانيين بالارتياح والطمأنينة لأنها تكون، والحال على ما هي عليه، قد أعفت نفسها من تطبيق عنيف للقرار 1559 فيما زال كل لبس يخص التداخل بين الحرب والسلام.
هل يؤخذ اقتراح كهذا بجدية في العام 1906؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق