منار الرشواني - الغد الأردنية
ربما كانت لغة الزهو السورية بالنصر، كما عبرت عنه افتتاحية صحيفة تشرين الرسمية التي اعتبرت قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1644 "هزيمة للقلة التي تمثل أكثرية نيابية في لبنان"، وأن رياح مجلس الأمن لم تأت "كما تشتهي سفن المستقوين بالخارج اللبناني على داخله، ولا وفق أهواء الراكضين واللاهثين نحو معاقبة سورية وربما عزلها وحصارها"، ربما كانت هذه اللغة مبررة للوهلة الأولى بالنظر إلى أن القرار لم ينص صراحة على الاستجابة للطلب اللبناني بإنشاء محكمة ذات طابع دولي للتحقيق في الاعتداءات التي وقعت في لبنان منذ تشرين الأول من العام الماضي 2004.
وإذا افترضنا بداية أن التعبير السوري السابق عن النصر والفرحة بالقرار هو تعبير حقيقي، فمعنى ذلك أن المسؤولين السوريين يخطئون في الواقع قراءة مؤشرات وحقائق واضحة، ولربما تكون قاتلة.
فعدا عن حقيقة أن نص القرار 1644 قابل للتأويل في أكثر من موضع بما يسمح فعلا بإنشاء محكمة دولية، مع ملاحظة أن القاضي البلجيكي سيرج براميرتز الذي سيخلف القاضي الألماني ديتليف ميليس ليس سوى المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، عدا عن ذلك، فإن الحقيقة الأهم هنا هي أن معركة النظام السوري ليست أبدا مع الجارة الشقيقة لبنان، وأن الخصم الحقيقي للنظام السوري اليوم -سواء تورط أركانه أو بعضهم في جرائم الاغتيالات في لبنان أو لم يتورطوا- هو الولايات المتحدة الاميركية، القادرة على تجاوز كل قنوات "الشرعية الدولية"، سواء بشكل صريح أو خفي، لتنفيذ ما ترنو إليه، ولن يوقفها صدور قرار من مجلس الأمن من عدمه. وإذا كنا مقتنعين بأن النظام السوري يدرك دون أدنى ريب هذه الحقائق، لا سيما الأخيرة منها، فكيف يمكن إذن فهم مضمون اللغة السورية المستخدمة؟
يتمثل جوهر الخطاب الرسمي السوري "الواثق!"، والذي وجد التعبير الأكثر صراحة عنه في خطاب الرئيس بشار الاسد الأخير في جامعة دمشق، في أنه رسالة تحذيرية إلى الداخل، أي إلى المجتمع السوري وقواه ومؤسساته المطالبة بالإصلاح والديمقراطية، ومفاد الرسالة طبعا أن الضغط الدولي الذي كان عاملا مهما جدا في تحفيز ودعم مطالب تلك القوى، آخذ في التراجع والنكوص، بما يفرض عليها مراجعة حساباتها.
وبناء على ذلك، وفي محاولة لإثبات الرسالة السابقة، يمكن أيضا فهم إصرار النظام السوري على محاكمة بعض الشخصيات السورية المعارضة "بأثر رجعي"، ويكفي التدليل على ذلك الإشارة إلى محاكمة المحامي حسن عبدالعظيم، الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي والناطق الرسمي للتجمع الوطني الديمقراطي الذي يضم 5 أحزاب معارضة. فجوهر التهمة الموجهة إلى عبدالعظيم هي "حيازة مطبوعات بقصد إطلاع الغير عليها"، والغرابة أن المطبوعة المقصودة هي مجلة "الموقف الديمقراطي" التي يصدرها التجمع وتُطبع في سورية وتُوزع منذ العام 1991 دون أي اعتراض رسمي طوال الفترة الماضية!
في ذات السياق، فإن محاكمة نشطاء المطالب الإصلاحية والديمقراطية السوريين تبدو في المقابل رسالة بحد ذاتها من النظام السوري إلى الخارج، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، فحواها أن النظام مازال ممسكا بقوة بزمام الأمور في سورية، وأنه قادر على كبح جماح القوى المطالبة بالتغيير الديمقراطي، التي تعتبر موضع شك – إن لم نقل تخوين- في نظر السلطات السورية.
في محاولة أولية لتقييم النجاح السوري في تحقيق أهداف الرسالتين، يمكن القول إن الإخفاق هو النتيجة الأكثر احتمالا! فالغالبية العظمى من القوى والشخصيات السياسية السورية المعارضة تكاد تتخذ موقفا متطابقا مع موقف النظام من الولايات المتحدة، وهو ما عبر عنه حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي الذي تتم اليوم محاكمة أمينه العام، وبالتالي فإن استمرار النظام السوري في رفض أي انفتاح وإصلاح حقيقيين هو ما سيؤدي بالدفع بتلك القوى والشخصيات إلى أحضان الولايات المتحدة الأميركية، التي – ويا للمفارقة- يحضر ممثلون عن سفارتها في دمشق جميع المحاكمات السياسية والأمنية التي تتم في سورية، بعبارة أخرى فإن النظام السوري هو من يشرع الابواب فعلا لتدخل أميركي وليس العكس!
ربما كانت لغة الزهو السورية بالنصر، كما عبرت عنه افتتاحية صحيفة تشرين الرسمية التي اعتبرت قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1644 "هزيمة للقلة التي تمثل أكثرية نيابية في لبنان"، وأن رياح مجلس الأمن لم تأت "كما تشتهي سفن المستقوين بالخارج اللبناني على داخله، ولا وفق أهواء الراكضين واللاهثين نحو معاقبة سورية وربما عزلها وحصارها"، ربما كانت هذه اللغة مبررة للوهلة الأولى بالنظر إلى أن القرار لم ينص صراحة على الاستجابة للطلب اللبناني بإنشاء محكمة ذات طابع دولي للتحقيق في الاعتداءات التي وقعت في لبنان منذ تشرين الأول من العام الماضي 2004.
وإذا افترضنا بداية أن التعبير السوري السابق عن النصر والفرحة بالقرار هو تعبير حقيقي، فمعنى ذلك أن المسؤولين السوريين يخطئون في الواقع قراءة مؤشرات وحقائق واضحة، ولربما تكون قاتلة.
فعدا عن حقيقة أن نص القرار 1644 قابل للتأويل في أكثر من موضع بما يسمح فعلا بإنشاء محكمة دولية، مع ملاحظة أن القاضي البلجيكي سيرج براميرتز الذي سيخلف القاضي الألماني ديتليف ميليس ليس سوى المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، عدا عن ذلك، فإن الحقيقة الأهم هنا هي أن معركة النظام السوري ليست أبدا مع الجارة الشقيقة لبنان، وأن الخصم الحقيقي للنظام السوري اليوم -سواء تورط أركانه أو بعضهم في جرائم الاغتيالات في لبنان أو لم يتورطوا- هو الولايات المتحدة الاميركية، القادرة على تجاوز كل قنوات "الشرعية الدولية"، سواء بشكل صريح أو خفي، لتنفيذ ما ترنو إليه، ولن يوقفها صدور قرار من مجلس الأمن من عدمه. وإذا كنا مقتنعين بأن النظام السوري يدرك دون أدنى ريب هذه الحقائق، لا سيما الأخيرة منها، فكيف يمكن إذن فهم مضمون اللغة السورية المستخدمة؟
يتمثل جوهر الخطاب الرسمي السوري "الواثق!"، والذي وجد التعبير الأكثر صراحة عنه في خطاب الرئيس بشار الاسد الأخير في جامعة دمشق، في أنه رسالة تحذيرية إلى الداخل، أي إلى المجتمع السوري وقواه ومؤسساته المطالبة بالإصلاح والديمقراطية، ومفاد الرسالة طبعا أن الضغط الدولي الذي كان عاملا مهما جدا في تحفيز ودعم مطالب تلك القوى، آخذ في التراجع والنكوص، بما يفرض عليها مراجعة حساباتها.
وبناء على ذلك، وفي محاولة لإثبات الرسالة السابقة، يمكن أيضا فهم إصرار النظام السوري على محاكمة بعض الشخصيات السورية المعارضة "بأثر رجعي"، ويكفي التدليل على ذلك الإشارة إلى محاكمة المحامي حسن عبدالعظيم، الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي والناطق الرسمي للتجمع الوطني الديمقراطي الذي يضم 5 أحزاب معارضة. فجوهر التهمة الموجهة إلى عبدالعظيم هي "حيازة مطبوعات بقصد إطلاع الغير عليها"، والغرابة أن المطبوعة المقصودة هي مجلة "الموقف الديمقراطي" التي يصدرها التجمع وتُطبع في سورية وتُوزع منذ العام 1991 دون أي اعتراض رسمي طوال الفترة الماضية!
في ذات السياق، فإن محاكمة نشطاء المطالب الإصلاحية والديمقراطية السوريين تبدو في المقابل رسالة بحد ذاتها من النظام السوري إلى الخارج، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، فحواها أن النظام مازال ممسكا بقوة بزمام الأمور في سورية، وأنه قادر على كبح جماح القوى المطالبة بالتغيير الديمقراطي، التي تعتبر موضع شك – إن لم نقل تخوين- في نظر السلطات السورية.
في محاولة أولية لتقييم النجاح السوري في تحقيق أهداف الرسالتين، يمكن القول إن الإخفاق هو النتيجة الأكثر احتمالا! فالغالبية العظمى من القوى والشخصيات السياسية السورية المعارضة تكاد تتخذ موقفا متطابقا مع موقف النظام من الولايات المتحدة، وهو ما عبر عنه حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي الذي تتم اليوم محاكمة أمينه العام، وبالتالي فإن استمرار النظام السوري في رفض أي انفتاح وإصلاح حقيقيين هو ما سيؤدي بالدفع بتلك القوى والشخصيات إلى أحضان الولايات المتحدة الأميركية، التي – ويا للمفارقة- يحضر ممثلون عن سفارتها في دمشق جميع المحاكمات السياسية والأمنية التي تتم في سورية، بعبارة أخرى فإن النظام السوري هو من يشرع الابواب فعلا لتدخل أميركي وليس العكس!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق