من حق رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري ان يفخر بـ"انجاز" البرلمان العربي الذي سعى اليه طويلا ونجح في تحقيقه اخيرا في القاهرة اثناء اجتماع الاتحاد البرلماني العربي. ذلك انه يتوج مسيرة برلمانية له لبنانية وعربية ويعطيه هالة معنوية كبيرة قد تفيد تاليا مسيرته السياسية اللبنانية المستمرة منذ سنوات طويلة في مواجهة تحديات داخلية كبيرة ابرزها اثنان. الاول، اضطراره الى الانسجام التام مع شقيقه اللدود داخل الطائفة الشيعية التي مثل خلال مدة طويلة من الزمن غالبيتها اي "حزب الله" وخصوصا بعدما نجح الاخير في تحرير معظم الاراضي اللبنانية التي كانت تحتلها اسرائيل، وفي الاستحواذ على تأييد قوتين اقليميتين كبيرتين ومهمتين هما سوريا وايران الاسلامية الامر الذي جعله يتوسع في شعبيته على حساب "امل" ورئيسها ومن يمثلان. والثاني، اضطراره الى خوض معركة داخلية شرسة في ظل ظروف محلية واقليمية ودولية صعبة هي معركة احجام الطوائف والمذاهب في التركيبة اللبنانية وذلك بعدما تبدلت هذه الاحجام كثيرا او على الاقل تعدلت في السنوات الـ15 التي اعقبت انتهاء الحروب في لبنان وعليه، وبعدما بدا ان المرحلة الحالية بكل عنفها وتأزمها ستشهد تركيزا للاحجام المذكورة قد يستمر سنوات طويلة. والمفارقة في التحديين المذكورين ان الاول يفرض على الرئيس بري اظهار مرونة هي في صلب شخصيته اساسا، حيال قيادات الشعوب او القبائل اللبنانية الاخرى وابداء استعداد للتفاهم معها حفاظاً على وضعه السياسي وعلى وضع "الشعب" او القبيلة التي يمثل وان ادى ذلك الى شيء من الافتراق عن "حزب الله" شريكه الاقوى حاليا في التمثيل الشيعي. وان الثاني يفرض عليه استمرار التضامن مع "اخيه ظالما او مظلوما" اي الحزب المذكور تلافيا لانعكاس اختلافهما او تباينهما على وضع من يمثلان. إذ بذلك يخسر ويعود من يمثلان الى الوضع السياسي الداخلي الهامشي الى حد بعيد الذي كان عليه قبل بدء الحروب في لبنان سواء قبل الاستقلال عام 1943 او بعده.
لكن الافتخار بـ"انجاز" البرلمان العربي قد لا يكون في محله كثيرا لانه اتى من فوق وليس من تحت ولم يكن لمعظم الشعوب العربية اي دور فيه. وكل ما يبنى من فوق يبقى معرضا للزوال او على الاقل للجمود والفشل والدليل الابرز على ذلك هو جامعة الدول العربية التي تأسست من فوق اي بقرار من ملوك الدول العربية ورؤسائها عام 1945 وبموافقة من بريطانيا القوة العظمى في حينه. اذ كان يفترض فيها وهي كونفيديرالية ان توصل الدول العربية وشعوبها مع الوقت ومن خلال الممارسة الى الوحدة العربية وفي حال التعذر الى الاتحاد العربي. وفي حال التعذر الى تنسيق وتكامل في القضايا السياسية. وفي حال التعذر الى تكامل في الموضوع الاقتصادي. وفي حال التعذر الى حال من الاخوة الحقيقية. لكنها لم تفعل شيئاً من ذلك. والذي حصل بدلا منه كان تحولها ادارة بيروقراطية توظفها الدولة العربية الاكبر والاقوى او مجموعة من هذه الدول وخصوصا بعدما صارت الثروات احد المعايير الاساسية للكبر او للغنى. وانحصرت مهمتها في عقد اجتماعات وزارية او لقاءات قمة لم تفلح يوما في حل مشكلة عربية او لم تساهم يوما في حل مشكلة عربية اجنبية. وكل ما فعلته على مدى نحو ستة عقود كان رعاية التوصل الى قرارات عامة غير صالحة للتنفيذ بغية الايحاء للشعوب العربية ان قادتها وزعماءها يتابعون مشكلاتها ويعملون لحلها. وكان ايضا لادارة الخلافات العربية من دون القدرة على حلها. وكان ايضا انشاء مؤسسات متنوعة تدرس وتبحث وتضع توصيات هي بدورها غير قابلة للتنفيذ ليس لان "القطرية" عند الانظمة التقدمية والانظمة المحافظة كانت طاغية بل لأن مصالح هذه الانظمة والرجال الاقوياء فيها كانت اهم وبما لا يقاس من مصالح الشعوب وقد اصاب ذلك الشعوب العربية بالاحباط كما انه دفع بها في مرحلة المد القومي التي اطلقها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الى تجاوز جامعة الدول العربية والى محاولة تحقيق احلامها الوحدوية بطرق اخرى. وطبعا فشلت هذه المحاولات لانها انطلقت من عواطف واحلام وليس من مؤسسات. وكان من الافضل ان يبدأ العرب مثلما بدأ الاوروبيون بتنسيق متواضع ومحدود في مجالات محددة كي يصلوا الى الحال القريبة من الاتحادية التي وصل اليها هؤلاء. لكنهم لم يفعلوا ذلك فبدأوا من القمة غير مدركين ان عدم البقاء عليها يعني النزول منها اي الانحدار. وذلك ما حصل، والآن يأتي البرلمان العربي الذي يفترض انه يمثل الشعوب العربية. لكنه في الحقيقة وربما باستثناء برلماني لبنان والكويت وجزئيا برلمانات اليمن ومصر والمغرب لا يمثل الا الانظمة وحكامها ورجالها الاقوياء. وذلك يعني ان المرض الذي قضى او كاد ان يقضي على جامعة الدول العربية سوف يقضي ايضا على البرلمان العربي، علما انه يمكن اعتباره احدى المؤسسات المتفرعة عن هذه الجامعة. واذا كان رأس الهرم فاشلا فكيف تكون المؤسسات المتفرعة عنه ناجحة؟ واذا كان التساهل في موضوع الجامعة قبل انضمام البرلمان العربي الى مؤسساتها الفاشلة ممكنا باعتبار انها قديمة وان مشكلتها مزمنة وان لا حل لها وان بقاءها يبقى افضل من عدمه لانها تبقى اطارا يمكن استعماله في اوقات الحشرة، وهي اوقات الرفض واوقات التجاوب، فان التساهل في موضوع البرلمان العربي لا يجوز. لان ذلك يعني المساهمة في "غش" الشعوب العربية ودفعها الى الاقتناع بان العالم العربي وشعوبه في وضع جيد ومتقدم باطراد. وذلك ليس حقيقة على الاطلاق.
واذا كان الرئيس بري وزملاؤه البرلمانيون العرب جادين في "انجاز" برلمان تاريخي فان عليهم لا أن يطالبوا بحصانات لأعضائه لان ذلك ليس مشكلة ولانهم قد يمنحون هذه الحصانات انطلاقا من اقتناع مانحيها بانهم يمثلونهم ولن يخرجوا عن طوعهم. بل ان يطالبوا بان تنتخب الشعوب العربية برلمانها العربي رغم معرفتهم بان الانتخاب في ظل الوضع الراهن والانظمة العربية الحاكمة لن ينتج برلمانا قوميا افضل من البرلمانات القطرية، علما ان تجربة الانتخاب هذه قد لا تلقى الترحيب العملي.
في اختصار ان الطريقة المعتمدة لتقريب الشعوب العربية من بعضها كي لا نقول لتوحيدها او لاتحادها منذ تأسيس جامعة الدول العربية حتى الآن اعطت نتائج معاكسة. والاستمرار فيها سيزيد من الشرخ وعدم التفاهم في ما بينها بسبب مصالح الانظمة. وثانيا، بسبب الفروق الكبيرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها بين الشعوب والدول العربية. وحده التعاون بين الانظمة في المجالات المذكورة واقدامها على انشاء "دول" حقيقية في الدول التي تحكمها يساعد مستقبلا على تقريب العرب من تحقيق احلامهم الوحدوية. والنجاح في التعاون وانشاء "الدول" الحقيقية يقتضي حرية وديموقراطية مفقودتين في العالم العربي. وفي النهاية لا بد من العمل لتقدم المجتمعات العربية لان التخلف يقسم والتقدم يوحد. مع الاشارة هنا الى ان اتقان اللغات الاجنبية او استعمال التكنولوجيا الحديثة المتسارعة في تطورها ليس وحدهما وبالضرورة دليلا على التقدم. فالتخلف والتقدم موجودان في العقول وفي النفوس اولا واخيرا.
لكن الافتخار بـ"انجاز" البرلمان العربي قد لا يكون في محله كثيرا لانه اتى من فوق وليس من تحت ولم يكن لمعظم الشعوب العربية اي دور فيه. وكل ما يبنى من فوق يبقى معرضا للزوال او على الاقل للجمود والفشل والدليل الابرز على ذلك هو جامعة الدول العربية التي تأسست من فوق اي بقرار من ملوك الدول العربية ورؤسائها عام 1945 وبموافقة من بريطانيا القوة العظمى في حينه. اذ كان يفترض فيها وهي كونفيديرالية ان توصل الدول العربية وشعوبها مع الوقت ومن خلال الممارسة الى الوحدة العربية وفي حال التعذر الى الاتحاد العربي. وفي حال التعذر الى تنسيق وتكامل في القضايا السياسية. وفي حال التعذر الى تكامل في الموضوع الاقتصادي. وفي حال التعذر الى حال من الاخوة الحقيقية. لكنها لم تفعل شيئاً من ذلك. والذي حصل بدلا منه كان تحولها ادارة بيروقراطية توظفها الدولة العربية الاكبر والاقوى او مجموعة من هذه الدول وخصوصا بعدما صارت الثروات احد المعايير الاساسية للكبر او للغنى. وانحصرت مهمتها في عقد اجتماعات وزارية او لقاءات قمة لم تفلح يوما في حل مشكلة عربية او لم تساهم يوما في حل مشكلة عربية اجنبية. وكل ما فعلته على مدى نحو ستة عقود كان رعاية التوصل الى قرارات عامة غير صالحة للتنفيذ بغية الايحاء للشعوب العربية ان قادتها وزعماءها يتابعون مشكلاتها ويعملون لحلها. وكان ايضا لادارة الخلافات العربية من دون القدرة على حلها. وكان ايضا انشاء مؤسسات متنوعة تدرس وتبحث وتضع توصيات هي بدورها غير قابلة للتنفيذ ليس لان "القطرية" عند الانظمة التقدمية والانظمة المحافظة كانت طاغية بل لأن مصالح هذه الانظمة والرجال الاقوياء فيها كانت اهم وبما لا يقاس من مصالح الشعوب وقد اصاب ذلك الشعوب العربية بالاحباط كما انه دفع بها في مرحلة المد القومي التي اطلقها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الى تجاوز جامعة الدول العربية والى محاولة تحقيق احلامها الوحدوية بطرق اخرى. وطبعا فشلت هذه المحاولات لانها انطلقت من عواطف واحلام وليس من مؤسسات. وكان من الافضل ان يبدأ العرب مثلما بدأ الاوروبيون بتنسيق متواضع ومحدود في مجالات محددة كي يصلوا الى الحال القريبة من الاتحادية التي وصل اليها هؤلاء. لكنهم لم يفعلوا ذلك فبدأوا من القمة غير مدركين ان عدم البقاء عليها يعني النزول منها اي الانحدار. وذلك ما حصل، والآن يأتي البرلمان العربي الذي يفترض انه يمثل الشعوب العربية. لكنه في الحقيقة وربما باستثناء برلماني لبنان والكويت وجزئيا برلمانات اليمن ومصر والمغرب لا يمثل الا الانظمة وحكامها ورجالها الاقوياء. وذلك يعني ان المرض الذي قضى او كاد ان يقضي على جامعة الدول العربية سوف يقضي ايضا على البرلمان العربي، علما انه يمكن اعتباره احدى المؤسسات المتفرعة عن هذه الجامعة. واذا كان رأس الهرم فاشلا فكيف تكون المؤسسات المتفرعة عنه ناجحة؟ واذا كان التساهل في موضوع الجامعة قبل انضمام البرلمان العربي الى مؤسساتها الفاشلة ممكنا باعتبار انها قديمة وان مشكلتها مزمنة وان لا حل لها وان بقاءها يبقى افضل من عدمه لانها تبقى اطارا يمكن استعماله في اوقات الحشرة، وهي اوقات الرفض واوقات التجاوب، فان التساهل في موضوع البرلمان العربي لا يجوز. لان ذلك يعني المساهمة في "غش" الشعوب العربية ودفعها الى الاقتناع بان العالم العربي وشعوبه في وضع جيد ومتقدم باطراد. وذلك ليس حقيقة على الاطلاق.
واذا كان الرئيس بري وزملاؤه البرلمانيون العرب جادين في "انجاز" برلمان تاريخي فان عليهم لا أن يطالبوا بحصانات لأعضائه لان ذلك ليس مشكلة ولانهم قد يمنحون هذه الحصانات انطلاقا من اقتناع مانحيها بانهم يمثلونهم ولن يخرجوا عن طوعهم. بل ان يطالبوا بان تنتخب الشعوب العربية برلمانها العربي رغم معرفتهم بان الانتخاب في ظل الوضع الراهن والانظمة العربية الحاكمة لن ينتج برلمانا قوميا افضل من البرلمانات القطرية، علما ان تجربة الانتخاب هذه قد لا تلقى الترحيب العملي.
في اختصار ان الطريقة المعتمدة لتقريب الشعوب العربية من بعضها كي لا نقول لتوحيدها او لاتحادها منذ تأسيس جامعة الدول العربية حتى الآن اعطت نتائج معاكسة. والاستمرار فيها سيزيد من الشرخ وعدم التفاهم في ما بينها بسبب مصالح الانظمة. وثانيا، بسبب الفروق الكبيرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها بين الشعوب والدول العربية. وحده التعاون بين الانظمة في المجالات المذكورة واقدامها على انشاء "دول" حقيقية في الدول التي تحكمها يساعد مستقبلا على تقريب العرب من تحقيق احلامهم الوحدوية. والنجاح في التعاون وانشاء "الدول" الحقيقية يقتضي حرية وديموقراطية مفقودتين في العالم العربي. وفي النهاية لا بد من العمل لتقدم المجتمعات العربية لان التخلف يقسم والتقدم يوحد. مع الاشارة هنا الى ان اتقان اللغات الاجنبية او استعمال التكنولوجيا الحديثة المتسارعة في تطورها ليس وحدهما وبالضرورة دليلا على التقدم. فالتخلف والتقدم موجودان في العقول وفي النفوس اولا واخيرا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق