الثلاثاء، أغسطس 15، 2006

المصالح المشتركة في إضعاف الدولة اللبنانية


إحسان طالب 23/7/2006
حزب الله ليس قوة عسكرية صاروخية مسلحة وليس مجرد ميليشيا مقاتلة ينتهي ثقلها ودورها بهزيمة عسكرية أو تراجع مخل بترساناتها من العتاد والسلاح ، إنه تنظيم أصولي ديني سياسي شعبي يحظى بتأييد ودعم إعلامي وسياسي ومادي كبير من قبل دول إقليمية مؤثرة ( تشير التقديرات الغربية إلى أن إيران تدعم حزب الله بما يعادل 700 مليون دولار سنويا ً تدفع من خزينة الدولة الإيرانية وقناة المنار وحدها تكلف ما يقرب من 70 مليون دولار وهذا أمر منطقي وطبيعي ، فتخزين 12 ألف صاروخ متطور بمنصات إطلاقها وذخيرتها وكادرها التقني والأجهزة الالكترونية اللازمة لذلك لا يأتي من الدعاء والابتهالات والصلوات والخطب الرنانة من فوق المنابر والمدرجات والساحات العامة بل هو حصيلة لزخم مادي كبير. ) كما يحظى بقبول جماهيري جامح لدى طبقات اجتماعية محددة و فئات مذهبية في لبنان وخارجه .
الجموع الشعبية في البلاد العربية بعد عقود طويلة من الهزائم والفشل والانتكاسات والخيبات المتلاحقة للأنظمة الحاكمة ونخبها وللتيارات الفكرية والسياسية العلمانية والليبرالية ، باتت تلك الجموع رهينة للفكر الأصولي واختلطت خلايا الدماغ العاقل لديها بشعارات وعموميات دينية وقومية تسيطر على حراكها وتعتبر تربة خصبة لتنامي أجيال معلبة ومقولبة وفق تلك الأصول وقواعدها ومنطقاتها وطموحها وأهدافها.
إن هزيمة عسكرية كبيرة كانت أم صغيرة ساحقة أو جريئة لمقاومة حزب الله لن تفت في عضد ذلك التنظيم الأصولي السياسي والاجتماعي وتدفعه إلى الوراء بل على العكس من ذلك فإن الطاقة المختزنة للعنف والغضب والعزيمة نحو التغيير والتي كانت مصوبة ومجيشة نحو العدو الإسرائيلي ستغير اتجاهها بعد الهزيمة إلى الداخل حيث سيكون رد الفعل المعتاد للحركات الأصولية والشمولية في حال الهزيمة ، تزييف الوعي وقلب الحقائق ونقل الصراع نحو الداخل المشتمل في نظرهم على الخونة والعملاء والمترددين والمتخاذلين.و لن يكون الحال بأفضل في حالة النصر المستبعدة . وما يشهده العراق الجريح من صراع بين القوى الأصولية منتصرة كانت أم مهزومة يؤكد على النزعة الكامنة لدى التنظيمات الأصولية و الشمولية في قلب الهزائم إلى انتصارات و استغلال الانتصارات الجزئية أو المحدودة للفوز بكل الكعكة المتنازع عليها .

إن الأسابيع القادمة والمتوقع فيها استمرار الحرب المفتوحة ستضع مخططا ً جيو سياسيا و جيو استراتيجي ،ً جديدا ً ليس في لبنان فقط بل وفي الدول العربية المجاورة لها ،وفي الإطار الإقليمي أيضا .
لقد أفصحت حرب حزب الله مع إسرائيل عن رغبة وإرادة وعزيمة إسرائيلية في تدمير الدولة الرسمية اللبنانية وإضعافها وإيصال قدرتها على اتخاذ القرار إلى نسبة الصفر.
ليس من مصلحة العدو الإسرائيلي قيام حكومات وأنظمة وطنية ديمقراطية قوية لا في لبنان ولا في سواه من الدول العربية، فتلك غالبا ً ما تحظى بتأييد شعبي حقيقي واع عارم في أوطانها وخارجها يسمح لها بالوقوف في وجه أعدائها والصمود في صراعاتها بطريقة مثلى تحقق المعادلة الصعبة والتوازن المطلوب بين إرادة الشعوب وشريعة القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المرتبطة بالصراع العربي الإسرائيلي ، وبذلك تنال التأييد والدعم العربي و الاقيلمي المعلن و تستأثر كذلك بدعم ومناصرة المجتمع الدولي الذي لا يجد بدا ً من الوقوف إلى جانب الأنظمة التي تدير صراعاتها بالمفاوضات والسياسة استنادا ً إلى إرادة وطنية وقرارات أممية لا بديل للعدو عن الانصياع لها مهما طال الزمن .
إن إضعاف الحكومة اللبنانية لهو هدف أولي للعدوان الإسرائيلي على لبنان وهو في نفس الوقت أثر جوهري لتلك الحرب بغض النظر عن المنتصر أو المنهزم فيها طال أم قصر زمن تبادل القتل والقصف بين طرفين غير متكافئين بين دولة محصنة ومستعدة لحروب طويلة الأمد سبق لها وخاضتها تدعمها أقوى دول في الأرض وتعترف ظلما ً بقية دول العالم بحقها في الدفاع عن أمنها بتلك الأساليب العنيفة و المبالغ فيها ، وبين دولة كانت وما زالت تعاني من اضطرا بات وصرا عات سياسية وطائفية وإقليمية على مدى ثلاثين عاما ً الماضية دولة سماؤها مفتوحة وأرضها مباحة وماؤها منتهك .
إن دولة مضطربة متصارعة متحاربة داخليا ً ضعيفة في مواجهة الأخطار الخارجية والتدخلات المحورية خير ألف مرة لإسرائيل من دولة قوية معافاة تجري فيها انتخابات ويمارس فيها الشعب دوره في سن القرارات وممارسة السياسة و الحكم .
بعد خمس سنوات من الحرب الأهلية اللبنانية المدمرة تمكنت إسرائيل من احتلال الجنوب والتوغل وإسقاط بيروت كل ذلك خلال أشهر قليلة ، في حين استغرق التحرير عشرين عاما ً من المقاومة والمفاوضات والجهود العربية والدولية ، رافقتها جهود جبارة في البناء والتعمير .
إنها فرصة نادرة قد لا تتكرر تستغلها إسرائيل وأمريكا وتستغل توابعها وارتداداتها في المستقبل لإضعاف الدول المجاورة لإسرائيل إلى أقصى حد ممكن والبقية تأتي .

ليست هناك تعليقات: