الأربعاء، أبريل 27، 2005

إحسان طالب_التحالف بين التيار الديني و الأنظمة الشمولية الفردية

التحالف بين التيار الديني و الأنظمة الشمولية الفردية

عندما جاء البعث إلى الحكم من خلال انقلاب آذار 1963 رفع شعار الحرية والاشتراكية و اعتبر التيار الديني رجعياً برجوازياً معادياً للثورة و بأيديولوجية صارمة أخذت السلطة الجديدة بتصفية الثقافة الدينية لتحل محلها الثقافة القومية و لم تنجح هذه السياسة سوى في مزيد من تقوقع المتدينين داخل فكر يميل إلى الانغلاق و استعداء المجتمع و الدولة. و كرد على مصادرة الحريات من قبل النظام البعثي لجأ التيار الديني إلى تشكيل تنظيمات سرية و ضعت نصب عينها الوصول إلى السلطة و تغيير النظام القائم و تأجل الصراع المرير بسبب نكسة حزيران و إبان فترة التصارع على السلطة حتى عام 1970 و انتظر المتدينون مع غيرهم التغيير و جاءت حرب تشرين لتأجل المشروع الوطني إلى أن تفجر الصراع الدامي في نهاية السبعينيات.
و بعد ما تمت إزالة آثار الحرب رفعت السلطة شعار لا حياة في هذا البلد إلا للتقدم و الاشتراكية و كانت تعني الموت لكل من يفكر في الوصول إلى السلطة من خارج النظام و في بداية عقد الثمانينيات خمد التيار الديني وتوارى عن الساحة السياسية ثم ما لبث أن ظهرت شخصيات مثل الشيخ أحمد كفتارو و الأستاذ سعيد البوطي قادرة على لعب دور في المصالحة بين النظام و المتدينين على أساس ارتباط القومية بالدين لكن تلك النخبة المتدينة لم تستطع تأسيس فكر ديني قادر على الولوج في العمل السياسي بمعزل عن السلطة و تم الدمج بين السلطة الشمولية و التيار الديني الحكومي الصاعد.
و من أجل البعد عن الأنظمة الديكتاتورية تحاشياً لبطشها و قمعها جاءت المدرسة السننية الاجتهادية بمطروحات متقدمة رداً على كتابات و دراسات كانت تطرح حلاً وحيداً لكل الأزمات و المشاكل الوطنية و الكونية المتمثل في العودة إلى النص المقدس
(لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها و لم يصلح أولها إلا بالعودة إلى الكتاب و السنة)
و رأت المدرسة الجديدة التي أسسها مالك بن نبي و أحياها جودت سعيد في كتابه (حتى يغيروا ما بأنفسهم) البحث عن حلول حقيقية تقترب أكثر من العلم و العقل و ذلك في مواجهة المدرسة التقليدية و روادها أبو الأعلى المودودي الباكستاني و أبو الحسن الندوي الهندي و سيد قطب المصري.
و بدأ يلوح في الأفق منهج التغيير و السنن كثورة فكرية قادرة على تقديم مفاهيم جديدة و رؤية حديثة تطرح الفكر الديني في قوالب متجددة بما تحمله من عودة إلى النهج العلمي و فتح مباشر لباب الاجتهاد الموصد إلا أنها لم تلقَ الدعم و الاستمرار و لم تأخذ القدر الكافي من الاهتمام من أجل صياغة نظرية إسلامية جديدة قادرة على التعامل مع المتغيرات الاقتصادية و الدولية, و تم الالتفات عليها و نقدها من أصحاب المدرسة السلفية (الشيخ ناصر الألباني) و الأخرى المذهبية التقليدية (الشيخ صالح فرفور) و تم الانعطاف للتيار الديني الشعبي في اتجاه الأصولية التي ترى الحلول عاطفية و غيبية.
و عاد الغزل بين السلطة الفردية و التيار الديني و أخذ أشكالاً أقرب ما تكون إلى المصالحة و تبادل المنافع. و تحولت استراتيجيات الديكتاتوريات الحاكمة في البلاد العربية من الصراع مع الحركات الإسلامية إلى الاستفادة منها و تبادل المنافع و المساعدات على حساب الشعوب, فبدلاً من التضارب و الصراع و التيار الديني اقتنع هذا التيار بالسماح له بتعميم مظاهر التدين في المجتمعات مقابل المساهمة في تهميش الناس و إخراجهم من اللعبة السياسية و إبعادهم عن العمل الثقافي و تغييب كامل لمفاهيم المجتمع المدني و حقوق الإنسان و إفراغ مفاهيم الحرية في الفساد و التحلل الأخلاقي. و حصر مواقف المتدينين في قوالب عاطفية تذرف الدمع عند سماع ((إن عذاب ربك لشديد)) و لا تحرك ساكناً أمام هدر حياة الآلاف من أبناء الوطن والسكوت المطبق عن النهب المنظم لموارد البلد, بحجة الحصول من السلطة على مزيد من المزايا فانتشرت المعاهد الدينية تحت و فوق و جنب كل مسجد و ازدهرت الجمعيات الخيرية التي يتم تقاسم أرباحها و تم إعداد تنظيم محكم لبناء مئات المساجد الجديدة و ما يترتب على ذلك من منافع مادية لأركان النظام و رموز المتدينين.
وهكذا صارت العلاقة جدلية و وجدت السلطة الفردية فائدة عظمى من انتشار تيار ديني عام مغفل و منفعل بقوة في نفس الوقت فالثقافة المشايخية تسوغ مفاهيم الرضوخ و الذل و كل أنواع التمييز و الظلم الاجتماعي و الاقتصادي تحت مبدأ ((و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم)) الشورى_30_
فالنظام الحاكم ليس مسئولا عن أي شيء من المآسي و العذابات التي يعيشها الناس بل الذنوب و البعد عن منهج التقوى هو الذي يؤدي إلى حياة العذاب و الشقاء ((و من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا)) طه_124_
و هكذا ينم تأويل و توظيف كل المأثور لصالح الاستمرار في نهج الخدمات المتبادلة بين الحكام و أئمة المساجد و المعاهد. فتغيير ما في النفس قائم أساساً على تطهيرها من الذنوب و المعاصي و كلما ازداد الخشوع في الصلاة و إطالة السجود و الركوع و قيام الساعات الطويلة في الليل أدى ذلك إلى تغيير الأوضاع المنحرفة لأن تغيير ما في النفس يغير الواقع. هكذا تختزل القيم الكبرى و تختصر في حركات و أقوال. يقول محمد الغزالي: (إنه من الظلم للحقيقة الكبرى أن تتحول إلى أسطورة خارقة)ا.ه
يسعى المشايخ إلى جمع الناس و تركيز اهتماماتهم نحو الغيب و معالجة هموم الواقع بالهروب منه و طلب الحل المعجز من السماء ففي سنسن الجفاف تتم الدعوة إلى الخشوع و البكاء و صلاة الاستسقاء و إظهار الخضوع للخالق و الوقوف في العراء و رفع اليد و الصوت بالدعاء لإنزال الغيث, لقد ورد عن النبي صلاة الاستسقاء لكنها كانت الحل الوحيد. في منتصف السبعينيات أوجد علماء الروس نظاماً علمياً للاستمطار و حقق هذا البرنامج نجاحات كبرى و ما زال يتطور أما في بلدنا فعندما يتأخر موسم الأمطار ينبري المشايخ لتحميلنا المسؤولية فالنساء الكاسيات العاريات و الشباب الفاسد المتعلق بالموسيقا و الرياضة و الانصراف عن الاعتكاف في المساجد و قضاء الساعات الطويلة خلف الكومبيوتر هو السبب في انقطاع الغيث من السماء.
و بهذا تبرأ ساحة السلطة الحاكمة تماماً فلا السياسات الملوثة للبيئة و لا التصحر و لا قطع ملايين الأشجار من المدن و جلب الآلاف من الحافلات التي تبث السموم و تفسد السماء له أي أثر فهنيئاً للأنظمة بأئمة التيار الديني الذي لديه العصا السحرية لتبريء ساحتها و إلقاء اللوم على عامة الناس بتردي الأوضاع الإنسانية و المعيشية التي تعيشها الشعوب.
و في السنوات الأخيرة أخذ التحالف بين التيار الديني و السلطة بعداً أيديولوجياً و التقاءً عقائدياً راسخاً و تداخلت السياسات البراغماتية للنظام مع مصالح أئمة التيار و أتباعه فخطباء المساجد و علماء الدروس دأبوا على ترسيخ مبادئ الخضوع المطلق نحو القائد الأعلى تحت ذريعة محاربة الخارج الكافر الذي يحيك المؤامرات و يسعى لاقتلاع الدين من جذوره و تدمير العقيدة و هدم الأخلاق. فكل الغضب و السخط ينبغي توجيهه نحو الأعداء المتربصين بنا و الخطر الداهم يقضي بنسيان الحقوق المهدورة و المسلوبة للوطن و المواطن في الداخل و التفرغ للعدو الكافر الغاشم الذي ينتظر على الأبواب. و بهذا تفرغ دعاوى الإصلاح السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و تغدو المطالبة بحقوق المواطن في الحرية و الديموقراطية ذنباً و إثماً عظيماً, فالغالي و الرخيص يهون أمام الرباط في سبيل الله و صد الغزو الخارجي و هذا هو الواجب الديني الأول في هذه المرحلة (و في كل المراحل السابقة أيضاً).
إن الشكوك التي يبديها التيار العلماني الليبرالي في بلدنا تجاه تحركات التيار الديني ليست تاريخية أو أيديولوجية إنما هي مخاوف أوجدتها نتائج ملموسة و تجارب معاشة في الماضي القريب و الحاضر الراهن. لكن ذلك لا يعني رفض الحوار أو التعاون بقدر ما يعني السعي لإحياء تفاهمات و توافقيات على أسس و قيم و مبادئ مشتركة موجودة في طيات الفكر الديني كانت محركاً فعالاً في مراحل تاريخية ضد الظلم و الاستبداد.
عندما نقف جميعاً على مسافة واحدة من الرغبة الحقيقية في التعاون من أجل التغيير فإن كثيراً من الاختلافات ستذوب و سيذكر التاريخ قريباً أن أبناء سورية استطاعوا النهوض بتفكيرهم و أحلوا العقلانية في حوارهم حتى تمكنوا من إعادة الحقوق إلى نصابها و بناء سورية وطناً حراً ديمقراطياً يتساوى فيه أبناء الشعب الحضاري الذي عرف أول مجلس نيابي عربي منتخب عام 1956 تمثلت فيه كل أطياف الوطن السياسية و العرقية و الدينية.. كانت اللوائح الانتخابية آنذاك تفصل على أسس وطنية تتجاوز الاختلافات العقائدية و المذهبية,فكتلة فارس الخوري الوطنية تفوقت على كتلة مصطفى السباعي الدينية. إنه نموذج ما زال حياً يستذكره أبناء سورية كما يستذكره البعثيون حيث كانوا ممثلين في ذلك المجلس و هم قبل غيرهم يعلمون إلى أي حد كانت الانتخابات آنذاك حرة و ديمقراطية و هذا لا يعني أن تلك الحقبة كانت منزهة عن الأخطاء و العيوب لكنها كانت الأفضل بدون شك.
إن تعاون كافة الأطياف السورية الساعية للتغيير من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مهم جداً و سيساهم في حماية الوطن من التجارب السابقة الخاطئة التي أدت إلى الكوارث في أوائل الثمانينيات.
فالعمل على أسس علنية واضحة سلمية تنبذ العنف و تلغي التغيير بالقوة و تبتعد عن كل ما يسيء لوطنيتها وتؤمن بالمساواة و التعددية و تعترف بالفسيفساء العرقي و الفكري و الديني السوري هي الضمانة الوحيدة للحفاظ على بلدنا الحبيب من الكوارث و العواصف الخارجية والاضطرابات الداخلية.

الأحد، أبريل 24، 2005

إحسان طالب_التغيير الراهن في سورية و دور المعارضة في تجنب التجربة العراقية


التغيير الراهن في سورية و دور المعارضة في تجنب التجربة العراقية

قبل سبعين يوما فقط كان الحال مختلفا تماما ولم يكن أحد في لبنان يجرؤ صراحة على التظاهر ورفع شعارات منددة بالسياسات السورية وموجهة التهم إلى كبار المسؤولين السوريين والمناداة بالاستقلال بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
قبل عشرة أيام فقط كان النائب ناصر قنديل الصوت الأقوى والأعمى في دعم الموقف السوري والدفاع عنه باستماتة بدوية على مبدأ انصر أخاك ظالما أو مظلوما، ما كان يدور بخلد أحد أن يتحول ذلك الرجل الذي ما إن يبدأ بالكلام حتى يصعب الاستمرار في الاستماع إليه لشدة تصلبه وتخشبه، حيث كان يلقي التهم جزافا على كل من يعارض أو يسأل .
كانت أجهزة الإعلام السورية ( في الواقع هي أجهزة إعلان كما قال أنور البني ) كلما أرادت لبنانيا يتشدق بالقيم والمبادئ التي يجد بعض المثقفين السوريين الموالين غضاضة بالخوض في غمارها تلجأ إلى ناصر قنديل حتى يسرح ويمرح فهو المضمون مئة بالمئة ولا داعي لأية مراجعة أو مراقبة لما يقول لذلك كانت معظم لقاءات الإعلان السوري مع ناصر قنديل تتم على الهواء مباشرة.
نشرت جريدة الحياة بتاريخ 24/4/2005 م الخبر التالي :
تتداعى التركيبة السورية في لبنان على نحو دراماتيكي هذا على الأقل ما تشير إليه تصريحات وتصرفات أشد حلفاء سورية اللبنانيين شراسة حين يطلب النائب ناصر قنديل من سورية اعتذارا لأنصار جعجع وعون ا.ه
ن. ق الذي يشعر بحزن شديد على رفيق الحريري لكنه لم يتمكن من إبراز حزنه قبل هذه الأيام و يضع إمكاناته في تصرف آل الحريري, كما جاء في البيان الصادر عنه و الذي نشرته جريدة الديار بنفس التاريخ السابق.
هل هي براعة الساسة في لبنان أم أنها قدرة فائقة على استقراء التطورات القادمة؟ إنها بلا شك دلالات لا يخفيها الصمت و لا يعيقها انتظار المؤتمرات و لن يقف قي طريقها استمرار الآلة الإعلامية الرسمية في سورية في التركيز على كل شيء إلا الداخل السوري.
إن التغيير غدا حقيقة ماثلة للعيان لا يغفل عنها إلا أعمى البصيرة و القلب, كل الإحصاءات و الأرقام عن التنمية الإنسانية و الاقتصادية في سورية تدعو إلى مزيد من الاحتقان و الضيق لدى المثقف السوري بما يدفعه نحو العمل من أجل التغيير حرصاً على مصلحة البلاد و العباد.
المعارضة السورية و آليات التغيير:
سورية ليست بخير و المستقبل المنظور لا يبشر بالاستقرار و الأمن و كل الدلالات و التصريحات الدولية الصديقة لسورية و المعادية لها توحي بأجواء ما قبل غزو العراق و الرئيس بشار قال في أحد مقابلاته للصحافة الغربية: (أنا لست صدام). و هذه حقيقة واضحة للعيان يجب تأكيدها بالعمل و النتائج على أرض الواقع و أقصد بذلك الداخل السوري.
المعارضة السورية ما فتئت تطالب بتغييرات مباشرة تعطي أملاً حقيقياً برغبة النظام في التغير و إزالة الأوضاع الشاذة التي يعاني منها أبناء الوطن و ما ظهر على أرض الواقع لا يشكل سوى خطوة في طريق الألف ميل و ليس مقبولاً الانتظار حتى انتهاء مؤتمر البعث فالمطالب المشروعة يأتي على رأسها استفراد الحزب الواحد و تحكمه في مقادير البلاد و العباد.
دعا بعض أطياف المعارضة إلى مؤتمرات وطنية تمهيدية يتم فيها التوافق على وثيقة وفاق وطني كما رأى آخرون ضرورة الاستمرار في الحوار من أجل بلورة الأفكار و المفاهيم و الأوليات الوطنية و الديمقراطية التي على أساسها يرتكز مشروع التغيير المفترض العمل على صياغته, و لم يكف رجال مناضلون في صفوف المعارضة عن القول بضرورة إدخال الثقافة العلمانية كمحرك لاجتذاب الأطياف المتباعدة في المناهج و المتفقة على ضرورة التغيير الجذري.
و الواقع أن الآراء السابقة آليات مهمة ينبغي العمل على نقلها إلى حيز الوجود بما يساهم في تأسيس تيار معارض ينتقل من حيز الحراك الذاتي فكرياً و عملياً إلى حيز الحقيقة الراهنة و المؤثرة. فصلابة المعارضة و ثباتها على مطالبها في الديمقراطية و حقوق المواطن التي أساسها حقوق الإنسان كما نصت عليها شرعة الأمم المتحدة, تعد الركيزة الأولى في وجود هذه المعارضة و تناميها و قدرتها على استقطاب المثقفين المهمشين داخل النظام و الوطنيين الغيورين على بلدهم و لا يجدون الجرأة و الفرصة للعمل من أجل رفع المظالم الدستورية و القانونية و الاقتصادية التي يرزح تحت عبئها أبناء سورية.
إن الكتابات الأخيرة لطيب تيزيني و عماد الشعيبي و برهان غليون تبشر بتنامي تيار عالي الثقافة و المعرفة أخذ يدلي بقوة في بيان مأساوية الأوضاع الحالية و ضرورة تبديل عباءة الماضي بما يكفل حماية المواطن كإنسان والبلد كوطن و لست أبالغ إذا تصورت أن النواة القابلة للنمو من أجل بزوغ منتدى ربيع سورية موجودة و سوف تتعزز بخروج رواد ربيع دمشق من الأسر.
تجمع المعارضة السورية بكل أطيافها على الاعتماد على الذات و تضافر الجهود الداخلية من أجل تغيير سلمي يستوعب الدرس العراقي و يتجنب بحر الدم و نار الفتنة من هذا الباب نرى أهمية كبرى في الارتقاء بالمعارضة السورية عن كل دعوة طائفية أو عرقية أو مناطقية و الاستذكار بأن الشعب السوري الذي ضحى باستقلاله من أجل وحدة مع مصر لهو جدير و قادر على التضحية بالمصالح الذاتية و الضيقة المرتبطة بالفئوية و العشائرية و النزعات الدينية من أجل مصلحة الوطن العليا.
و بذلك نفوت الفرصة على ضرب الوحدة الوطنية باسم الأمن و الاستقرار و نقف في وجه مخططات خارجية تضع في حسبانها مصالحها و مصالح حلفائها في المنطقة قبل و بعد مصلحة المواطن السوري و وطنه.
و لعل أول المعنيين بالوصول إلى بر الأمان بالبلد و الناس هم أهل السلطة ولا يجوز لهم بحال من الأحوال دفن رؤوسهم في التراب و محاولة حل الأزمة الراهنة خارجياً فقط, فالدرس اللبناني حي ماثل شديد الوضوح و من المخزي تجاوز مدلولاته و عدم الاعتراف بالهزيمة في تحقيق أي من مبررات الوجود السوري في لبنان و أقصد هنا المبررات المشروعة على الأقل التي كان يمكن للبنانيين النظر فيها سابقاً.
إن فرضيات القضاء على الفساد و عمليات الإصلاح الإداري و الاقتصادي و محاولة زيادة الدخل و دعاوى التطوير و التجديد كانت محاولات جادة نحو الأفضل إلا أنها في الواقع لم ترتق ِ إلى المطلوب و لم تحقق النتائج المأمولة. و لعل سبباً حاسما في ذلك إنما يعود إلى المعوقات المتمثلة في الفكر القديم المسيطر على زمام الأمور و الذي يعارض التغيير لأهداف غير نبيلة بل و للحفاظ على مكاسب قديمة و طموحات لا حدود لها في المستقبل.
أود الإشارة هنا إلى ضرورة طرح الثقة المتبادلة بين أطراف التيارات المنطوية تحت لواء مسمى المعارضة و عدم التشكيك في النوايا و التطلعات فالغاية المرجوة التي نهدف إليها جميعاً هي وطن ديمقراطي حر مستقل بدستور علماني يترك الباب مشرعاً لكل الإثنيات المتواجدة على أرض الوطن و الراسخة في الأذهان.
ختاماً أقول لكل الوطنيين السوريين الديمقراطيين من مثقفين و مناضلين سابقين علينا جميعاً العمل يداً بيد من أجل مشروع وفاق وطني يختزل التجارب النضالية و الثقافية و يؤصل لمفاهيم معرفية تسهل تحديد آليات معينة للتغيير بما يضمن مشاركة كل أبناء الوطن المؤمنين بأن شعب سورية يستحق الديمقراطية و قادر على التعامل مع التغيير السلمي بكل رقي و حضارة.

السبت، أبريل 23، 2005

إحسا ن طالب_عندما يتحول الاعتقاد إلى جريمة...أحكام قتل المرتد


عندما يتحول الاعتقاد إلى جريمة
أحكام قتل المرتد

تعتبر ازدواجية النصوص في الفكر الديني الأصولي مشكلة مستعصية على الحل لم يتمكن من الخروج منها وتجاوزها كبار الكتاب والمفكرين الإسلاميين حتى وقتنا الحالي، وتعود العقدة في أساسها إلى التضارب في العديد من مفردات المنقول القابعة فوق العقل.

حاول الأستاذ محمد الغزالي في كتابه فقه السيرة رد بعض الأحاديث والروايات الصحيحة المنقولة عن النبي (ص) لمخالفتها للقواعد الجامعة والأصول العامة لكن تلك المحاولة لم تلقى الصدى وما زالت النصوص التي ردها قائمة يعمل بها كحديث (لا يقتل مؤمن بكافر)
وفي حين كان القرضاوي في كتب سابقة (الفكر الإسلامي المعاصر) يتحدث عن حقوق المواطنين غير المسلمين نجده ـ ولوقت قريب ـ يبيح وأحيانا يدعو لقتل اليهود والنصارى و الأمريكان من مدنيين وغيرهم في الأماكن التي يعتبرها دار حرب.

وفي الوقت الذي يعتبر سيد قطب في كتابه الظلال أن حرية الاعتقاد هي أول حقوق الإنسان التي يثبت له بها وصف إنسان . الظلال جـ 1 ص 425 ، نجد أن محمد قطب في كتابه جاهلية القرن العشرين يعتبر كل المجتمعات العربية الإسلامية أكثر جاهلية من العرب البدو وربما أكثر كفرا.
وفي تقديري فإن هذه الازدواجية إنما جاءت بداية من النصوص المتضاربة في المسألة الواحدة مما تسبب في إرباك في الفهم وعجز عن الوقوف إلى جهة محددة أو حكم واحد.
ففي مسألة قتال الكفار نجد ما يلي : هناك نصوص عديدة لا لبس فيها تدعو لقتال المشركين كل المشركين في كل وقت وفي أي مكان ولا يكف عن القتل والقتال إلا بإسلام المشركين، من هذه النصوص :
( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ) البقرة 193
قال الشوكاني في تفسير هذه الآية : فيه الأمر بمقاتلة المشركين إلى غاية الدخول في الإسلام والخروج من سائر الأديان. فتح القدير مجلد 1 ص 191 ، ويرى المفسرون أن هذه الآية جاءت حاكمة على ما جاء قبلها من أوامر الصفح والكف والعفو وعدم المبادرة بالقتال.
( ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون ) سورة الفتح آية 16.
والآية 29 من سورة التوبة فيها الأمر بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون .
( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) التوبة آية 5 .
وفي المقابل نجد آيات عامة وذات دلالات متعددة اختلف المفسرون في أحكامها من ذلك.
( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ) البقرة ــ 208 ــ
( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) البقرة ــ 256 ــ
وباستقراء لآراء المفسرين في الآية الآمرة بالدخول في السلم لا نجد أي منهم اعتبر كلمة السلم مقابل الحرب بل أجمعوا على تفسير السلم بالإسلام وبرروا النداء للمؤمنين واعتبروا المقصود بالنداء هم المسلمون والمنافقون وأهل الكتاب.
أما آية لا إكراه في الدين ولتي تعد من أكثر الآيات وضوحاً في مجال حرية الاعتقاد لم تكن كافية للتخفيف من قوة وضراوة الآيات الأخرى الآمرة بالقتال. وبالرغم من أن العبرة عند المفسرين في عموم اللفظ لا في خصوص الحادث الذي تسبب في نزول الآية. إلا أننا لم نرى أحداً من المفسرين اعتبر آية الإكراه ناسخة لغيرها أو مقيدة لأحكام أخرى.

((تدخل الجماعة السلفية للدعوة والقتال (قائدها أبو مصعب عبد الودود) القرى الجزائرية النائية فتقتل الرجال والنساء والأطفال وتترك البلدة خراباً ودمار))
وذلك تحت ذريعة قتال المرتدين، وعندما يسألون عن قتل النساء والأطفال يحتجون بـ ((ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً)) نوح 26-27
وللعلم فقط فهذه الجماعة مؤيدة لأعمال الجهاديين في العراق وأفغانستان.

بتاريخ 20\4\2005 وجدت الشرطة العراقية في منطقة الصويرة على بعد 50 كيلومتر غرب بغداد، ثمان وخمسين جثةـ قتلوا وذبحوا حديثاً. وبين المذبوحين أطفال صغار وبنات.
وهنا لا بد من الإقرار بوجود نصوص عنيفة يجد فيها المتطرفون السند والدعم والحجة لارتكاب جرائم القتل والذبح وتقطيع الأطراف ((إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقتـّلوا أو يصلـّبوا وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف)) المائدة 33.

((من بدل دينه فاقتلوه))
رواه البخاري

بتاريخ 25\4\2005 أوردت جريدة الجزيرة السعودية الخبر التالي ((مائتين وخمسة عشر رجلاً وامرأة يدخلون الإسلام في محافظة الدوادمي منذ إنشاء مكتب الدعوة والإرشاد حتى الآن))

تعد مسألة قتل المرتد من الأحكام الشائكة في الفكر والفقه ذلك لما فيها من تناقض مع حرية الاعتقاد وحدّة في التعامل مع الرأي الآخر، ففي الوقت الذي يرحب فيه المسلمون بمن ينضم إليهم من أديان أخرى تاركاً دينه القديم، نرى عامة المسلمين ونـُخب المتدينين يثورون عندما يرون أحداً من أبناء دينهم قد بدل دينه، وتصدر الفتاوى بتحليل دمه، كما حصل مع الكثيرين من المفكرين والكتاب. عندما نشر سلمان رشدي كتابه ((الآيات)) في أواخر الثمانينيات، أصدر الخميني حكماً بهدر دم الكاتب والناشرين وقطعت إيران علاقاتها يومئذ مع بريطانيا.

كذلك أصدر قاضٍ مصري فتوى بتكفير (نصر حامد أبو زيد) وتطليق زوجته، وهدر دمه. وطعن أحد الشبان الكاتب نجيب محفوظ في عنقه رداً على ما كتبه حامل جائزة نوبل من روايات.

والأمثلة كثيرة في تاريخنا القديم والحديث ((وكم من عالم مسلم دفع حياته ثمناً لإبدائه رأياً، فهذا المولى ظهير الدين الأردبيلي اتهم بالتشيع فقبض عليه وحكم عليه بالإعدام، فقطعوا رأسه وعلقوه على باب زويلة بالقاهرة)) حسن صفار، التعددية ص203

وقد يذهب بعض المشايخ إلى حد بعيد في أحكام الردة ويعتبرون أعمالا أو إشارات معينة تكفر صاحبها وتهدر دمه إذا رفض العودة عن كلامه أو فعله فتنفذ عليه أحكام المرتد. وأذكر بعضاً مما جاء في كتاب الكبائر للإمام الذهبي والتي تعتبر ردّة ((لو تشبه بأهل الكتاب، لو قال المسلمون في عيني كاليهود، لو تمنى أن لا يحرم الله الزنى)) وربما يفسر ذلك ما نراه اليوم من أعمال إرهابية يقوم بها بعض المندفعين والمتأثرين بنصوص ونـُـقـولٍ لا تترك مجالاً للرأي الآخر. وتعتبر مجرد الاعتقاد بل وحتى مجرد القول ردة يجب التعامل معها بحد السيف.

إن أحكاماً تفشت وانتشرت في ثقافتنا الدينية ساهمت إلى حد بعيد في إشاعة ثقافة القتل والذبح، ومصادرة رأي الآخر وأوجدت جواً رهيباً من التعصب والتزمت ملأ الرؤوس والعقول بقوالب فكرية محدودة جداً، وجاهزة ليحكم بواسطتها على أي تصرف أو قول وإصدار الحكم اللازم وتنفيذه، والذي غالباً ما يكون القتل.

ولا يفيدنا أن ندعي في كل مناسبة أننا أهل التسامح والرحمة والعدل فبدون الاعتراف والإقرار بأن ما يدفع الأجيال نحو الإرهاب ليس فقط تصرفات أعدائنا، بل وثقافة تجذرت في أعماق وعينا وأنبتت تصلباً وتعصباً بلغ حد القتل والذبح، بمجرد الاشتباه بقول أو فعل بسيط ((إنه يجب قتل المرتد وهو إجماع وإنما وقع الخلاف هل تجب استتابته قبل قتله أولاً)) سبل السلام للصنعاني مجلد 2 ص 264

((إن أعمىً كانت له أم ولد تشتم النبي (ص) وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي، فلما كان ذات ليلة أخذ المعول فجعله في بطنها واتكأ عليه فقتلها، فبلغ ذلك النبي (ص) فقال : ألا اشهدوا فإن دمها هدر)) رواه أبو داوود ورواته ثقات، المصدر السابق ص266.

مثل هذه النصوص والنقول لم يدسها المستشرقون في كتبنا، ولم ينقلها أحد عن كتب حكماء صهيون، بل هي آثار ثابتة وموجودة وهناك ما أشد منها ولا يعقل أننا في كل مرة ندفن رأسنا في التراب ونلقي تبعة البلاء على الآخرين.
تؤلف كتب عديدة نمتدح فيها رجالاً ونساء تركوا دينهم الأصلي ودخلوا في ديننا ثم نعتبر المرتد _ وهو حكم قد يكون سببه جملة أو بضع كلمات_ خائناً للأمة والوطن مهما كان تاريخه أو توجهه، فنهدر دمه وندعو لقتله.

إشكالية الإنسان والإيمان :

الإنسان جوهر ذو قيمة بمنأى عن الإيمان له حقوق ذات حصانة تكفلها شرعة حقوق الإنسان. وتشترك النظم الشمولية مع النظم الأصولية في تقزيمه وربط كرامته وحقوقه بنظمها وتشريعاتها ((إن جوهر الأصولية الدينية بالمعنى الفلسفي والفكري أنها ترى المؤمن ولا ترى الإنسان فهو عندها إنسان بقدر ما هو مؤمن)) ميشيل كيلو من حوار نشر على شبكة الآن.

وهذه حقيقة يؤكدها استقراء النصوص التي تناولت الإنسان كمفهوم مجرد أو مرتبط بالإيمان ((ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا)) سورة التين آية 4.
وردت لفظة الإنسان في القرآن بحدود السبعين مرة، ارتبط فيها الإنسان بالكفر والجهل والظلم والبخل والعجلة والجحود والطغيان، وجاءت الآيات مدللة على أن العلاج لكل هذه الصفات إنما يكون بالإيمان والعمل الصالح. وليس هناك شك في ضرورة ارتباط الإنسان بالقيم التي تمنع الظلم وتحقق العدل والمساواة، إلا أنه يتطلب التأكيد على اعتبار الإنسان قيمة حقيقية مجردة عن الانتماءات العقائدية والعرقية، وقبوله بما يحمل من إيمان وانتماءات قومية. فالاختلاف في المعتقد لا يبرر اضطهاد الإنسان أو انتهاك حقوقه. كان غاندي يقول ((أنا أعبد البقرة وسأدافع عن عبادتها أمام العالم أجمع، إن ملايين الهنود يتجهون للبقرة بالعبادة والإجلال وأنا أعد نفسي واحداً من هؤلاء الملايين)) انتهى.

ولا أعتقد بوجود أحد يحط من قيمة رجل من أهم رجالات التاريخ الإنساني لمجرد قوله أنه يعبد البقرة. فالارتقاء بالتفكير إلى درجة احترام الإنسان وتكريمه ومنحه حقوقه بالرغم من التباين والتضارب في مفاهيم الكفر والإيمان هو قمة الفكر الإنساني وأرقى درجات المدنية والحضارة.

وكخطوة متقدمة في هذا المنهج لا بد من ردّ الاعتبار للعقل البشري وإعطاءه مكانته بجانب النص واعتبار الإنسان كائناً عاقلاً أرقى وأجل من الأنعام، بالرغم مما يحمله من أفكار و معتقدات، واعتبار النصوص التي دلت على انحطاط قيمة الإنسان إنما هي مخصوصة بأفراد وأحداث لا تنطبق على سائر البشر ((أم تحسبوا أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلا)) الفرقان 44.

خاتمة :
في إطار تأصيل ثقافة التسامح والتسامي الإنساني وإدخال الحداثة إلى الفكر الديني أدعو إلى العمل على وضع دستور فكري إنساني يعتمد القرآن والسنة ويحدد (مجموعة من القواعد الجامعة والأصول العامة) كما قال الأستاذ الغزالي رحمه الله.

يمكن من خلاله وضع مبادئ قياسية تؤوّل أو تفسر النصوص التي تتعارض أو تختلف فيما بينها وهذا ليس بدعة أو إحداثاً في الأصول بل هو مسايرة للصحابة والأئمة والأمثلة على ذلك عديدة لا تخفى على أصفياء الفكر.

يرى الكثيرون من الغيورين على أبنائهم وبلادهم ضرورة إعادة النقد وإعمال الشك في كثير مما جاء في التراث لوضع حدّ لتأجيج الصراع مع الحضارات الأخرى، وتأصيل ثقافة الحرية والمساواة الحقيقية وليس فقط اللفظية.

أن استمرار الخيال الثقافي الجمعي لدى أصحاب التيار الديني على ما هو عليه لن يؤدي إلا إلى مزيد من الكوارث والإحباطات، والهزائم الحضارية والحربية. وينبغي النظر بموضوعية بعيدة عن العصمة والتقديس إلى مجمل تاريخنا القديم والحديث والكف عن التكبر الخفي والعظمة المتوهمة واعتبار أمتنا كغيرها من الأمم تخطئ وتصيب، فيها الجميل كما فيها القبيح، ولا مفر من قبول الآخرين في داخلنا قبل قبولهم من خارجنا.

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ، الأعراف 157

إحسان طالب_يخرج الحي من الميت


يخرج الحي من الميت

تعلمت كيف تخرج الحياة من الموت ، كيف يحقق رجل واحد بصمته الأبدي ما عجزت عنه
آلاف الصفحات و آلاف الخطب العصماء ومئات الشعارات الرنانة ، لست أدري لماذا تبادر إلى
ذهني ليلة مقتل الحريري صورة الأميرة ديانا مع دودي الفايد قبل موتهما . ربما كان هناك تشابه في رد الفعل الكوني ، فحالة الحزن العالمي المشترك ، والإجماع الشعبي الفريد شكل موقفا إنسانيا متميزا .
ساعات طويلة تابعت البث المباشر من ضريح الحريري أراقب تمازج الدموع مع الشموع وكأن مجموعة تلك الشموع التي احترقت جسدت شخص الشهيد تسقيها ماء الوجوه ، وكأني بها تقول لن يموت جسد ألفته القلوب كل القلوب وسقته العيون كل العيون .
واصلت المشاهدة طوال الليل لأستجلي صورا للإنسانية الشفافة المتجردة من كل القيود يرسمها شباب و فتيات مع الأصدقاء والأخوة والأمهات والأجداد ، صلبان ومصاحف بين الصدور يعجز الناظر عن التفريق بينها ، بعفوية بالغة وقف طفلان أمام الضريح والدموع تغرغر في مقلتيهما ، الأول مع أمه يتلو قداسه الخاص والثاني مع جده يقرأ الفاتحة ، إحساس إنساني بالغ الرقي يقول للآخر إننا معا رغم إختلافنا ومعرفتنا أننا مختلفون .
تلمست قاع الحزن وأنا أنصت إلى امرأة تتساءل هل حقا قتلوه ... هل حقا هناك من يريد قتله لولا الحريري ما ذهب أولادي إلى الجامعات ولا تخرجوا منها و أصبحوا رجالا يقدمون الخبز والعلم لأهلهم ومجتمعهم . لولا الحريري لقبعت مئات العائلات الكريمة تحت رزء الفقر والعوز ، لولاه لبقيت طرق بيروت مملوءة سوادا ورمادا وأحقادا .
قبل هزيمة اسرائيل في الجنوب ، أجرى لاري كينغ مقابلة مع الحريري سأله فيها عن كل شيء وكان الرجل يجيبه بطلاقة وتمكن توحي كلماته بالثقة والبراعة السياسية ، ربما كان الزعيم الوحيد الذي وفق بين صداقاته وعلاقاته الوطيدة بالغرب مع احتفاظه بروابط اقليمية وثيقة .
قد تختلف معه إلى حد الضيق ، قد لا تفهم مواقفه إلا أنك بكل بساطة تستمر في الاستماع إليه والانجذاب نحوه كلما ظهرت صورته أو سمعت كلماته . كيف يستطيع إنسان أن يكره رجلا لايكره أحدا ، طيلة سنواته الثمان رئيسا للوزراء دأب الإعلام اللبناني على انتقاده وتقييم أدائه بدون أية خطوط خضراء أو حمراء ، لم يتركوا شيئا لم يتحدثوا عنه وكان دائما يرد بابتسامة وسعة صدر ،لم يغلق شاشة أو يكسر قلما ، لم يثر حقدا أو يشعل فتنة . هنا يستحق الإجلال رجل لم تخضب يداه أو يسودّ قلبه .
كان لديه هم وهدف يتمحور حول الوطن داخل الأمة ، استمر ودأب ساعيا لتحقيقه ، ولما غدا شديد القرب من تحقيق حلمه سقط ، إلا أن الثمن سيكون غاليا والصدى لا بد أن يكون مدويا وليست مبالغة عندما شبه أحد الصحفيين الحريري بسقوط جدار برلين .
إنه قدر مدينة صيدا إنجاب العظماء وكتابة تاريخ لبنان بلون الأرجوان .

إحسان طالب_هزيمة هتلر و إنجازات الجزيرة


هزيمة هتلر و إنجازات الجزيرة

تسعى حكومة قطر إلى خصخصة قناة الجزيرة وبيعها بعد الإحراجات الشديدة التي تسببت بها لدى حلفائها في الغرب وفي الخليج. كانت بداية قناة الجزيرة صاعقة مدوية أحدثت جدلا حادا حول مصداقيتها واستطاعت استقطاب عشرات الملايين من المشاهدين في البلاد العربية وفي العالم , وغدت مصدرا هاما ووحيدا في بعض الأحيان للعديد من الأخبار المدوية . فلقد كانت حاضنة وراعية لكل رسائل ابن لادن ولها الحق الحصري لجميع ما تريد القاعدة بثه أو الترويج له. لكنها رغم ذلك النجاح الباهر فشلت لأنها خسرت أولوياتها واحدة تلو الأخرى. فبدءا من أفغانستان فشلت الجزيرة التي كانت تؤيد ابن لادن وتروج له وكان مراسلوها يوهمون الناس بأن هزيمة التحالف في أفغانستان لن تقل عن هزيمة هتلر في روسيا , وبدأت الحقائق تنجلي واحدة تلو الأخرى وسقطت القاعدة وطالبان وجرت الإنتخابات وفتحت المدارس وأخذت الموسيقا مكانها في شوارع كابول وفي بيوت الفقراء في مزار شريف , وأصبح لدى الأفغان وزراء من النساء . ( ملاحظة : من المعروف بأن بعض مراسلي الجزيرة في أكثر من دولة في العالم- معتقلين بتهمة الإرهاب- أو اعتقلوا بتهمة مساعدة الإرهاب ) .
وفي العراق كانت الجزيرة كعادتها المدافع الأول عن صدام حسين , والمروج الأكبر بعد صدام نفسه للدكتاتورية بل والمحامي الأعظم أجرا في الزود عن مواقف صدام وأفعاله . وبدأت مسيرة الجزيرة مع غزو العراق كما كانت في أفغانستان ودأب محللوها ومنظروها , وهم بالمناسبة أصحاب المسؤولية الأولى عن النكسات التي وقع فيها العرب إبان ما كانوا مسؤولين وفي مراكز اتخاذ القرار , دأبوا على الترويج لهزيمة الغرب مرة أخرى وحتى اللحظات الأخيرة كان يظن جميع مؤيدي القناة بأن النصر لا محالة آت . وأن المغول الجدد سيسقطون عند حصون بغداد . لكن الذي حصل سقوط الديكتاتور بمهزلة عسكرية تعد من أسرع الانتصارات التي عرفها التاريخ العسكري الحديث . فشلت الجزيرة ...
بعد ذلك روجت القناة للحرب الأهلية في العراق وأخذت تدعم زعامات العنف وتخصص لهم الساعات الطويلة يوميا لشرح مبررات قتلهم للشعب العراقي , لكنها فشلت معهم ضد الشعب العراقي وخرجت الجزيرة من العراق وراهنت من خارجه على تحويل الانتخابات العراقية إلى مجازر دموية لا حدود لها كما توعد المرجفون , لكن الانتخابات نجحت وبتوقيع تسعة ملايين مؤمن بالله وبالعراق وبذلك لم تستطع الجزيرة تغطية هذا الحدث الهام والمؤثر في حياة المنطقة برمتها .
وعلى صعيد القضية الهامة التي تتبناها قناة الجزيرة وتعتبر نفسها قائم مقام عليها – وأقصد بذلك القضية الفلسطينية- فشلت القناة. فمنذ نشأتها دأبت قناة الجزيرة على الترويج للعنف ومناصرة أصحابه بكل الوجوه , وكانت تزين صفحات شاشاتها كل يوم بصور القتل والدمار والنبش في الخلافات العربية القديمة ورش الملح على الجرح في الخلافات والمعارك العربية الفلسطينية مما يثير الكراهية والأحقاد بين الناس عموما , وكان لها دور حاسم في تأييد دعاة القتل على أبو عماها , لكن الجزيرة فشلت وانحسر القتل وتراجع أصحابه عن مواقفهم وآرائهم بعد ثبوت خطأهم وفشل نظريتهم .( ملاحظة : في تصريح أعلنه صلاح بو مدين وهو رئيس سلطة الأرض و الأملاك الحكومية الفلسطينية قال فيه إن الحوادث الإجرامية خلال السنوات الثلاث الماضية فاقت ما حدث في ثلاثين عاما سابقة وذلك في مدن غزة والقطاع ) .
قناة الجزيرة فشلت في إثبات مصداقيتها وشفافيتها في حادث هام جدا والمفترض أنها أول المطلعين على التفاصيل الدقيقة والحقائق في أمر جلل مثل موت ياسر عرفات . فبعد موته بعشرة أيام كما تأكد لنا ذلك , كانت الجزيرة تصر على بقائه حيا يرزق وتوهم العامة بإمكانية عودته إلى سابق عهده وتدعوهم إلى الخروج بالآلاف والدعاء بعودته سالما معافى وهي تعلم علم اليقين أن لا سبيل إلى ذلك , وتمادت في الوهم والإيهام لإعلانها فتوى شرعية أصدرها مفتي القدس أكد فيها على حرمة وكفرية من يقول أن عرفات مات , ولكن وبع أقل من أربع وعشرين ساعة من تلك الفتوى الحاسمة , أعلنت الجزيرة نفسها وفاة ياسر عرفات بشكل نهائي وتام لا لبس فيه .
ثم حاولت الجزيرة بث نار الفتنة بين الفلسطينيين عندما عزفت على وتر المؤامرة , ومفاد القصة الملفقة أن موت ياسر عرفات كان بسبب سم دس له في طعامه من قبل أقرب المحيطين به .
فشلت الجزيرة و جاءت التقارير العلمية الطبية المحايدة لتؤكد بلا لبس أن موت ياسر عرفات لم يكن بسبب السم , فشلت الجزيرة عندما أخرجت من بعض دول الخليج و المفترض أنها تنتمي إلى واحدة من تلك المجموعة الخليجية, إلا أن مناصرتها الدائمة للمطالبين بإحياء الجهاد على حساب دماء المسلمين قلب غيرهم أخرجتها من السعودية و لم تستطع تغطية أحداث جليلة كان وراءها المتشددون الذين ما فتأت تخصص لهم نوافذ يومية يطلون منها ليعبثوا بعقول العامة و يتمكنوا من تجنيد شباب متلهف للحرية و التغيير ليقودوهم نحو التهلكة.
(ملاحظة: لم توجه الدعوة إلى دولة قطر لحضور اجتماع قمة في جورجيا نوقش فيه مستقبل الديمقراطية في الشرق الأوسط بسبب قناة الجزيرة.) وبرغم ما وصلت إليه القناة من أرقام قياسية في أعداد المتابعين لها و ذلك منذ بداياتها إلا أنها فشلت في تحقيق أرباح, و المفترض أن قناة خاصة ينبغي عليها أن تمول نفسها بذاتها في عمل استثماري موجه لكنها فشلت في تحقيق أرباح تساعدها على الاستمرار و ربما كان هناك أسباب أخرى مجهولة, لعل أحدها وقف التمويل الذي كانت تتقاضاه من بعض المتصرفين في دول عربية و غيرها سقطت أنظمتها و تغير الحال عما كانت عليه فانقطعت السيولة المادية الممدودة التي كانت تصلها بطرق ملتوية.
و كان آخر إنجازات الجزيرة ملتح ٍ يتصدر الشاشة بعد استشهاد الحريري بزمن قصير يدعي المسؤولية عن اغتيال الحريري
لا لسبب بل نكاية بأهل السعودية. ثم لم تلبث الأنباء حتى كذبت الخبر و كأن قناة الجزيرة فقدت مستواها الاحترافي و لم يعد لها من مصداقية سوى تكرارها للخطب العصماء التي يلقيها الظواهري مهدداً و متوعداَ.
و هنا أيضاً فشلت الجزيرة, إلا أن الخشية الكبرى أن تسلم القناة الراية للأصوليين و تنسحب تماماً و بذلك تكون قد أدت رسالتها وحققت مآربها!!

إحسان طالب_نداء إلى بهية الحريري


نداء إلى بهية الحريري
أيتها النائب و الشقيقة الحزينة, كلما سمعتك تتحدثين غصت في أعماق حزنك و استشفيت مدى إخلاصك و وفائك. سيدي النائب و المرشحة
لتولي القيادة عاجلاً أم آجلاً إن الشعارات الوطنية و النوايا الحسنة و الأخلاق الحميدة مطلوبة و ضرورية للاستمرار في مسيرة الحفاظ على أمن و سلامة الوطن لكنها في الحقيقة غير كافية و لا تستطيع تلك الأمور وحدها الصمود و الاستمرار. إن كل التحالفات الساسية و الاقتصادية و الأدبية بل و العائلية حتى الدولية و الإقليمية بل و الجنسية السعودية لم تستطع الحفاظ على حياة أبرز قادة لبنان بعد الحرب الأهلية بل والمناورات السابقة و التكتيكات التي جمعت عقلية الاقتصاد م عقلية السياسي لم تساعد رفيق الحريري على الاستمرار و كلفته حياته. لم تستطع حمايته فكيف ستحمي من هو دونه حتى و لو كانت شقيقته النائب في البرلمان,لم تكن تلك التحافات قادرة على حماية حلمه و مشروعه الوطني و هي الآن غبر قادرة كذلك.
و في الوقت نفسه نرى أناساً أكثر معارضة و أقل موالاةً مثل وليد جنبلاط استطاعوا النجاة بأرواحهم و حتى أولئك الذين أعلنوها حرباً واضحة المعالم و معارضة شرسة و رفعوا لواء العداءو سقطوا في أحضان أشد الخصوم استطاعوا النجاة بأرواحهم مالإشارة هنا إلى ميشيل عون.
إن بهية الحريري بحاجة إلى ذكاء أكثر و لا يكفي ما تعلمته من دهاء شقيقها لأنه دفع أمواله و سنوات عمره ثم حياته و لم يتمكن من تحقيق حلمه فإذا كانت الشقيقة مرشحة وقادرة على لعب دور ريادي و قيادي على مستوى الطائفة السنية و حتى على صعيد الوطن فينبغي عليها تغيير الاستراتيجية والكف عن التلاعب في الألفاظ بين المعارضة و الموالاة لأن تلك الشيفرة لم تعد كافيةلحل عقدة التسلط بعدما حاول الحريري طيلة ثمان سنوات الإبقاء على شعرة معاوية و إيجاد التوازن بين الاستقلال الذاتي و التبعية للأشقاء. نجح في إعمار بيروت لكنه فشل في بناء مشروع سياسي مرافق لأن الرؤية لم تكن واضحة بل لم تكن صريحة بما فيه الكفاية, فالمعادلة الصعبة بل و المستحيلة التحقيق هي وجود شخصية سياسية قوية و مؤثرة من الطائفة السنية داخل نظام سيطرت عليه الأجهزة الأمنية و حولت مركز القرار السياسي من رئاسة الوزراء إلى مكاتب قادة الأجهزة الأمنية هذة الأجهزة ذات الخلفية العسكرية التي لا ترى أبعد من الرصاص و البسطار العسكري و لا تستطيع التحاور أو التشاور أو النقاش حتى لو أرادت فلقد أمضت ما يقرب من العقدين على رأس القرار بكل أبعاده و محاوره الداخلية و الخارجية و ربما كانت تفعل ما تراه صواباً في بداية الأمر.لكن تراكم المصالح و تضخم الثروات داخلياً و خارجياً لا بد أن يجعل تلك السلطة مدفوعة نحو فعل أي شيء لتحافظ على مكاسبها المالية في الإبقاء على السيطرة التامة لزيادة المكاسب في المستقبل.
إن إعادة التجربة بنفس الشروط و الظروف السابقة لابد أن يكرر نفس النتائج و التأكيد هنا من أجل الآخرين في الطرف المتردد و المحايد.
أيتها النائب و الشقيقة الحزينة لا يوجد عاقل على وجه الأرض يرفض أن تكون العلاقة بين سورية و لبنان علاقة مميزة و حميدة لذلك فإن العزف على هذا الوتر لا يغني و لا يسمن من جوع, و إن كثرة التأييد له ربما توحي برغبة مخالفة لظاهره.
إن التفكير الهادئ و المتزن من قبلك يا سيدتي لابد و أن يسير نحو التشاور مع عدد من السياسيين الوطنيين و المفكرين من كافة الأطياف و الإنتماءات للخروج بخطة وطنية و منهاج سياسي شجاع واضح و صريح يحدد معالم المرحلة القادمة. و ذلك بوضع عناصر و ظروف مساعدة للتجربة الجديدة غير تلك التي أدت إلى استشهاد الحريري وعشرين من أبناء الوطن الأبرار.
إنني أرى أنك و كافة اللبنانيين الأحرار المدافعين عن لبنانيتهم و عروبتهم حتى لحظة كتابة هذا المقال غير قادرين على تحديد برنامج عمل سياسي تراتبي يحدد الأولويات و يطرح الحلول, إن مطالبكم الحالية غير كافية و مترددة لأنها لا تستجلي المستقبل و يجدر بنا جميعاً تجاوز مرحلة الصدمة و الاندهاش و مرحلة الانبهار فيما تحقق إلى الآن والانطلاق نحو برنامج عمل سياسي يأخذ بعين الاعتبار مخاطر اللحظة الحالية يستشف آفاق المستقبل القريب لبناء لبنان حر قوي مستقل قادر على الوقوف كرجل شامخ يمد يده للأشقاء باحترام متبادل.
وفاءً لأولئك الشبان المؤمنين بوطنهم و الخائفين على غدهم قَدٍّموا لهم برامج انتخابية سياسية واضحة منذ الآن, سَلحوهم بمعارف أساسية تقود إخلاصهم و وفاءهم لبلدهم, لا تكرروا أخطاء الماضي بطرح الشعارات الفضفاضة بل قدموا لهم طروحات مدروسة لا تنطوي على الغموض و العموميات لذلك لابد من وجود أجندة سياسية محددة المعالم لا تتوارى خلف المسلمات و البديهيات.
إن شعب لبنان ليس أقل شأناً من شعوب دول عربية أخرى لا يقل عنها عراقة أو حضارة, هذا الشعب المعتز بوطنه والمنتمي إلى أمته العربية لا يقل شأناً عن دولة مستقلة حرة لا يتدخل أحد في شؤونها كدولة قطر مثلاً أو دولة أخرى عربية عريقة كدولة البحرين أيضاً تؤكد على قدرة الدول الصغيرة أن تكون حرة و مستقلة.
أقول للسوريين و اللبنانيين انظروا إلى دولة البحرين كيف أدارت أزمتها مع قطر إبان اختلافهما الحدودي على جزر مشتركة انظروا إليها كيف استطاعت حل خلافاتها الإقتصادية مع دولة جارة كبرى شقيقة كالسعودية رغم تفاقم الخلاف بينهما حول منطقة الجارة الحرة رغم ما بينهما من أواصر التاريخ و الجغرافيا و المصيري و الانتماء العربي المشترك.
إن لبنان الثقافة و الحرية و الحضارة قادر على استعادة دوره الريادي في الوطن العربي كمنارة عربية للفكر و التنوير و لن يعجز أبناؤه عن إدارة أنفسهم و أمنهم مع حفاظهم على احترام لأشقاء و منع الإضْرار بهم من داخل لبنان بل و حتى الدفاع عنه من الضغوط الخارجة عن إرادتهم.
إن السوريين حكومة و شعباً لن يسيروا عكس منطق التاريخ وخلافاً لحكم العقل و لابد لهم من الإقرار الكامل بقدرة اللبنانيين على إدارة مقدرات وطنهم و أنفسهم مثل بقية شعوب الأرض, إن عروبة لبنان لا يُخشى عليها بالنظر إلى التاريخ و ذلك الإجماع من قبل كل اللبنانيين على وحدة الوطن و حتمية انتمائه لأمته.
لذلك أقول يا سيدتي للسوريين نيابة عنك لا تخافوا أن يكون لبنان خاصرتكم الضعيفة فشعب لنان الحر القوي هو الضمانة الأكبر لحماية سورية.

إحسان طالب_هل انتهى عهد الولاء المطلق؟...ممارسة حق المواطنة


هل انتهى عهد الولاء المطلق؟
ممارسة حق المواطنة

في خبر أوردته جريدة الحياة عن الإصلاح في سورية: قانون للأحزاب و تغييرات فكرية و تنظيمية على جدول أعمال مؤتمر البعث أوائل حزيران_ ا.ه
ينبغي أن يكون خبر كهذا مصدر فرح و سرور لكل السوريين و بارقة أمل توحي بحياة أقل بؤساً و أكثر كرامة و خشية ألا يكون الأمر كذلك أتوجه إلى كل المسؤولين الذاهبين إلى اجتماعهم و مؤتمرهم بكلمات ربما يشاركني فيها الغالبية العظمى من أبناء سورية الحبيبة.
إن التهميش و العزل و الإهمال الذي تعاني منه غالبية أبناء وطننا ليس وهماً أو خاطراً في أذهان بعض المثقفين بل هو حقيقة واقعة يحس بها المواطن العادي و رجل الشارع في بقاع بلدنا الحبيب.
قلب أن تجتمعوا استمعوا إلينا جميعاً, و قبل أن تتحدثوا عن التغيير و الإصلاح دعونا نتكلم و نبدي رأينا في حاضر بلدنا و مستقبل أولادنا إنه حقنا الطبيعي.
إن أبناء الشعب السوري من معارضة و مستقلين لا يقّلون شأناً عن أولئك الذين يستلمون دفة الأمور و إن لنا رؤيتنا الموضوعية في مجمل القضايا محل البحث داخلياً و خارجياً, إنه بلدنا و أولادنا و أحفادنا أفسحوا لنا مجال المشاركة الفعّالة و تحمّل المسؤولية الحقيقية للتأثير في مسيرة هذا الوطن الذي نخشى أن يكون وطن الحزب الحاكم و الموالاة فقط.
أبناء سورية يرون و يسمعون و يتأثرون بكل ما يحدث حولهم من تغيّرات جذرية زلزلت أركان كثير من الدول في العالم و لا يمكن لهم بأية حالٍ من الأحوال الوقوف جامدين بُلهاء ينتظرون ردود الفعل الرسمية لتتحدد مسؤوليتهم بعدها بتأييد هذه الردود و لهم حرية الرأي و الإبداع في شكل بل أشكال التأييد و الوفاء و الموالاة.
لم يعد مقبولاً بأية حالٍ من الأحوال تقديم الولاء المطلق للسلطة تحت شعارات الوطنية ((الدولة التسلطية تخترق المجتمع المدني بالكامل و تجعله امتداداً لسلطتها فتحتكر مصادر القوة و السلطة في المجتمع)) كرم حلو_ الحياة ا.ه. إن آلاف المعتقلين السياسيين الذين أمضوا سنواتٍ من عمرهم و شبابهم و ربيع حياتهم في السجون لا يقلون وطنية و حرصاً و حباً جارفاً لهذا الوطن عن أولئك الذين زجوهم في السجون, بل إني أجزم بأن أولئك الذين خرجوا من السجون بعد قضاء ما يربوا على عقد و نصف هم رمزٌ للوطنية. أهل لقيادة الناس و إبداء الطروحات و المشاريع السياسية التي يرونها تنسجم مع هموم الوطن و المواطن.
لم يعد مقبولاً بأي حال من الأحوال أن يُخرج المواطنون (الجماهير) بالملايين ليهتفوا بالولاء و الوفاء و هم لا يملكون ثمن الثياب التي خرجوا بها و ينتعلون أحذية تعفنت فيها الأقدام و تسرب إليها حصى الطرقات, لم يعد مقبولاً الآن إخراج الطلاب من المدارس و الجامعات يقفون لساعات طويلة تحت الشمس الحارقة و معدتهم خاوية و لا يملكون في جيوبهم أكثر من ثمن واحد كيلوغرام خبز. لقد آن الأوان للكف عن إهدار أوقات الناس و أموال الدولة و الأمة ((إنه لذو أهمية و خطورة أن نلاحظ أن الفريق السوري أو العربي الداخلي الذي يرفض الإصلاح في غالبه من ذوي المصالح الكبرى و ذوي الملايين و المليارات الكثيرة من الدولارات)) طيب تيزيني_ المحرر ا.ه.
إنني أخشى على شباننا و أطفالنا من العجز الدماغي والقحط الثقافي من كثرة ترديد شعارات منذ أكثر من أربعة عقود لم يتحقق فيها شيء و لن يتحقق. الالتفاف نحو الرمز القائد إنما ينبغي حصوله عفوياً و من عقولٍ حرةٍ و أجواف مليئة.
ما رأيكم يا سادة فيمن يكتب تقارير أمنية بحق أسرته مقابل ألفي ليرة في الشهر, يبيع أخاه و صديقه و ابن حارته مقابل ثمن موبايل قديم يتحدث فيه إلى المسؤول عنه ثم يعود إلى منزله فارغ اليد!؟ هل هو الخنوع أم الجوع ؟هل هو الجهل أم ضياع الكرامة؟
لماذا يخشى الأخ التحدث في السياسة أمام شقيقه أو ابن عمه؟ لماذا لا يتردد في أحاديثنا الاجتماعية إلا السب و الشتم للأعداء و تحميل الآخرين كل البلاء و أسباب الشقاء؟ لماذا يسارع الناس إلى الوفاء بكل التزاماتهم للدولة و لايفكرون و لا يسألون هل ما ندفعه حق أم باطل, ظلم أم عدل؟ لماذا يتضاعف روّاد المساجد و معاهد تحفيظ القرآن و المعاهد الدينية و بالمقابل يختفي تدريجياً الكتّاب و القرّاء و الإبداع الفني الشعبي و الثقافي؟ لماذا هرع عشرات الآلاف من عامة الناس و من خريجي الجامعات, أطباء و مهندسون و مدرسو رياضيات لممارسة الشفاء بالحجامة كحلّ سحري و فوري و وحيد لكل أمراض العالم؟ لماذا لا يتردد المواطن السوري في دفع الرشاوى و قبول الإهانات بدون أية ردة فعل؟ لماذا لا يعترض المواطن المظلوم حتى لو بلغ سعر الكيلوغرام من اللحم 500 ل.س؟ لماذا يكتفي أبو العيال بحذاء واحد رخيص كل سنتين و بزة كل عشر سنوات؟ تعرفون لماذا؟ لأنه ببساطة ياسادتي مسلوب الإرادة مخدر التفكير خاضع حتى نخاع العظم.
إن الشعوب القادرة على مواجهة تحديات العصر و دخول معترك العولمة هي الشعوب الحرة و التي تأبى الخنوع و الخضوع.
قبل اجتماعكم المنشود ينبغي عليكم الإدراك بأن ما تفكرون بتقديمه للناس من حريات و تعددية و بعض الديمقراطية, ليس منة أو تكرماً, لستم اليد العليا التي تتحنّن على اليد السفلى, لستم النخبة أو الصفوة, لستم خير الناس, لقد فشلتم في تحقيق كل المهام التي فرضتموها على أنفسكم و جعلتموها أولى أولوياتكم فالوطن العربي أشد تمزقا.ً و حرية فلسطين اليوم أضيق مما كانت عليه في أي يوم مضى. و العدالة الاجتماعية مصطلح اختفى من أجندتكم السياسية و حتى من أولويات عامة الناس و من تفكيرهم أيضاً.
إن الحرية و التعددية و الديمقراطية حقوق للمواطن محجوبة عنه و إذا أردتم رد بعضها إليه فأنتم تتراجعون عن الخطأ و ربما تكون تلك الفضيلة الوحيدة لديكم.
كلما نظرت إلى مظاهرات المعارضة اللبنانية ثم التفت إلى مظاهرات التأييد في سورية شعرت بالحزن و الأسى و ليس ذلك لسبب سياسي أو موقف يتأرجح بين التأييد أو المعارضة, إنما يعود ذلك إلى الصورة الشكلية أو الانطباع المباشر, ففي لبنان ترى الشباب و البنات و الرجال و النساء وجوههم نضرة, ثيابهم نظيفة و أنيقة غالية الثمن تكاد روائح عطرهم تفوح من شاشة التلفاز, بيمنا أولئك المساكين المتظاهرين لدينا لا يصعب عليك رؤية ثيابهم البالية و وجوههم الغائرة و حماسهم الشديد الذي يتكفل باستنزاف الحريرات القليلة التي حصلوا عليها من صحن الفول أو الفتّة.
يقول سليم الحص في مقالة نشرت في السفير: ((إن محكمة التاريخ لا ترحم و سوف ننعم بفيء الديمقراطية الصحيحة في يوم من الأيام, طموح الشعب حاضراً هو قدره مستقبلا)).
وإني لأرجو أن يكون ذلك اليوم قريباً.

إحسان طالب_مسلمات العقلية العربية بين التخلف و الديكتاتورية


مسلمات العقلية العربية بين التخلف والديكتاتورية


نظرية الإستعلاء والأفضلية :
إن إدخال المجتمعات العربية المعاصرة في عالم الحداثة يتطلب بداية التأسيس لفكر نقدي يخضع الموروث للخطأ والصواب، وبعبارة أخرى إحلال العقل مكان الأسطورة المعصومة والمنزهة عن الخطأ والنقص، وفي هذا السياق سأتطرق لبعض المسلمات والبديهيات التي تأسس عليها بناء العقلية العربية الإسلامية التي غدت تحاصر الفكر وتمنعه من الانطلاق نحو التغيير أو قبول الآخر.
من هذه البديهيات المسلم بها سأتطرق إلى مفهومين اثنين هما :
الشمولية والخيرية. مبدآن هامان يتبادران إلى أذهاننا قبل البدء بسماع الآخرين أو قبل البدء بالحديث عن أنفسنا أو غيرنا.
الخيرية : هي القناعة الفكرية والمبدئية الراسخة بأننا خير الأمم وأعلاها شأنا في الحاضر والماضي والمستقبل وذلك في كل مجالات ومناحي الحياة، بما يستدعي اعتبار مناهجنا الفكرية والسياسية والاقتصادية وحتى علاقاتنا الاجتماعية خير ما عرفه التاريخ وما سيعرف. وهذا الاعتقاد انبثق من كوننا خير أمة أخرجت للناس أمة لا تجتمع على ضلالة لأسباب ثلاثة، نأمر بالمعروف وهو ما نراه حقا حسب قوانيننا ونظمنا، وننهي عن المنكر وهو منضبط وفق أصولنا وقواعدنا، نؤمن بالله والإيمان هو ما حددنا أركانه وشروطه ولا يدخل فيه إلا من ارتضينا خلقه ودينه، ضمن هذه المبادئ يلتقي التطرف الديني مع التطرف القومي مؤسسا لنظرية الاستعلاء الحضاري.
الشمولية : وهو مفهوم يتجلى في مظاهر ثلاث:
أ ـــ إننا أصحاب رسالة شاملة أرسلت للناس كافة في كل زمان ومكان أي أنها رسالة لكل الشعوب والأمم وهي قريبة من مفهوم الأممية لدى الفكر الماركسي. ولما كانت رسالتنا للناس كافة وجب على أصحابها ـــ أي العرب المسلمين ـــ السعي جاهدين لنشر رسالتهم حتى تعم كل بقاع الأرض ولا تترك بيتا أو خيمة إلا وتدخله وبالتالي فإن نشر نور معارفنا يعني اخضاع كل الكون لهدينا وانطواء كل أمم العالم تحت لواء تشريعنا.
ب ـــ توجيه وتنظيم كل صغيرة وكبيرة من حياة الفرد الشخصية البحتة وعلاقاته بالآخرين وعلاقات المجتمع مع بعضها البعض. فليس هناك شأن مرتبط بالأفراد أو الأمم إلا وله ضوابط وقواعد تعود مرجعيتها إلى أصولنا الشرعية المقدسة وبذلك تحدد وظيفة الفكر وإعمال العقل داخل تلك المنظومة المحكمة.
جـ ـــ إن ما نفعله من عادات وتقاليد وممارسات إنما هو أمر ديني إلهي اكتسب درجة القداسة الملازمة للنص الذي استندت إليه هذه العادات والتقاليد حتى بات المخالف لها مخالفا للأصول المقدسة. فهو إما فاسق يجب قصاصه أو مرتد تجب استتابته أو قتاله.
هذه القيم المبدئية الراسخة في الفكر والتفكير العربي الإسلامي انعكست على تاريخنا الحديث وواقعنا السياسي أضرارا بالغة وآثارا سلبية منعت من تطوير مجتمعاتنا ورسخت لقيم الدكتاتورية والتخلف ونظرية الاستعلاء الحضاري.
وحتى لا يكون الطرح الذي نقدمه مقتصرا على الإستنتاجات فإنني بصدد البيان والشرح أقول نحن في القرن الحادي والعشرين لم نستطع تطوير لغتنا العربية بما يتماشى مع روح العصر لأننا في اللاشعور نعتقد أن لغتنا هي أم اللغات وأجمل اللغات وأسهل اللغات وأوسعها وأكملها بل وذهب البعض إلى اعتبار الحرف العربي حرفا مقدسا لا يجوز إلقاء ورقة كتب عليها بالعربية مهما كان المضمون. نحن في الخامسة من الألفية الثالثة ما زلنا عاجزين عن ولوج عصر العلم لأننا نخشى من كشف حقيقة تخلفنا ونريد الإبقاء على الإعتقاد بأننا نفوق شعوب الأرض علما وأدبا بدون دليل ويكفي ما قدمناه في الماضي السحيق ليكون حجة كلما ذكر العلم والأدب.
إن استيلاب العقلية العربية بالخيرية والشمولية جعل حواراتنا مع الحضارات الأخرى غير مجدية ولا سبيل للإستفادة منها لأننا ببساطة نعتقد ببلوغنا درجة الكمال، وعليه فلا سبيل لأي تغيير أو إضافة وكيف سنستفيد من غيرنا طالما أننا الطبقة العليا الكاملة، كيف سنتواصل مع الآخرين الذين أقاموا حضارات دنيوية بينما أقمنا حضارة دينية. ولا مجال للمقارنة بين من اتخذ الدنيا أساسا ومن اتخذ الدين أساسا. لذلك غدا من الصعب بل من المستحيل علينا تقبل أي فكر أو ممارسة تخالف رؤيتنا خاصة وأننا نعتقد بضرورة إخضاع الآخرين تحت راية الهداية التي نحمل أمانتها والمضي في واجبنا المقدس لجعل الناس أمة واحدة تؤمن بما نؤمن وتعمل حسب ما تمليه أصولنا وعقائدنا.
ولا نذهب بعيدا إذا قلنا أن الدكتاتورية السياسية تتماشى مع هذه المبادئ وترى فيها أرضا خصبة للخضوع والموالاة، والإشكالية الرئيسة في هذا المحور تتركز حول اعتقاد فئة أو طائفة أو مذهب بأنها المثال الأعلى للخيرية والمؤتمن على تطبيق الشمولية، وبذلك يكون لها حق الفوقية على الآخرين كونها خير الأمم وأوسط الأمم والشاهد على الناس، وبالتراكم الزمني لهذه الأفكار والإمكانية المتوفرة في ذهن الفرد تنتقل العظمة من الأمة إلى الجماعة ثم إلى الفرد الذي نشأ وترعرع على مسلمات توهمه بالعز والعلو والفخر. فالأمة العظيمة لا تلد إلا العظماء. فيلتبس الأمر في ذهنه ويغدو هو الجماعة وهو الحزب وهو الأمة، هكذا تتربى أجيال منذ نعومة أظافرها على ما يبرر الدكتاتورية، حيث انتقلت العظمة والقداسة من الفكرة إلى حاملها، وبات من الصعب جدا التفريق بين المشروع الفكري والذات الفردية، حيث قيد العقل بمفاهيم العظمة والفخر وانتقل التقديس من الإلهيّ إلى ما يمثله أو يَخْلفه، ولما كان الأمر الإلهي غير خاضع للبحث والنقاش ولا مجال لتغييره أو استبداله انتقلت هذه الصفات إلى الرمز الذي يمثل الأمة التي لا تنتقد بل تمدح ولا يبحث في أخطائها بل في انجازاتها واعجازها، فالأمر كذلك بالنسبة لمن يمثلها وهو الرمز الذي حلت فيه كل صفات الأمة وغدا واجب الجميع تقديم الطاعة والولاء التام له رغم كونه شخص حل الغرور في رأسه مكان العقل.
والطريف في الذهنية السابقة المؤسسة للدكتاتورية، التناقض الواضح لدى حامليها، فالفرد العادي الموالي والخاضع لمن هو أكبر منه تجده سلطانا أوحدا على من هو دونه، فرب الأسرة يتعامل مع أفرادها بسلطة لا تنازع وأحكام لا ترد في الوقت الذي يكون أرنبا وديعا أمام مسؤول أعلى منه، وهكذا تنساق الحالة من القاعدة حتى رأس الهرم الذي يتربع عليه رجل واحد يملك كل الصلاحيات بتفويض ممن هم دونه.
عندما نعتقد بأننا الأفضل في كل شئ وعلى الآخرين اتباع طريقتنا وأسلوبنا سنتقاعس عن التطوير والتغيير وسنكف عن البحث عن أخطائنا لأننا لا نعترف بوجود نقص أو عيب كوننا الأكمل والأشمل، وهكذا تنقلب هزائمنا إلى انتصارات، واخفاقاتنا إلى إعجازات، وتتفنن الصحافة في نبش قواميس اللغة لوصف حالتنا المزرية بــ : الإعجاز في الانجاز. وهذه عبارة تزين عناوين
الإعلام العربي في أي مناسبة وطنية أو دينية بالرغم من أن الإعجاز عادة مرتبط بما هو إلهي، لكنه تحول بمسلماتنا العقلية إلى زعيم الأمة الأوحد وغدا من المستحيل قبول النقد أو كشف واقع التخلف لأنه من البديهي ألا يناقش أو يسأل من يصنع المعجزات.
هكذا تترسخ قيم التخلف والدكتاتورية وَتَسْـلِبُ العقولَ نظرية الإستعلاء والأفضلية. أليس تخلفا أن يعارض 76 % من الكويتيين مشاركة المرأة في العمل السياسي، جاء ذلك في استبيان أجرته جريدة الرأي الكويتية في الشهر الخامس من العام الفائت، أليس تخلفا أن يعارض 58 % من العرب ـــ معظمهم من الشباب بين العشرين والثلاثين ـــ تولي المرأة مناصب قيادية، جاء ذلك في استفتاء أجرته قناة العربية في 12 / 3 / 2005 م.
أليس تخلفا أن يكون بين 280 مليون عربي 65 مليون أمي، أليس تخلفا كون استخدام المعلوماتية في الدول العربية أقل من أي منطقة أخرى في العالم حيث تقترب نسبة مستخدمي الأنترنيت من النصف في المئة ويملك 1.2 % فقط من المواطنين العرب حاسوبا شخصيا، أليس دليلا ساطعا على تقوقعنا وانغلاقنا وفقا لنظرية الإستعلاء والأفضلية أن تقوم دولة مثل اسبانيا في عام واحد بترجمة عددا من الكتب يعادل ما ترجم إلى اللغة العربية خلال الألف سنة الماضية. كيف ستتفتح الأجيال على الآخرين ونحن نملأ عقولهم وكتبهم بعبارات مثل : إن بذرة الخير في الدنيا قد خص بها العرب دون سواهم من الناس، وبقاء الخير في الدنيا مرهون ببقاء العرب أو نقول لهم إن مؤامرة الكيد للعروبة قديمة جدا وتمتد إلى عهد آدم وهي مستمرة إلى اليوم أو نقول :
من دلائل تقديس العمل عند العرب رفعهم الفاعل في قواعد اللغة العربية. لقد كان إبليس الشعوبي الأول في بدء الخليقة، هذه عبارات ومثلها تغص بها كتب تدرس لطلاب المدارس وتتلا على رؤوسهم كل صباح.

إحسان طالب_عذراً سيدي العقيد أصواتنا غير مسموعة


عذرا سيدي العقيد أصواتنا غير مسموعة

ليس خافيا على أحد التغيرات الكبيرة التي طرأت على سياسة العقيد القذافي في الأونة الأخيرة وتحوله إلى جنرال يدفع الغرامات عن آثام ارتكبها في الماضي واعترف بارتكابها بدل الاستمرار
في فعلها رغم أنه من غير الممكن معرفة الطروحات الجديدة التي سيقدمها للعالم.
إن قراءة نقدية لما جاء به خطاب الرئيس الليبي أمام القمة العربية المنعقدة في الجزائر تعطي صورة واضحة عن الاضطراب الفكري والتشويش العقلي الذي نعاني منه في خطابنا العربي عندما نتحدث عن طروحاتنا ومواقفنا من أحداث الماضي القريب والحاضر والمستقبل.
نحن نفهم في المقام الأول أنه غير مستعد للتغيير الداخلي ويكفي الغرب ما قدمه لهم من تنازلات دولية، وأوضح دليل على ذلك استخفافه بالشعب الليبي قهو يقول ـــأعطوني لوردات حتى أعطيهم حزب، أنا عندي بدوــــ بدو لا يصلحون للتعددية الحزبيية، نعم بكل بساطة يقول سيادته أن الليبيين غير مؤهلين للتعددية ونحن نخالفه الرأي ولو صح ما طرحه القذافي فإنه المسؤول عن ذلك في المقام الأول فهو الحاكم المطلق منذ ما يقارب الأربعة عقود، وبعد هذه المدة الطويلة جدا في الحكم يقول إنه ليس سياسيا ولا يعرف في السياسة بل هو فيلسوف.
اعلموا أيها العرب في ليبيا أن الذي حكمكم طيلة مدة أربعة عقود لا يفهم في السياسة بل في الثقافة والفلسفة لكنه كان يمارسها ـــ أي السياسة ـــ وينظر فيها ويكتب الدساتير ولا يزال على مسيرته تلك.
الفيلسوف القذافي رغم اعترافه بالتخلف العربي وإشارته إلى أن الدول العربية مجتمعة لا تنتج سوى 40 % مما تنتجه دولة أوربية واحدة وهي إيطالية ويقلل من شأنها كونها من الجنوب الأوربي، يرى الحل في الإنغلاق التام فهو لا يريد من الحضارات الأخرى لا خيرها ولا شرها يطلب فقط أن تتركه وشأنه يتعامل مع البدو وهو قادر على الاستمرار كسابق عهده مع الحفاظ على القيم الفكرية والثقافية التي يراها مستمدة من القرآن وتعصف بها رياح التغيير القادمة من الغرب.
لذذلك فهو غير جاهز للتغيير بل غير مستعد له، فليست أشكال الديمقراطية قابلة للبحث بل الفكرة من أساسها. ولو جمعت دول العالم قاطبة والأمم المتحدة على طلب التغيير فإنه مرفوض، فلقد اتخذت الممارسات العملية للحاكم طابع الشرعية المقدسة التي لا يمكن تغييرها.
ولا تخفي الطروحات الفلسفية الجديدة للزعيم الكبير التهديد بالتحول إلى الإرهاب والمبرر لذلك أن تغيير الأنظمة الدكتاتورية يعني تحويل شعوبها نحو الإرهاب الذي تجرأ سيادته من بين زعماء العالم قاطبة الذين تناولوا الإرهاب وحاربوه، تجرأ على وصف الإرهاب بالعالم بالإرهاب الإسلامي واستخرج الأدلة من القرآن.
إنه مستعد لمثل هكذا تصريح لكنه يصر على بقاء النظم السياسية السائدة في بلده كما هي ويعتقد
بأنه حصن بلده وحكمه باللجوء إلى إفريقية، أما أنتم يا عرب أسيا فمصيركم الزوال أو الذوبان
لأنكم لا تنتمون إلى كتلة قارية أو إقليمية كبيرة.
بكل بساطة وببضعة كلمات اختزل سيادة العقيد شعوبا بأكملها ولم يكلف نفسه عناء الإكثار من
الكلام في هذا المقام، ولا عزاء للعرب الأسيويين سوى الانضمام إلى اتحاد جديد يقترحه يلحق عرب أسيا بإفريقية.
الفلسطينيون أغبياء واليهود أغبياء والأوربيون سذج تحدثهم عن الإقتصاد يحدثونك عن الختان
والشعوب الأوربية تنبح مثل الكلاب ولا أحد يرد عليها. هذا ليس قدحا أو ذلة لسان إنه جزء من
المحاضرة الفلسفية للزعيم الأخضر مخاطبا ثلثي زعماء الدول العربية في جلسة حضرها كثير من الوزراء الأوربيين والمراقبين المتخصصين في السياسة والعلوم من كافة أرجاء المعمورة إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة وعمرو موسى.
الشعوب العربية تسقط حكومات بمظاهرة واحدة نعم اسمع أيها العالم إن كنت لا تدري هكذا يرى العقيد القوة الهائلة للشعوب العربية التي هي في الحقيقة لا تدري شيئا عما تقوله إنها تخرج فقط للوفاء والتأييد وإن كنت تشير إلى لبنان فالوقت ما زال مبكرا فالحكومة التي استقالت عادت
بعد أيام واستطاعت تأليف مظاهرات تأييد وموالاة على الطريقة العربية المليونية.
رغم اعتراضي الشديد على كل ما قاله سيادة العقيد القذافي إلا أنني أشعر بالإهانة من التعليق الذي أردفه رئيس القمة على محاضرته الفلسفية ففي البداية قال إنه يؤيد ما جاء في خطاب الأخ
الزعيم الكبير إلا أن كونه رئيسا لدوله عربية ومسؤولا عن شعب لا يستطيع التصريح بتأييده
ولو كان خارج الحكم لقال مثل كلام العقيد لكنه في هذا الوقت يخشى هبوط أسهمه شديدة الحساسية.
إنها الإزدواجية العربية المعهودة بين ما نصرح به وما نعتقده وبين ما نقوله للعالم أو ما نقوله
للشعوب .
الشعوب التي لا تعرفها الحكومات إلا في مظاهرات التأييد والوفاء وتصم آذانها عن مطالبها في الإصلاح والتغيير. إنها المعجزة العربية في صد رياح التغيير والتحايل عليه كما أشار إليها
أدونيس في إحدى الصحف السورية.
عذرا سيدي العقيد إن الإهمال وتقليل الشأن والاحتقار والعزل والاستخفاف والإعتراض
والقهر والإذلال هو ما تعانيه الشعوب العربية المسالمة والمعترضة على الإرهاب هي التي
تدفع الثمن مرتين وتتلقى الجلد والقصاص ولا يسمع صوتها أبدا بل تستخدم كمكبرات للصوت
وأبواق للهتاف.

إحسان طالب_ شمولية التطبيق و مصالح الحكام...هل يمكن تطبيق الشريعة كاملة


شمولية التطبيق ومصالح الحكام
هل يمكن تطبيق الشريعة كاملة؟!
يصر الدعاة الجدد على مقولة مفادها أن كل التوجيهات و النصوص الشرعية يجب تطبيقها والعمل بها دون انتقاء أو اجتزاء، وهذا هو منهج السلف من حاد عنه خرج عن الملة وانحرف عن الصراط المستقيم .
والواقع التاريخي منذ عهد الصديق حتى الخلافة العثمانية كان خلاف ذلك . فالتطبيق الحرفي للتوجيهات والأصول لم يكن كاملا بل مجتزءا وانتقائيا، وخاصة في القضايا الكبرى. والفكرة الأساسية في هذا المجال أن التاريخ العملي للدول الإسلامية يؤكد أنها كانت تطبق فقط ما تراه مناسبا في حين أنها تجتهد فيما يلائم مصلحة الدولة أو الفئة الحاكمة، بغض النظر عن التقييم الأخلاقي لهذه الدولةإن كانت عادلة أو جائرة، ناجحة أم فاشلة .
ولنبدأ باستعراض بعض الأمثلة : في مرحلة نقل السلطة من النبي (ص) إلى أبو بكر الصديق ، استطاع الصديق بمكانته العالية بين الصحابة وقربه الشديد من الرسول(ص) تثبيت سلطته ووقف كل أشكال المعارضة الداخلية وأقصد هنا كل الطامحين نحو الخلافة من آل البيت و الأنصار وزعامات قريش القديمة. واسستتب الأمر للصديق في مكة و المدينة ، إلا أن بوادر الثورة والخروج على سلطة الدولة الفتية كانت قد ظهرت إبان مرض النبي (ص) ، ولم يأمر النبي بقتال المرتدين ولم يوصي بذلك من بعده أبدا رغم وضوح توجهات زعيمهم مسيلمة ابن حبيب الذي يراسل النبي (ص) وهو يدعي النبوة.
كتب مسيلمة الكذاب : من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله سلام عليك، إني أشركت في الأمر معك ولنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض ، لكن قريشا قوم يعتدون. وحمل رسالة مسيلمة إلى رسول الله (ص) رجلان فقال الرسول للرجلين حين قرأ الكتاب فما تقولان أنتما فقالا كما يقول فأجاب الرسول (ص) لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما .
ولما آلت الخلافة إلى الصديق قويت شوكة مسيلمة وراح يجمع حوله الناس والقبائل وبعثوا وفدا لأبي بكر على أن يقيموا الصلاة ولا يؤتون الزكاة. فاعتبر أبو بكر الأمر ردة عن الإسلام وخشي أن يداهمه المرتدون ويغزوا مكة في أقرب وقت ، فأمر بالاستعداد وتجهيز الجيوش فعارضه كثيرون واحتجوا بأن رسول الله (ص) قاتل الناس بأمر من الوحي الذي انقطع بوفاة الرسول (ص)، فقال أبو بكر : والله لأخرجن لهم وحدي ولأقاتلهم ما استمسك السيف بيدي ولا أرضى نقض الإسلام على عهدي. وكتب كتابا واحدا:
من أبو بكر خليفة رسول الله إلى من بلغه كتابي هذا من عامة وخاصة، وأكد في رسالته على أسس التوحيد وكرر الشواهد المبينة لحتمية موت النبي (ص) وطالب فيه المرتدين بالعودة وهددهم بالقتل والقتال. وأمر بقراءة كتابه في كل مجمع وأن تسبق الرسل بالكتاب الجند.
لما اعترض الصحابة على رأي الصديق بببقتال مانعي الزكاة احتجوا بمسألتين، الأولى أن النبي (ص) إنما قاتل بعد أن جاء الإذن من السماء وهذا أمر لا يمكن تحقيقه لانقطاع الوحي.
والثانية قولهم كيف تقاتل من أقر بالشهادتين والصلاة.
لم يكن في معرض رد أبي بكر على معارضيه أدلة شرعية بل رد بأمرين اثنين: الأول لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والثاني كان يرى في ترك الزكاة نقضا لعهد الدين ويأبى أن يكون ذلك النقض في عهده، وكانت خشيته الكبرى أن يتمكن المرتدون من السيطرة على الدولة وتغيير النظام.
من هنا نرى ذهاب أبي بكر لقتال المرتدين، إنما جاء باجتهاد بالرأي رغم المعارضة القوية لذلك وكما هو معلوم فإن عمر ابن الخطاب كان معارضا للقتال رغم ميله الدائم إلى حل الخلافات بالسيف، إلا أن أبو بكر كان أشد عزيمة وأمضى رأيا، وسفه رأي عمر بقوله:
أخوار في الجاهلية جبان في الإسلام.
في هذا الأمر الجلل وأمام الخطر الجاسم الذي أدركه الصديق بقوله : لا تدرون أيأتونكم نهارا أو ليلا، لم يجلس الخليفة ويبحث في الأصول والأدلة بل أمضى رأيه رغم حجة المعارضين القوية
ورفض التفاوض أو التنازل .
مما سبق نرى أن الاجتهاد بالرأي كان أقوى من الاستناد إلى النصوص في قضية كبرى كانت تهدد مستقبل الدولة الفتية.
جمع القرآن تم في عهد الصديق: وعلى عكس ما كان الأمر في حروب الردة فإن عمر (الفاروق) كان مؤيدا للفكرة في حين كان الصديق معارضا لها، وأسس رأيه في معارضة الأمر برده إلى النبي (ص) وقال: كيف أفعل أمرا ما فعله رسول الله (ص). وتذكر الروايات أن الفاروق خشي ضياع القرآن لكثرة ما قتل من الحفاظ في حروب الردة، لذلك أصر على جمع القرآن وما زال يحدث الصديق حتى وافق على الأمر.
وبمقارنة دقيقة بين حروب الردة وجمع القرآن نلاحظ تبادل الأدوار بين المؤيدين والمعارضين ، فأشد المتحمسين لحروب الردة كان أبو بكر الذي عارض في البداية جمع القرآن، في حين أن عمر بن الخطاب الذي كان أشد المتحمسين لجمع القرآن كان على رأس المعارضين في قتال المرتدين، وفي النهاية كان الرأي والاجتهاد هو الفيصل رغم أن الأمرين ظاهريا يتعارضا مع المنهج السلفي الأصولي، فالاجتهاد في المسألتين كان خارج النص. والرأي الصائب في كلا الحالتين كان مع الطرف الذي لم ينغلق ضمن النص بل بحث خارجه وأشغل الفكر وأعمل العقل بحرية وشجاعة دون الخوف من التكفير والتأثيم والتجهيل.
والمؤكد أن المسلمين منذ ذلك العصر حتى الآن يرون صوابية قتال المرتدين وجمع القرآن رغم ما حدث من خلاف بالرأي وتعارض بين القادة في بداية الأمر، فالكل يرى أن هذين العملين هما أجل الأعمال التي قام بها الخلفاء بعد موت النبي (ص).
ذلك بالرغم من الخلافات المذهبية الكبيرة بين الطوائف الإسلامية، إلا أن هذين الأمرين ليسا محل نزاع أو شقاق ولا يوجد أحد أثار شكوكا حول موقف الصديق حيالهما، في حين نرى الإفتراق في مسألة الخلافة وميراث النبي (ص) بلغت حدا بعيدا جدا ما زال البحث فيه دائرا إلى يومنا هذا.
وإذا كان انتقال السلطة من علي - رضي الله عنه - إلى معاوية محل خلاف، فإن انتقال السلطة من معاوية إلى يزيد محل اتفاق على رأي واحد يقول أن هذا التسليم كان خلافا للأصول الشرعية والقواعد النبوية ومع ذ لك استمرت الدولة الأموية ووطدت اركانها وحكمت المسلمين من عام 41 هجرى الى عام 132هجرى , والمعلوم انه خلال حكم الأموين تم فتح جميع البلدان المتاخمة لحدودالدولةالأسلامية و المعلوم ايضا أن دولة الأندلس انماأسسها الأمويون ووطدها عبد الرحمن بن معاويه بن هشام عام 138هجري ,بعد دخوله اليها ثائرا على الخلافة العباسية , ويعد عبد الرحمن حسب التقيم الفقهي خارجا على الشرعية مباح الدم , لكنه أبقى على الدولة العربية في الأندلس وجعلها خارجة عن الحكم العباسي حتى انهيارها وخروج العرب من اسبانيا .
وهنا نعود الى مابدأنا به لنبين ان التطبيق الحرفي و الكامل لكل التوجيهات والأصول الشرعية وهم لا وجود له , والأجدر بنا أن نتحلى بالشجاعة والقدرة لنقول :
إن المسلمين في تاريخهم الطويل كانوا يطبقون مايرونه مناسبا وفق المصلحة الخاصة احيانا والعامة احيانا آخرى . و دأب على ذلك قادة المسلمين من أقرب المقربين الى الرسول (ص) حتى ابن لادن الذي ابتدع نظرية التفكيك و التركيب فسعى إلى تفكيك و تهديم المجتمعات التي يراها كافرة ليقيم أو يركب عليها مجتمعه الأصولي الصلب. و هو من أشد الأصوليين تمسكاً بالتطبيق الكامل و الحرفي إلا أنه ليس كذلك. بل طبق ما أيد تحكمه بالشعب الأفغاني و ترك جانباً أحكاماً متفقاً عليها لأنها لا تؤيد مصالحه و من ذلك أضرب مثالاً واحداً فقط: و هو الحكم القائل:
قلب بدء أي غزوة لابد من إنذار و بيان و مهلة و هذا حكم متفق عليه و مبدئي لدى جميع المسلمين طرحه ابن لادن جانباً و غدر و خان وخدع في أحداث 11 أيلول الماضية لأنه أراد نصراً سريعاً و مدوياً يرضي غروره و يوطد سيطرته.

إحسان طالب_العدل و النساء...إشكالية تعدد النساء


العدل و النساء
إشكالية تعدد الزوجات

تتناقض الثقافة الدينية المهيمنة على تفكير المجتمعات العربية تناقضاً كبيراً في قضية المرأة. ففي حين أن معظم المجتمعات العربية التي يغلب عليها الطابع الديني لم تحسم أمرها في مجال حقوق المرأة السياسية و المساواة, تعتبر تلك الثقافة أن الموروث الديني كرم المرأة و أنصفها و وضعها في مرتبة سامية فجعلها مثلاً يضرب للإيمان (( ضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون)) و لكن لا يوردون الآية السابقة لها التي ضربت مثلين للكفر بامرأتين (( ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح و امرأة لوط)) التحريم_10_
في هذا السياق نفهم أن المسألة ليست أمثالاً بقدر ما هي رؤية متكاملة نحو المرأة رسخها الموروث الثقافي الديني و ساهم بشكل كبير في واقع الظلم الذي تعيشه و تعانيه, و لقد جاءت إشارات إلى ذلك في تقرير التنمية العربية الشاملة للعام (2004)
و ليس هناك من ينكر أن الإسلام جاء خطوة متقدمة و ثورية نحو الواقع المزري الذي كانت تعيشه المرأة في المجتمع العربي القبلي الذي كانت فيه تورث للابن بعد موت الأب مع ممتلكاته الأخرى.و جعل الإسلام الذمة المالية للأنثى منفصلة عن الرجل و أعطاها حق التملك و اعتبرها شقيقة للرجل في الخلق و كرمها تكريماً شديداً كأم.
و لكن عبر عصور طويلة لم يطرأ تعديل أو تطوير في مفاهيم القوامة و التفضيل و حقوق الرجل على المرأة.
أخذ الموروث الديني يزداد ثقلاً و ظلالاً على عاتق المرأة, و تأكدت الروية الأحادية كون الفقهاء و الشرعيين و الأئمة كانوا على مدار الزمان من الرجال و كانت العقلية الذكورية غالبة في فهم النصوص المقدسة_كتاباً و سنة ً_ و مائلة بشكل مستمر نحو القوامة و التفضيل القانوني التشريعي (( الرجال قوامون على النساء)) النساء_34_
و ليست قوامة معنوية أو أخلاقية, و آية القوامة فيها الكثير من حقوق الرجل على المرأة و فيها حقه في الوعظ و الهجر والضرب.
و لعل أهم المعضلات التي لم يستطع الفكر الديني حلها و تجاوزها هي مسألة تعدد الزوجات و التي تشكل أزمة حقيقية للفكر الأصولي فهو لم يتمكن من إعطاء المبررات العلمية و الأدبية لهذه الإشكالية.
هل التعدد منصوص عليه:
بداية ليس هناك من ينكر أن تعدد الزوجات منصوص عليه بوضوح و أكدته الممارسة العلمية و التاريخ الممتد عبر أكثر من أربعة عشر قرنا ً. و الآية الثالثة من سورة النساء فيها أكثر من إباحة التعدد, فيها إباحة الإماء و الإماء نساء و بدون عدد و في شرعة حقوق الإنسان ليس هناك أحرار و إماء فالنساء سواسية كأسنان المشط.
و النص القاضي بالبقاء على واحدة خشية الظلم مفسر بنص آخر (النساء_129_) يبين حدوداً للعدل المطلوب مع التأكيد على التعدد: (( و لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء و لو حرصتم )) فيها ذكر النساء و هن أكثر من واحدة فكأن النص أقر أكثر من امرأة لأن العدل بين النساء فوق استطاعة البشر.
(( و لن تستطيعوا العدل بين النساء و لو حرصتم ))
إذا ً العدل المطلوب غير ممكن (( ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها)) البقرة_286_ و لذلك هو خارج نطاق التكليف, هنا نعود إلى الأصل و هو التعدد.
المبررات التي يسوقها أنصار التعدد:
اعتبر البعض ممن يؤيدون التعدد أنه لحل مشكلة العنوسة فالمرأة التي فاتها قطار الزواج ترضى كونها الزوجة الثانية و تعرف طعم الرجولة و الأسرة خير لهل من البقاء في بيت أهلها يُنظر إليها بالريبة و النقص, و التعدد يتيح لها الشهوة الحلال بدل الانزلاق في دروب الحرام.
هذه أحدث المبررات التي يطلقها مروجوا التعدد خاصة بين الدعاة الجدد في مصر.
حل مسألة العنوسة لا يكون بمشكلة التعدد بل بوضع برامج اجتماعية تنموية تتيح رفع مستوى المعيشة بما يترك المجال للشباب و الفتيات لبناء أسرة قادرة على تحقيق متطلباتها المعيشية. و إحلال مشكلة مكان أخرى فيه استسهال للأمور و عجز عن البحث في أساليب حضارية حديثة لمشاكلنا المعاصرة و فيه استهتار بالعقول و تجميد للفكر.
في دولة الإمارات العربية المتحدة حلوا مشكلة العنوسة بوضع برامج تنموية تتيح القروض و المنح و التسهيلات للراغبين في الزواج, و ممكن للمصريين إيجاد حلول تناسب بلادهم و تنطلق من أفكار تنموية مرحلية و شاملة.
و بالنظر بطريقة معاكسة نرى أن التعدد سبب من أسباب العنوسة عند الشباب فالقادر الذي يملك المال و المستوى المعيشي العالي يتمكن من أن يتزوج أربع نساء و هو بذلك يحرم ثلاثة شبان من حقهم في الزواج, فإذا انتشر التعدد بصورة كبيرة كما هو حاصل ستزداد مشاكل الشباب من الذكور و يرتفع عدد الشبان العزاب. و بهذا يبدوا تعدد الزوجات تشريعاً للأغنياء فقط فيكرس الفوارق الاجتماعية و يرخي بظلال من الظلم على شرائح عديدة من الناس.
و من المبررات الأخرى: عدم قدرة امرأة واحدة على إشباع رغبة الرجل و هنا أتساءل هل حقا ً يتمتع المتدينون الراغبون بتعدد الزوجات بقدرات خارقة أم أنهم أناس عاديون كبقية البشر.
المسألة في الواقع جوع جنسي لا ينتهي سببه الحرمان الذي يعاني منه الشاب المتدين مع ما يرتبط في ذهنه من أهمية قصوى للمتعة التي تُعتبر ثمرة عظيمة ينالها في حياته الأخرى, فيتضخم لديه الجوع نحو النساء, و عندما يحصل على واحدة يطالب بالثانية.
إن التشديد البالغ في القيود المفروضة على الرجال و النساء يدفع نحو إيجاد كل السبل لوصول الرجل الواحد إلى عدد من النساء في سبيل إشباع رغبة وهمية.
النبي و الزوجة الواحدة:
ليس هناك أدنى شك بأن تعدد زوجات النبي كان لأسباب نبيلة هدفها الصالح العام و لكل حادثة مبرراتها. و الذي لا شك فيه أيضا ً أنه لا يوجد رجل آخر تنطبق عليه مثل هذه المبررات و لا يوجد من يستطيع الرقي إلى مستواه في النبل و السماحة.
من المعروف أن النبي أحب خديجة أكثر من أية امرأة أخرى و تؤكد ذلك الروايات التي تبين حرصه على إرضائها حتى بعد وفاتها فكان يكرم أصدقاءها و أقاربها وفاءً لذكراها. و لم يرض من عائشة النيل من مكانة خديجة بعد وفاتها بسنوات طويلة.
تذكر السيرة كيف كانت خديجة تؤازر النبي في بداية نزول الوحي و كان يعود إليها من غار حراء فتواسيه و تخفف عنه فزعه.
علاقة الحب و القدير و الاحترام المتبادل بين النبي و خديجة جعلتها زوجة واحدة ما يقارب العقدين من الزمن.. لم يتزوج النبي بعدها مباشرة و اكتفى بامرأة واحدة حتى تجاوز الخمسين و أمضى ما يقارب ربع قرن دون تعدد للزوجات. و هي فترة أوج النشاط الجسدي عند الرجل (ما بين 25 _ 50 سنة)
هذه القصة المأثورة تعني بوضوح أن المرأة الزوجة الواحدة كانت محل احترام شديد, و لم تكن العلاقة الشهوة هي الرابط الوحيد. فكلما كانت الزوجة حاضرة بقيمتها الإنسانية الكاملة كانت مسألة التعدد غير واردة
فاطمة وعلي: (عليهما السلام)
علي ابن عم النبي المقرب إليه و المفضل لديه.. زوجه ابنته أحب الناس إليه. و أنجبت له حفيدين لا يعدل حبهما في قلب النبي حب أحد.
تروي الآثار قصة محاولة علي الزواج ثانية مع الإبقاء على فاطمة, فتسمع ابنة النبي الخبر فتشتكي لوالدها فيصعد النبي المنبر و يقول: إن بني هشام استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم من علي ابن أبي طالب.. فلا آذن, ثم لا آذن, ثم لا آذن, إلا أنيريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم. فإنما ابنتي بضعة مني ويريبني ما يريبها و يؤذيني ما آذاها. و في رواية: ((إن فاطمة مني و أتخوف أن تفتن في دينها)) البخاري و مسلم.
و في قصة أخرى: ((قالت أسماء بنت حميس: خطبني علي فبلغ ذلك فاطمة فأتت رسول الله (ص) فقالت: إن أسماء متزوجة علياً, فقال لها النبي: ما كان لها أن تؤذي الله و رسوله))
إيذاء و ريبة وفتنة للمرأة و أهلها هذا ما يتسبب به طلب الرجل الزواج فوق زوجته. فالنبي استاء كثيرا ً عندما خطب صهره امرأة ثانية و اعتبر الأمر إيذاء لله و رسوله. و كرر رفضه إعطاء الإذن بزواج صهره ثلاث مرات واشترط طلاق ابنته إذا أصر صهره على إدخال ضرة إلى بيت ابنته فالمسألة إنسانية بشرية و كل امرأة تتأثر بما تتأثر به سيدة نساء الأرض فاطمة.
علاقة تعدد الزوجات بمكانة المرأة عموماً:
التعدد جزء من ثقافة فكرية و مناهج تربوية تتمثل في مجموعة من الأحكام المسبقة المتعلقة بالمرأة و تساهم بشكل رئيس في تحديد مكانتها و تبرر الأحكام الخاصة بها. فالمرأة قبل الرضوخ في مسألة التعدد لا بد لها من الحضور الذهني و الجسدي و من ذلك تعلم نصوص و فتاوى و أمثال و حكم مثل:
((إن المرأة تقبل بصورة شيطان و تدبر بصورة شيطان))
النساء أكثر أهل النار
الولد للفراش و للعاهر الحجر
النساء ناقصات عقل و دين
((مضت السنة أنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود و لا في النكاح و لا في الطلاق))
((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح))
((و حق الزوج على زوجته إلا تمنعه نفسها و لو كان على ظهر جمل))
((و ألا تخرج من بيته إلا بإذنه فإن فعلت لعنها الله و ملائكة الغضب حتى تتوب أو ترجع و إن كان ظالما ً))
ليس هناك دليل على وجود شروط شرعية واجبة على الرجل فعلها قبل تعدد الزوجات و ليس عليه أخذ إذن زوجته أو حتى إخبارها
يجوز للزوج طلاق المرأة بالوكالة
عندما جاء المكّيون إلى المدينة كان الأنصاري يقول للمهاجر: انظر أي زوجاتي أحب إليك أطلقها فتتزوجها بعد ذلك
هذا المنهج الثقافي التربوي يساهم في بناء أجيال من الشباب تعتقد بحقها الكامل في القوامة و التعدد كما يوجد فتيات لا يعارضن في موقع النقص و الإقصاء. لهذا نرى العديد من النساء لا يعارضن التعدد من منطلقات دينية.
لكن المرأة التي تحب زوجها و تشعر بكرامتها و مكانتها لا ترضى بوجود زوجة أخرى في حضنة فما بالك بالثلاث أو الأربع. و لها بذلك أسوة بفاطمة الزهراء و أمها خديجة الكبرى.
الخيانة الزوجية:
يخفي تعدد الزوجات رغبة حقيقية و ملحة في الخيانة الزوجية. فعلاقة الحب و الاحترام القائمة بين الرجل و امرأته تمنعها من إقامة علاقات خارج الأسرة. فإذا رغب الرجل في علاقات أخرى فإن محبته و تقديره لزوجته و كرامتها تمنعه من فعل ذلك, و لكن عندما يعتقد الرجل بأن له الحق في التعدد مهما كان رد فعل زوجته فإنه سيحاول تحقيق رغباته بأية وسيلة, و لما كانت العلاقات خارج الزواج محفوفة بالمخاطر الاجتماعية و الصحية و ربما الفضيحة القانونية, يلجأ المتدينون إلى الزواج الثاني لأنه آمن و يترك الباب مفتوحاً للتفكير بخيانات جديدة و زوجة ثالثة و رابعة.
و بكل تأكيد فإن تحقيق رغبات الزوجات الثلاث أو الأربع أمر غير ممكن, وهذا يعني حرمان البعض و ظلم البعض الآخر و ربما يكون التعدد سبباً قوياً يدفع المرأة للتفكير في الخيانة الزوجية لقناعتها بالظلم و التهميش الجسدي والمعنوي من قبل زوجها.
الآلام النفسية و الجسدية:
تتزوج الفتاة المتدينة من شاب متدين و تقسم على الوفاء له و ترضى لنفسها كل ما فرض عليها من حقوق و واجبات.
و حالما تبدأ على الرجل عوارض تحسن حالته المادية يزداد إلحاحه على الزوجة الثانية. وتبدأ المعاناة الجسدية و القهر النفسي. تذهب كل الأمنيات و الرجاء مهب الريح و تأتي الزوجة الجديدة بشروط و ميزات ما كانت تحلم بها أم العيال. و تستمر المعاناة و الصراع و تأخذ المرأة على عاتقها عبء الحفاظ على الأسرة من الانهيار و تستمر في القيام بأعباء البيت. تنام مع الدموع و تستيقظ على الآلام و تحتار في تفسير ما يصيبها و ما تعانيه.
و في الطرف الآخر يشتكي الرجل القوام المزواج و يزداد تكبرا ً و تجبرا ً و زيادة في الحرمان عقابا ًً على النشوز و يلجأ إلى الهجر فتزداد الزوجة المظلومة عذابا ً فيلجأ إلى آخر الحلول و هو الضرب.
يكبر الشعور بالظلم و القهر و مع تطور الآلام الجسدية و النفسية يتفتق ذهن الرجل التقي عن حل جذري: اسمعي أيتها المرأة لقد تلبسك الشيطان و أخذ يجري منك مجرى الدم من العروق فأنت تعترضين على أمر الله و رسوله.
تصدق الزوجة المظلومة تشخيص زوجها العارف العالم و تفتح فصلاً جديداً من مأساة بدأتها بالزواج من رجل يعتقد أنه الخليفة في الأرض (( من لا يشكر الناس لا يشكر الله))
ختاماً:
التعدد يتعارض مع روح العدل و المساواة و التسامي بالأخلاق النبيلة.
إن قيم العدل و المساواة و الحرية و التراحم و الإنسانية هي التي جعلت الإسلام دينا ً رائعا ً, و القضاء على أي من هذه القيم يؤدي إلى تقويض الدين كله.
إن الدافع الرئيس في إشكالية تعدد الزوجات هو الشهوة الجنسية التي جاءت التعاليم الدينية لتهذيبها و تنظيمها. و هذه الرغبة الملحة في نكاح أعداد كبيرة من النساء يتعارض بشدة مع التعاليم التي توصي بحب الآخر و الزهد في الدنيا و التفرغ للصالح العام.

إحسان طالب_الدولة الدينية أم الدولة الحديثة ... رؤية نقدية لبيان الإخوان المسلمين


الدولة الدينية أم الدولة الحديثة
رؤية نقديّة لبيان الإخوان المسلمين

في 3/4/2005 أصدرت جماعة الإخوان بياناً موجّهاً إلى سوريا شعباً وحكومةً وتمّ نشره وتعميمه، وقبل أياّم ظهر الأستاذ علي البيانوني على شاشة العربية لتأكيد البيان وتوضيحه.

و ينطلق البيان من رؤية شرعية و يدعو إلى مؤتمر وطني شامل و دستور جديد عبر هيئة انتخابية محايدة مما يؤدي إلى ولادة جمهورية دستورية ديمقراطية و يدعو الجيش ليكون حامياً للتغيير السلمي و يطالب بالإصلاحات المتعارف عليها و يعطي مهلة ثلاثة أشهر.
رؤية نقديّة لما ورد في البيان :
بعد الاستقراء المتأني للبيان يبدو أن هناك تقدماً ملموساً في رؤية الإخوان السياسية و قدرته على التأقلم مع الأوضاع المستجدة

إن المطالب الرئيسة والخطوط العامّة التي يقدّمها الإخوان أصبحت محل توافق بين كل الأطياف الداعية للإصلاح والتغيير.

كنا نأمل من البيان تحديد موقعه إلى جانب المعارضة بوضوح وأن يكون نداؤه موجّهاً إليها بشكل مباشر أيضاً.
لقد بالغ البيان في تصوير الخطر الداهم من الخارج ممّا يوحي بضرورة العمل لوقفه بأي ثمن وهذه المعضلة كانت ترفع في وجهنا طيلة أربعة عقود.
إن أي بيان يطرحه الإخوان قد يؤخذ على محمل الشّك. ذلك أنهم انطلقوا - كما يقولون- من رؤية شرعيّة، والمعروف عن هذه الرؤية كونها تقوم على أساس الدولة الدّينيّة، التي تبنى على قواعد الشريعة التي تتخذ الأصول المقدّسة منطلقاً رئيسيّاً للدّستور والقانون. والاستقراء العميق لتلك الأصول لا يفسح المجال أمام ديمقراطيّة وطنيّة تنطلق أساساً من الحفاظ على مصالح الوطن والمواطن آخذة بعين الاعتبار الاختلاف الكبير في المعتقدات الدينيّة للأطياف المختلفة التي يتكوّن منها مجموع الشعب السّوري ((وكل شرط ليس في كتاب الله أو سنّة رسوله ليس بشرط ولو كان مئة شرط))
على الإخوان عند طرح أي مبادرة، القيام بتبديد الشّكوك الواردة إلى الأذهان فور سماع اسمهم. لذلك نرى أهمّيّة قيام الجماعة بما يلي:

أ‌- نبذ العنف بكل أشكاله التخلي عن مبدأ تغيير السلطة بالقوّة أو الجهاد.
ب‌- تبديد المخاوف من إقامة دولة سنّيّة متعصّبة. وهذا يقتضي الإقرار بدولة علمانيّة تعترف بالمشاركة السياسيّة لجميع التيّارات المختلفة.
ت‌- التخلي عن إقامة الدولة الأمّة - طالما كان النداء إلى سورية- وكبح الطموحات والتطلعات نحو إقامة الخلافة الإسلاميّة التي من واجبها نشر الشريعة في كل مكان تستطيع الوصول إليه وإخضاع الشّعوب الأخرى لدستورها الأصولي.
ث‌- الإقرار بمبدأ الحداثة. وأقصد به باختصار إحلال الفكر النقدي الخاضع للعقل - الذي يقر بوجود الخطأ والصّواب- مكان القداسة التشريعيّة المعصومة.

الدولة الدينيّة أم الدولة الحديثة :

إن التوجه الليبرالي العلماني النامي في صفوف المعارضة السّوريّة يتبنّى قيام دولة علمانيّة ديمقراطيّة ليبرالية وهذا يتعارض مع الفكر الأصولي السّلفي الانغلاقي للإخوان وبالتالي مع مبدأ الدولة الدينية الذي ينادون به.
لقد جاء في بيان الإخوان إقرارهم بدستور وطني وهذا بداية الاعتراف بدولة عصريّة.

وكما هو معلوم فالدولة الإسلاميّة تاريخيّاً لم تعترف بوجود دستور وهذا هو حال الدولة العثمانيّة قبل انهيارها بعد الحرب العالميّة الثانية التي لم تستجب لدعوات الإصلاحيّين الإسلاميّين بضرورة وضع دستور للبلاد. كذلك أهم دولة دينيّة عصريّة -السّعوديّة- ليس لها دستور حتى الآن. من هنا نتمنّى على الإخوان الإقرار بمفاهيم الدولة الحديثة التي تتبنّى مبدأ سيادة الشعب في الحكم واعتبار السيادة النصّيّة شرفيّة أخلاقيّة.

الإصلاح المنشود لبلدنا ليس إصلاحاً دينيّاً قائماً على أساس الأصول الشّرعيّة، بل هو إصلاح سياسي قائم على مبدأ سيادة الدستور ودولة القانون. ((دعونا ندير حياتنا الدنيا ونجعل الأديان تحكم في الأخرى)) الكواكبي, طبائع الاستبداد_143. ((قصارى أمر الإمامة أنّها مصلحة اجتماعيّة لا تلحق بالعقائد)) ابن خلدون, المقدّمة_465.

يبلغ عدد آيات القرآن الكريم (6236) آية على الراجح.
((اقتصر القرآن الكريم على أمّهات المسائل والمبادئ العامّة، فآيات التشريع محدودة لا تزيد عن مائتي آية)) كمال الغالي، القانون الدّستوري والنظم السّياسيّة_511.

((أما فيما يتعلّق بالتشريع الدّستوري -صلة الرعية بالدولة ونظام الحكم فآيات هذه الأحكام نحو 10 آيات)) عبد الرّحمن الصّابوني -مدخل لدراسة التشريع الإسلامي_43.

ربط الضغوط الخارجيّة بالإصلاح والتغيير :

من المهم الفصل بين الضغوط الخارجيّة والحاجة الملحّة للوضع السّوري الدّاخلي المتأزّم والذي يعاني من أمراض مزمنة لا يمكن بحال من الأحوال تأجيل علاجها. فالتغيير و الإصلاح ضرورة عاجلة وملحّة يتوافق الشّعب السّوري بكل تيّاراته وانتماءاته عليها, بغض النظر عن التقييم الخارجي للسلطة السورية و علاقاته بها. فنحن المعنيون أساساً ببلدنا و المظالم التي نطالب برفعها تلف حاضرنا و تهدد مستقبلنا. والمعروف أن المعارضة السورية بدأت بالسعي نحو التغيير و الإصلاح منذ نهاية السبعينيات ثم فترت الهمة طيلة عقدين تقريباً و عاد النشاط للظهور بعدما أصبحت الأجواء مهيأة للبحث بجدية نحو خلاص الوطن و إعادة كرامة المواطن.
ربما كانت قاعدة الإخوان في سورية أقرب ما تكون إلى نخبة التيّار الديني والتساؤل هنا هل هذا النّداء متفق عليه بين أطياف التيّار الديني السّوري أم أنه رؤية إخوانية فقط.

يغلب على التيار الديني الانقياد الصريح لبعض الأسماء الموجودة على الساحة والتي لا يوجد أي لبس في موالاتها المطلقة وتحرّكها المنضبط تماماً بالسلطة الحاليّة. لذلك لا يبدي هذا التيار اهتماماً ملفتاً للتغيير و كأن الأمر لا يعنيه و بذلك يسحب المشايخ الملايين من أبناء الشعب السوري خارج اللعبة السياسية و هذا في الواقع يقلل من شأن التيار الديني الشعبي في حين أن المفروض على أئمة المساجد و المعاهد الدينية المبادرة إلى الدعوة للإصلاح و التغيير, فكثير من حواراتهم و نقاشاتهم تدور خارج الموضوع تماماً.
((لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس)) النساء_114
والخطاب القرآني عندما يتوجه نحو الناس إنما يكون للمسلمين و غيرهم .
((إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت)) هود_88
من هنا نرى ضرورة قيام جماعة الإخوان بترتيب أوضاعها القانونية مع الدولة حتى تكون قادرة على القيام بالفعل السياسي آخذة بعين الاعتبار ما طرحناه و ما نتوخاه من إصلاحات داخل الجماعة قبل الانطلاق نحو الخارج.
و من ثمة نرى ضرورة التوجه من قبل الإخوان نحو التيار الديني الشعبي لاختبار آرائه و مواقفه و العمل سوية على إدخال الثقافة و السياسة إلى المجتمع الذي حُرم منها طيلة عقود ماضية, و يحاول أعمدة التيار الديني الحكومي تجنب المساس بالموضوع الداخلي السوري و التوجيه على أن البحث في هذا الموضوع من المحرمات.
أخيراً لا يملك الأستاذ البيانوني حقّ التنازل عن أي شيء من حقوق الآخرين فمبدأ تذويب الفرد داخل الأمّة لم يعد مقبولاً- جاء في البيان ((نحتسب عند الله ما أصابنا))-
ليس عدلاً ترك من أجرم بحق الشعب والوطن بدون مساءلة يتستّر تحت راية شعارات قديمة يزيّنها بالدعوة إلى الإصلاح والتغيير.

إحسان طالب_أمنيات على الشيخ حسن نصر الله


أمنيات على الشيخ حسن نصر الله

يعتبر الخطاب السياسي للأحزاب الشمولية _و منها الأحزاب الدينية_ منضبطاً بأيديولوجية مقدسة يصعب الخروج عليها و يكون عادة فوقياً و يتسم بالوعظ للموالين و التنديد بالأعداء المفترضين أو الحقيقيين .

في آخر لقاء علني جمع سماحة الشيخ حسن نصر الله مع خالد مشعل و أبو موسى صرّح سماحته بأنه يتمنى أن تأتي الجيوش الغربية إلى لبنان و قال: يا ليتهم يأتون.فليأذن لي سماحته بالقول لقد أخطأت يا سيدي في أمنيتك و طلبك و كان حرياً بك أن تقول أن تقول ليتهم لا يأتون. إني أتساءل عن مبررات أمنيتك و دعوتك هل هو النزوع الدائم للاقتتال أم هي الرغبة الملحة في إراقة دم الأعداء و كما تعلن لا يراق دم الأعداء إلا بإراقة دم الأصدقاء هل هي الثقة بالنصر أم هو الاستخفاف بالآخرين و قدراتهم و استسهال إزهاق الأرواح و لعله الولع بالنصر المحتمل.

لقد خالفت منهج الدين بأمنيتك و أنت الشيخ الإمام, ثبت عن النبي قوله: ((لا تتمنوا لقاء العدو و إذا لقيتم فاصبروا)).
في كل مرة تظهر خلف عشرات الميكروفونات و أمام عشرات العدسات ترفع إصبعك بالتهديد و الوعيد تدعو للحرب و تشجع على الموت قلت في مرة أن لديك عشرات الآلاف من الاستشهاديين هيأتهم للموت هل الحياة عندك رخيصة إلى هذا الحد حتى يكون لديك عشرات الآلاف تدفعهم لمغادرة الحياة. لماذا تحمل على عاتقك دائماً لواء صبغ الإسلام و المسلمين بالدم,و تنادي في كل مناسبة بالموت لأمم تعتبرها عدواً لك _في أول مظاهرة لحزب الله بعد استشهاد الحريري كان سماحة الشيخ يردد الموت لأمريكا و من خلفه تعيد العبارة بانتظام متناغم الجموع المحتشدة تحت لوائه_ إن المناداة بموت أمة بعينها لا يكفي حسب ما أفهم من مبادئك النظرية لأننا بالتبعية يجب أن ننادي بالموت لكل الأم و الشعوب التي لا تقف في صفنا و هي كثيرة و مواقفها تتفق مع من تعتبرهم عدوك الأكبر. (ملاحظة: القرار 1559 مر في مجلس الأمن بدون معارضة).

ليتك يا سيدي ناديت بالحياة لأمتنا و شعبنا إلى جانب الحياة لكل شعوب الأرض ليتك ناديت بالمحبة و السلام شعاراً لك تهزم به أعداءك. في كل مرة يتردد صوتك على شاشات التلفاز أقول لنفسي في هذه المرة سأسمع من سماحته حديثاً أو آية و لكن يخيب ظني و أنتظر القادمة فأزداد ألماً.

تمنيت عليك يا سيدي أن تخرج للملأ و تبشر العالم من حولنا بآيات السلام والرحمة و العدل و مكارم الأخلاق, لقد خلت خطاباتك دائماً من:
_((و إن جنحوا للسلم فاجنح لها))
_((خذ العفو و أمر بالعرف))
_((إنا خلقناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا))
_((ادفع بالتي هي أحسن))
_((و جادلهم بالتي هي أحسن))
_((اذهبا إلى فرعون و قولا له قولا لينا))
_(( لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك))
_((يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا))
_((و رحمتي وسعت كل شيء))
_((إنا أرسلناك رحمة للعالمين))

عزيزي الشيخ لابد أنه سبق لك و سمعت مثل هذه الآيات وهي غير محجوبة أو مشفرة, إنها كغيرها آيات يجب العمل بها ولا يحق لك أو لغيرك الاقتصار أو الاجتزاء من النصوص ما يوافق التكتيك السياسي أو المرحلي أو يحقق مصلحة خاصة لحزب أو سلطة.

إن الدعوة للسلام والعدل و المحبة منطلقات دائمة و أساسية ليس حقاً تجاوزها و البعد عنها و لا أظنك تخالف الرأي لذي يعتبر النص الشرعي قانوناً يطبق على الجميع آخذاّ بعين الاعتبار الكليّات المنضبطة بالرحمة و الإنسانية.
تمنيت عليك يا سيدي ألا تحتكر لواء المقاومة و تضفي عليها الصبغة الدينية لأن في ذلك إجحاف و انتقاص لمن بدؤوا بالمقاومة ودفعوا حياتهم ثمناً لها إن سناء المحيدلي و أمثالها لم يكنّ منتميات لحزب الله و أمثالهنّ كثر ضحوا بأرواحهم فداءً لوطنهم دون الاعتقاد بالجائزة بعد الموت و المكافأة بالفوز و النجاة و الجنة, لقد ضحت و أمثالها بأرواحهم فداءً للوطن بدون مقابل و هذه هي الشهادة الحقيقية و في يقيني أن رحمة الإله الواسعة و عدله العظيم لابد و أن يتولى سناء و أخوتها بالرحمة والجنان.
إن احتكاركم لمجد المقاومة و إضفاء الصبغة الدينية الإسلامية عليها فيه ظلم و تقليل من حقوق الآخرين. كثيرون من أبناء سورية الأبرار سقطوا فوق أرض لبنان من عامة الشعب السوري و من غير المسلمين و ينتمون إلى طوائف مختلفة عنكم.
عندما مصالحكم حاربتم الفلسطينيين رغم كونهم عرباً و مسلمين والمعلوم أنكم لا تقبلون المجاهدين إلا من طائفتكم. والمعلوم أيضاً أن حصر المقاومة بحزبكم كانت له ظروف إقليمية و مصالح ليست كلها وثيقة الصلة بالتحرير و القدرة على التضحية في سبيل الوطن.

عندما رفع المتطرفون و المتعصبون لواء الجهاد في العراق ضد أبناء العراق ممن يرونهم مخالفين لهم في المذهب دعيتم محقين إلى نبذ العنف و إلى التآخي و يا ليتها تكون دعوة دائمة و مبدئية لديكم.
تمنيت عليك يا سيدي أن تقتبس جذوة من نور الإمام الحسين و ثورته السلمية على الطغيان و الظلم, الإمام أسس لأول معارضة في تاريخنا العربي الإسلامي و جوبه بالقتل و السيف ولم يعط فرصة للحوار, إن دم الإمام الحسين أريق من أجل إزاحة السلطة الباغية و ليس دفاعاً عنها, لقد ثار و عارض من أجل تغيير رغم ما حققته تلك السلطة من فتوحات وإنجازات و حري بك الإقتداء بنور تعاليمه و السير على دربه السلمي في التغيير و نشر العدل, لقد خرج الإمام بفكره و أهله داعياً لرفع الظلم و إعادة الحق ولم يمتشق سيفاً بل دعا بالحكمة و الموعظة الحسنة.

تمنيت عليك يا سيدي ألا تحول عداءك للغرب و كرهك له ضغطاً على المعارضة ومبرراً للاستعلاء عليها و حرمان لبنان وشعوب عربية أخرى من فرصة سانحة لتنفس رياح الحرية و الديمقراطية.
لست الزعيم الأوحد للطائفة و لعامة المسلمين, إن الزعامة الدينية في الإسلام للنبي و آل بيته و الأئمة المعروفين عند الشيعة وللنبي و آل بيته و كبار الصحابة عند السنة و ليست لأحد غيرهم.
و ليس منا إلا من يؤخذ منه و يُرد عليه إلا صاحب الروض كما قال الإمام مالك.
ولعله من المفيد يا سيدي أن تعلم أن ما فتحه العرب المسلمون من بلاد إفريقية و أوروبة الوسطى كان بالتجارة و العلم و ليس بالحرب و هي بقعة أكبر بكثير من تلك التي أخضعوها بالسلاح و الجيوش.
وآخر أمنياتي عليك أن تقتدي بالهدي المأثور: ((ما كان العنف في شيء إلا شانه و ما كان اللين في شيء إلا زانه)).
ختاماً إن أمنيات شعب سوريا و لبنان بالحرية و الديمقراطية ليست إثماً أو خطأ بل هي حقوق طبيعية دعت إليها شرعة الأمم المتحدة التي تنطوي تحت لوائها دول العالم أجمع و إنه لمن الحكمة و لمصلحة شعب سورية و لبنان الانخراط و المساعدة في الوصول إلى تلك الحقوق و ليس محاربتها و الوقوف ضدها.

الأربعاء، أبريل 20، 2005

إحسان طالب_العدل و النساء


العدل و النساء
إشكالية تعدد الزوجات

تتناقض الثقافة الدينية المهيمنة على تفكير المجتمعات العربية تناقضاً كبيراً في قضية المرأة. ففي حين أن معظم المجتمعات العربية التي يغلب عليها الطابع الديني لم تحسم أمرها في مجال حقوق المرأة السياسية و المساواة, تعتبر تلك الثقافة أن الموروث الديني كرم المرأة و أنصفها و وضعها في مرتبة سامية فجعلها مثلاً يضرب للإيمان (( ضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون)) و لكن لا يوردون الآية السابقة لها التي ضربت مثلين للكفر بامرأتين (( ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح و امرأة لوط)) التحريم_10_
في هذا السياق نفهم أن المسألة ليست أمثالاً بقدر ما هي رؤية متكاملة نحو المرأة رسخها الموروث الثقافي الديني و ساهم بشكل كبير في واقع الظلم الذي تعيشه و تعانيه, و لقد جاءت إشارات إلى ذلك في تقرير التنمية العربية الشاملة للعام (2004)
و ليس هناك من ينكر أن الإسلام جاء خطوة متقدمة و ثورية نحو الواقع المزري الذي كانت تعيشه المرأة في المجتمع العربي القبلي الذي كانت فيه تورث للابن بعد موت الأب مع ممتلكاته الأخرى.و جعل الإسلام الذمة المالية للأنثى منفصلة عن الرجل و أعطاها حق التملك و اعتبرها شقيقة للرجل في الخلق و كرمها تكريماً شديداً كأم.
و لكن عبر عصور طويلة لم يطرأ تعديل أو تطوير في مفاهيم القوامة و التفضيل و حقوق الرجل على المرأة.
أخذ الموروث الديني يزداد ثقلاً و ظلالاً على عاتق المرأة, و تأكدت الروية الأحادية كون الفقهاء و الشرعيين و الأئمة كانوا على مدار الزمان من الرجال و كانت العقلية الذكورية غالبة في فهم النصوص المقدسة_كتاباً و سنة ً_ و مائلة بشكل مستمر نحو القوامة و التفضيل القانوني التشريعي (( الرجال قوامون على النساء)) النساء_34_
و ليست قوامة معنوية أو أخلاقية, و آية القوامة فيها الكثير من حقوق الرجل على المرأة و فيها حقه في الوعظ و الهجر والضرب.
و لعل أهم المعضلات التي لم يستطع الفكر الديني حلها و تجاوزها هي مسألة تعدد الزوجات و التي تشكل أزمة حقيقية للفكر الأصولي فهو لم يتمكن من إعطاء المبررات العلمية و الأدبية لهذه الإشكالية.
هل التعدد منصوص عليه:
بداية ليس هناك من ينكر أن تعدد الزوجات منصوص عليه بوضوح و أكدته الممارسة العلمية و التاريخ الممتد عبر أكثر من أربعة عشر قرنا ً. و الآية الثالثة من سورة النساء فيها أكثر من إباحة التعدد, فيها إباحة الإماء و الإماء نساء و بدون عدد و في شرعة حقوق الإنسان ليس هناك أحرار و إماء فالنساء سواسية كأسنان المشط.
و النص القاضي بالبقاء على واحدة خشية الظلم مفسر بنص آخر (النساء_129_) يبين حدوداً للعدل المطلوب مع التأكيد على التعدد: (( و لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء و لو حرصتم )) فيها ذكر النساء و هن أكثر من واحدة فكأن النص أقر أكثر من امرأة لأن العدل بين النساء فوق استطاعة البشر.
(( و لن تستطيعوا العدل بين النساء و لو حرصتم ))
إذا ً العدل المطلوب غير ممكن (( ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها)) البقرة_286_ و لذلك هو خارج نطاق التكليف, هنا نعود إلى الأصل و هو التعدد.
المبررات التي يسوقها أنصار التعدد:
اعتبر البعض ممن يؤيدون التعدد أنه لحل مشكلة العنوسة فالمرأة التي فاتها قطار الزواج ترضى كونها الزوجة الثانية و تعرف طعم الرجولة و الأسرة خير لهل من البقاء في بيت أهلها يُنظر إليها بالريبة و النقص, و التعدد يتيح لها الشهوة الحلال بدل الانزلاق في دروب الحرام.
هذه أحدث المبررات التي يطلقها مروجوا التعدد خاصة بين الدعاة الجدد في مصر.
حل مسألة العنوسة لا يكون بمشكلة التعدد بل بوضع برامج اجتماعية تنموية تتيح رفع مستوى المعيشة بما يترك المجال للشباب و الفتيات لبناء أسرة قادرة على تحقيق متطلباتها المعيشية. و إحلال مشكلة مكان أخرى فيه استسهال للأمور و عجز عن البحث في أساليب حضارية حديثة لمشاكلنا المعاصرة و فيه استهتار بالعقول و تجميد للفكر.
في دولة الإمارات العربية المتحدة حلوا مشكلة العنوسة بوضع برامج تنموية تتيح القروض و المنح و التسهيلات للراغبين في الزواج, و ممكن للمصريين إيجاد حلول تناسب بلادهم و تنطلق من أفكار تنموية مرحلية و شاملة.
و بالنظر بطريقة معاكسة نرى أن التعدد سبب من أسباب العنوسة عند الشباب فالقادر الذي يملك المال و المستوى المعيشي العالي يتمكن من أن يتزوج أربع نساء و هو بذلك يحرم ثلاثة شبان من حقهم في الزواج, فإذا انتشر التعدد بصورة كبيرة كما هو حاصل ستزداد مشاكل الشباب من الذكور و يرتفع عدد الشبان العزاب. و بهذا يبدوا تعدد الزوجات تشريعاً للأغنياء فقط فيكرس الفوارق الاجتماعية و يرخي بظلال من الظلم على شرائح عديدة من الناس.
و من المبررات الأخرى: عدم قدرة امرأة واحدة على إشباع رغبة الرجل و هنا أتساءل هل حقا ً يتمتع المتدينون الراغبون بتعدد الزوجات بقدرات خارقة أم أنهم أناس عاديون كبقية البشر.
المسألة في الواقع جوع جنسي لا ينتهي سببه الحرمان الذي يعاني منه الشاب المتدين مع ما يرتبط في ذهنه من أهمية قصوى للمتعة التي تُعتبر ثمرة عظيمة ينالها في حياته الأخرى, فيتضخم لديه الجوع نحو النساء, و عندما يحصل على واحدة يطالب بالثانية.
إن التشديد البالغ في القيود المفروضة على الرجال و النساء يدفع نحو إيجاد كل السبل لوصول الرجل الواحد إلى عدد من النساء في سبيل إشباع رغبة وهمية.
النبي و الزوجة الواحدة:
ليس هناك أدنى شك بأن تعدد زوجات النبي كان لأسباب نبيلة هدفها الصالح العام و لكل حادثة مبرراتها. و الذي لا شك فيه أيضا ً أنه لا يوجد رجل آخر تنطبق عليه مثل هذه المبررات و لا يوجد من يستطيع الرقي إلى مستواه في النبل و السماحة.
من المعروف أن النبي أحب خديجة أكثر من أية امرأة أخرى و تؤكد ذلك الروايات التي تبين حرصه على إرضائها حتى بعد وفاتها فكان يكرم أصدقاءها و أقاربها وفاءً لذكراها. و لم يرض من عائشة النيل من مكانة خديجة بعد وفاتها بسنوات طويلة.
تذكر السيرة كيف كانت خديجة تؤازر النبي في بداية نزول الوحي و كان يعود إليها من غار حراء فتواسيه و تخفف عنه فزعه.
علاقة الحب و القدير و الاحترام المتبادل بين النبي و خديجة جعلتها زوجة واحدة ما يقارب العقدين من الزمن.. لم يتزوج النبي بعدها مباشرة و اكتفى بامرأة واحدة حتى تجاوز الخمسين و أمضى ما يقارب ربع قرن دون تعدد للزوجات. و هي فترة أوج النشاط الجسدي عند الرجل (ما بين 25 _ 50 سنة)
هذه القصة المأثورة تعني بوضوح أن المرأة الزوجة الواحدة كانت محل احترام شديد, و لم تكن العلاقة الشهوة هي الرابط الوحيد. فكلما كانت الزوجة حاضرة بقيمتها الإنسانية الكاملة كانت مسألة التعدد غير واردة
فاطمة وعلي: (عليهما السلام)
علي ابن عم النبي المقرب إليه و المفضل لديه.. زوجه ابنته أحب الناس إليه. و أنجبت له حفيدين لا يعدل حبهما في قلب النبي حب أحد.
تروي الآثار قصة محاولة علي الزواج ثانية مع الإبقاء على فاطمة, فتسمع ابنة النبي الخبر فتشتكي لوالدها فيصعد النبي المنبر و يقول: إن بني هشام استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم من علي ابن أبي طالب.. فلا آذن, ثم لا آذن, ثم لا آذن, إلا أنيريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم. فإنما ابنتي بضعة مني ويريبني ما يريبها و يؤذيني ما آذاها. و في رواية: ((إن فاطمة مني و أتخوف أن تفتن في دينها)) البخاري و مسلم.
و في قصة أخرى: ((قالت أسماء بنت حميس: خطبني علي فبلغ ذلك فاطمة فأتت رسول الله (ص) فقالت: إن أسماء متزوجة علياً, فقال لها النبي: ما كان لها أن تؤذي الله و رسوله))
إيذاء و ريبة وفتنة للمرأة و أهلها هذا ما يتسبب به طلب الرجل الزواج فوق زوجته. فالنبي استاء كثيرا ً عندما خطب صهره امرأة ثانية و اعتبر الأمر إيذاء لله و رسوله. و كرر رفضه إعطاء الإذن بزواج صهره ثلاث مرات واشترط طلاق ابنته إذا أصر صهره على إدخال ضرة إلى بيت ابنته فالمسألة إنسانية بشرية و كل امرأة تتأثر بما تتأثر به سيدة نساء الأرض فاطمة.
علاقة تعدد الزوجات بمكانة المرأة عموماً:
التعدد جزء من ثقافة فكرية و مناهج تربوية تتمثل في مجموعة من الأحكام المسبقة المتعلقة بالمرأة و تساهم بشكل رئيس في تحديد مكانتها و تبرر الأحكام الخاصة بها. فالمرأة قبل الرضوخ في مسألة التعدد لا بد لها من الحضور الذهني و الجسدي و من ذلك تعلم نصوص و فتاوى و أمثال و حكم مثل:
((إن المرأة تقبل بصورة شيطان و تدبر بصورة شيطان))
النساء أكثر أهل النار
الولد للفراش و للعاهر الحجر
النساء ناقصات عقل و دين
((مضت السنة أنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود و لا في النكاح و لا في الطلاق))
((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح))
((و حق الزوج على زوجته إلا تمنعه نفسها و لو كان على ظهر جمل))
((و ألا تخرج من بيته إلا بإذنه فإن فعلت لعنها الله و ملائكة الغضب حتى تتوب أو ترجع و إن كان ظالما ً))
ليس هناك دليل على وجود شروط شرعية واجبة على الرجل فعلها قبل تعدد الزوجات و ليس عليه أخذ إذن زوجته أو حتى إخبارها
يجوز للزوج طلاق المرأة بالوكالة
عندما جاء المكّيون إلى المدينة كان الأنصاري يقول للمهاجر: انظر أي زوجاتي أحب إليك أطلقها فتتزوجها بعد ذلك
هذا المنهج الثقافي التربوي يساهم في بناء أجيال من الشباب تعتقد بحقها الكامل في القوامة و التعدد كما يوجد فتيات لا يعارضن في موقع النقص و الإقصاء. لهذا نرى العديد من النساء لا يعارضن التعدد من منطلقات دينية.
لكن المرأة التي تحب زوجها و تشعر بكرامتها و مكانتها لا ترضى بوجود زوجة أخرى في حضنة فما بالك بالثلاث أو الأربع. و لها بذلك أسوة بفاطمة الزهراء و أمها خديجة الكبرى.
الخيانة الزوجية:
يخفي تعدد الزوجات رغبة حقيقية و ملحة في الخيانة الزوجية. فعلاقة الحب و الاحترام القائمة بين الرجل و امرأته تمنعها من إقامة علاقات خارج الأسرة. فإذا رغب الرجل في علاقات أخرى فإن محبته و تقديره لزوجته و كرامتها تمنعه من فعل ذلك, و لكن عندما يعتقد الرجل بأن له الحق في التعدد مهما كان رد فعل زوجته فإنه سيحاول تحقيق رغباته بأية وسيلة, و لما كانت العلاقات خارج الزواج محفوفة بالمخاطر الاجتماعية و الصحية و ربما الفضيحة القانونية, يلجأ المتدينون إلى الزواج الثاني لأنه آمن و يترك الباب مفتوحاً للتفكير بخيانات جديدة و زوجة ثالثة و رابعة.
و بكل تأكيد فإن تحقيق رغبات الزوجات الثلاث أو الأربع أمر غير ممكن, وهذا يعني حرمان البعض و ظلم البعض الآخر و ربما يكون التعدد سبباً قوياً يدفع المرأة للتفكير في الخيانة الزوجية لقناعتها بالظلم و التهميش الجسدي والمعنوي من قبل زوجها.
الآلام النفسية و الجسدية:
تتزوج الفتاة المتدينة من شاب متدين و تقسم على الوفاء له و ترضى لنفسها كل ما فرض عليها من حقوق و واجبات.
و حالما تبدأ على الرجل عوارض تحسن حالته المادية يزداد إلحاحه على الزوجة الثانية. وتبدأ المعاناة الجسدية و القهر النفسي. تذهب كل الأمنيات و الرجاء مهب الريح و تأتي الزوجة الجديدة بشروط و ميزات ما كانت تحلم بها أم العيال. و تستمر المعاناة و الصراع و تأخذ المرأة على عاتقها عبء الحفاظ على الأسرة من الانهيار و تستمر في القيام بأعباء البيت. تنام مع الدموع و تستيقظ على الآلام و تحتار في تفسير ما يصيبها و ما تعانيه.
و في الطرف الآخر يشتكي الرجل القوام المزواج و يزداد تكبرا ً و تجبرا ً و زيادة في الحرمان عقابا ًً على النشوز و يلجأ إلى الهجر فتزداد الزوجة المظلومة عذابا ً فيلجأ إلى آخر الحلول و هو الضرب.
يكبر الشعور بالظلم و القهر و مع تطور الآلام الجسدية و النفسية يتفتق ذهن الرجل التقي عن حل جذري: اسمعي أيتها المرأة لقد تلبسك الشيطان و أخذ يجري منك مجرى الدم من العروق فأنت تعترضين على أمر الله و رسوله.
تصدق الزوجة المظلومة تشخيص زوجها العارف العالم و تفتح فصلاً جديداً من مأساة بدأتها بالزواج من رجل يعتقد أنه الخليفة في الأرض (( من لا يشكر الناس لا يشكر الله))
ختاماً:
التعدد يتعارض مع روح العدل و المساواة و التسامي بالأخلاق النبيلة.
إن قيم العدل و المساواة و الحرية و التراحم و الإنسانية هي التي جعلت الإسلام دينا ً رائعا ً, و القضاء على أي من هذه القيم يؤدي إلى تقويض الدين كله.
إن الدافع الرئيس في إشكالية تعدد الزوجات هو الشهوة الجنسية التي جاءت التعاليم الدينية لتهذيبها و تنظيمها. و هذه الرغبة الملحة في نكاح أعداد كبيرة من النساء يتعارض بشدة مع التعاليم التي توصي بحب الآخر و الزهد في الدنيا و التفرغ للصالح العام.

إحسان طالب_فلسفة مؤسسة الحجاب


فلسفة مؤسسة الحجاب

الشادور الأفغاني يغزو شوارع سورية ستان:

في حي من أحياء مدينة دمشق الجميلة ذات العراقة التاريخية حيث تنتشر الأوابد الأثرية و البيوت الدمشقية القديمة ذات الصيت الذائع في الجمال و الفن، حيث يوجد حمام الشيخ رسلان و مقامه, والكنائس الأقدم و الأجمل في بلدنا، المكان الذي ينسب إلى أحد أسماء قادة الرومان وكل من زار الشام يعرف أنني أتحدث عن حي باب توما ذي الأغلبية المسيحية من بين السكان.
لم يلفت نظري في أسواق باب توما الأزياء الحديثة أو الفتيات الجميلات, بل ظاهرة الحجاب المنتشرة بوضوح. لقد رأيت طفلة لا يزيد عمرها عن الخمس سنوات ترتدي حجابا كاملا وهي تتعثر في مشيتها وقبلها شابة بل طفلة صغيرة لا يزيد عمرها عن إحدى عشر ضحكة ترتدي جلبابا من قمة رأسها إلى أخمص قدميها لا يظهر منه إلا فتحة صغيرة لعين واحدة، رأيت سيدة مسنة ترتدي غطاء للرأس تكشف وجهها وجزءاً من ساعدها وثوبا لا يغطي طول ساقيها إلى جانب صبية بعمر الورد ترتدي الملاءة وتخفي وجهها تحت منديل أسود مزدوج مسدول على الوجه كادت تتعثر وتسقط من فوق الرصيف قبل أن تبعده عن وجهها بعض الشيء
لترى طريقها في واضحة النهار. قلت في نفسي أخشى أن يأتي اليوم الذي لا يستطيع المسيحيون فيه الدخول إلى الكنائس إلا بالحجاب.

في الشهر الثاني من عام 2002 م خمس عشرة تلميذة لقين حتفهن وعشرات أصبن بجروح في إحدى مدارس البنات في السعودية عندما أجبر رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الفتيات الهاربات من الحريق على العودة إلى مبنى المدرسة المحترق لأخذ عباءاتهن التي تحولت إلى أكياس لاحتواء جثثهن، دعت بعدها الصحافة السعودية إلى استقالة وزير التربية.
من المعلوم أن الحجاب فرض في السنة الخامسة للهجرة وهو عام ذو خصوصية عصفت فيه حادثة الإفك وأمر فيه النبي بالزواج من زينب بنت جحش التي كانت زوجة لابنه بالتبني زيد والذي أمر بطلاقها، وتوضح آيات سورة النور والأحزاب مدى الضرر الذي لحق بالنساء عموما، والأذى الذي كن يتعرضن له من إجبارهن على البغاء، فنزلت آية الحجاب بداية على نساء النبي ثم جاء للنساء كافة.

كان الحجاب في ذلك الوقت ضرورة هدفت إلى إعطاء المرأة أهمية ومكانة خاصة وتحصينها من الانزلاق أو الانحراف حفاظا على الأسرة والمجتمع فكان التشديد على الحجاب عائد إلى الوضع الاجتماعي و الأمني للمرأة بمعنى أنه إجراء احتياطي الهدف منه سد ذريعة ومنع ضرر، ولم يكن أمره ( أي الحجاب ) مطلوبا لذاته وإنما ضرورة أوجدتها الظروف والواقع أن النبي (ص) دَرَأ الفساد الآخذ في الانتشار داخل المدينة بالحجاب وعندما شمل كل النساء كان تشريعا النية فيه المساواة بين عامة النساء وهذا من صلب الرسالة. ( تتفنن المحجبات من الأثرياء في ابتكار أشكال وألوان من الحجاب يرضي غرورهن و يشير إلى تميزهن عن باقي المحجبات الفقيرات و ليس غريبا أن تدفع إحداهن ثمنا لحجاب يعادل ما تنفقه مثيلتها الفقيرة على ثيابها كاملة طوال سنة، ملاحظة : هناك حجابات تستورد من أوربة ). وهنا نلحظ أن الرادع الديني الداخلي لم يكن كافيا لمنع ارتكاب الفاحشة أو التحريض عليها.

وإنه لمن الضرورة بمكان التأكيد على الفارق الهائل بين المجتمعات المعاصرة وتلك التي وجدت قبل أربعة عشر قرنا فحماية أمن الناس وأعراضهم غدا واجب الدولة ونظامها الأمني الداخلي المرتبط بسلطة الدولة المعنوية وثقافة المجتمع والواقع المعاصر الذي تعيشه البلاد الأصولية كإيران والسعودية والذي يتخلله الفساد وتمتلئ فيه مشاكل سوء الأخلاق وخصوصا المتعلقة بالجنس ومحرماته المحظورة. (ما بين عام 1979و 1980 تم رجم 1200 امرأة في إيران كحد لفعل الزنى و في شباط 2001علقت الحكومة الإيرانية حد الرجم بطلب من أوروبة. و لم تلغه من تشريعاتها).
إن اعتبار الحجاب سداً لذريعة الفساد لم يتحقق الآن كما لم يتحقق زمن النبي (ص) و الخلفاء حيث وجد الزنى و الرجم إلى جانب الحجاب ز تعدد الزوجات و إباحة الإماء. (روى البخاري عن عمر بن الخطاب قوله: ((رجم النبي و رجمنا من بعده)) و الرجم هو القذف بالحجارة حتى الموت عقوبة على فعل الزنى).

و تكمن المشكلة في أيامنا كون الحجاب مؤسسة قائمة بذاتها و هدفاً و غايةً لا علاقة لها بالظروف أو النوايا مما أوقع الفكر الإسلامي الحديث قي تناقض بين مكانة المرأة و إنسانيتها من جهة و الحجاب الذي لا حدود له في النهاية إلا كبتها و حصرها في غرفة المنزل و تقييد وظيفتها بالوعاء و الحاضنة, فهي وعاء لشهوة الرجل و حصن لنطفته ثم هي حاضنة و راعية لما ينتج عن وظيفتها في إشباع متعة الرجل و الوقوف سداً بينه و بين الحرام.

هكذا نرى أن فلسفة الحجاب بنيت على أساس حماية المرأة و تحصين الرجل و الإبقاء على سرية المتعة و منع أي طرف غير الزوج من التأثير على حقه المطلق في الاستمتاع الكامل, أن المفهوم تطور إلى فصل تام بين الجنسين و اعتبار المرأة كنزاً ثميناً يجدر إبعاده و حجبه في مخابئ يصعب الوصول إليها, مما يعطل وجود المرأة ككائن حي و فعال فكما أن الجوهرة للزينة و الكنز تزيد مالكها غنى و غروراً فالمرأة مثلها, و في ذلك استخفاف بالعقل الإنساني و لعب بالألفاظ تسبب باسترقاق المرأة و تسيّد الرجل فحجابها واجب عليها و حق من حقوقه الأخرى كتطليقها و الزواج عليها و تأديبها إذا لزم الأمر. (سوف تكون مؤسسة الحجاب غير مفيدة إلا حيث يكون الجنسان منفصلان و النساء مبعدات عن الحياة العامة. فاطمة المرنيسي_ النبي و النساء).

لقد أراد المتشددون من الأصوليين اعتبار الحجاب رمزاً يدلّ على انتماء أصحابه إلى فكر متطرف و شعار يرفع في وجه حرية الفكر و انفتاح العقل, لقد غدا مشكلة حقيقية كونه ظاهرة توحي بانغلاق المجتمعات التي ينتشر فيها و التمسك به كمؤسسة فكرية و تربوية يهيئ لوجود تربة خصبة للانعزال الفكري و الاجتماعي, لقد حول الحجاب العلاقات الأسرية إلى شك دائم واستحضار للنية السيئة و فساد الرادع الذاتي, فإذا كانت مجرد النظرة إلى وجه المرأة سهماً مسموماً من سهام إبليس فلا مجال لنظرة بريئة أو سمو خلقي لدى الإنسان أياً كان. و سوء النية المتبادل بين المرأة و الرجل هو الأساس في حال اجتماعهما, فكما أن نظراته شهوانية فكذلك نظرتها هي. من هذا المنطلق نفهم لماذا حرمت طالبان ظهور الرجال على شاشة التلفاز و من هذا المنطلق نفهم أيضاً أن بعض المشايخ يقترحون النقاب للشاب الفاتن.

وجد الحجاب في بداية التشريع لأهداف محددة و غاية سامية إلا أن التطبيق الكامل أو المجتزأ لأحكامه في الحياة العامة لم يحقق المطلوب منه قديماً و حديثاً و ربما جاءت نتائجه عكسية في مجمل الأحوال و من ذلك الكبت الجنسي المستشري في البلاد الإسلامية الأصولية و ما يتبعه من فساد مستتر وظلم ظاهر.

لقد تكفلت مؤسسة الحجاب الحديثة بوضع المرأة بين حدي النجاسة و القداسة و لم تستطع الانسجام مع مجمل القيم الإنسانية المتعارف عليها و التي ترفعها شعارات تدافع بها عن الحالة المتواضعة للمرأة في الأقطار الإسلامية عموماً.

تحت مسمى جرائم الشرف في باكستان يقتل في المتوسط امرأتان يومياً.

في شريط فيديو هُرب من إيران عرض لامرأتين مكتفتين و هما على قيد الحياة يجري إنزالهما في قبرين حُفرا حديثاً, تجمعٌ حاشد من الرجال و الأولاد حولهما يرجمون المرأتين بأحجار بحجم قبضة اليد, كانت غالبية الحجارة تصيب هدفها.