الخميس، سبتمبر 29، 2005

ماذا لو كان ميلس على خطأ

تتصارع القوى السياسية على الساحتين اللبنانية والسورية في مواقفها وتوقعاتها لما قد يحمله التقرير المحقق الألماني "ديتلف ميلس" من حقائق وتصورات عن جريمة اغتيال الشهيد الحريري وما قد ينعكس من آثار ضخمة على سوريا البلد وسوريا النظام. ويراهن الكثيرون من بين تلك القوى المتصارعة على أمرين أساسيين، الأول؛ أن يخرج التقرير النهائي للتحقيق بإثبات براءة سوريا وبيان الجناة الحقيقيين.
الثاني؛ قدرة النظام السوري على التعامل مع تلك النتائج في حال جاءت مخيبة للآمال وأثبتت تورط مسئولين سوريين بشكل مباشر أو غير مباشر بالجريمة. وهنا يراهن المؤيدون للنظام السوري على قدرتهم في تجنب الآثار المدمرة واللعب على ورقة الوقت والمساومات وتقديم التنازلات في الوقت المناسب وتجنب الكارثة. وكان ذلك يحصل بالفعل كل مرة تحيط الدوائر بالنظام السوري ويتمكن بطريقة أو بأخرى من الخروج من الأزمة سالماً معافاً وربما أقوى من ذي قبل.
وكلنا يذكر في أواخر التسعينات عندما بدأت القوات التركية بالزحف نحو الحدود الشمالية السورية لوقف دعم سوريا لحزب العمال الكردي الذي كان يقوم بعمليات مسلحة في داخل الحدود التركية وكيف تمكن الرئيس الراحل الأسد الأب من تجاوز الأزمة الخطيرة. وقال يومها في مؤتمر مع الصحافة الأجنبية ((لا نريد حرباً مع أحد)). وبعد ذلك تم تسيلم عبد الله أوجلان الزعيم السياسي والحركي لحزب العمال الكردي لتركيا عن طريق كينيا وحصدت سوريا مكافئات عديدة من جراء هذه الصفقة. وتجاوزت الأزمة مع تركيا إلى جانب تقديمها تنازلات أخرى بعدم بحث موضوع المياه والحدود.
ترى هل يستطيع النظام السوري تجاوز أزمته الحالية كما كان يفعل في السابق، أم أن الظروف الإقليمية والدولية والعربية تغيرت تغيراً كبيراً ولم يعد يملك أوراقاً ذات وزن كبير يستطيع بها تعديل كفة الميزان.
في لقاء أجراه ميشيل كيلو مع قناة العربية قال: لقد فقد النظام السوري الحالي شرعيته لأنه فقد دوره الإقليمي الذي كان يستمد شرعية وجوده منه)).
وهنا نلاحظ أن كل مشاكل النظام السوري كانت تحل بدون النظر على الإطلاق نحو الداخل السوري.
وفي ظل الأجواء الدولية المشجعة للحريات والديمقراطية والدا عمة لحق الشعوب في نبذ الاستبداد والفساد غدا الداخل السوري أكثر أهمية وأكثر تعقيداً من أي وقت مضى.
في استفتاء أجرته قناة الجزيرة عن مستوى تأييد الشعب السوري لآراء وخطوات نظامه حيال جريمة اغتيال الحريري. جاءت النتائج على الشكل التالي:
67% من الذين شاركوا في الاستفتاء يؤيدون
33% منهم لا يؤيدون
فإذا التفتنا أن الاستفتاء جرى على قناة يعرف تاريخها وحاضرها بدعم الأنظمة الشمولية والاستبدادية فإننا نعتقد جازمين بأن النسبة المعارضة التي بلغت الثلث تقريباً تعد مؤشراً ذا قيمة بالغة على وجود معارضة شعبية عارمة في مسألة ربما كان مزاج الشارع السوري حيالها تتجاذبه عوامل عدة تحركها العاطفة والعصبية التي ترعرعنا عليها والتي تقول: أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً.
وإلى جانب الأجواء العامة من الخوف والتخوين والتصريح من قبل الحكومة السورية لمنع المشاركة في البرامج السياسية فإن ثلث المشاركين في الاستفتاء عارضوا النظام القائم علناً.
الداخل السوري لم يعد كسابق عهده، لقد شاهد وسمع ورأى ماذا يعني أن تكون دولة أو نظام في مواجهة تكتل معادٍ يرعاه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ويتغير فيه لون الدب الروسي حسب المصالح والمكاسب، ولما كان كثيرون من الذين يعتقدون باستطاعة النظام على الإفلات من الأزمة بقدرة حاكم الكرملن على تقديم الدعم اللازم والنصح المناسب لتجاوز العاصفة فإننا نحيلهم إلى موقف الدب الروسي من ملف إيران النووي حيث لم يستطع اللعب على أوتار المكاسب والمصالح كما فعل مع صدام وانكفأ في النهاية ولم يعارض التصويت على إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن بل اكتفى بالصمت.
وإذا كان المتفائلون بقدرة النظام على الإفلات من الأزمة بالاختباء تحت عباءة منظومة دول عدم الانحياز فالمؤكد من تلك المظلة إلى جانب قلة فاعليتها فإنها لن تستطيع مد قشة النجاة حتى ولو كانت لها مصالح أو مكاسب في ذلك. فها هي الهند تؤيد المنظومة الدولية في صراعها مع محاولة إيران الحصول على الوقود النووي وتؤيد قرار مجلس الحكماء بإحالة الأزمة إلى مجلس الأمن بالرغم من المساعدة الهائلة التي تقدمها ووعدت بتقديمها إيران للهند بحقل النفط والغاز.
وهنا لا يبقى أمام سادة دمشق إلا المظلة العربية التي بدا وكأنها ستتدخل أخيراً وذلك من خلال القمة الطارئة والسريعة التي جمعت مبارك والأسد الابن في مصر وصورتها الصحافة السورية على أنها إجماع عربي على دعم النظام وسورٌ يحميه من عوائل الزمن، إلا أن الحقيقة غير ذلك. فبالرغم من العناوين الطنانة عن معارضة مصر عزل سورية وعدم اتهامها قبل الانتهاء من التحقيق نجد أن الصحافة المصرية أشارت بشكل واضح إلى النصائح التي قدمها مبارك للأسد بضرورة التعاون في الملف العراقي وتسليم المطلوبين إن وجودوا للتحقيق الدولي، وإبداء أعلى درجات التجاوب مع السيد ميلس.
وبالنظر إلى الدبلوماسية السورية بزعامة السيد الشرع الذي يعتقد بأن المعارضة لنظامه لا تستطيع أن تدير مدرسة. وبالنظر إلى قدرته البالغة في العمل الرفيع نجد أنه خلال خمس سنوات تمكن بطريقة فريدة للغاية من إضعاف وحتى إسقاط حلف دمشق القاهرة الرياض. والقضاء على إعلان دمشق الذي كان سيادته يتزعمه. وكان يعتبر أهم المحاور الساندة للسياسة السورية الخارجية. استطاع أيضاً ببراعة بالغة خسارة عاصمة النور وتحويلها من صديق إلى عدو لدود وبطريقة لا نظير لها تمكن من شحذ السيف البريطاني الذي كان داخل غمده نتيجة لما عرف عن الإنكليز من لباقة وكياسة تخلت عنها لندن أخيراً وكاد سيفها يقترب من الوتين. كما استطاع الشرع العظيم أن يفاقم من أزماته التي لا تنتهي مع الولايات المتحدة التي كانت في يوم من الأيام تعتبر دمشق حجر القبان في أية تسوية إقليمية كل هذه الإنجازات لرأس الدبلوماسية السورية جاءت إلى جانب خسارة المكاسب لتضحيات الجنود السوريين في حرب تحرير الكويت وعلى أرض لبنان.
إذاً ماذا بقي من الأوراق بيد النظام السوري من أجل تعديل كفة الميزان، فإذا استثنينا الداخل الذي يتفشى فيه سرطان الفساد والاستبداد وخنق الحريات واحتكار السياسة والسلطة والثروة وخيرات البلاد والذي يئن تحت وضع اقتصادي محموم تقدم له علاجات سطحية بقوانين ومراسيم لا تطبق وتعدل قبل تطبيقها وينظر فيها إلى مصالح الأثرياء الذين نشئوا وترعرعوا في فيء الفساد والاستبداد، هذا الداخل الذي غدا الرهان عليه غير مضمون وبعض عناصر النظام تعتبره رهينة الخلاص وليس شعباً له حقوق وواجبات، تبقى الورقة الأهم المنظمات الفلسطينية العشرة المعارضة للعملية السياسية (لا تغرنكم هذه العشرة فنصفها لا يتعدى المكتب الخاص به ومجموعة من القياديين ومثلهم من المنتفعين) والمتواجدة في سورية والتي يظن أنها قادرة على إشعال المنطقة من خلال افتعال الأزمات على حدود لبنان مع فلسطين أي أنها ستتحرك في الوقت المناسب لتحرير القدس إذا ما شعرت بأن نظام الحكم في سوريا مهدد. وبالتالي فإنها ستخلق أزمة بالغة الخطورة للمجتمع الدولي وللبنان وإسرائيل وفلسطين والسلطة الفلسطينية الساعية من أجل الحرية والسلام وبالتالي ستكون سوريا هي مفتاح الاستقرار ثانية حيث سيلجأ المجتمع الدولي إليها لإعادة ضبط الوضع ولن يطول الوقت حتى يطلب من السلطة السورية إعادة جيشها إلى لبنان لحفظ الأمن والنظام. ولكن هل ستعود عقارب الساعة إلى الوراء أم أن المجتمع الدولي بلغ حداً من السذاجة والبلاهة بحيث تنطلي عليه هذه الألاعيب.
هل ستتحقق أمنيات الموالين ويكون ميلس على خطأ أم أنه سيتحول من محقق دولي في القضية إلى مدعٍ عام كما ذكر أمين السفير اليوم؟!

السبت، سبتمبر 10، 2005

العراق و أهله أولا ً

بذلت الأنظمة الاستبدادية المجاورة للعراق جهودا ً مضنية لإفشال التجربة الديمقراطية في العراق و سعت لذلك بكل الأساليب الإجرامية و تسترت تحت كل ما وصلت إليه يدها من مقاومة للاحتلال و دعاوى القومية المتعصبة و التمسك بالثوابت مستفيدة من انحسار العقل العربي و تلبسه بشيطان التكفير و الجهاد. و دأبت تلك الأنظمة كعادتها على إعلان رسمي يؤيد العراق و شعبه ويدعم سير العملية السياسية في ذلك ظاهريا ً فقط في المحافل الدولية و الإقليمية. و من جهات أخرى أخذت تأوي الإرهابيين و تقدم لهم الدعم البشري و اللوجستي و المادي و خصصت ميزانيات ضخمة لدعم الإرهاب في العراق و كان التيار الديني هو الرحم النجس الذي يتولد من خلاله الإرهابيون و ينشرون سمومهم في عقول المراهقين سعيا ً لإعداد أجيال من الانتحاريين العاشقين لدماء الأبرياء الحالمين بسبعين أو ما يزيد من الحور العين.
لقد أدركت الأنظمة الاستبدادية أن نجاح التجربة الديمقراطية في العراق سيعجل في إسقاطها و سيعري فسادها و استبدادها و سيفتح الباب مشرعا ً للتغيير في أرضها و من هذا المنطلق اعتبرت القضاء على جنين الحرية و الديمقراطية و الأمل في العراق هدفا ً استراتيجيا ً لا بد من تحقيقه لبقائها و استمرارها, فالحرب على الحرية و الديمقراطية في العراق حرب وجود لا حرب حدود بالنسبة للأنظمة الاستبدادية التي وضعت نصب عينها مقولة أنا وبعدي الطوفان. لقد أدرك الجميع و على رأسهم قسم كبير من بعثيي العراق أن صدام و القيادة السياسية كانت مستعدة لمد أوروبة وأمريكا بدماء العراقيين و تقديم ملايين من أبناء العرب و المسلمين قرابين في مذابح البقاء في السلطة و محراب أبدية النظام و خلود القائد.. و للأسف الشديد نجد العديد من أبناء العرب منتشين برائحة الدم العراقي و متلذذين بصور الأشلاء و الرؤوس المقطعة. و إن كنت أتفهم سبب ذلك لدى الفاسدين و المستفيدين من ثروات العراق المنهوبة و الموجودين في الدول المجاورة من أصحاب الامتيازات في النظم الاستبدادية إلا أنني لا أرى سبا ً منطقيا ً أو عقلانيا ًواحدا ً يدفع أولئك العربان المكتوين بتيار الظلم و الفساد بمؤازرة القتل و دعم الأنظمة المستبدة.
هذا فيما يتعلق بخارج العراق إلا أن القلق الشديد و الخوف الكبير إنما يأتي من داخل العراق ذاته, فلقد بدا واضحا ً أن أطيافا ً عراقية منتسبة إلى الإسلام السياسي تعتبر هدفها الأسمى و غايتها الأولى التمكين لمعتقداتها و بناء دولتها الدينية و لو كان ذلك على حساب البلد و أهله و أنا لا أتحدث هنا عن أولئك الدين يدعون للردة إلى الفكر البائد إنما تحدث عن زعماء و قادة أخذوا على عاتقهم طيلة السنوات الثلاث السابقة تحرير العراق من الاستبداد البائد و بناء دولته الديمقراطية. لقد بدا واضحا ً من خلال مساجلات كتابة الدستور الحرص الشديد من بعض الأحزاب العراقية على اعتبار العراق و شيعته و مستقليه ثانيا ً و احتلت الأولوية في العمل و الفكر لثوابت و قيم أثبت ضررها التجربة العملية. فالدولة الدينية في إيران ما زالت تخرج من فشل إلى فشل و لم يستطع التيار الإصلاحي تحقيق أي مكاسب حقيقية أو أي تقدم طفيف على حساب تيار المتعصبين و المتزمتين الذين استولوا على كل مفاصل الحكم و الدولة. كذلك كان الحال في السودان و أفغانستان.
من المعيب حقا ً لقادة التيار الديني في العراق أن يؤخر مصلحة البلد و شعبه على حساب انتماءاتهم الفكرية . و إذا كانت المسألة في صميمها رضاء الله فإن الخلق عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله و الأقربون أولى بالمعروف. فيا سادتي لقد كانت دعوة محمد في أساسها رحمة للعالمين فدعوا شعب العراق من تجارب الدول الدينية التي لم تخلف سوى الخراب و الدمار للبلاد و العباد.
و هنا تجدر بي الإشارة إلى مقالات الأستاذ عزيز الحاج لأنني أتفق معه في التوجهات النهائية لدعوته إلا أنني أختلف معه في اعتبار السياسة تنازلات. ربما تكون السياسة مصالح و تكتيك. إلا أن الخطر الداهم و الجاثم فوق أرض العراق إنما يتهدد حاضره و مستقبله و أقصد بذلك الإرهاب تحت دعاوى المقاومة من جهة و انتهاك حقوق الإنسان تحت دعاوى تطبيق الشريعة من جهة أخرى , فنحن المحبون لرؤية العراق حرا ً ديمقراطيا ً مستقلا ً فدراليا ً موحدا ً, لم يكن يدور في خلدنا أن ترتكب في العراق الجديد جرائم باسم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر
إن مسؤولية الأئمة والقادة و الزعماء الدينيين كبيرة جدا ً أمام الله و أمام الناس و إذا لم تنجح تجربة العراق فالله وحده يعلم حجم المأساة المنتظرة. و أقول ذلك محذرا ً و لست متشائما ً إنما يجدر بكل مؤمن بالله و بالحرية و بالديمقراطية و كل محب للعراق و أهله أن يتنبه للمخاطر الداخلية في البيت العراقي التي تعد أكبر ضررا ً من الإرهاب الذي لا بد أن يندحر و يتلاشى و لو بعد حين.

الخميس، سبتمبر 08، 2005

لست وحدك كل النساء

أمل آن الأوان لأوهامك
أن تنتهي
أما حانت لحظة استيقاظك
ألم تنضج الأيام ثمار عقلك
هل عجزت حرارة الود العالية
عن بث الحلاوة في طباعك
أم استعصت على عنادك..
بل أنت امرأة تجهلين
تجهلين قدر نفسك
و تجهلين قدر الآخرين
تذهبين بعيدا ً في شطحات الظن
و تسافرين طويلا ً
في دروب الشك
تبنين جبالا ً عالية ً
من العزلة
و تهدمين قصورا ً جميلة ً
للحب
تفتقرين أرضا ً خصبة ً
للعشق
و تقطعين غراسا ً رائعة ً
للتواصل
تزرعين أشجارا ً عالية ً
للفرقة
فتثمر عناقيد قاسية
للكره
بل أنت امرأة تظلمين .. من تظلمين
تبترين الأيادي البيضاء
و تصدين الوجوه الباسمة
تغلقين كل طريق خيرة
تزكين النار في كل جمرة
هامدة
تركمين اللهب في أعماق
قلبك
فتقتلين ينابيع الحنان
في أفئدة تريدك
و تحبك
أما آن الأوان
لأوهامك أن تنتهي
أما آن الأوان
للنور المكنون في أعماقك
أن يظهر
و المارد الجبار في فكرك
أن يقهر
أنت امرأة تدركين
أنت امرأة فاتنة ساحرة
ككل واحدة من النساء تعلمين
فنون العشق
و تتقنين أساليب الغرام
لك عندي
دون الرجال
درجة
ما بين يديك
لا يملكونه
فلا تنسجي من الأيام
فراش شوك
و لا تحيكي من اللحظات
درع أسر
أنت قادرة
على صنع المعجزات
و تحويل الأيام
إلى أروع المناسبات
أنت امرأة
فيك كل هؤلاء

السبت، سبتمبر 03، 2005

معذرة إلى أرواح شهداء الجسر

أمْسكَتْ بتلابيبه
رمتْه بشرر من عينيها
صرخَتْ في وجهه
لماذا تأخذ روح ولدي
أيها الملاك القاسي
ألبسته أجمل الثياب
عطرته بالورد و الحنان
ملأت رأسه بالقداسة
بالإجلال بالتقدير بالعبودية و الطاعة
هرول أمامي يسبقني
ظمآن ينثر الفرح و الأمل
يستنشق البهجة و يزفر الحب
دع روحه أرجوك
خذني مكانه
رده لي
سأملأ دجلة دمعا ً
سأخط سواقي دم ٍ
في وديان خدودي
سأشق ثياب روحي
و أنثر عويلا ً يشق عباب السماء
يا راعي الأحياء
يا آخذ ٍ الأموات
رأفة ً بمن أحبك
رحمة ً بمن أذقتهم سوء الحياة
و مرارة الموت
منذ أيام
أفلتنا من يد مقامر
يلعب بنرد الأموات
حمدْت ُ شكرْت ُ سجدْت ُ
و بكيت خشوعا ً
و الآن أبكي ألما ً
أعصر قلبي بيدي
فتنزف أصابعي دما ً خاثرا ً
يا من في الأرض
يا من في السماء
يا من في كل مكان
في قلب مئات الأطفال
سُرِقت أرواحهم
في أفئدة مئات الأمهات
نُهبَت حياتهم
ماذا تريد كي تمد يد العون
كي تقف في وجه
القتلة الكفرة
في وجه عشواء الموت
هل يمكن أن تتآمر الأرض و السماء
و تستقوي على أرواح الأبرياء
على أنفاس الضعفاء
على منبع الحياة
في أرحام الأمهات
لو جمع ما في قلوب شهداء الجسر من خشوع
لو كتب ما في قلوبهم من حب
لو علم ما في نفوسهم من خضوع
لبنوا السدرة على الأرض
ألست الذي يهتز عرشك
لموت مؤمن
يا ويحي آلاف الأرواح
الطاهرة المؤمنة
الصادقة
تسقط كل لحظة كأوراق الخريف
لا تحرك مشاعر
لا تهز كرسيا ً
لا تزلزل عروشا ً
تزروها الرياح كذرات رمل جافة
يكنسها الإعصار
يزيلها من الطرقات
و السلام
أين أنت أيها السلام
أين أنت أيها المهيمن
ملايين الأكف لا تفتأ
مشرعة إليك
ملايين القلوب
لا تنفك مشرئبة نحو عليائك
برحمتك ترفع الدابة قدمها
عن بطن وليدها
رحمة بالبهائم تسقي العصاة
رحمة ً . رأفة ً . مودة ً . عطفا ً
مغفرة ً .. أين أجد هؤلاء

أديب طالب_أيها البعثيون السوريون ... كفى!

حبر على ورق:

ورد في التقرير السياسي للمؤتمر العاشر لحزب البعث تحت بند المعارضة السورية أن هذه استغلت ما يلي:
1- ضعف الحضور الحزبي و الجبهوي
2- مظاهر التقصير و الفساد في الدولة
3- سلبيات الأداء الحكومي
4- عدم و جود تعددية سياسية حقيقية
أما الفقرة التاسعة من التوصيات فهي:
1- تعزيز مبدأ سيادة القانون و تطبيقه على الجميع
2- اعتبار المواطنة هي الأساس في علاقة المواطن بالمجتمع
بعد ثلاث و أربعين عاما ً من حكمهم لسورية, اكتشف البعثيون أن حضورهم الحزبي ضعيف, و أن دولتهم مقصرة و فاسدة و غارقة في السلبيات و أهم من ذلك كله أنها عدوة حقيقية للتعددية السياسية.
لقد نسي البعثيون أن دستورهم و الذي نص على أن حزبهم هو القائد للدولة و المجتمع؛ كان وراء تلك النواقص التي اعترفوا بها في تقريرهم السياسي و التي تحولت إلى مصائب و نوائب نَعُمَ بنتائجها الباهرة الشعب السوري المسكين عبر جيلين.
بعد ثلاث و أربعين عاما ً تأكدت لهم ضرورة سيادة القانون و تطبيقه على الجميع و أن المواطنة هي الأساس في علاقة المواطن بالمجتمع و الدولة... لقد أعاد البعثيون السوريون اكتشاف الحرية و الديمقراطية بعد أربعمئة عام من اكتشافها من قبل الأجنبي !!! بعد كم سنة سيهنأ السوريون باكتشاف بعثييهم للحرية؟ ......... الله بهذا أعلم و ما أخافه و خوفي حق أن المسألة كلها حبر على ورق.
المواطنون السوريون اللابعثيون:
في مقابلة للبعثي الحاج علي و العضو في لجنة تطوير البعث قال المذيع " إن عدد البعثيين السوريين مليونان", قاطعه الحاج علي: "إنهم مع عائلاتهم عشرة ملايين" و أضيف من عندي أهم مع أصدقائهم خمسة عشر مليونا ً ............... أين ذهب الشعب السوري؟ هل تبخرت أمة بكاملها؟
بعد سقوط الدولة السوفييتية, أجريت انتخابات شرعية و نزيهة حصل فيها الحزب الشيوعي على 13% فقط من الأصوات. هذا هو الحجم الحقيقي لأعظم حزب شمولي في تاريخ البشرية 13% فقط من شعبه. و لا ننسى أن ما قدمه هذا الحزب للمجتمع السوفييتي من خدمات و بنىً اقتصادية ٍ و ثقافية و أمن غذائي و سكني يفوق الوصف و مع هذا فما زاد عن 13% و السبب الرئيسي أنه حرم الشعب الروسي و عشرات الشعوب المجاورة ثلاث حريات: حرية التعبير, و حرية التنظيم, و حرية العقيدة.
إذا عدنا للمواطنين السوريين البعثيين فمؤكد أنهم لن يحصلوا في ظل خيمة الحرية على أكثر من 6% إذا ً المواطنون اللابعثيون السوريون 94% !! و السؤال المهم لماذا رفضتم دعوة المعارضة السورية إلى مؤتمر إنقاذ وطني تتشرفون بالتحضير له لدفع الخطر الداهم بالوطن؟ أين المصداقية في دعوتكم للتعددية السياسية؟ أين المصداقية في دعوتكم لسيادة القانون؟ أين المصداقية في اكتشافكم العبقري أن المواطنة هي الأساس في علاقة المواطن بالمجتمع و الدولة و ليس الأساس الانتماء البعثي؟
المعارضة السورية محدودة التأثير هذا صحيح و خطابها تقليدي هذا صحيح أما أنتم فلقد شملتم المجتمع السوري بتأثيركم لقد حكمتم الإنسان السوري من لحظة الولادة حتى لحظة الوفاة بطلائعكم و شبيبتكم... و بجملة واحدة بقبضتكم الأمنية ليس بالتعددية و ليس بالحرية و ليس بالمواطنة الحقة و إنما بالحديد و النار بالقمع و الإرهاب بالخوف, بإشاعة الفساد و الإفساد, بإنتاج السلبيات و سوء الإدارة. حكمتم الشعب السوري رغم إرادته و حذاؤكم على رقبته ثلاث و أربعون عاما ً و ما تزالون فكيف تريدون للمعارضة السورية أن تكون أكثو من محدودة, سجونكم تشهد عليكم و مساجيننا تشهد لنا باسم الحرية و مع هذا نقول لكم نحن السوريون اللابعثيون: وافقوا على مؤتمر و طني لا يستثني أحدا ً و تشرفوا في المشاركة بالتحضير له... ساعة الخطر قادمة فأين تذهبون؟, تقولون لا ! , و تستقوون !.......... لا أعرف بماذا دُلّونِي على من يعرف.
المعارضة السورية بلا برنامج:
تقولون أن لا برنامج واضح لدى المعارضة السورية أقول لكم باسم المواطنين السوريين اللابعثيين باسم أكثرية الشعب السوري برنامجنا ثلاث نقاط:
1- ألغوا قانون الطوارئ
2- أفرجوا عن المعتقلين السياسيين
3- اعقدوا مؤتمرا ً وطنيا ً لكل الشعب على قدم المساواة و على أرض الوطن لا على أرض باريس
هل تريدون وضوحا ً أكثر من هذا؟ هل تريدون وحدة وطنية أكثر من هذه؟ بقي لي طلب و حيد أرجوا أن تستجيبوا له. قلتم أن المعارضة السورية ظلت بعيدة عن التعبير عن إشكالية المجتمع السوري بكافة أشكاله. لم أفهم شيئا ً من هذا الكلام فسروا و أفصحوا أصلحنا الله و إياكم و طورنا و حدثكم و أفهمنا و أفهمكم إشكالية المجتمع السوري. قد تقولون و من أعطاك الحق لتتحدث باسم الشعب السوري؟ أترك جان ستيوارت ميل صاحب – رسالة في الحرية – يرد عليكم يقول " لو كانت الإنسانية كلها مجمعة على رأي ما عدا فرد واحد فلا يحق لها أن تسكت ذلك الفرد المخالف لرأيها كما لا يحق لذلك الفرد لو استطاع أن يسكت الإنسانية المعارضة لرأيه " ** أنا واحد من 94% من الشعب السوري من المواطنين السوريين اللابعثيين و إن لم تصدقوا هذا الرقم أجروا انتخابات حرة ديمقراطية نزيهة فسترون أن الرقم حقٌ و حقٌ كالشمس, و إن لم يكن حقا ً فابقوا على دستوركم و شموليتكم و قوتكم و فوقها شرعية صناديق الاقتراع.
الاستقواء بالأجنبي:
تحدثتم عن الاستقواء بالأجنبي حسنا ً هل نسيتم أنكم تستقوون بالظروف الدولية منذ ثلاث و أربعين عاما ً؟ ألم تقل رايس أنها دعمت الاستقرار- الدكتاتوري – في منطقتنا مدة ستين عاما ً؟. الاستقواء بعوامل القوة و الرهبة و الاستئثار بالسلطة و الثروة مشروعة أو لا مشروعة و ترك المواطنين رهائن لقمة العيش في ظل كرامة مهدورة و مَحْق ٍ سياسي و مسح لصورة الوطن من المخيلة و شبكية العين ليس أقل خطرا ً إن لم يكن أكثر خطرا ً من الاستقواء بالأجنبي. إنه المدخل الطبيعي للأجنبي و المبرر السهل لمشروعيته الدولية. و لنعد لمخيالنا الشعبي و مفرداته... الهم اضرب الظالمين بالظالمين و اجعلنا من الغالبين و نحن قاعدين... إن صدام الخارج من جحر العنكبوت و المنتظر لحكم الإعدام أكبر دليل على صحة ما نقول.
شيراك و الضوء البرتقالي:
إن سنابل نبع الخير و رمز الخبز تميل مع الرياح العاتية أما و الوتد القاسي فيا ويله إن اقتلعته الريح و عندها لن يصلح حتى لربط البهائم و الاعتداد بقسوة الوتد ليس أكثر من وهم في علم السياسية و في فن ما هو ممكن و على ضوء ميزان القوى الراهن.
خوفي الأكبر أن تُطْبِق الآية الكريمة علينا جميعا ً بعثيين و لابعثيين (( فإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ً)) الإسراء آية:16. إن الفسوق هنا لا يعني الفاحشة و الزنى و انتهاك المحارم إنه الفساد و الظلم و انتفاء العدل و من يريد التأكد فليرجع إلى لسان العرب.
قد يقال أنه التشاؤم المطلق و كيف لا يكون و قد تحول الوطن إلى وطن للرعب و غرق شعبنا في الخوف حتى النهاية.
لقد أشعل شيراك أخيرا ً الضوء البرتقالي و الويل كل الويل عندما يضاء الأحمر سيقول الشامتون و المشفقون: لقد تأخرتم كثيرا ً و لقد غادر القطار المحطة (It’s too late?!)

**من كتاب مفهوم الحرية لعبد الله العروي صادر عام 1981