الخميس، ديسمبر 06، 2007

بيتنا الحوار المتمدن

إحسان طالب
7-12-2007

في ظل أجواء من التشدد و التزمت و الرقابة الرسمية و ااشعبية الخانقة وسيطرة الأصولية الدينية على مفاصل الإعلام المطبوع و الفضائي كانت الجاحة أكيدة لوجود نافذة يمكن من خلالها تنسم طيف الحرية في أجواء من الإحترام و الحرفية ينسجم مع الثورة العالمية في كونية الإتصالات . و لم يكن كافيا تحقق الشرط الموضوعي لجذب الكتاب و الباحثين و المهتمين و المتابعين حيث يفترض بالساحة أو الميدان الذي سيستقبل الأفكار و الإبداعات أن يتحلى بصفات النجاح الذاتي من جهة الشكل و الإنتشار و الإقناع البصري و اثارة الدافع النفسي للولوج بإصرار و حماسة تهيىء الفرصة للاستمرار . كل ذلك كان متوفرا ومتاحا في موقعنا الجميل و ساحتنا الرحبة ذات الصدر الواسع و الأفق الممتد نحو الحقيقة اللامتناهية ، بيتنا الحوار المتمدن .
في غضون ست سنوات من العمل الدؤوب و المجهد تمكن ثلة من المثقفين المتطوعين ارساء قاعدة متينة و صلبة تستقطب المفكرين و المبدعين في الكثير من مناحي المعرفة و العلوم والآداب السياسية و الثقافية و الإقتصادية و الاجتماعية و تتيح لهم الفرصة لنشر نتاجهم و إبداعاتهم و فنونهم بصورة لائقة و مستوى رفيع من الإعداد و الإخراج.و إذا كان الحوار المتمدن صلة الوصل بين منتجي الثقافة و المعرفة و متابعيها و المتفاعلين و المتلقيين لها فانه ساهم في خلق مسلك ايجابي لتفجر طاقات و امكانات مؤهلة و متمكنة من الظهور و النضوج و الوصول إلى القارىء و المهتم .
لقد غدى بيتنا الحوار المتمدن خبزنا اليومي الذي لايستكمل ليلنا إلا بالمرور علية و التوقف عنده و أحيانا المبيت لديه انه الشريك و المرجع و الصديق المخلص نؤوب إليه لحظة بدء بحثنا و نغوص في أعماقه يوم نعتزم الوصول إلى المزيد من الحقائق و المعارف و لا يعد ما نكتبه و ما نبدعه مكتمل قبل إتمام البحث في غرف البيت المترامي الإطراف و المتعدد الفضاءات .
لقد باتت مواقعنا الخاصة في منزلنا الحبيب مرجعا لنا و لأصدقائنا و للباحثيين عنا و لمن يبتغون معرفة توجهاتنا و إمكاناتنا و في ذلك خدمة جزيلة و فائدة شخصية جليلة أسداها الحوار المتمدن لكل واحد منا . تحية و شكر لكل من قدم الجهد و التعب و سهر اليالي و انقطع عن متابعة حياته اليومية العادية ليتابع العمل و يحقق النجاح .

المجلس الوطني السوري اقلاع في الزمن المفقود

إحسان طالب
5-12-2007

تاريخيا ترتبط القضايا الكبرى بأفراد ينتصرون لها و يؤمنون بها يبذلون جهودهم و إمكاناتهم لتحقيق الغايات و الوصول إلى النتائج المرجوة حيث تترجم الأفكار و المبادئ إلى واقع ملموس يترك مفاعيل و آثار واضحة على بنية و مسيرة العمل الجماعي ، من هنا جاءت أهمية جدلية الاجتهاد الفردي و التفاعل الذاتي مع الحراك الموضوعي الجمعي ، و لولا تضافر مجموعة من الجهود و النشاطات و الاجتهادات الفردية و التي تصب في بوتقة العمل الجماعي لما تحقق العديد من أشكال الفعل المشترك بين عديد المجموعات المتآلفة حول ثلة من القيم و المبادئ . إنها وقفة للتأكيد على عظيم الأثر للمبادرات و الإبداعات الفردية في صميم النشاط و الحراك الجماعي . وتقديم الشكر الجزيل لكل من ساهم و ساعد و دعم و أيد انعقاد المجلس الوطني الأول لإتلاف إعلان دمشق .
خلال الأشهر القليلة السابقة لانعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق تم التحضير له عبر سلسلة طويلة و معقدة من الجهود المضنية و الاجتماعات المفتوحة و و المغلقة و الحوارات و اللقاءات المتتالية عبر كافة أنحاء المحافظات السورية . و لقد أسفرت تلك التحضيرات البالغة الأهمية عن الوصول إلى الهدف المنشود و المتمثل في عقد المجلس الوطني الأول لإتلاف إعلان دمشق بصورة تمثيلية فريدة التقى في إطارها الطيف الأكثر إقناعا في نقل الفسيفساء السورية الجميلة داخل الحلقة المفتوحة لأول تجمع و طني سوري من نوعه منذ ما يقرب النصف قرن و لعل الصفة الأبرز هنا إلى جانب التعدد و التنوع و الاختلاف هي القناعة الحقيقية بضرورة التغير وفق الآليات و التصورات التي تم اعتمادها في الوثائق الصادرة عن المجلس .
لقد كانت العقلانية و الحراك العملي المدروس في التحضير الدءوب الذي تم خلاله تكثيف الجهود للوصول إلى أوراق توافقية مشتركة تستحوذ على رضا ودعم جميع القوى و التكتلات و التحالفات المنضوية تحت إعلان دمشق عاملا حاسما في انجاز كامل المهام و الواجبات المناطة بالمجلس ، حيث استطاع الحضور مناقشة الوثائق و تقديم الاقتراحات و التعديلات التي حظيت في غالب الأحيان بأغلبية الحاضرين عبر التصويت و في أحايين أخرى بالتوافق و ذلك على الرغم من حرص الكثيرين بالسير في العمل و الممارسة الديمقراطية نحو مستويات عالية تتجاوز قاعدة التوافق الديمقراطية , لقد كانت الإرادة القوية من قبل الجميع في تحقيق المطلوب و إتمام المراد متوفرة و حاضرة أسفرت عنها النهاية الأفضل في ختام أعمال المجلس .
لقد كان التنسيق و الترتيب التجهيز المسبق لكافة لوازم النجاح محققا من إعداد للمكان و مستلزمات الحضور و اللوائح الاسمية و الجداول المطبوعة و توزع الواجبات بطريقة أزالت العقبات المتوقعة و مهدت المطبات التي تنجم عادة على طريق العمل الجماعي .
لقد أتاح حس المسؤولية العالي الذي تحلى به جميع المشاركين و المساهمين فرصة كبيرة لاستمرار اللقاء وإنهائه بنجاح رفيع المستوى فاق الحدود الدنيا المرتقبة ، إذ تجلت تلك المسؤولية في الإدارة المتميزة للاجتماع التي تولاها رئيس المجلس المنتخب و نائباه و أمينا السر و عبر المساهمات الكثيفة
و المشاركات القيمة التي اتسمت بالعمق الفكري و الخبرة السياسية في ظل ممارسة ديمقراطية و شفافية عالية ندر اعتمادها أو تطبيقها خلال مسيرة العمل السياسي المعارض ، مما يشير إلى تقدم و تطور ايجابي واضح في طرائق و أساليب الحراك الجماعي للمجتمعات السورية وذلك على قاعدة التنوع و التعدد و التباين المشكل لبنية المشارب و الانتماءات التي جاء منها الأعضاء العتيدون

للمجلس المنعقد . و الجدير بالتوقف و التدقيق زيادة و تنامي أشرك و اشتراك التيارات التجديدية و التنويرية و الإصلاحية من كافة الأيديولوجيات الدينية و القومية و اليسارية و الليبرالية مع ذلك الحشد من القوى المستقلة الفاعلة و المؤثرة في ثنايا و تضاعيف البنية الحيوية للشعب السوري ، في الفعل السياسي و الثقافي و المدني .و هذا في حد ذاته أمر في غاية الأهمية على صعيد إعادة السياسة إلى الناس و إشراك المجتمع المدني بالسياسة و الإنتاج الثقافي ، حيث كان ذلك و مازال مطلبا حيويا في أية مسيرة تغيرية تعول عليها الشعوب الحديثة عبر تاريخها المعاصر
إن اختلاف التوجهات و التطلعات و الطرق و الوسائل و الانتماءات لم تتسبب في إعاقة العمل أو توقفه بل لعلها أثبتت أن العمل التغيري الديمقراطي الوطني كفيل بالإحاطة و ضم الرايات و الشعارات
في السعي من أجل إقامة دولة الحق و القانون تحت ظل دستور مدني يكون الأساس لعقد اجتماعي بين الدولة و المواطن يكفل حقه في الحرية و العدالة و المساواة و المشاركة و يضمن الحفاظ على مصالح الوطن العليا .
لقد جاءت الآليات الديمقراطية التي حظيت بالأغلبية الساحقة عبر التصويت و تلك التي تم التوافق عليها لتضمن تنظيم و ترسيخ قواعد إجرائية للعمل الحالي و المستقبلي تكفل استمرار و نجاح الفعل الديمقراطي داخل مكاتب و هيئات ولجان إعلان دمشق بطريقة تضمن تداول المهام و الواجبات و مراكز قيادة العمل .

الجريمة الاجتماعية المبررة لخير الأمم

إحسان طالب
29-11-2007

نتباهى نحن العرب المسلمون بأهمية العامل الأخلاقي في تفكيرنا و تصرفاتنا و وجداننا ونشمخ بأنوفنا فوق قمم جبال الألب لأن التركيبة المدنية و القبلية لشعوبنا مازالت تحافظ على الروابط الاجتماعية و الدينية . و تسخر عقولنا من الغرب و حضارته و تقدمه لشيوع الجريمة في مجتمعاته و تبني الناس للحرية الجنسية و ضعف الوازع الأخلاقي في سياسات إداراته و ضمائر أفراده .
وجهات النظر تلك تحولت إلى قناعات بل إلى مسلمات تثقل العقل العربي المسلم بالإيمان بأزلية و أبدية المكانة العليا لخير أمة أخرجت للناس ، أمتنا التي تتفوق على الأمم الأخرى بأخلاقها و حضارتها و العلاقات الإنسانية و العائلية السائدة في مجتمعاتنا . وأمام الهزائم و الإخفاقات المتتالية ومع تنامي الفارق المادي الحضاري و الاختلال الرهيب في ميزان القوى و الإنجازات بين بلداننا و دول العالم ، تزداد زاوية الرؤيا ضيقا و انحرافا و تصنع المسلمات الموهومة سورا منيعا تقف حائلا دون أي إمكانية لولوج الحداثة و العقلنة في أدبياتنا و سياساتنا و خطابنا مما ينذر بطول أمد الركود و الجمود الحضاري و المدني ويسرع الخطوات نحو الخلف على طريق المزيد من الانتكاسات و التشتت و الضياع .
صور و أخبار :
في حلب الشهباء أحد أهم و أعرق المدن السورية و في أشهر ساحاتها العامة و أمام أعين الحشود من الرجال و الأطفال و النساء ينفذ حكم الإعدام شنقا بخمسة مجرمين تمت محاكمتهم خلال ستة أشهر و أدينوا بقرار محكمة عسكرية ، تتدلى الأجساد و تتأرجح في ظل هتافات الجموع بالفداء و الولاء .
ابنة التسعة عشر ربيعا فتاة القطيف السعودية يتم اختطافها مع شاب كانت برفقته ثم يتناوب الخاطفون السبعة على اغتصابها مرة تلو الأخرى ، يشيع الخبر في المملكة بعد تداول صور لعملية الاغتصاب ، يلقى القبض على الفتاة و تحاكم و تجرم و يحكم عليها بالسجن و الجلد ـ مائتا جلدة فقط ـ يدافع عنها زوجها و يبرؤها ،يصر الأستاذ الجامعي رئيس هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على تجريمها و تأثيمها بالرغم من كل المناشدات العالمية .
مفتى مصر الأكبر وبعد عدة حوارات و مراجعات و احتجاجات مازال يصر على صواب الحكم الشرعي الذي أفتى به كرد فعل تجاه أخبار نشرتها الصحافة عن مرض القائد الأعلى للدولة ، الحكم مؤداه جلد الصحفيين بدل من السجن استناد إلى فقه المذاهب ، في هذا الزمان لا ترى تلك الهامة العلمية و الشرعية ضيرا من التعذيب الجسدي للرأي المخالف .
الباحث الحقوقي و الناشط الإنساني المحامي أنور وجيه البني يحول ثانية إلى المحكمة العسكرية من سجنه في عدرا بعد التفتيش في أغراضه الخاصة التي وجد بينها ورقة ينتقد فيها وزيرة الشؤون الاجتماعية ـ المعصومة ! ـ سيحاكم البني ثانية على رأي كتبة بعدما حكم علية بخمس سنوات بتهمة إشاعة الوهن في عزيمة الأمة ! علامات المرض الشديد البادية على جسم البني ليست دليلا كافيا لتحويله إلى المستشفى للعلاج ، لكن ورقة مكتوبة بين أشيائه قرينة كافية للمحاكمة من جديد .
في مدينة البصرة العراقية مدينة التنوير في العهد العباسي تنتشر جماعات منظمة مدربة و ممولة تجوب الشوارع تكافح الحرية و تغتال الحياة ، تترصد النساء و تمارس تغير المنكر بالقتل و القطع و التخريب تسندها فتاوى و توجيهات تتعالى فوق كل القوانين و الأعراف و الدساتير ، الشك بممارسة عمل شائن في أية أنثى يستوجب القتل ، مخالفة اللباس الشرعي جريمة ، الغناء جريمة ، قصة الشعر المشابه لما يفعله شباب في كل أنحاء العالم حرام ، و الحكم على تلك الممارسات مباشر و تنفيذ العقوبة ميداني و فوري .
في المدن الكبرى المصرية وفي وسائط النقل العامة ارتفاع مقلق لظاهرة التحرش الجنسي لا تسلم منه النساء صغيرات أم كبيرات ، محتشمات أم متبرجات و حتى المنقبات ، و ما جريمة اغتصاب الأطفال و قتلهم ببعيدة . وفقا لإحصاءات رسمية تحدث في مصر جريمة اغتصاب كل ثلاثين دقيقة ، (وقد أورد اللواء " أحمد ضياء الدين مساعد وزير الخارجية " أرقاما مفزعة عن نتائج هذا التردي الأخلاقي من واقع دراسات اجتماعية ونتائج بحث، مؤكدا أن هناك 20 ألف حالة اغتصاب سنويًّا تقع في مصر طبقًا لإحصائية أصدرها المجلس القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، وأن 60% من الإناث يتعرضن للتحرش الجنسي، ) وإفادة من دراسة للمركز المصري لحقوق المرأة فإن 12% فقط من النساء اللاتي يتعرضن للتحرش يعلن عن حالتهن و يقدمن بلاغات للشرطة.
في مدينة دمشق تكررت حادثة غريبة حيث أقدم شباب على استخدام ابر طبية مليئة بسائل حمضي حارق و قاموا برش المحتويات على الجزء السفلي من أجساد فتيات يسرن في شوارع مزدحمة ، ووفقا لتحقيقات صحفية ميدانية لم تكن الفتيات يرتدين لباسا غير اعتيادي و فقأ للمقاييس السورية المتعارف عليها ،و اعتبر العديد من المعلقين الفتيات مذنبات لعدم تحليهن باللباس الشرعي ، كما اعتبر آخرون الفعل جريمة .
في دوحة قطر أظهرت دراسة حديثة أعدها المجلس الأعلى لشؤون الأسرة في قطر أن نحو42% من النساء يؤيدن العنف الذي يمارس ضد المرأة ، و هي النسبة ذاتها في باكستان ، حيث 70% من جرائم القتل ضد النساء في الباكستان تتم على يد أزواجهن .

في المملكة العربية السعودية تزيد نسبة الطلاق عن 60%و أرجعت الدراسات أسباب ارتفاع نسب الطلاق إلى العنف الأسري و الإهمال ، حيث لا يشكل العامل المادي سببا للطلاق كما في البلدان الفقيرة ذلك أن المواطن السعودي ينفق أربعة أضعاف نظيره الأمريكي في مناسبة الزواج، بمعدل 375 ألف ريال،أما معدل تكلفة الأعراس في أمريكا فبلغ نحو 25,000 دولار (94 ألف ريال). و يبلغ معدل الدخل السنوي للسعودي 11,800 دولار سنوياً عام 2003م حين يبلغ معدل دخل المواطن الأمريكي 37,800 دولار ،أي ما يزيد على ثلاثة أضعاف نظيره السعودي
في الكويت تسقط محكمة الاستئناف حكما بالسجن ضد أب قيد ابنه بالحبال من يديه وقدميه تحت الشمس الحارقة حتى الموت , و لم تجد المحكمة فعلا إجراميا يدان به الوالد ، وبررت المحكمة حكمها بعدم و جود سوابق إجرامية للأب . الغريب أن جثة الولد و العقوبة الجسدية الشديدة المطبقة علية لم تلفت نظر المحكمة و قررت الامتناع عن النطق بالعقوبة .
راقصة مصرية مشهورة تنتقد زميلاتها في الوسط الفني الراقص للتعري الفاضح لدرجة أنهن لا يرتدين ملابس داخلية تحت ثوب الرقص الشفاف ـ لعلها الشفافية الأوضح في العالم العربي ـ و بذلك يرتفع رصيدهن الشعبي و تهال عليهن العروض الفنية في حين أنها ـ أي الراقصة المحترمة ! ـ تحارب لارتدائها الملابس الداخلية تحت أثوبها الفاضحة .
في القاهرة اعتقلت سيدة مصرية قبطية و حكم عليها بالسجن ثلاث سنوات بتهمة التزوير لأن والدها قبل خمسة و أربعين سنة ـ حيث كان عمر الجانية سنتين ـ اعتنق الإسلام نكاية بزوجته ثم عاد إلى المسيحية بعد ثلاثة أشهر ، و اعتبرت المحكمة المرأة مزورة لأنها ذكرت ديانتها المسيحية في عقد زواجها المبرم في 1982 أي قبل ربع قرن من صدور الحكم بسجنها .
في غزة تطلق الشرطة التابعة لحكومة حماس الرصاص الحي في مواجهة تظاهرة سلمية احتفالية لجماهير فتح بذكرى وفاة ياسر عرفات ، فتقتل ثمانية و تجرح 130فقط . الناطق باسم حماس يبرر العملية بالاستفزاز الذي مارسه المتظاهرون ضد حماس بترديدهم شعار شيعة ـ شيعة في مواجهة القوة ، إسماعيل هنية قرر تشكيل لجنة تحقيق في القضية .
في شمال شرق القاهرة تعلقت السيدة المصرية رضا شحاتة بمقدمة سيارة الشرطة لمنع اعتقال زوجة أخيها ، و حسب إفادة السائق فان الضابط الجالس بقربه أمره بالسير مسرعا " دوس الي يقف في طريقك "و بعد مئة متر من السحل والد حل سقطت جثة رضا خلف عجلات السيارة التي غادرت بمن فيها لا تكترث بمن خلفها ، انتشر الخبر و بعد أيام نشرت دار الإفتاء المصرية فتوى اعتبر فيها أنه لا يمكن إلقاء اللوم على السائقين عن قتل أناس يقفون عمدا أمام سياراتهم . الفتوى ليست للتبرير حسب المتحدث باسم دار الإفتاء ، لكن مدافعين عن حقوق الإنسان فهموا الفتوى كدفاع سياسي للحكومة ضد الشعب و أشار بعضهم أنه بمدلول الفتوى يحق للقاتل أن يطالب القتيل بالتعويض .
في الكويت مهندس كومبيوتر يطلق النار على زوجته و أولاده فيقتل الزوجة وابنه البكر 21عاما و ابنته 16عاما و أطلق النار على ابنته الثالثة 19عاما لكنه لم يتمكن من قتلها فتهرب مع أخيها الصغير 4 سنوات ، في التحقيق بعد ما ألقي القبض عليه أكد أنه لم يرتكب إثما و إنما كان ينفذ أوامر الإمام المهدي المنتظر الذي جاءه قبل يومين في الحلم و أمره بما فعل لأن زوجته و أولاده خرجوا عن طاعته،و شرح القاتل مخططة و أسباب قتل أبنه الأكبر في أول الأمر خشية من دفاع الشاب عن أمه و أخوته وقام الجاني بعد جريمته بجمع ملابسه و أخذ بقية بناته و هرب .....
الإشكال ليس في وجود الجريمة و ليس في و جود الفساد الاجتماعي و الأخلاقي بمفهومه الحقوقي ألأممي ، فتلك أمور موجودة و منتشرة في كل مكان في العالم ، إلا أن الأزمة الحقيقية هي في الهيكلية و البنية القانونية التي تسيطر على دوائر القرار في الدول العربية بما يسمح بتبرير و وظهور ما يصح و صفه بالجريمة الاجتماعية المبررة المدعومة قانونا تجاه الحريات و النساء . و في حال ارتقى القانون الوضعي لدينا و سما ليأخذ بعين الاعتبار المقاييس الإنسانية نجد الرقابة المجتمعية و المكون الأخلاقي المجسد للرؤية الوجدانية يسيطر على الفعل الاجتماعي و يمنع منافذ الحرية و الإعتاق من قيود التخلف و الأسطورة . و عندما يتضافر العرف مع القانون في مواجهة التخلف و الظلم تتكفل الفتاوى الشرعية برد الأمور إلى نصابها و تدعم الظلم و الاستبداد و ترسخ القيد ساعية للعودة بالأمة إلى ما قبل الدولة و القانون و الدستور .
في كل مرة نتواجه مع الأرقام و الإحصاءات و الحقائق ندفن رؤوسنا في التراب و نتبع الأساليب الثلاثة التقليدية في قبالة الخطر فتارة يكون التبرير سيد الموقف و تارة يكون الإنكار الملاذ و أخرى يكون فيها من السهل إلقاء اللوم على الخارج في كل ما نعانيه . نتجاهل الظواهر الاجتماعية المؤكدة على و جود الخلل الشديد و التفكك الواضح في بنية تفكيرنا الأدبي و السياسي وفي مكون جسدنا الأخلاقي و الاجتماعي . و النتيجة في كل الأحوال مزيد من الظلامية و الفقر و التخلف و الجهل و التسلط . يقتلنا الوهم بالتعالي و الأفضلية و الخيرية دون ما سوانا من الأمم و الشعوب و نمارس النفاق اللفظي و ندعي التواضع لكننا في قناعاتنا الراسخة ووعينا مازلنا نتوهم بأن الجبابرة يخرون سجدا إذا بلغ الفطام لنا صبي ! فنحن إلاهيون في أحزابنا السياسية و سماويون في قضايانا و نبلاء في معاركنا حتى و نحن نقتل ، انتحارنا استشهاد و هزائمنا خطوات على طريق النصر المؤزر و تفككنا إيذان بولادة أمتنا الوحدة التي لا تقهر .

إحسان طالب : كاتب سوري

التطرف الديني و الإسلام السياسي : الجزء السادس



إحسان طالب
1-7-2007


هناك خلاف قديم ما زال قائماً ولم يحسم بعد حول ضرورة ودور المعتقدات الدينية السماوية في قيام الحضارات واستمرارها.
عرف التاريخ الحضاري الإنساني مجموعة من الحضارات العريقة البالغة التأثير في الماضي والحاضر ، قامت واستمرت لقرون عديدة و تجاوز عمرها آلاف
السنين وذلك قبل نزول الديانات السماوية الثلاث وتعد الحضارات الصينية و الفرعونية واليونانية الأقرب لنا جغرافيا وثقافيا ، و بالرغم من اعتناق الحضارة الرومانية للدين المسيحي بشكل رسمي عام 391م إلا أن تلك الحضارة استمرت بصيغتها الوثنية لعدة قرون تالية
وهنا نقف أمام إشكالية دور المعتقدات الدينية السماوية تحديدا في البناء ا لكلي الحضاري و أميز هنا بين جوانب ثلاثة :
ـ الجانب الأخلاقي
ـ الجانب العلمي و المعرفي
ـ نتاج الحضارة ، ثقافة وعمران

و بالبحث خاصة في الإطار المحصور في دائرة الإسلام السياسي نلحظ التباين ألاعتقادي بين الفرق الإسلامية ابتدءا من العهد النبوي ( ستفترق أمتي إلى بضعة و سبعين شعبة كلها في النار إلا واحدة ) وحتى راهننا المعاصر ، ذلك أن الجماعات الدينية السياسية المتواجدة في الواقع العربي والإسلامي اليوم تكونت و نشأت وفقا لفكر أصولي مذهبي كحزب الدعوة في العراق و جماعة الأخوان المسلمين في مصر في حين قامت أحزاب سياسية دينية مرتكزة على أصولية دينية قومية كحزب العدالة و التنمية الحاكم في تركيا تحت وصاية الدستور العلماني التركي مما حد من غلو التأثيرات الأصولية على الحياة التركية و ترك الباب مواربا للاندماج في النسيج الحضاري العالمي و الانتقال من الصراع الحضاري إلى التنافس الاقتصادي و السياسي و محاولة التمازج مع مكونات الحضارية غير المسلة ، و يتجلى ذلك في السعي الحثيث للحكومة التركية الإسلامية الحالية بقيادة أردغان للانضمام للاتحاد الأوربي . في حين نرى الصعوبة البالغة لدى تيارات الإسلام السياسي المتواجدة في ظل دساتير لا تنصص صراحة على فصل السياسة عن الدين كما هو الحال في باكستان التي تشهد نمواً متزايدا لسيطرة الأصولية المتشددة على الشارع الباكستاني بما يساهم في الانفصال الحضاري عن العالم و رفع و وتيرة الصراع و العمل الحثيث على التطبيق الحرفي للنصوص الشرعية ما أفرز جماعات متطرفة عنيفة تدعم التغير بالقوة و بادرت لتطبيق أيديولوجياتها فأحرقت ما تحتويه مكتبات ألأقراص cd من موسيقى و فن و فكر لا ينطوي تحت السقف الفقهي المتعارف علية و ذهبوا أبعد من ذلك إلى تأسيس محاكم ميدانية شرعية لا تعتمد القانون المدني الباكستاني بل تعود إلى الفقه المذهبي في أحكامها. ( 1 )و رفعوا السيوف تحت رايات الموت أو تطبيق الشريعة .
من هذه البداية تحديدا ـ ينبغي أن تنطلق دراسات تبحث في ضرورة و أهمية و تأثير العامل الديني في حياتنا المعاصرة
واعتماد المنهج الانثروبولجي ( علم دراسة الإنسان ) و علوم التاريخ المنهجية عند تناول علاقة الدين بالإنسان و الدولة و المجتمع و بذلك تدخل كل المنتجات الحضارية الإنسانية مع الإسلامية على حد سواء بغض النظر عن التقويم العقائدي ، بنفس الطريق التي سار بها ابن رشد و ابن سينا و الفارابي و الشيرازي و غيرهم من علماء وفلاسفة المسلمين كأعلام اثروا و اثروا في مسيرة الحضارة البشرية بشكل عام و الإسلامية بشكل خاص .

"إن الحضارة ليست منجزاً دينياً إنما هي منجز إنساني مفتوح ساهمت فيه البشرية من كل ملة و دين و لون و عنصر ، و لم يقم الدين يوماً بصناعة حضارة فهذه شئون إنسانية بحت ، فالحضارة ينتجها هيكل مدني مستقر : من النجار إلى الفلاح إلى السمكري إلى الطبيب إلى المهندس إلى القانون إلى نظام الدولة الهيكلي التراتبي الوظيفي و البيروقراطي .

و قد نجح الوثنيون في إقامة حضارات عظمي فلو كانت الوثنية معيبة ما أنتجوا و لا تحضروا ، و هو مما يعني أنه لا علاقة للدين وثنياً أو سماوياً بالتحضر و إقامة الدول ، فلم يثبت أن نبياً واحداً قد أقام هرماً أو مستشفي أو سد مياه ، و إذا كان من مهام الدين إقامة الدول و الحضارات فأين هي دولة إبراهيم و دولة نوح و يوسف و الخضر و ذي الكفل و ذي النون و أين حضاراتهم ؟ ألم تترك أي أثر ؟ "(3)

للأصولية رؤية خاصة للحضارة و انجازاتها:


منذ القرن الثاني من عمر الخلافة الإسلامية سعى علماء و فقهاء لكسر الطوق الصارم على المفروض على العقل الإنساني من قبل التفسير و التأويل الثابت للنص القرآني و حاول المعتزلة النهوض بمكنة العقل ليرتقي إلى مستوى النص و اعتبروا العقل أعظم مخلوق و لم يخلق أعظم منه و بذلك عدوه المرجع الأهم في النزاعات الاعتقادية و الفقهية و أوجدوا قواعد تساعد في ترسيخ مكانة البحث الفكري الإنساني، إلا أن تلك المحاولات المبكرة و التي ساهمت في الاندماج الحضاري للفكر و التفكير الإسلامي لم يكتب لها النجاح ، و بقيت معزولة و معتزلة .
و في الجانب الآخر كانت الأصولية المبكرة ترسخ أقدامها و تثبت قواعدها على حساب حرية العقل و البحث و ا ارضخ الفكر و التفكير لمحدودية النص و التفسير مما أعاد الصراع الحضاري إلى دائرة الإخضاع و التغير .
تختصر الرؤية الأصولية للحضارة المنجز الإنساني بالمقياس الديني و تعتبر القرب أو البعد عن النص المقدس و تفسيراته أساسا للتصنيف الحضاري ، والقيمة الحقيقية للحياة و الإنسان مرتبطة بتلك المسافة الواقعة بين النص و تجلياته من جهة و بين ما عده في الناحية الأخرى . فكلما توافق المفهوم الحضاري مع المقرر النصي كلما عد حضاريا و إنسانيا و العكس صحيح ،
فالكافر ضمن المنظومة الأصولية مهما على شأنه العلمي و الثقافي و المعرفي لا يرتقي إلى مرتبة الإنسان إلا بالإيمان المحدد و المنضبط بالقواعد و الأصول المنصوص عليها :
الفرقان 25 44 أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا

الأعراف 7 179 وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ

وفقا للتفسير الظاهري و السلفي للنص القرآني لا تزيد قيمة الإنسان المختلف دينيا أو حتى مذهبيا عن قيمة الحيوان بل هي ادني من ذلك كون الحيوان لا يعارض أوامر و نواهي الشريعة وما يفعله لا يعدو كونه جري وراء الغريزة في حين أن الإنسان المسلح بالعقل و العلم و المعرفة ذو مكانة أدنى من الأنعام باعتبار انه ضال أو غافل .
" ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : " أَمْ تَحْسَب أَنَّ أَكْثَرهمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ" الْآيَة أَيْ هُمْ أَسْوَأ حَالًا مِنْ الْأَنْعَام السَّارِحَة فَإِنَّ تِلْكَ تَفْعَل مَا خُلِقَتْ لَهُ وَهَؤُلَاءِ خُلِقُوا لِعِبَادَةِ اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ فَلَمْ يَفْعَلُوا وَهُمْ يَعْبُدُونَ غَيْره وَيُشْرِكُونَ بِهِ مَعَ قِيَام الْحُجَّة عَلَيْهِمْ وَإِرْسَال الرُّسُل إِلَيْهِمْ ." تفسير ابن كثير
" إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ

أَيْ فِي الْأَكْل وَالشُّرْب لَا يُفَكِّرُونَ فِي الْآخِرَة .
بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا

إِذْ لَا حِسَاب وَلَا عِقَاب عَلَى الْأَنْعَام . وَقَالَ مُقَاتِل : الْبَهَائِم تَعْرِف رَبّهَا وَتَهْتَدِي إِلَى مَرَاعِيهَا وَتَنْقَاد لِأَرْبَابِهَا الَّتِي تَعْقِلهَا , وَهَؤُلَاءِ لَا يَنْقَادُونَ وَلَا يَعْرِفُونَ رَبّهمْ الَّذِي خَلَقَهُمْ وَرَزَقَهُمْ . وَقِيلَ : لِأَنَّ الْبَهَائِم إِنْ لَمْ تَعْقِل صِحَّة التَّوْحِيد وَالنُّبُوَّة لَمْ تَعْتَقِد بُطْلَان ذَلِكَ أَيْضًا . " تفسير القرطبي
" أَمْ تَحْسَب } يَا مُحَمَّد أَنَّ أَكْثَر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ { يَسْمَعُونَ } مَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ , فَيَعُونَ { أَوْ يَعْقِلُونَ } مَا يُعَايِنُونَ مِنْ حُجَج اللَّه , فَيَفْهَمُونَ ؟ ! { إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ } يَقُول : مَا هُمْ إِلَّا كَالْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَعْقِل مَا يُقَال لَهَا , وَلَا تَفْقَه , بَلْ هُمْ مِنْ الْبَهَائِم أَضَلّ سَبِيلًا ; لِأَنَّ الْبَهَائِم تَهْتَدِي لِمَرَاعِيهَا , وَتَنْقَاد لِأَرْبَابِهَا , وَهَؤُلَاءِ الْكَفَرَة لَا يُطِيعُونَ رَبّهمْ , وَلَا يَشْكُرُونَ نِعْمَة مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ , بَلْ يَكْفُرُونَهَا , وَيَعْصُونَ مَنْ خَلَقَهُمْ وَبَرَأَهُمْ . " تفسير الطبري
تلك الخلفية الإيمانية لقيمة الإنسان يقابلها إسقاط عملي يتجلى بسهولة إهدار دم أو قتل الآخر كونه كائن مقيت و كريه غير جدير بالاحترام و التقدير رغم كل ما قدمه للبشرية من منافع و فوائد و خيرات . وهذا ما يفسر جانبا من العنف و القتل الذي تمارسه جماعات و تنظيمات أصولية تنتشر في مختلف بلدان العالم

. في تعليق للأبي حمزة المصري الناشط الإسلامي البريطاني المتشدد و المعتقل حاليا ، على جنسيته البريطانية و ما يتمتع به من حرية في موطنه الجديد قال أن بريطانيا لا تعني له أكثر من دار لقضاء الحاجة ، ذلك التفسير لم يأتي من فراغ أو من وجهة نظر شخصية بل هو من تداعيات المفهومات و التأويلات لعديد من النصوص
الفرقان 25 23 وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا

" وَقَوْله تَعَالَى : " وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل" الْآيَة هَذَا يَوْم الْقِيَامَة حِين يُحَاسِب اللَّه الْعِبَاد عَلَى مَا عَمِلُوهُ مِنْ الْخَيْر وَالشَّرّ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَحْصُل لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْأَعْمَال الَّتِي ظَنُّوا أَنَّهَا مَنْجَاة لَهُمْ شَيْء وَذَلِكَ لِأَنَّهَا فَقَدَتْ الشَّرْط الشَّرْعِيّ إِمَّا الْإِخْلَاص فِيهَا وَإِمَّا الْمُتَابَعَة لِشَرْعِ اللَّه فَكُلّ عَمَل لَا يَكُون خَالِصًا وَعَلَى الشَّرِيعَة الْمَرْضِيَّة فَهُوَ بَاطِل فَأَعْمَال الْكُفَّار لَا تَخْلُو مِنْ وَاحِد مِنْ هَذَيْنِ وَقَدْ تَجْمَعهُمَا مَعًا فَتَكُون أَبْعَد مِنْ الْقَبُول حِينَئِذٍ " تفسير ابن كثير
" مَضْمُون الْآيَة وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَمِلُوا أَعْمَالًا اِعْتَقَدُوا أَنَّهَا عَلَى شَيْء فَلَمَّا عُرِضَتْ عَلَى الْمَلِك الْحَكَم الْعَدْل الَّذِي لَا يَجُور وَلَا يَظْلِم أَحَدًا إِذَا إِنَّهَا لَا شَيْء بِالْكُلِّيَّةِ وَشُبِّهَتْ فِي ذَلِكَ بِالشَّيْءِ التَّافِه الْحَقِير الْمُتَفَرِّق الَّذِي لَا يَقْدِر صَاحِبه مِنْهُ عَلَى شَيْء بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى :" مَثَل الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالهمْ كَرَمَادٍ اِشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيح " تفسير ابن كثير
إن تلك المفاهيم و تلك التفسيرات لم يطرأ عليها أي تعديل أو تصويب ومازالت معتمدة و مقبولة بالكامل من قبل العلماء و المفكرين الإسلاميين التقليدين و لم يتطرق إليها من باب النقد و المراجعة بل غدت أكثر قوة كمسندات معتمدة يعد تخطيئها إثما و ربما خروج عن الملة و الجماعة مما ساهم في الحجر على حرية التفكير و إحباط محاولة السعي لإيجاد صيغ تأويلية تعود بالنص إلى القيم السامية التي جاءت الدعوة لترسيخها . و تبدو خطورة تلك التأويلات جليه إذا ما علمنا بان كلمة الكافر في المفهوم الأصولي تعني الآخر الذي لا يتطابق مع المعتقد الإجمالي و التفصيلي ، حيث يعد أي خروج جزئي عن الإيمان كفرا ولا يعد ذلك الفهم مبالغا فيه ، شيخ الأزهر أضاف ركنا سادسا لأركان الإسلام و هو تكريم صحابة الرسول و تنزيههم و النقد أو التخطيء لهم يعد طعنا بالدين و فضا لركن من أركانه و عليه يكون ناقد الصحابة أو مخطئهم كافر ! فمسألة التكفير رغم جلالتها إلا أنها في متناول أي متشدد يرى في الأخر اختلافا أو تباينا (2)
فالمنجز الحضاري التراكمي العلمي و المعرفي و ا لجمالي الإنساني بكل عظمته شبيه بذلك الشيء الحقير التافه المتفرق الذي لا يقدر عليه صاحبة طالما انه خارج قواعد و ضوابط الشريعة المرضية , وفقا لتلك التفاسير و تلك المفاهيم أصبحت الغربة و الهوة بعيدة جدا بين مفهوم الحضارة الإنسانية القائم على مثل الحرية و العدالة و المساواة و حقوق الإنسان الشامل لكل الحضارات البشرية المتنوعة و المختلفة و بين مفاهيم الأصولية المتشددة المؤسسة لفكر و ثقافة الإسلام السياسي المتطرف مما يتسبب في الانخراط في حالة صراع دائم و مستمر لا ينتهي إلا بالإخضاع أو الهزيمة . و يرسخ لحالة التناحر و التناطح القائمة بين الثقافات و المعتقدات و تغيب إثر ذلك فرص الحوار و والتنافس السلمي المدني لتحل محلها رغبا ت السيطرة و التملك .
الأصولية الأخرى :

طالما أنك تنظر إلى الآخر بذلك القدر من الدونية و الانحطاط فانك لن ترضى إلا بتغيره أو تغيبه بالطريقة التي تراها مناسبة كالقتل أو الإذلال و الاسترقاق المعنوي و المادي ، ولا تخرج الرغبة لدى اليمين المحافظ في أمريكا بالهيمنة و السيطرة على العالم عن ذلك المنطق مع الاختلاف في التفسير والتبرير فالأصولية المتشددة و الأمركة المتطرفة يعتقدان بالأفضلية و الخيرية التي تسمح بالإنفراد بفرض رؤية شمولية محدودة و سيطرة المطلقة . و هنا تلمس تفسيرا مقاربا لذلك الصراع و العداء الحضاري بين التطرف الديني و التطرف الأمريكي فكلاهما يسعيان للانفراد و الهيمنة على العالم وفقا لتصورات مسبقة و الفارق في الإمكانات و القدرات و الأساليب.
لقد ساهمت تلك الرؤية الدينية للصراع في تأجيج حدة التطرف و ساعدته في كسب متزايد للمؤيدين و الأنصار، (نقل عن الأمير نايف وزير الداخلية قوله: "نحن نواجه عشرة آلاف شخص يمكن أن يقوموا بعمليات إرهابية ومليون شخص مستعدين لدعمهم. وينبغي أن نركّز جهود على المليون شخص، وأن نحول بأي ثمن دون أن يقعوا في الجهة الأخرى" ).شفاف الشرق الأوسط 7/3/07 فإذا كان الوضع هكذا في دولة مستقرة نسبيا امنيا و سياسيا فكيف هو الحال في دول و مناطق تعاني من الاضطرابات الأمنية و السياسية و تكتنفها الصراعات المذهبية و العرقية !
عندما يعتبر الرئيس الأمريكي بوش الابن أن حربه التي يقودها ضد الإرهاب صليبية مقدسة يخوضها نيابة عن الله لا يختلف كثيرا في رؤيته تلك عن من يخوض حربا إسلامية جهادية كخليفة لله ،- مع الفارق بالأهداف و الغايات - لقد أثارت التوجهات الدينية للسياسة الأمريكية حفيظة الأصوليين المتشددين و المتطرفين و رأوا أنهم أولى بالحرب المقدسة و الجهاد باعتبارهم أصحاب الديانة الصحية و السليمة الخالية من عيوب و نقائص الديانات الأخرى فلماذا لا يبادرون للغزو و القتال خاصة و أنهم يملكون تراثا عريقا يؤصل لأفكار و أعمال تعتبر الموت غاية و قتل المختلف واجبا . و لا يعني ذلك تبريرا أو تقليلا لخطورة التطرف ، بل هو سعي لفهم الدوافع و الأسباب المسمدة و المخصبة لتربة التطرف و الإرهاب. فهجمات 11/9 الإرهابية كانت سابقة للغزو الأمريكي لأفغانستان و العراق إلا أن إسباغ الصفة و اللون الديني للصراع من قبل الإدارة الأمريكية ساهم بشكل فعال في توسيع دائرة الاحتراب و أكسب التطرف و التشدد أدوات يتسلح بها لكسب المترددين و المتشككين و غدا لسان حاله يقول انظروا إلى الطرف الأخر هو يحاربنا أيضا بسبب إسلامنا وليس لآي سبب أخر و ذلك يعني إننا لم نكن مخطئين عندما بادرناه بالحرب و الجهاد ، و إذا كانت الحرب دينية فنحن أحق بها و أهلها . لقد باتت تلك الحجة من ضمن رزمة من الحجج يسوقها المتشددون في سياق عرضهم لو جهة النظر و المبررات التي تدفع جماعات من الأجيال الصاعدة و الشباب للانخراط في أتون الحركات الجهادية التكفيرية و تقع فريسة لقيادات و زعامات محدودة العلم و الثقافة تختفي وراء جملة من الشعارات و العناوين العامة البراقة الخادعة كأبي مصعب ألزرقاوي الذي ألهم الآلاف من الشباب لخوض معارك القتل و التدمير وهو بشهادة أقرانه محدود التعليم محدود الثقافة بضاعته مجزاة من علوم الشريعة و الفقه .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المشكلة المركزية تتعلق بالتفسير و التأويل أكثر مما تتعلق بالنص ذاته ذلك أن النص المقدس مازال مفتوحا أمام تفسيرات و تأويلات جديدة و مغايرة لما نقل عن السلف تتيح الحصول على أفكار و مناهج أقرب إلى الاندماج في النسيج الحضاري العالم انطلاقا من فهم أكثر و أشمل إنسانية و عقلانية من التفسير السلفي الأصولي للنص الذي ترتكز عليه جماعات الإسلام السياسي المتشددة و التي تزداد غربة و تباعدا بأعمالها و ممارساتها المبنية على فهم محدد منقول أكتسب مع الأيام صفة القداسة العملية حتى باتت مخالفته أو الخروج عنه مبرر للتكفير و التضليل و الإرهاب .
لقد غدا القول بمراجعة عقلية نقدية للتراث النصي و الفقهي الذي تراكم و تضخم عبر ما يزيد على أربعة عشر قرنا ضرورة تفرضها الحالة المتردية و المشاكل المتنامية و الأزمات العميقة التي تواجهها الدول و المجتمعات العربية و الإسلامية التي جربت الطريقة الأصولية للإسلام السياسي في ممارسة الحكم و المواجهة في العديد من البلدان العربية و الإسلامية من السودان إلى أفغانستان و العراق و فلسطين ، مما تسبب في تدهور ملحوظ في البني الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و رفعت من وتيرة الصراع و الاحتراب بين مختلف التنوعات و التوجهات داخل المكون الإجمالي الداخلي للعرب و المسلمين ، و بين الكيانات و البنى البشرية و الفكرية و الثقافي المختلفة عنه في الخارج حتى بات الإنسان العربي يخشى هدر حياته لأسباب و مبررات لا تنتهي ، و بات التفكير بالمستقبل و الحياة الكريمة و هما و خيالا تتقدمه أوليات التطبيق الحرفي و الفهم الظاهري لكل ما ثبت أو صح نفله عن السلف بدون أية اعتبارات علمية أو عقلية .
الإنسان بما يملكه من إمكانات ذهنية و مهارات عملية استطاع منذ القدم تطوير و تطويع ذاته و بيئته بما يسمح له بالاستمرار في الوجود و بناء مجتمعة و حضارته بمعزل عن الارتباطات الغيبية و هيمنة الأسطورة على مجريات و تفاصيل حياته ، لقد كانت الحضارات القديمة الكبرى سابقة على الديانات السماوية ، و استمر السعي البشري في البناء الحضاري إبان القرون الطويلة التي رافقت سيرورة الوحي و التنزيل ، و ما زال البشر قادرون على استنباط و استخراج ما ينظم معاشهم حاضرا و مستقبلا بمعزل عن الوصاية و الهيمنة الراديكالية بكل أشكالها التاريخية و المعرفية .
نتيجة البحث :
الحضارة وما تنتجه و تفرزه من أشكال الفن و الجمال و ما استطاعت الوصول إليه من تطور مذهل في ميادين العلم و المعرفة هي صنع بشري إنساني تراكم و تكامل و فقا لمنظومة أنثر وبيولوجية كان للأديان دور بارز في صيرورتها ، إلا أن العلاقة بين الحضارة و الغيب ليست شرطا لو جودها أو استمرارها . و لقد شكلت الأصولية على الدوام عائقا حضاريا و قف ممانعا و معارضا لمسيرة العلم و المعرفة , في أوربا القرون الوسطى و في راهن العرب و المسلمين كما كان عليه الحال في مراحل عدة من التاريخ الإسلامي
هوامش :
1ــ بيشاور - أ ف ب
أعلنت الشرطة الباكستانية أن أشخاصا ينتمون لجماعات إسلامية متطرفة على الأرجح فجروا ليل الخميس الجمعة 4-5-2007 عشرات متاجر الموسيقى في شمال غرب البلاد.

واستهدفت التفجيرات ثلاثة أسواق في مدينة شارسادا الواقعة على بعد 20 كلم شمال شرق بيشاور عاصمة إقليم الحدود الشمالية الغربية, حسبما أعلن مسئول في شرطة الاقليم، وقد كانت كافة المتاجر المستهدفة مقفلة إثناء تفجيرها ولم يفد عن وقوع إصابات.
وتلقى مالكو هذه المتاجر التي تبيع كاسيتات وأقراصا مضغوطة في الآونة الأخيرة رسائل تهديد من ناشطين محليين في حركة طالبان طالبتهم بالتوقف عن بيع الموسيقى التي يعتبرون أنها تتعارض والشريعة الإسلامية.

ويوم السبت الماضي وقع تفجير انتحاري في شارسادا إثناء إلقاء وزير الداخلية افتاب شرباو كلمة في تجمع ضم نحو 400 شخص ما أسفر عن مقتل 28 شخصا وإصابة الوزير بجروح طفيفة.
ويضم إقليم الحدود الشمالية الغربية الذي يحكمه تحالف من ستة أحزاب إسلامية منطقة القبائل الحدودية مع أفغانستان معقل الناشطين الإسلاميين القريبين من طالبان والمفترضة علاقتهم بتنظيم القاعدة
2 ــ
الأحد 29 أبريل 2007م، 12 ربيع الثاني 1428 هـ
دبي- فراج إسماعيل :العربية نت

ـ من جهته قال الشيخ عبدا لله مجاور مدير مكتب شيخ الأزهر إن د. سيد طنطاوي طالب في محاضرة ألقاها في مسجد "النور" بالعباسية بوقف هذه الحملات ضد الصحابة وقال "إن ما يحدث ليس معقولا، فكيف نهاجم الصحابة الذين ذكاهم الله ورضي عنهم، والرسول يقول فيهم: أصحابي كالنجوم بأي اهتديتم اهتديتم، ويقول في معنى حديث آخر: من عاداهم فقد عادى الله سبحانه وتعالى ورسوله".
وأضاف بأن شيخ الأزهر تساءل: كيف نعيب على صحابي من صحابة رسول الله، بينما هو ينقل عنه سنته وأحاديثه، ولذلك طالب بالابتعاد عن اي صحيفة تخوض في هذا الكلام.
أما الصحافي محمد الباز الذي كتب سلسلة المقالات عن أبو هريرة في جريدة "الفجر"
فقال إنه لم يتناوله بشكل متعمد ولم يوجه له سبابا، وإنما كان يعرض كتابين يباعان في السوق وهما "جناية البخاري" لزكريا أوزون، و"شيخ المضيرة" لمحمود أبورية، ولم يقل بصحة ما فيهما من أراء لأنه غير متخصص، ولكنه طلب من العلماء المتخصصين الرد على هذا المضمون، وهل هو كلام صحيح أو غير ذلك.
وأضاف لـ"العربية.نت": لا توجد عندي أي خصومة شخصية ضد البخاري أو ضد أبو هريرة، وإنما سعيت فقط لمعرفة أراء المتخصصين، لأن الناس تقرأ مثل هذه الكتب، وتريد من يصحح لها هذه المعلومات، وقد طلبت شخصيا من الشيخ صفوت حجازي أن يرد في "الفجر" وسنعطيه نفس المساحة، ولكنه رفض وقال إن له منبره الإعلامي الذي سيرد من خلاله، وفعل ذلك من خلال حلقه من برنامجه التليفزيوني تضمنت تحريضا شديدا على الجريدة، مشيرا إلى أن مبيعاتها لم تتأثر حتى الآن.
واستطرد محمد الباز بأن "شيخ الأزهر أفتى أيضا بمقاطعة الجريدة، وزاد على ذلك بأن اعتبر توقير واحترام الصحابة ركنا سادسا من أركان الإسلام. لكنني أعتقد بأن كلام شيخ الأزهر راجع لخلافه مع الجريدة التي نشرت له قبل فترة صورة على الغلاف عندما أعلن عن نيته زيارة الفاتيكان، وكانت هذه الصورة موضع استياء منه".

سيد القمني: الحوار المتمدن - العدد: 1937 - 2007 / 6 / 5 3ـــ.

الخبز اليابس

إحسان طالب
15-2-2007

تحت الشمس و فوق السطح
أجساد مصفوفة
تتبادل الأقدام و الرؤوس
يظلها رماد يثقل صدر القمر
سحابات سوداء
زفرتها مصانع الكره
أججت مراجلها منابر الثأر
جاءت عمارات الفساد
من بعيد
كوك صلب أسود
يتطاير شرره بين الأخوة
يصيب بؤبؤ العين
يحرق ماء الوجه
فتجف ينابع العقل
يحد مدى الأذ ن
و الفم لا يفتح إلا بوابة الجحيم
فينطق اللسان بالنار و الرصاص
كنت أخي و ابنك يعيل أحفادي
كنت صديقي و زوجتك
تجرش برغل أمي
أطفالنا تنازعوا في الحارات
على الكرات
على المساحات
على الماء و خبز التنور
اليوم
يتقاذفون القنابل
و يتناوبون على الأكفان
قال الحسين للصديق
أبناؤك
يقتلوم أولادي
فأجاب الصديق
على يمينهم
تتكوم أجساد أحفادي
يتراكمون يلتحمون
أمواتا ً
قال الحسين أبكي أحفادك
أصغي لأنين أمهاتهم
لا أعرف الفرق بين الأخضر و الأبيض
فالموت وحد الألوان
مسحت يد الحسين.. دموع الصديق
قطرات الحب و الرحمة
شقت ساقية في نهر الدم
الإنسان و الخلق و الرحمة
كانت قبل الشقاق
والوطن و الارض و التراب
ستبقى بعد زوال الموبقات

حقيقة التقارب بين المذاهب


إحسان طالب
24-1-2007

ارتبط ظهور المذاهب الإسلامية بحوادث تاريخية بدأت بالخلاف حول الشخص الأنسب و الأحق بخلافة الرسول الكريم و تطور ليصبح في المناهج و ا لأصول و آليات الاستدلال و مدارس التفسير و علوم الحديث .
وفي كل مرة يتوجه الحديث فيها عن الاختلاف بين المذاهب يبادر علماء و مشايخ للتأكيد على أن الخلاف سطحي و لا يتجاوز الاختلاف الفقهي ، وبذلك يتم في كل مرة الدوران حول المشكلة و تغطيتها و تجاهل وجودها مما ينعكس تجهيلا و تعميقا للفوارق و التباينات .
إن ما يحدث في العراق من اقتتال طائفي لا يبرره الاحتلال الأجنبي والتدخل الإقليمي ولا يكفي رد جزء من أسبابه لنظام صدام البائد أو تعليقه بالصرع السياسي و الاقتصادي الدائر بين الفرقاء المشاركين و الخارجين على اللعبة السياسية .
قد يكون لكل من الأسباب الأنفة الذكر دورها و تأثيرها بنسب مختلفة و لكن لا يستقيم إغفال الجذر الأصيل في الخلاف و الالتفاف حوله وتجاوز الأساس العميق و القائم فوق قنا عات و اعتقادات دينية و إيمانية .

تتبعت جلسات حوارية عبر الجزيرة مباشر و تغطيات إعلامية صحفية لمؤتمر حوار المذاهب المنعقد في الدوحة . دأب الكثيرون من العاملين في ساحة الدعوة والفكر الديني تأكيد أن الخلاف بين السنة والشيعة في الفروع ، وأن هناك اتفاقا ً كبيرا ً في الأصول والقواعد إلا أن المداخلات والحوارات أثبتت العكس تماما ً حيث تتجلى الفروق الأساسية في العقائد والأصول بدء ً من الاختلاف في قضية الذات والصفات انتقالا ًإلى آليات الاستدلال ومنه إلى آلية فهم القرآن الكريم بين الباطن والظاهر ، وهل الأصل الظاهر أم الباطن ومن هم القادرون على الفهم .

ويتوجه الخلاف نحو عقدة الموقف من الصحابة انطلاقا ً من اللعن والتكفير للبعض في المذهب الشيعي إلى الطرف المناقض لاعتبار جماعة الصحابة بدون استثناء أي منهم خيار الأمة وأفاضلها والمبوءون بالمكانة الرفيعة ( إياكم وأصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )
ومن يطعن بالخلفاء أم أمهات المؤمنين يعارض القرآن وما اتفق عليه صح الحديث ــ أي النزول نحو درك الكفر في عقيدة أهل السنة ــ ناهيك عن الاختلاف ألمبدأي في أركان الإيمان والشهادة .
إن الجدل البيزنطي الذي دار بين المتحاورين أكد مرة أخرى القناعة بأن الأديان والمذاهب لا تتحاور ، وأن الجدال بينها إنما يكون لعرض وجهة النظر والتوضيح ومحاولة إقناع الآخر وتصحيح قناعا ته .

لا يمكن أن يبقى مذهب سني إذا تم الإطاحة بمكانة أبي بكر وعمر وعائشة ولن يبقى مذهب شيعي إذا تم الإطاحة بالركن الثالث من الإيمان القاضي بولاية علي وفقا ً لعقيدة التشيع .
وهكذا نرى بيزنطية وعدمية الحوار بين المذاهب من منطلقات عقائدية دينية .

لقد أكد المؤتمر حقيقة تمسك كل طرف بما تم الخلاف حوله منذ 1400 سنة (1) ، و بالرغم من أن الحواريات النقاشات كانت بين نخبة النخبة من المذهبين ــ القرضاوي والتسخيري ــ فإنها
لم ولن تصل إلى نتيجة, لذا كان لا بد من إشاعة ثقافة علمانية تحترم الأديان كل الأديان والمعتقدات كل المعتقدات و المذاهب كل المذاهب المتعارف والمتفق عليها وتقر بحرية الفكر والاعتقاد وتنطلق نحو مفاهيم الدولة المدنية الحديثة القائمة على مبدأ المواطنة القاضي بالمساواة بالانتماء والولاء الوطني مجردا ً من التفصيلات الإيمانية والإعتقادية. و المبنية كذلك على مبدأ العقد الاجتماعي بين الفرد والدولة القائم على الحفاظ على حقوق الأفراد في تولي شؤونهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية عبر نظم وقواعد وآليات ينظمهم دستور وقوانين وضعية تستفيد وتستقي من المعارف والتجارب والحضارات والتراث الإنساني والقومي .

أن تكرر البحث في مسألة التقارب بين المذاهب قائم في جوهره وحقيقته على قيمة الرفض لوجود أفكار وعقائد وقنا عات متضاربة ومختلفة ، والسعي للتوحيد وإزالة الخلافات والمتناقضات ، ولقد أثبتت الأيام والتجارب عقم وفشل تلك الحواريات كونها لا تقوم على مبدأ الاعتراف بحق الآخر المختلف عقائديا ً ومذهبا ً بالوجود .
إن الدوران في حلقة مفرغة من النفاق والادعاء بعدم وجود خلافات ومتناقضات جوهرية بين المذاهب والعقائد والأديان لن يؤدي إلا على مزيد من اللف والدوران والعودة إلى نقطة البدء .

لقد طرحت مداخلات علماء السنة في المؤتمر على تأكيد قداسة الصحابة كل الصحابة وكذلك التأكيد على اعتبار الحديث النبوي المروي بالطرق والوسائل المعروفة في المذهب السني كمرجع ثاني وبنفس القيمة والقوة الحقوقية للمرجع الأول القرآن .

في حين حاول بعض علماء الشيعة الاستخفاف بعقول الحاضرين والسامعين وألقى باللائمة على إسرائيل مواريا ً ومتجاوزا ً لجملة من الحقائق التي يعرفها قبل غيره . (2)

لقد بين العديد من علماء الشيعة العراقيين رفضهم وإنكارهم لمبدأ المحاصة الطائفية القائمة اليوم في العراق ودعوا إلى الالتفاف حول الوطن وبناء المتحالفات على أسس سياسية بعيدة عن الطائفية .

وما لم يتحلى علماء ورجال الدين من شيعة وسنة ويعترفوا باستحالة التقارب دون التخلي عن مكونات أساسية قام عليها كلا المذهبين ويقروا بالفوارق الإيمانية والجوهرية بينهما ويعيدوا بناء الفكر والوعي الديني الجمعي للرأي العام العربي على مبدأ قبول الآخر بما يحمله من قنا عات واعتقادات وإيمان والاعتراف بحقه في الوجود والاختلاف. لن يتم تجاوز الصراع الطائفي القائم والذي يزداد عمقا ً وسخونة يوما ً بعد يوم .
المخرج والمنفذ الرئيسي للصراع الطائفي لا يستقيم إلا بالالتفاف حول الوطن والإنسان وإعادة الاعتبار للتجارب الحضارية والمدنية الإنسانية الوضعية ، والتمسك بمباديء حقوق الإنسان والدساتير المدنية والنظم السياسية والاجتماعية المنفصلة عن القداسة والعصمة والقابلة للتطوير والتصحيح والزيادة و النقص .

هوامش :
- 1 - ( لم يكن أبو بكر مع النبي في الغار - حقيقة طمست 14 قرناً )
بحث للشيخ نجاح الطائي : مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات في بريطانيا ):مما جاء في ا لبحث ما يلي :
" وبلغ ذلك الدهاء قمته في تكفير السلطة للمسلم غير المعتقد بحضور أبي بكر في الغار! "
" لهذا يجب أن لا نستغرب إذا اكتشفنا الآن أن كل قضية هجرة وحضور أبي بكر في الغار ليس لها أساس من الصحة، "

- 2 - http://www.alarabiya.net/Articles/2007/01/21/30934.htm

احسان طالب