الجمعة، مارس 21، 2008

تعدد الزوجات ضرورة أم تنفيذ لرغبات ذكوري

إحسان طالب
2008 / 3 / 22



في إحصائية رسمية للسكان في سوريا ، أفادت بزيادة طفيفة لعدد الذكور عن الإناث وفي مصر يزيد عدد الشباب العزاب على عدد العازبات من الفتيات
هذه الأرقام تدحض فرضية تعدد الزوجات لزيادة عدد النساء ، فكثيرا ما سمعنا من دعاة التعدد لضرورة تغطية عدد النساء الفائض بسبب أن الرجل أكثر عرضة للأخطار و بالتالي أقرب للوفاة من النساء ، لكن الأرقام تثبت عكس ذلك
بعض الحجج الأخرى تنطلق من فكرة عدم اكتفاء الرجل جنسيا بامرأة واحدة بمعنى أن الرجل صاحب شهوة جنسية أكبر من النساء ، لكن على الطرف الأخر تتعدد الروايات المنقولة و الموروثة عن شبق النساء و ضرورة التخفيف من طغيان الجنس عليهن بالختان و إزالة شعر العانة وتحريم الثياب الداخلية الحريرية على الفتيات لمنع الاحتكاك الناعم بالأعضاء الجنسية مما يثير الشهوة لديهن ( فتوى قبيسية ) ما إلى ذلك من تعاليم .
من الحجج الأخرى العقم و غالبا ما تكون المرأة مسؤولية عن عدم الإنجاب من وجهة نظر الداعين للتعدد لكن العلم يؤكد مسؤولية مشتركة بين الرجل و المرأة عن عدم الإنجاب و أحيانا يكون أحدهما مسئول دون الأخر .أي قد يكون الرجل وحده هو المسئول وقد تكون المرأة ولقد قدم العلم الحلول بعيدا عن التعدد وهي حلول عملية و آمنة يتعاطاها المتدينون و غيرهم على السواء
التطبيق العملي و الواقعي لفكرة التعدد يفصح عن ظلم بالغ للمرأة فهي لا تستطيع منع الرجل أو الوقوف في طريقه ، وغالبا ما يلجأ الرجل إلى الزوجة الثانية بعد إهمال الأولى أو مرضها أو كبر سنها فيحيلها إلى التعاقد قبل الأوان .ويحكم عليها بالموت البطيء. وكل ما يقال عن العدل بين الزوجات محض افتراء ( ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم )
فكرة مجنونة طرحها البعض : لماذا لا يسمح للمرأة بتعدد الأزواج إذا تطابقت المبررات المعطاة للرجل للتعدد .
مثلا إذا كان زوجها عقيما أو عاجزا أو ضعيفا جنسيا أو أنها لا تكتفي برجل أو أنه مريض أو أنه كبر في السن و هي تملك المال الكافي لتحظى بقبول شاب في عمر أولاده . إنها نفس المبررات التي يقدمها المدافعون عن تعدد الزوجات . إنها فكرة مجنونة فعلا لكنها بالقياس المنطقي مشابهة لنظرية التعدد عند الرجال .
تتعارض فكرة التعدد مع المساواة بين البشر بصرف النظر عن جنسهم و تتناقض مع الموقف الإنساني من المرأة و اعتبارها إنسانة كاملة لها نفس الحقوق و الواجبات لها نفس الإمكانات العقلية و النفسية .
يبقى الداعم الأول و الأساسي لمسألة تعدد الزوجات السند الشرعي و الفقهي التراثي و ما يؤيده من ممارسة عملية ثابتة عن السلف و تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

الهوية فوبيا تشعل حطب الرسوم المسيئة



إحسان طالب
2008 / 3 / 13


في أجواء عالمية مأزومة تقف على طرفيها أمم تتباين طبيعة حياتها و تكويناتها الثقافية و الاجتماعية وتتعارض مصالحها و أهدافها يقف الشرق المحاصر بالضغوط و التهديدات تثقل كاهله الحاجات و الضرورات ،تقلقه هواجس الذوبان و ضياع الهوية في قبالة غرب مستقر عمليا
يسعى بجد لامتلاك ما يستطيع من إمكانات و أدوات وطاقات يعزز تفوقه الراهن ويؤكد سيطرته الحديثة على المقدرات الكونية .
بدأ ذلك الغرب يستشعر بخطر داهم ـ مبالغ فيه ـ على هويته الثقافية و طرائق معاشه وتفكيره ، حيال تنامي المظاهر الإسلامية في شوارعه و أحياءه زاد على ذلك إعلام يرى مادة دسمة تنقلها الأحداث اليومية يخلقها تيار إسلامي معزول متطرف يبرز بين الفينة و الأخرى مطلا برأسه بعمليات تخريبية تتنقل من عاصمة أوربية لأخرى حيثما وجد ثغرة ولج فيها . وفي الجانب الموالي شرق أو جنوب ـ لا فرق ـ يعاني فوبيا الهوية استقر في وجدانه تقديس لماض وتراث وجد عنده ذاته وحقق في سالف سيطرته و تفوقه ، يخالجه خوف ورعب من الذوبان و الضياع أمام ثورات علمية و تكنولوجية و فكرية يسعر أوارها تنافس دائم وتسابق لا يهدأ في عالم بات وشيكا من اجتراع معجزات ظنها دهورا حكرا على المطلق. زاد و فاقم تلك الفوبيا تأزم القضايا المستعصية و الغزو الاستعماري الجديد المباشر الآتي تحت راية التحرير و الديمقراطية من قبل الغرب لبلاده وشعوبه .
فالمسألة إذن أبعد بكثير من اختلاف في مفهوم للحرية لم يتبلور بعد في شرق ومازال يعد الحرية جنين سفاح لا يريد الاعتراف به بل لا يرد له الحياة،كان يراها في حالة الاسترخاء و الأمن قضية رفاهية وترف تتجاوز سوية المطلب الملح وغدت في وضع الاستنفار و التأهب شبهة وسهما مصوبا من قبل عدو متاخم لعتبات الدار يعيش عالم الليبرالية الجديدة و يؤصل مضامين ما بعد الحداثة ، لم يعد ينظر إليه كنموذج ومثال متقدم للتطور و التقدم بل يخشاه ويأمل بصرف خطره حتى ولو كان ذلك على حساب مغادرة الزمن إلى الوراء و إحياء أنموذج السلف ونفض ماران عليه من نقد وكشف .
في خضم ذلك المشهد شديد التشعب مارس الفنان الدانمركي حريته مستغلا ما تطاوله يده من عبث بوجه قوم أضروا بذاتهم أكثر مما أضر بها الخصوم وتعامل بانتقائية حيال مفرداتها و أدواتها مباشرا رؤيته من زاوية حادة لعلها زاوية عمياء حجبت قيمة كلية أضر بتخصيصها و تجزيئها ولم تكن بالنسبة إلية تجاوزا لخطوط حمراء لم يستطع أن يخفي بفنه حقدا و اشمئزازا حيال الآخر المختلف عنه. من زاوية أكثر انفراجا نظر اليسار الفرنسي لقانون شيراك بتحريم الحجاب في الدوائر و الهيئات الرسمية فوجدوه مناقضا لقيمة الحرية ومتعارضا مع قواعد العلمانية .
ردود الأفعال و التوظيف السياسي :
في الرابع عشر من فبراير 1989أصدر أية الله الخميني من خلال راديو طهران فتوى بإهدار دم سلمان رشدي صاحب رواية آيات شيطانية التي تعرض فيها للنبي محمد بن عبد الله و التي صدرت قبل أشهر من الفتوى ،وفي نهاية عام 1990 قدم رشدي إعتذارا رسميا للمسلمين وفي العشرين من سبتمبر أعلنت حكومة إيران عدم التزامها بتنفيذ الفتوى ضد رشدي وعلى إثرها أعادت بريطانيا سفيرها لطهران . ربط بعض خبراء الإسلام السياسي فتوى الخميني بنجاح طالبان بإخراج السوفيت من أفغانستان و عدوه محاولة للتغطية على ذلك النصر وفرض للصوت الإيراني المسلم في الساحة الشعبية .كانت ردود الدول العربية على كتاب رشدي ضعيفة و متفاوتة و كان الكتاب متداولا في بعض العواصم العربية .في منتصف يونيو 2007 منحت ملكة بريطانيا لقب فارس لسلمان رشدي الذي أعرب في تلك المناسبة عن تأييده للصحيفة الدانمركية التي نشرت الرسوم المسيئة محذرا مما و صفه بسلطوية الإسلام ،اجتاحت حينها مظاهرات حاشدة المدن الرئيسة في باكستان و أهدر دمه و خصصت جائزة 15 مليون روبية لمن يأتي برأسه.
بالغت مجموعات عربية في ردود فعلها على الرسوم المسيئة و اقترب عدد الضحايا من العشرة وأحرقت عدة سفارات في عاصمة عربية مازال نظامها في نظر الأوربيين علماني لكن ردود الأفعال جاءت في وقت تعاني فيه سوريا حصارا و محاولات عزل قاسية .
إساءة رشدي مبدئية قامت على تصور ارتباط النبي محمد بالشيطان الذي أملى عليه بعض آيات القران الكريم فيما إساءة الرسوم الدانمركية منهجية
تنزاح في بعض وجوهها نحو قيمة الحرية و مكانتها ، لكن ردود الفعل الأضخم و الأكبر و الأشد كانت قبالة الرسوم الدانمركية لآن الظرف الموضوعي السياسي و الاجتماعي المهيمن على العرب و المسلمين بات أشد ضغطا و حصارا. هكذا تتداخل الصراعات السياسية مع التباينات الأيديولوجية وتسخر القضايا الدينية للوصول إلى مأرب لا تنتمي إليها .
الاستقرار السياسي و الاجتماعي المقرون بالتنمية البشرية و الوصول بالمجتمعات إلى قدر كاف من الديمقراطية و المشاركة السياسية و الاقتصادية
و الانفتاح المتبادل و الحوار الحضاري تحيل تلك الصراعات إلى محورها الأصيل و تخمد إلى حد بعيد ثوران الصراعات الأيديولوجية و العقائدية .ويعد النهوض الثقافي و التنوير الفكري أساسا لتجاوز حالة التصادم ذات المنشأ الحضاري ، إلا أن الأمر ليس بتلك البساطة فالوقوف على عتبة الاستقرار وولوج سلم التغيير دونه خرط القتاد.

الأربعاء، مارس 12، 2008

السلطوي و الديني في جريمة الشرف

إحسان طالب

جريمة "الشرف "أو غسل العار بالدم قضيه هامة يتفاقم انتشارها عاما بعد عام وترتبط بدون مواربة أو انحياز بالخلفية الدينية المتعصبة للفاعل و بيئته الثقافية و الاجتماعية و تقترن بهوان حياة الإنسان أمام قيم دينية وإيديولوجية مطلقة لا تعلو عليها رابطة إنسانية أو اجتماعية ،مما يفسر سرعة الاندفاع نحو القيام بفعل القتل دون تردد و بتخطيط مسبق عادة ما يكون هادئا ومنظم . فالجاني هنا لا يعارض الوصايا الدينية أو التقاليد العشائرية ـ حسب زعمه ـ ولا يخرج على السلطة السياسية و الاجتماعية بل يبادر لعمل سيلحق به مكانة وشرفا وسمعه طيبة طول حياته مع علمه المسبق بأن ثمن الجريمة بخس جدا مقارنة بالمنافع و المزايا النفسية و العشائرية التي سينالها .
عندما يقوم الرجل بالقتل غسلا للعار وسترا لفضيحة العرض لا ينطلق من رغبة بريئة ودافع مثالي وفقا للتفسيرات القانونية المخففة بل والمبررة لجريمة قتل النساء تحت لواء الشرف. بل قد تتغلب الدوافع الذاتية و الأنانية على سواها خلف تلك الجريمة النكراء، فهو يمارس سلطة أفلتت من يده وافتقدها في محيطة يريد رد الاعتبار لمكانته في المحيط الإنساني و الاجتماعي, يريد أن يثبت رجولته و قوامته في بيئة يهيمن عليها قهر سلطوي لا يجد القدرة ولا المبرر الكافيان للخروج عليها ومواجهتها و يميل لابتلاع مفرزاتها في ذات الوقت الذي يجد نفسه مرغما على تمجيدها و طاعتها.
في الجانب الآخر ينشأ الذكر ويترعرع وسط أجواء داخلية ضاغطة ويتربى على قيم و مثل عليا تعد بكارة المرأة أغلى و أثمن وأهم من حياة الإنسان وتجلس الرجل في مكانه وهمية عليا، تملكه سلطة السيطرة على الأنثى و مراقبتها وتصويب مسار حياتها و قيادته وهو في واقع الحال يستشعر هوانا و ذلا يمارس علية كل يوم من سلطة أعلى تبدأ بالأب داخل المحيط العائلي للتوسع نحو رموز السلطة السياسة القابضة بيد من حديد على مقدرات حياته تعد أنفاسه و تحصي لقمة عيشه ،هكذا تتراكم و تتحالف القاهرات في خلق كائن بشري مشوه تتداخل تناقضاته الوجدانية و الذهنية منتجة خليطا عجيبا من الاستكانة و الهوان تجاه الظالم والمستبد مقترنا بعنف وجبروت تجاه الأضعف المتمثل بالأدنى اجتماعيا و بالأنثى المتواجدة في كنف العائلة . والغريب أن ذلك العنف لابد له من الخروج ، فإذا لم يجد منفذا نحو طرف أضعف يمارس تجاه الذات بفعل الانتحار المزين بسرعة الانتقال إلى الفردوس الأعلى .
تلك الحالة من الضعف الشديد قبالة السلطة السياسية و الدينية المتكاملة مع الانكسار الداخلي و الإحباط الخارجي ،تمثل محرضا قويا تجاه فعل عظيم يحقق الذات ويحول النكرة إلى بطل وشهم ورجل شجاع يشار إله بالبنان في دائرة من التخلف الاجتماعي والثقافي المحصن بعوز اقتصادي وفقر مادي. ضمن هذه المنظومة تأتي جريمة الشرف كهدية ينتظرها الرجل ليستقلها و يحلق بها في فضاءات الغرور واثبات الوجود .
هكذا يقوم هرم جرائم الشرف على قاعدة مثلثة متساوية الأضلاع يكون القهر السلطوي السياسي و الاجتماعي و الديني ضلعه الخارجي الأول ويشكل الضغط الوجداني الداخلي ذو المنشأ الديني والقبلي ضلعه الثاني ،فيما تمثل المبررات القانونية والاجتماعية المشجعة للفعل بل وأحيانا الداعمة له الضلع الثالث محكمة الخناق على المرأة وتاركة تجاوز جرائم الشرف أو حتى الحد منها مسألة بعيدة المنال.
وما لم تتوفر أرادة جمعية مدعومة بقواعد قانونية وقرارات سياسية وإصلاح ديني سيستمر تعاظم خطر ظاهرة قتل النساء بذريعة غسل العار وستزداد أعداد الضحايا عاما بعد عام .ففي دولة مثل سورية تصنفها الأمم المتحدة الخامسة عالمياً والرابعة عربياً في انتشار «جرائم الشرف». حيث يقدر خبراء عدد الجرائم المرتكبة بدوافع «الشرف» بنحو 300 جريمة سنويا يتم معظمها في دائرة المجتمعات الريفية والأحياء الفقيرة ضمن المدن . تعتبر وزيرة الشؤون الاجتماعية العمل العنف ضد النساء غير موجود في سوريا و الاحتفال باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة ترف فكري. يبدو جليا أهمية الوعي بقضايا المرأة على صعيد القيادات السياسية ,كما يبدو أفق معالجة العنف ضد المرأة ضيقا وربما مسدودا .