السبت، ديسمبر 17، 2005

فوز «حماس» بالبلديات يفاقم أزمة «فتح» ويضع السلطة الوطنية أمام أسوأ هواجسها

تكريس الانقسام في «الحزب الحاكم» وتوقع حملة انتخابية حامية واسرائيل تدرس اجراءات لدعم عباس
الحياة
فازت «حركة المقاومة الاسلامية» (حماس) بغالبية المقاعد في الجولة الرابعة من الانتخابات البلدية الفلسطينية، وذلك في تطور يتوقع ان يعاظم من ازمة حركة «فتح» المنشغلة بصراع داخلي ادى الى انقسامها على ابواب الانتخابات التشريعية المقررة في 25 كانون الثاني (يناير) المقبل، كما يتوقع ان يضع السلطة أمام أسوأ هواجسها: إما الخسارة امام «حماس»، او الانهيار والحرب الاهلية.
ويُعد فوز «حماس» مؤشراً أولياً الى نتائج الانتخابات التشريعية المقبلة، لذلك بدأت تتهيأ للاستحقاقات الادارية والسياسية لفترة ما بعد الانتخابات، في وقت سارعت اسرائيل الى الاعراب عن قلقها من احتمال وصول الحركة الى المجلس التشريعي، وبدأت تدرس اتخاذ «اجراءات حسن نية» لتحسين وضع السلطة الفلسطينية، مثل اطلاق عدد من الاسرى. على ان فوز «حماس» يبقى علامة استفهام كبيرة، خصوصا ان استطلاعات الرأي الفلسطينية الاخيرة اظهرت ان «فتح» تتقدم عليها بكثير في السباق نحو الانتخابات التشريعية، في وقت لم تحقق «حماس» مثل هذا الفوز الكاسح في الجولات السابقة من الانتخابات البلدية، رغم شبكة الخدمات الاجتماعية الواسعة التي أسستها وزادت من شعبيتها. فماذا حصل؟
بحسب المراقبين، فإن العامل الحاسم في فوز «حماس» هو توقيت هذه الجولة الانتخابية التي جاءت في وقت يحتدم فيه الصراع الداخلي في «فتح» بين كتلتين، واحدة تمثل «جيل الشباب» و «المحليين» برئاسة مروان البرغوثي وتضم محمد دحلان وجبريل الرجوب، والثانية تمثل «الحرس القديم» و «العائدين» من قادة الحركة والسلطة.
وكان من انعكاسات هذا الصراع انشغال مراكز «فتح» وهيئاتها في الخلافات الداخلية وترك الساحة خالية امام «حماس» التي بدا اداؤها على مستوى عال من التنظيم. يضاف الى ذلك ان خسارة «فتح» لبعض اهم معاقلها في الضفة الغربية يأتي عموما في اطار الثمن الذي تدفعه الحركة نتيجة اخطاء السلطة والمجموعات المسلحة التي تبث الفوضى والانفلات، والتي هاجمت بعض مراكز لجنة الانتخابات المركزية، اضافة الى تهم الفساد التي تطاول قيادات في الحركة.
ومن غير المتوقع رأب الصدع في «فتح» في وقت قريب، بل يبدو ان الانقسام تكرس نهائيا، ومن علاماته ان مدير الحملة الانتخابية للحركة اعلن ان امس كان الموعد الاخير لمرشحي الحركة الذين انضموا الى لائحة البرغوثي بالعودة الى الكتلة الام. كذلك بدأ الرئيس محمود عباس (ابو مازن) باعادة ترتيب مواقع مرشحي الكتلة وتقديم الشخصيات القوية الى المواقع الاولى، في وقت رجحت مصادر ان يوعز الى شخصية شابة موثوقة مثل وزير الخارجية ناصر القدوة رئاسة القائمة بدلا من احمد قريع الذي لا يتمتع بشعبية كبيرة.
ويتوقع ان تكون المعركة الانتخابية حامية بين كتلتي «فتح»، وان تكون «حماس» المستفيد الأكبر منها. وفي حين ستتركز حملة كتلة «المستقبل» التي يرأسها البرغوثي على انتقاد الفساد في كتلة «فتح»، فإن الاخيرة ستركز حملتها على انتقاد شخصيات في «المستقبل» وعلى علاقاتها الخارجية، كما ستتخذ من الرئيس الراحل ياسر عرفات شعاراً مركزياً لحملتها.
على ان فوز «حماس» والانقسام في «فتح» لا يشكلان المخاوف الوحيدة لدى السلطة الفلسطينية التي تعيش هذه الايام على وقع هاجس الانهيار التام بفعل العجز المالي الذي تعانيه سواء في ما يتعلق بدفع الرواتب او البرامج الطارئة. وتفاقم هذا الوضع في ضوء رفض الدول المانحة خلال اجتماعها في لندن اخيراً، منح السلطة مساعدة عاجلة تقدر بـ60 مليون دولار، مشترطة تنفيذ السلطة استحقاقاتها في ما يتعلق بالاصلاح الاداري والامني والاقتصادي وفرض سيادة القانون، وهي مسألة تعتبرها السلطة التزاما لا يمكن الوفاء به مئة في المئة في ظل الاحتلال والاغلاقات والسيطرة الاسرائيلية على المعابر، مشددة على ان الاصلاحات الامنية، خصوصا تجريد الفصائل من سلاحها، سيؤدي الى حرب اهلية.
في هذه الظروف، تجد السلطة نفسها امام خيارين احلاهما مر، فاما تأجيل الانتخابات، وهي مسألة ستعترض عليها الفصائل الفلسطينية وقد تؤدي الى حرب اهلية، او التمسك بالانتخابات وبالعملية الديموقراطية ومواجهة احتمال الخسارة امام «حماس» وما قد يترتب على ذلك من تغيير في المشهد السياسي الفلسطيني، وفي مصير العلاقة مع المجتمع الدولي واسرائيل، ومستقبل عملية السلام.

ليست هناك تعليقات: