السبت، ديسمبر 24، 2005

مفوضية الانتخابات العراقية محور اتهامات وشكوك

إغراءات للمفوضين بمناصب دبلوماسية وإدارية عليا
أسامة مهدي - إيلاف
بعد عامين على تشكيلها تجد المفوضية العليا للانتخابات العراقية نفسها امام احتجاجات وشكوك قاسية في نزاهتها وحياديتها خلال الانتخابات البرلمانية الاخيرة وذلك بسبب علاقات تحيز عدد من مفوضي مجلس مفوضيها مع الائتلاف العراقي الشيعي وسط اتهامات وجهت لهم بمخالفات مالية وعقود وهمية بالملايين والقبول بوعود واغراءات شخصيات نافذة في الحكومة العراقية بمناصب دبلوماسية وادارية عليا في حالة تسهيل فوز الائتلاف في الانتخابات .
وتتعرض حاليا "المفوضية العليا المستقلة للانتخابات " وهو اسمها الرسمي منذ ان شكلها الحاكم الاميركي السابق للعراق بول بريمر بالامر المرقم 92 في ايار (مايو) عام 2004 لاكبر حملة اتهامات وتشكيك لدورها في تسهيل عمليات التزوير والخروقات التي شهدتها الانتخابات التي جرت نهاية الاسبوع الماضي واصرارها على تعيين مديرة للجنة الانتخابات في الخارج من المتعاونين مع الائتلاف الشيعي والتي عملت خلال وجودها في عمان على مدى 45 يوما للاشراف على الانتخابات في 15 دولة اجنبية على تعيين مدراء وموظفين في المكاتب الانتخابية بهذه المدن ممن ينتمون لاحزاب الاسلام السياسي المشاركة في الحكومة العراقية المنتهية ولايتها .وقد اكد اكثر من مصدر عراقي على علاقة بنشاط المفوضية تحدثت معهم "ايلاف" انه خلال الحملة الانتخابية وما بعدها عمل اعضاء متنفذين في مجلس مفوضي مفوضية الانتخابات على تعيين مدراء المراكز الانتخابية التي زاد عددها على ستة الاف مركز وخاصة خارج اقليم كردستان من اعضاء الائتلاف الشيعي او المتعاطفين معه وهؤلاء بدورهم ساهموا مع ممثلي الكيانات السياسية للائتلاف في حملات ترهيب وترغيب ضد الناخبين يمنعها القانون واشارت الى ان عددا من اعضاء المفوضية سعوا الى التستر على عملية دخول اربع شاحنات محملة بحوالي ربع مليون استمارة تصويت مزورة قادمة من ايران وذلك من خلال نفي الحادثة خلال مؤتمراتهم الصحفية برغم تأكيد وزارة الدفاع العراقية والقوات الاميركية لذلك .
التغطية على خروق ومخالفات
وخلال الحملة الانتخابية وقفت المفوضية موقف المتفرج من استخدام كيانات لشعارات وصور تستغل المرجعية الدينية في النجف التي يتزعمها المرجع الشيعي الاعلى آية الله السيد علي السيستاني من دون اتخاذ أي موقف ضد هذه الكيانات او حتى اصدار بيان او تصريح صحفي بمخالفة ذلك للوائح المفوضية التي تمنع هذه الممارسات . كما لم تتخذ المفوضية أي اجراءات عقابية ضد كيانات كان انصارها واعضاؤها يقومون بحملات منظمة محمية من قبل رجال الشرطة التابعين لوزرارة الداخلية في نزع وتمزيق الصور والشعارات التي ترفعها الكيانات المنافسة لقائمة الائتلاف ورفع صور وشعاراتها بدلا منها .وقد اكد لي احد مدراء المراكز الانتخابية المهمة في بغداد طالبا عدم ذكر اسمه خوفا من الانتقام انه قدم وعدد اخر من مدراء المراكز تقارير تفصيلية عن عمليات التزوير والخروقات التي شهدتها هذه المراكز بسبب الارهاب الديني والجسدي الذي مورس ضد الناخبين وتهديدهم بالقتل في حالة عدم التصويت لقائمة الائتلاف .. الا ان اعضاء في مجلس المفوضية الذين استلموا هذه التقارير وهم على علاقة وثيقة مع القائمة وشخصياتها اخفوها ولم يعلنوا عن استلامها الا بعد مرور الايام الثلاثة المقررة لاستلام الشكاوى ولذلك سقط حقها في الدراسة والبحث .وقال مدير المركز هذا ان اعضاء مجلس المفوضية عملوا على اخفاء جميع التقارير المهمة الموثقة عن عمليات تزوير وخروقات لكنهم بالمقابل اعلنوا عن اخرى ثانوية او انها لاتحمل ادلة يممكن الاخذ بها ولذلك فهم تعمدوا في اكثر من مؤتمر صحافي على الاشارة الى استلامهم لحوالي الف و300 شكوى وقالوا ان 35 منها فقط يستحق اتخاذ الاجراءات المناسبة بصددها .
واضافت المصادر ان اعضاء في مجلس المفوضية تلقوا وعودا واغراءات من شخصيات نافذة في الائتلاف العراقي واحزابه ممن يحتلون مناصب حكومية بمكافأتهم بمناصب دبلوماسية وادارية عليا في حالة تعاونهم من اجل تحقيق فوزر كبير للائتلاف وهو ما قام به هؤلاء الاعضاء على اتم وجه بحسب قول المصادر التي تحدثت عن توقيع عقود وهمية وانفاق اموال باهظة على عقود لطبع ملصقات واستمارات انتخاب وشراء صناديق اقتراع اما لحسابهم او حصلوا على عمولات مجزية منها .وفي هذا الاطار اكدت المصادر ان اكثر من عضو في مجلس المفوضية كان مرشحا للذهاب الى عمان للاشراف على الانتخابات خارج العراق لكن لكن متنفذين داخل المفوضية وبضغوط من مسؤولين خارجها تم تعيين عضو المجلس حمدية دودوش الحسيني رئيسة للجنة انتخابات الخارج نظرا لارتباطها مع قائمة الائتلاف بعلاقات وثيقة وهي التي اعتاد رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري ان يناديها "العلوية" أي التي ترجع اصول نسبها الى الامام علي بن ابي طالب (ع) . وتؤكد المصادر ان الحسيني كانت عضوة في حزب البعث المنحل وعملت مديرة لمكتب رئيس جامعة بابل جنوب بغداد لكن هيئة اجتثاث التي طالبت بالغاء ترشيح 182 عضوا في كيانات سياسية ومنعهم من المشاركة في الانتخابات لم تتخذ أي اجراء بحقها .واشارت المصادر الى عدة مخالفات ادارية ومالية ارتكبت في لجنة انتخابات الخارج كشفت "ايلاف" عن جزء منها لكنه جرى التستر عليها وبدلا من اتخاذ اجراءات ضد هذه المخالفات او الطلب من هيئة النزاهة العامة التحقيق فيها فان اثنين من اعضاء مجلس المفوضية اشادوا بالحسيني وادائها في الخارج برغم ان ارقام المشاركين في الانتخابات خارج العراق كانت مخيبة للامال باعتراف بيان سبق ان اصدرته المفوضية نفسها حيث لم يصوت خارج العراق سوى 320 الفا من مجموع مليون ونصف مليون عراقي يحق لهم التصويت خارج بلدهم .
تجاوزات مالية وعقود وهمية
وكشفت المصادر عن مصروفات خيالية انفقت على الحماية الشخصية لرئيسة لجنة الانتخابات العراقية في الخارج حمدية الحسيني تبلغ 7300 دولار يوميا تتضمن استخدام حراس شخصيين وسيارة مدرعة تبلغ قيمتها 134 الف دولار وعن عقود وهمية في معظمها انفقت على الدعاية للانتخابات زادت على اربعة ملايين دولار وصلاحيات غير قانونية منحت لرضا الشهرستاني المقيم في ابو ظبي وهو شقيق نائب رئيس الجمعية الوطنية العراقية (البرلمان) عن الائتلاف العراقي الشيعي .
وأبلغ احد مساعدي الحسيني " ايلاف" انه رفض التوقيع على عقد حماية خاصة لها بمبلغ 200 آلف دولار لمدة 46 يوماً هي فترة اقامتها الحالية في العاصمة الاردنية وقال ان العقد وقعته حمدية مع شركة تدعى URG وهي فرع من شركة اميركية تؤجر "شبان مدربين مفتولي العضلات" في البلدان التي تعمل بها كحراس شخصيين. واضاف انه لم يوقع على العقد لقناعته ان الاردن بلد آمن ولا داعي لحراسة شخصية وايضاً استعمال سيارة مدرعة تبلغ قيمتها 134 آلف دولار من موازنة برنامج خارج العراق موضحا انه بعملية حسابية بسيطة يظهر ان الحماية الشخصية للسيدة الحسيني تبلغ 7300 دولار يومياً. واشار الى ان ميزانية انتخابات الخارج بلغت هذه المرة اكثر من 56 مليون دولار بينما كانت مفوضية الهجرة الدولية التي اشرفت على الانتخابات الماضية التي جرت في الثلاثين من كانون الثاني (يناير) الماضي 18 مليون دولار فقط .
وعلى الصعيد ذاته قالت مصادر لجنة انتخابات الخارج التابعة للمفوضية ان اللجنة وقعت عقدا بمبلغ اربعة ملايين دولار لاعداد حملة اعلامية تشمل 15 دولة مع شركة غير معروفة في الاردن وان رئيسة لجنة الانتخابات لم تحصل على موافقة مجلس المفوضين لصرف هذا المبلغ الذي ذكرت انه منح الى شركة أسست في الاردن من قبل السيد رضا الشهرستاني (شقيق السيد حسين الشهرستاني- نائب رئيس الجمعية الوطنية العراقي "البرلمان") الذي رفض مجلس المفوضية تعيينه مسؤولا انتخابيا في دولة الامارات العربية المتحدة. وكانت حمدية الحسيني قد اقترحت اسم السيد رضا الشهرستاني ليكون مسؤولاً عن مركز انتخابات أبو ظبي الا ان مجلس المفوضين رفض هذا المقترح لعلاقته بالائتلاف الشيعي مما حدا بها الى تعيينه مستشاراً لديها ومنحه صلاحيات مالية وادارية واسعة. واشارت مصادر المفوضية الى ان توقيع عقد مع شركة مموهة وبهذا المبلغ الطائل وبدون حصول موافقة من مجلس المفوضين امر خطير يتعلق بنزاهة المفوضية وسلامة حساباتها المالية وسيستدعي ذلك مفاتحة ديوان مراقبة الحسابات ومفوضية النزاهة للتحقيق في هذا الموضوع . ولذلك ابدت مصادر في قسم الحسابات بمكتب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في عمان استغرابها منح حمدية الحسيني صلاحيات مالية وادارية للدكتور رضا ابراهيم صالح الشهرستاني لغرض تمشية الامور المالية والادارية في مكتب دولة الامارات العربية المتحدة بحجة عدم وصول مدير مكتب دبي المرسل من بغداد. وقالت ان المخالفة ترتكز على ان السيد الشهرستاني ليس من موظفي المفوضية وان مجلسها كان قد رفض في السابق تعيينه وان الحسيني اعتبرته مستشارا لها لذلك فان هذه الصلاحيات تخالف القواعد المالية التي تعمل بها المفوضية.
آليات ضعيفة وغير صحيحة للمفوضية
وفي حديثها مع "ايلاف" اعتبرت المصادر أن آليات عمل المفوضية في تنفيذ عملية الانتخابات وفرز الأصوات هي آليات غير صحيحة وأن الضعف في أداء عملها واضح من خلال عدم قدرتها على التعاطي الفعال مع القضايا والاعتراضات الكثيرة المطروحة أمامها. وقالت ان القوى التي لديها اعتراضات على عمل المفوضية أحاطت المنظمات الدولية علما بما جرى في يوم الانتخابات وأعقبه من عمليات فرز وعد وما رافق ذلك من خروقات غير قانونية وتدخلات أجهزة الدولة وكيفية تعامل موظفي المفوضية مع العملية الانتخابية مشيرة إلى أن أمام المفوضية تحد حقيقي لتثبت صدقيتها وعدم انحيازها أما في حال عدم قدرتها على التعاطي مع الكم الهائل من الطعون والخروقات القانونية التي زاد عددها على الف و300 طعنا فان ذلك سيعني أن المفوضية إما عاجزة أو متواطئة.واعتبرت أن المشكلة هي في عمل المفوضية المستقلة حيث أن نظام الانتخابات جعل منها هيئة غير قابلة للطعن أو النقض من خلال إشرافها المباشر على عملية إجراء الانتخابات وعمليات العد والفرز دون أن يكون هناك جهاز قضائي مستقل يشرف على عملها وهو خلل في النظام الانتخابي يجب أن يعالج من اجل الخروج من هذا المأزق . واكدت إن عملية الإعلان المبكر للنتائج الانتخابية منم قبل المفوضية كان إعلانا سياسيا اكثر منه فنيا في محاولة منها لتثبيت مكاسب سياسية لصالح بعض الكتل السياسية. وقد انتقل هذا الهجوم والانتقاد الموجه للمفوضية الى الشارع العراقي الذي شهدت العديد من مدنه امس مظاهرات لآلاف الرافضين لنتائج الانتخابات متهمين المفوضية بالتواطؤ .. فقد هتف المتظاهرون في بغداد ورفعوا شعارات تقول "نطالب بتغيير المفوضية واعادة الانتخابات" و "المفوضية تبيع العراق" .. وفي سامراء (120 كلم شمال بغداد) رفع المتظاهرون شعارات تقول " ما قامت به المفوضية هو بيع للعراق بابخس الاثمان لايران" واتهموا المفوضية بأنها "تدار من قبل رموز ذاعنة لقم وطهران جاءت الى العراق بحجة النزاهة والحيادية". وفي تكريت (180 كلم شمال بغداد)، تظاهر الاف الاشخاص وهم يهتفون "الموت للمفوضية الايرانية" ويحملون لافتات كتب عليها "نطالب باقالة المفوضية اللاعراقية". وفي مدينة الموصل (370 كلم شمال بغداد) انطلق المتظاهرون وهم يحملون اعلاما عراقية ولافتات كتب عليها "المفوضية تبيع العراق لدول الجوار" و"يا مفوضية التزوير العراق اولا ثم ايران" وهم يهتفون "كلا كلا لمفوضية التزوير" و"اعيدوا اعيدوا الانتخابات". واعلنت 35 مجموعة سياسية سنية وشيعية علمانية رفضها لنتائج الانتخابات المعلنة من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق. ومن بين هذه القوى جبهة التوافق العراقية السنية والقائمة العراقية الوطنية التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق اياد علاوي والجبهة العراقية للحوار الوطني بزعامة صالح المطلك والجبهة التركمانية وبرلمان القوى الوطنية بزعامة وزير الدفاع السابق حازم الشعلان.
وقال عدنان الدليمي رئيس مؤتمر اهل العراق "ان هذه الانتخابات مزورة ولا يمكن الاعتراف بها من قبلنا ولدينا الادلة الدامغة التي تدل على عملية التزوير في نتائجها". واضاف "إن المفوضية العليا للانتخابات كانت تعلم جيدا وجود الكثير من المخالفات التي حدثت اثناء إجرائها في المراكز الانتخابية كما ان النتائج التي اعلنتها غير صحيحة وغير مقبولة من قبلنا". وقال طارق الهاشمي رئيس الحزب الاسلامي العراقي "ان تزوير الانتخابات كان له الاثر الكبير في دعم المشروع الطائفي وفي تمزيق الوحدة الوطنية بين ابناء الشعب العراقي".
الائتلاف يدافع عن المفوضية
وقد اعرب عبد العزيز الحكيم زعيم الائتلاف العراقي الموحد عن اسفه لرفض بعض الجماعات نتائج الانتخابات المعلنة من قبل المفوضية العليا للانتخابات في العراق. وقال الحكيم في تصريحات للصحافيين بعد زيارته للمرجع الشيعي اية الله علي السيستاني الخميس وسط النجف ردا على سؤال حول رأيه باعلان 35 مجموعة سياسية سنية وشيعية وعلمانية رفض نتائج الانتخابات ان من حق كل جهة ان تطعن بالنتائج اما هذه المواقف المؤسفة وغير المبررة والبعض بدأ يهدد وبشكل واضح فهذا امر سيء". اما رئيس الوزراء المنتهية ولايته ابراهيم الجعفري فقد تحدث حول الاحتجاجات والمظاهرات ضد نتائج الانتخابات الاخيرة فقال ان المفوضية العليا للانتخابات اشرفت على الانتخابات بنزاهة وشفافية وهي هيئة مستقلة ونزيهة ومستقلة شكلتها الامم المتحدة ولا تتدخل في عملها الحكومة ودعا القوى التي قدمت شكاوى اليها ان تاخذ بردودها وقراراتها التي ستتخذها بصدد هذه الشكاوى .
المفوضية ومهماتها
منذ ان تم انشاء المفوضية قبل حوالي العامين خصصت الامم المتحدة والحكومة العراقية حوالي نصف مليار دولار للقيام بمهماتها التي تضمنت الاشراف على عمليتي انتخاب واقتراع على دستور جديد . ويضم مجلس المفوضية اعضاء تم اختيارهم ايضا على اساس طائفي وعرقي ولذلك فهي ضمت عناصر من الشيعة والسنة والعرب والاكراد والتركمان المسلمين والمسيحيين .وتكونت لجنة الهيئة الانتخابية من عبدالحسين يعقوب الهنداوي و فريد ايار ميخائيل وحمدية الحسيني و ابراهيم علي وعزالدين محمد شفيق ومصطفى صفوت رشيد و سعاد محمد الجبوري بالاضافة الى الرئيس وهو عادل محمد اللامي .
ومعروف ان مهمة المفوضية تنتهي مع اعلان النتائج النهائية للانتخابات الاخيرة بحسب قانون ادارة الدولة لكن فترة عملها قد تمتد لاشهر قليلة اخرى لحين اجراء انتخابات المجالس البلدية للمحافظات الربيع المقبل او لستة اشهر اذا تمت الاستجابة للقوى الرافضة للنتائج بتشكيل حكومة مؤقتة تستمر مهمتها ستة اشهر تقوم خلالها بالاعداد والاشراف على انتخابات جديدة وعندها سيكون من واجب المفوضية الاشراف على الانتخابات المقترحة هذه .

ليست هناك تعليقات: