الخميس، ديسمبر 29، 2005

صواريخ جبريل لضرب الحوار الداخلي ومنع فك الارتباط بين «سلاحي» المقاومة والفلسطينيين

حزب الله يتحمل مسؤولية في تطويق تداعيات العملية
محمد شقير - الحياة

لم يبدّل استياء رئيس المجلس النيابي نبــيه بري (الموجود حالياً في القاهرة) من اطلاق الصواريخ من الاراضي اللبـنانية في اتجاه مستعمرتي شلومي وكريات شمونة (الخالصة) ولا نفي «حزب الله» علاقته بها، من المشهد المستجد في الجنـــوب وارتبــاطه بالتطورات المحلية لجهة التداعيات المترتبة على هذه العمـلية، التي جاءت متزامنة مع استمرار المفـــاوضات بيــــن رئيـــس الحكومة فـــؤاد الســـنيـورة وقيادتي «حزب الله» وحركة «أمل» بغية التوصل الى صيغة مشــتركة تتـعلق بسلاح المقاومة ومستقبله بعد تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
وفي تقدير المراقبين السياسيين ان اطلاق الصواريخ هذه المرة لم يكن رد فعل عشوائياً او «فشة خلق» يراد منها تسجيل موقف او تنفيس اجواء الاحتقان في الجنوب على غرار ما كان يحصل في السابق، وإنما أريد منها تمرير رسالة من الجنوب الى الداخل اللبناني في محاولة لاستحضار جدول اعمال جديد بخلاف الجدول الراهن الذي يدور حول الاستعداد لبدء حوار سياسي من جهة والانتهاء من المفاوضات في شأن سلاح المقاومة لمصلحة التوصل الى تفاهم يعيد الوزراء الشيعة الى طاولة مجلس الوزراء.
ويضيف هؤلاء «ان الجهة التي تقف وراء اطلاق الصواريخ ارادت استدراج عروض اسرائيلية» كرد فعل عسكري على استهداف مستعمرتي شلومي وكريات شمونة، في محاولة لقلب الطاولة في وجه الاطراف المتفاوضة حول الصيغة الفضلى لحماية سلاح المقاومة، اضافة الى توجيه الانظار جنوباً في الوقت الذي تتوقع فيه الاوساط اللبنانية من لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ان تبادر الى تذخير تحركها على خلفية خطة العمل التي تعدها مع تعيين قاضٍ بلجيكي رئيساً لها خلفاً للقاضي الألماني ديتليف ميليس.
ويعتقد المراقبون بأن اطلاق الصواريخ شكل احراجاً لـ «حزب الله» الذي يفترض ان يكون ممسكاً بالوضع الجنوبي ولا يكفيه نفي علاقته بها، من دون ان يبادر عبر اتصالاته مع سورية الى تطويق الجهة التي تقف وراء العملية لمنع تكرارها في ضوء المعلومات الرسمية التي اخذت تحمل الجبهة الشعبية – القيادة العامة بزعامة احمد جبريل مسؤولية مباشرة عنها.
ويؤكد المراقبون انفسهم ان الإحراج سيظل يلاحق الحزب الى ان ينجح في فرض سيطرته على الجنوب وقطع الطريق على جبريل او بعض القوى المنتمية الى التحالف الفلسطيني ومقر قيادته في دمشق لمنعه من التجرؤ مجدداً على اللعب بالوضع الامني والسياسي في الجنوب، خصوصاً ان الصواريخ، كما يقول مسؤول لبناني، وان كانت فلسطينية، فإنها استخدمت لتوجيه رسالة سورية لمن يعنيهم الأمر في لبنان.
ويتابع المراقبون: «ان اطلاق الصواريخ أتاح للقيادة العامة او القوى الفلسطينية المتحالفة معها ان تشكل اختراقاً للعمق الأمني والسياسي للمقاومة بعد ان نجحت في تجاوز الخط الأحمر المفروض ان يبقى تحت سيطرتها وعدم السماح لأي طرف بالتلاعب في المعادلة».
وفي هذا السياق، يبدي المراقبون خشيتهم من ان يكون جبريل ومن يتحالف معه، قد نجح في تحويل قسم من ساحة المواجهة في الجنوب التي يتزعمها الحزب الى «جبريل لاند» على غرار ما حصل في اوائل السبعينات عندما نجحت منظمة التحرير في التوصل مع السلطة اللبنانية في عهد الرئيس الراحل شارل حلو الى اتفاق القاهرة الذي سمح لحركة «فتح» بأن تقتسم جزءاً من الجنوب وتلحقه بها والتعامل معه على أنه منطقة عمليات عسكرية خاضعة لها.
ويستبعد المراقبون ان يكون للحزب علاقــة لوجستية او ميدانية باطلاق الصواريخ، لكن مجرد ايصالها الى المنطقة الحدودية يعزّز مخاوف لدى السلطة اللبنانية من حصول خرق تحت ضغط جهات اقليمية وتحديداً سورية من اجل تحويل مسار الأمور في لبنان من ناحية، أو لقطع الطريق امام احتمال التوصل بين الحكـــومة و «الثنـــائية الشيعية» الى تفاهم حول تنظيم سلاح المـــقاومة، على رغم ان الاتفاق لا يزال بعيداً ويحتاج الى مداخلات من خارج القوى المعنية للتغلب على نقاط الخلاف.
وبكلام آخر يرى المراقبون انه تقع على الحزب مسؤولية معنوية إزاء اطلاق الصواريخ بسبب سيطرته على الوضع في الجنوب وتفرده في قيادة المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي.
ويشير المراقبون الى اهمية التوقيت الذي اعتمد لقرار جبريل ومن يقف معه استباحة ارض الجنوب لاطلاق صواريخه، وهو قرار جاء متزامناً مع الجهود المشتركة للحكومة اللبنانية وقيادتي الحزب والحركة لتحقيق فك ارتباط بين سلاح المقاومة والسلاح الفلسطيني.
ويضيفون ان الهدف من العملية ضرب الجهود الهادفة الى الفصل بين سلاح المقاومة الذي ما زالت له وظيفة محورها تحرير المزارع، وبين السلاح الفلسطيني الذي لم يعد له أي وظيفة سياسية، وبالتالي لا بد من التوصل الى حل يحول دون استمرار انفلاشه خارج المخيمات التي يجب ان تخضع ايضاً الى خطة يراد منها ضبط السلاح وتنظيمه للحفاظ على الاستقرار العام، في ظل لجوء البعض الى استخدامه كعامل لضرب التهدئة سواء في المخيمات او المناطق المجاورة لها.
ويؤكد المراقبون ان من خطَّط لاطلاق الصواريخ أراد جرّ البلد الى عملية يمكن ان تؤدي من وجهة نظره الى خلط الاوراق والى استقدام اولويات جديدة للإطاحة بالحوار الداخلي وبالمفاوضات الخاصة بحماية سلاح المقاومة.
ويعتقدون بأن ما حصل في الجنوب يأتي من ضمن مسلسل مواصلة الضغط على لبنان لضرب امكانية التوافق بين قواه الاساسية من ناحية، وتقديم خدمة مجانية لاسرائيل للقيام برد فعل انتقامي قد يحتاج اليه رئيس وزراء اسرائيل آرييل شارون الذي يراهن على ان الانتخابات الاسرائيلية ستكون بمثابة محطة سياسية لانتاج قوى جديدة قادرة على الإمساك بمقاليد السلطة بعد ان انسحب من حزب الليكود.
وإذ يستبعد هؤلاء مبادرة شارون الى توجيه ضربة انتقامية واسعة النطاق، والاكتفاء بعمليات أمنية انتقائية، يؤكدون في المقابل ان السنيورة لم يخف في مفاوضاته مع الحزب و «أمل» من لجوء اطراف متضررة الى العبث بأمن الجنوب لتوفير الذرائع لشارون لشن هجوم عسكري بذريعة حماية أمن المستعمرات وذلك في محاولة لكسب اصوات الناخبين المتشددين في اسرائيل.
وفي الختام يؤكد المراقبون ان من يقف وراء اطلاق الصواريخ سيجد صعوبة في وضع البلد امام خيارين لا ثالث لهما، اما الفوضى او التسليم بسلاح المقاومة من دون أي ضوابط سياسية، مشيرين الى رهانهم على قيادة «حزب الله» التي تتصرف بحكمة حيال من يحاول جر لبنان الى المجهول، وبالتالي فهي تعرف كيف تتصرف لمحاصرة التداعيات السياسية والامنية الناجمة عن العملية والالتفات صوب الاطراف الفاعلة من اجل ضبط الوضع الجنوبي على ايقاع عدم التفريط بالإجماع اللبناني حول المقاومة.

ليست هناك تعليقات: