الخميس، نوفمبر 03، 2005

رسالة صريحة في نقد خطاب السيد فاروق الشرع


سيار الجميل - الحوار المتمدن
كيف نخاطب المجتمع الدولي؟
لقد كانت لنا فرصة ذهبية ان نستمع ونشاهد كيف كان رد الاخ فاروق الشرع وزير خارجية سوريا في اجتماع مجلس الامن بعد ان صدر قرار المجلس والمرقم 1636.. اذ اننا لم نقف على هكذا مواجهة بين مسؤولينا العرب وبين المسؤولين في دول كبرى الا ما ندر في التاريخ. وطالما تحدث مواجهات مضحكة هزيلة ولكن في جلسات مغلقة وسريّة.. وهذا ما يريده دوما اغلب المسؤولين العرب كيلا تنفضح بضاعتهم وقلة حيلتهم وجهالتهم وضعف حجتّهم في المواضيع المصيرية التي تهم شعوبهم وبلدانهم. لقد صعقت وانا ارى السيد فاروق الشرع وهو يتكلم بتثاقل وابتعاد عن الموضوع وبلغة عربية مفككة وذلك في اخطر ازمة تمر بها بلاده.. وكأنه يقول بأنه مذنب تعالوا خذوني.. وكأن القضية الجنائية والسياسية معا التي تتهم بها بلاده تشبه بقية القضايا التي عاشتها بلدان اخرى كما اراد ان يلعب بذلك ولكن لم يكن لاعبا ماهرا.. موقف ضعيف جدا انني لست في موقع كي ادين هذا البلد او ذاك، اذ لا نريد ابدا ان يتضرر اي بلد عربي وما مقالتنا هذي الا من الحرص على شعبنا السوري والحفاظ على مستقبله.. انني انتقد السيد وزير الخارجية السوري على موقفه الضعيف والمتداعي وهو يتلقى كلاما خشنا جدا من السيد وزير خارجية بريطانيا جاك سترو.. وكأن الشرع لم يكن وزيرا للخارجية على مدى سنوات طوال يكون قد تعّلم من تجارب غيره في اوقات الازمات! ولا ادري هل كانت لدى الشرع معلومات كافية كي يتكلم من خلالها؟ واذا كان على ثقة بالغة بأن لا ضلع لسوريا في موضوع جريمة قتل الراحل السيد رفيق الحريري، فلماذا هذا التبلد والخور ومعالجة الامر بالحسنى، وردّ التهم بمثل هكذا اسلوب؟ ولا اعرف ان كان كل وزراء خارجياتنا العرب هم بمستوى فاروق الشرع في الدفاع المتهالك وهو يبحث له عن مقارنات لحوادث بعيدة كل البعد عن هذه الجريمة! لماذا جعل كلامه مدعاة لتدخّل وزير خارجية بريطانيا كي يلقي عليه كلاما ثقيلا بالعربية افتقد فيها هيبته اي بمعنى افتقاد هيبة سوريا!الشرع وطارق: بين الامس واليوم لقد وجدت شبها كبيرا بين كل من فاروق الشرع اليوم وبين طارق عزيز بالامس القريب عندما فشل الاثنان وهم يمثلان ايديولوجية معينة وسلطة متشابهة ونظاما واحدا منقسما على نفسه.. في الدفاع المهين عن بلدين كان ينظر اليهما العالم بعين الريبة والاتهام.. فالالتفاف والمداورة والمناورة والتغّني بجمال سوريا لا تنفع كلها هنا.. وان عدم اطلاق الكلام المسؤول على عواهنه وبانكليزية حاذقة وباسلوب دبلوماسي غير مفتقد للثقة بدل التخوف من سلطة الرئيس ومزاج الرئيس واوراق الرئيس.. كلها تجعل قضايانا المصيرية تافهة في نظر العالم والمجتمع الدولي كله. ان اللغة الخائرة التي استخدمها السيد فاروق الشرع تدّلل انه يحاول رتق فتق يصعب رتقه على الجميع، وان ضياعه وهو يهيم بين اعضاء وفد احبوا سوريا وانهم سيعودون اليها سواحّا وبين عناصر قضية ستودي سوريا الى الجحيم مسألة لابد ان ينظر اليها كونها ازمة او ان البلاد كلها في ازمة لم تستطع مع الاسف الخروج منها.لقد تذكرت وانا اراقب تلك " المشاهد " المأساوية صورة طارق عزيز وهو يرمي برسالة الرئيس بوش الاب عندما سلّمها اياه وزير الخارجية الامريكية السيد جيمس بيكر، فكان ان تلقى جوابا قاسيا في ان يرجع العراق الى العصور الوسطى.. ورجع عزيز وكأنه حقق نصرا عظيما في حين انه ساهم بغبائه من حيث لا يشعر الى تدمير بلاده امام العالم بلغته العمياء وتصرفاته الرعناء.. لقد تذكرت في الوقت نفسه، ايضا، العديد من صناع الدبلوماسية العربية الكبار في القرن العشرين وكانوا اذكياء جدا وخصوصا في اعلاء مكانتنا في المجتمع الدولي عندما تعاملوا مع العالم الذي كان يمر باخطر احوال الحرب الباردة.. ولكنهم نجحوا نجاحا باهرا في كسب العالم الى قضايانا وانهم لم يدافعوا عن امر لا يدركون ابعاده ولا يعرفون حجم التورطات فيه.. متى تتعلمون من الرجالات السابقين؟نعم، تذكرت فيصل بن الحسين في مؤتمر فرساي بباريس في العام 1919 وكيف استقطب اهتمام المؤتمرين.. وتذكرت سعد زغلول ومصطفى النحاس ونوري السعيد.. لقد تذكرت الدبلوماسي اللبناني القدير شارل مالك بكل امكاناته الرائعة وفلسفته الخاصة في تطوير الرؤية السياسية للعالم الينا نحن العرب.. تذكرت السياسي العراقي البارع الدكتور فاضل الجمالي الذي كسب المجتمع الدولي الى صف قضايانا العربية.. تذكرت وزير خارجية العراق ايام الزعيم عبد الكريم قاسم الدكتور هاشم جواد الذي كانت له قوة بيانه وسرعة بديهيته في الامم المتحدة.. تذكرت رجل السياسة الخارجية الدكتور بطرس بطرس غالي بكل هدوئه وقوة حجّته ومعلوماته القانونية التي اوصلته الى الامانة العامة للامم المتحدة.. كذلك تذكرت السياسي المصري الحاذق مصطفى خليل ناهيكم عن الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الذي يدرك لما يقول ويعتبر امتداد لمدرسة والده الملك فيصل آل السعود عندما بقي وزيرا للخارجية زمنا طويلا.. وأخيرا تذكرت الاخ الدكتور الاخضر الابراهيمي الذي له امكانات وانفتاحات تعلمها من اساليب وزراء الخارجية الحاذقين في هذا العالم المتحضّر. متى تتعلمون يا وزراء خارجياتنا العرب مهنتكم الحساسة التي هي بأمس الحاجة الى الحذاقة وقوة الخطاب وحسن التقدير وبراعة اللغة واستقطاب الاراء واساليب الانجذاب اليكم.. وحسن التّصرف..وأخيرا: متى تتخلصون من طريقتكم في اخفاء المكشوف؟كم كنت اتمنى على فاروق الشرع ان لا يجازف بتاريخه ويبدو ضعيفا مهزوزا وهو وزيرا لخارجية سوريا.. خصوصا ونحن ندرك وضعية سوريا ازاء هذه القضية ولم تمض الا اياما على مصرع زميله وزير الداخلية السوري.. فكان عليه، أما ان يعتذر عن الكلام وعن المشاركة اصلا اذ لابد ان يحتسب للامر احتسابا كبيرا، واما ان يتجّرد بلغة انكليزية قوية جدا وبنبرة واثقة وبحجج لابد ان يمتلكها كي يكون دفاعه لا ثغرات فيه وهو يرد على مجلس الامم.. كان عليه ان يتخّلص من الطريقة العربية التي دوما ما اشبهها بالنعامة التي تخفي رأسها في الرمل وكل اشلائها مفضوحة للعالم.. كان عليه ان يتخّلص من الاسلوب الذي لم يستوعبه العالم.. مع كل الاسف لقد اخفق السيد فاروق الشرع امام العالم.. ومما زاد في الطين بلة، انه طلب ان يكشف الاوراق في جلسة سرية، وكأنه يحترز على اوراق خفية بصدد الموضوع والعالم كله يترقب القرار الذي ادان سوريا. فهل كان لما تكّلم به الاخ الشرع بمستوى الحدث.. لقد أضّر بقضيته ضررا كبيرا، كما كان طارق عزيز من قبله قد اضر بالقضية العراقية ضررا بالغا . وهذا دليل واضح على ان ثمة انظمة سياسية عربية لابد ان تجدد نفسها وتعترف باخطائها وخطاياها.. ويكفيها ما تتبعه من سياسات لا تضر ببلدانها، بل انها مجلبة للكوارث الى كل المنطقة