بشارة مرهج - السفير
حسناً يفعل الرئيس فؤاد السنيورة عندما يختار المنهج الايجابي في التعامل مع التطورات الحادة التي يشهدها المسرح السياسي، مؤثراً الحرص على العلاقات السوية السليمة مع الشقيقة سوريا بدلا من السقوط في منطق رد الفعل والغرق في مرارته وأوجاعه، مدركا في الوقت نفسه حساسية الوضع القائم في المنطقة وحاجة لبنان لمواقف رصينة تغلّب العام على الخاص، وتسعى الى إطلاق ديناميات التواصل والحوار في الداخل كما مع سوريا لا سيما في هذه المرحلة الصعبة التي يخيّم فيها القلق والخوف، وتزداد فيها احتمالات انسداد أفق العمل السياسي والانجراف في متاهات لن يفيد منها احد سوى الاطراف التي خططت لإسقاط المنطقة كلها في قبضة مشروع هجومي يقوده طغاة عتاة يحتلون القدس والجولان ومزارع شبعا، ويعيثون فساداً في ارض الرافدين، ويتربصون بكل شريف يتمسك بهويته ويتشبث بأرضه. إن المواقف الهادئة المسؤولة التي تتالت بعد خطاب الرئيس السوري بشار الأسد، وفي مقدمها موقف رئيس الوزراء اللبناني، هي بالضبط ما يحتاجه لبنان في هذه الظروف الصعبة التي تشتدّ فيها الضغوط لتدويل اوضاعه وتطييف مؤسساته وإخراجه من بيئته القومية وتحميله فوق ما يحتمل. وترتدي هذه المواقف اهمية متزايدة في وقت صار مطلوباً فيه من كل عربي الانصياع لأوامر الباب العالي الجديد والإشادة بكل تدخل أجنبي حتى لا تلقى عليه تهمة من التهم الجاهزة التي يقذفها مسؤولون كبار متهمون امام شعوبهم بشنّ حروب لا مبرر لها ضد شعوب المنطقة. اما المشروع الديموقراطي الذي ترفرف <<ألويته>> وسط الدخان والدم والدمار فيفرض على كل عربي ايضاً تجاهل جدار الفصل العنصري في فلسطين والعمل على بناء جدار في كل دار يفصل بين الأخ وأخيه، بين لبنان وسوريا، وبين سوريا والعراق فيرتاح المحتل في أوكاره ويتمدد المستوطن في مستعمراته. وإذا كنا نلتقي مع كل الذين اختاروا التمسك بعروبتهم واستقلالهم ووحدة أقطارهم في مواجهة الحرب الظالمة التي يقودها المحافظون الجدد وشارون ضد الأمة العربية ومواقع المقاومة فيها، فمن حقنا القول إن هذا الهدف النبيل يستأهل لا بل يفرض حكما اعتماد وسائل مشروعة وأساليب شريفة تعزز الموقف الوطني وترسخ الصمود القومي وتفتح باب المشاركة في المعركة امام كل حريص على سيادة بلده ومنعة أمته. ومما لا ريب فيه ان اعتماد هذه الوسائل والاساليب سيقلّل فرص المشروع المعادي للاستفادة من كل خطأ جسيم يرتكبه متهوّر او متطرف(1) للمضي في السياسة العدوانية القائمة على تزوير الحقائق وكتم الاصوات وارتكاب الجرائم الجماعية وإثارة النعرات والفتن بين ابناء الوطن الواحد. ومن اجل تحسين شروط المواجهة المفروضة علينا منذ سنين طويلة ينبغي بداية الاعتراف بأخطائنا وتقويم سياساتنا وتصحيح ممارساتنا من خلال قراءة تجاربنا السابقة بروح نقدية علمية جريئة، فنتجنّب تكرار الأخطاء او فتح المزيد من الثغرات التي يتقن المشروع المعادي توظيفها. وليس صحيحاً هنا ان لا صوت يجب ان لا يعلو فوق صوت المعركة. فكل معركة لا مكان فيها للعقل والحكمة، ولا تسبقها مصارحة ومناقشة هي معركة فاشلة مهما كان الحق ساطعا الى جانبنا. فالرأي كما قال المتنبي قبل شجاعة الشجعان هو اول وهي المحل الثاني. فلو كان الحق يكفي وحده لتحقيق التوازن او الانتصار لم كانت هناك حاجة للتخطيط والتعبئة والمتابعة. وإذا كانت القيادة تطلب من الناس التضحية وخوض غمار المعركة المستمرة على هذه الأمة فمن حق الناس الإدلاء بآرائهم دون تسليط سيف الشك على رؤوسهم، ومن حقهم ايضاً مناقشة القيادات ومساءلتها دون خوف من رد فعل حسب التقاليد السائدة. فمعركة الحرية لا تُخاض بأساليب قديمة وبعقلية منغلقة وإنما بأساليب متطورة تأخذ بمعطيات العصر، كما بواسطة عقلية تؤمن بالحوار قبل اتخاذ القرار كي يأتي القرار معبراً عن الأكثرية، محركا لها، موحدا صفوفها بحيث تنغلق على المعتدي ثغرات يركن اليها فيتراجع، ربما، قبل أن يتورّط في الهجوم على جهة متماسكة سليمة الرأي قوية البنيان. من المهم في هذه اللحظة التي يُراد لنا فيها العودة الى الوراء والانكفاء الى مستنقع الغرائز والارتداد الى نفق الانقسام... من المهم التمسك بالصبر والأناة والنظر الى أمام (كما قال الرئيس السنيورة) والسعي في الوقت نفسه لتصحيح العلاقة اللبنانية السورية وتنقيتها وإرسائها على قواعد التضامن والتكافؤ والاحترام المتبادل لاستقلال وسيادة كل من البلدين الشقيقين، بعيداً عن كل اشكال التملق المزري أو العداء المفتعل، توصلا الى علاقة متطورة عصرية تفيد البلدين وتعزز مناعتهما في وقت تتواصل فيه المحاولات لتقسيم المنطقة، وإلغاء حق العودة، وتكريس مرجعية إسرائيل وتوطين الفلسطينيين حيث هم. إن العلاقة الأخوية المتكافئة بين لبنان وسوريا التي نصّ عليها اتفاق الطائف هي الوجه الآخر لالتزام لبنان بمبدأ توافق عليه اللبنانيون في ميثاقهم الوطني عندما اعتبروا ان لبنان الحر المستقل ليس ممرّاً للعدوان على سوريا وليس مستقراً لأعدائها. والمغزى واضح هنا فمن فرّط بهذا المبدأ لا يخالف مواقف الرئيسين الشهيدين رياض الصلح ورفيق الحريري فحسب، وإنما يرتكب ايضا إثماً لا يُغتفر بحق لبنان وسوريا على حد سواء. فمهما تردّت العلاقات السياسية بين النظامين، ولا أقول البلدين، فلا يجوز السماح بأي حال من الأحوال خرق هذه الثوابت او التفريط بها تحت أي حجة، علماً أن اي عمل من هذا النوع سيلحق أضراراً وخسائر لا يمكن تعويضها سواء بالنسبة للبنان او سوريا. إن المسؤولية القومية تفرض على كل المعنيين التنبه الى ما يُحاك لنا جميعاً في هذه المرحلة، ومحاذرة السقوط في متاهات الحقد والتنابذ، ومقاومة كل اتجاه يستهدف قطع الحوار بين الأخوة وإحلال الشقاق محل الوفاق. إن حماية الطائف ليست مهمة سياسية عادية وإنما هي مهمة وطنية حيوية لأنه بقدر ما نتمسك بالطائف ومضمونه الواضح لجهة العلاقة مع سوريا بقدر ما نتمكّن من الخروج من دائرة التوتر والقلق ونتمكن من ضمان استقرار لبنان.
حسناً يفعل الرئيس فؤاد السنيورة عندما يختار المنهج الايجابي في التعامل مع التطورات الحادة التي يشهدها المسرح السياسي، مؤثراً الحرص على العلاقات السوية السليمة مع الشقيقة سوريا بدلا من السقوط في منطق رد الفعل والغرق في مرارته وأوجاعه، مدركا في الوقت نفسه حساسية الوضع القائم في المنطقة وحاجة لبنان لمواقف رصينة تغلّب العام على الخاص، وتسعى الى إطلاق ديناميات التواصل والحوار في الداخل كما مع سوريا لا سيما في هذه المرحلة الصعبة التي يخيّم فيها القلق والخوف، وتزداد فيها احتمالات انسداد أفق العمل السياسي والانجراف في متاهات لن يفيد منها احد سوى الاطراف التي خططت لإسقاط المنطقة كلها في قبضة مشروع هجومي يقوده طغاة عتاة يحتلون القدس والجولان ومزارع شبعا، ويعيثون فساداً في ارض الرافدين، ويتربصون بكل شريف يتمسك بهويته ويتشبث بأرضه. إن المواقف الهادئة المسؤولة التي تتالت بعد خطاب الرئيس السوري بشار الأسد، وفي مقدمها موقف رئيس الوزراء اللبناني، هي بالضبط ما يحتاجه لبنان في هذه الظروف الصعبة التي تشتدّ فيها الضغوط لتدويل اوضاعه وتطييف مؤسساته وإخراجه من بيئته القومية وتحميله فوق ما يحتمل. وترتدي هذه المواقف اهمية متزايدة في وقت صار مطلوباً فيه من كل عربي الانصياع لأوامر الباب العالي الجديد والإشادة بكل تدخل أجنبي حتى لا تلقى عليه تهمة من التهم الجاهزة التي يقذفها مسؤولون كبار متهمون امام شعوبهم بشنّ حروب لا مبرر لها ضد شعوب المنطقة. اما المشروع الديموقراطي الذي ترفرف <<ألويته>> وسط الدخان والدم والدمار فيفرض على كل عربي ايضاً تجاهل جدار الفصل العنصري في فلسطين والعمل على بناء جدار في كل دار يفصل بين الأخ وأخيه، بين لبنان وسوريا، وبين سوريا والعراق فيرتاح المحتل في أوكاره ويتمدد المستوطن في مستعمراته. وإذا كنا نلتقي مع كل الذين اختاروا التمسك بعروبتهم واستقلالهم ووحدة أقطارهم في مواجهة الحرب الظالمة التي يقودها المحافظون الجدد وشارون ضد الأمة العربية ومواقع المقاومة فيها، فمن حقنا القول إن هذا الهدف النبيل يستأهل لا بل يفرض حكما اعتماد وسائل مشروعة وأساليب شريفة تعزز الموقف الوطني وترسخ الصمود القومي وتفتح باب المشاركة في المعركة امام كل حريص على سيادة بلده ومنعة أمته. ومما لا ريب فيه ان اعتماد هذه الوسائل والاساليب سيقلّل فرص المشروع المعادي للاستفادة من كل خطأ جسيم يرتكبه متهوّر او متطرف(1) للمضي في السياسة العدوانية القائمة على تزوير الحقائق وكتم الاصوات وارتكاب الجرائم الجماعية وإثارة النعرات والفتن بين ابناء الوطن الواحد. ومن اجل تحسين شروط المواجهة المفروضة علينا منذ سنين طويلة ينبغي بداية الاعتراف بأخطائنا وتقويم سياساتنا وتصحيح ممارساتنا من خلال قراءة تجاربنا السابقة بروح نقدية علمية جريئة، فنتجنّب تكرار الأخطاء او فتح المزيد من الثغرات التي يتقن المشروع المعادي توظيفها. وليس صحيحاً هنا ان لا صوت يجب ان لا يعلو فوق صوت المعركة. فكل معركة لا مكان فيها للعقل والحكمة، ولا تسبقها مصارحة ومناقشة هي معركة فاشلة مهما كان الحق ساطعا الى جانبنا. فالرأي كما قال المتنبي قبل شجاعة الشجعان هو اول وهي المحل الثاني. فلو كان الحق يكفي وحده لتحقيق التوازن او الانتصار لم كانت هناك حاجة للتخطيط والتعبئة والمتابعة. وإذا كانت القيادة تطلب من الناس التضحية وخوض غمار المعركة المستمرة على هذه الأمة فمن حق الناس الإدلاء بآرائهم دون تسليط سيف الشك على رؤوسهم، ومن حقهم ايضاً مناقشة القيادات ومساءلتها دون خوف من رد فعل حسب التقاليد السائدة. فمعركة الحرية لا تُخاض بأساليب قديمة وبعقلية منغلقة وإنما بأساليب متطورة تأخذ بمعطيات العصر، كما بواسطة عقلية تؤمن بالحوار قبل اتخاذ القرار كي يأتي القرار معبراً عن الأكثرية، محركا لها، موحدا صفوفها بحيث تنغلق على المعتدي ثغرات يركن اليها فيتراجع، ربما، قبل أن يتورّط في الهجوم على جهة متماسكة سليمة الرأي قوية البنيان. من المهم في هذه اللحظة التي يُراد لنا فيها العودة الى الوراء والانكفاء الى مستنقع الغرائز والارتداد الى نفق الانقسام... من المهم التمسك بالصبر والأناة والنظر الى أمام (كما قال الرئيس السنيورة) والسعي في الوقت نفسه لتصحيح العلاقة اللبنانية السورية وتنقيتها وإرسائها على قواعد التضامن والتكافؤ والاحترام المتبادل لاستقلال وسيادة كل من البلدين الشقيقين، بعيداً عن كل اشكال التملق المزري أو العداء المفتعل، توصلا الى علاقة متطورة عصرية تفيد البلدين وتعزز مناعتهما في وقت تتواصل فيه المحاولات لتقسيم المنطقة، وإلغاء حق العودة، وتكريس مرجعية إسرائيل وتوطين الفلسطينيين حيث هم. إن العلاقة الأخوية المتكافئة بين لبنان وسوريا التي نصّ عليها اتفاق الطائف هي الوجه الآخر لالتزام لبنان بمبدأ توافق عليه اللبنانيون في ميثاقهم الوطني عندما اعتبروا ان لبنان الحر المستقل ليس ممرّاً للعدوان على سوريا وليس مستقراً لأعدائها. والمغزى واضح هنا فمن فرّط بهذا المبدأ لا يخالف مواقف الرئيسين الشهيدين رياض الصلح ورفيق الحريري فحسب، وإنما يرتكب ايضا إثماً لا يُغتفر بحق لبنان وسوريا على حد سواء. فمهما تردّت العلاقات السياسية بين النظامين، ولا أقول البلدين، فلا يجوز السماح بأي حال من الأحوال خرق هذه الثوابت او التفريط بها تحت أي حجة، علماً أن اي عمل من هذا النوع سيلحق أضراراً وخسائر لا يمكن تعويضها سواء بالنسبة للبنان او سوريا. إن المسؤولية القومية تفرض على كل المعنيين التنبه الى ما يُحاك لنا جميعاً في هذه المرحلة، ومحاذرة السقوط في متاهات الحقد والتنابذ، ومقاومة كل اتجاه يستهدف قطع الحوار بين الأخوة وإحلال الشقاق محل الوفاق. إن حماية الطائف ليست مهمة سياسية عادية وإنما هي مهمة وطنية حيوية لأنه بقدر ما نتمسك بالطائف ومضمونه الواضح لجهة العلاقة مع سوريا بقدر ما نتمكّن من الخروج من دائرة التوتر والقلق ونتمكن من ضمان استقرار لبنان.
() وزير ونائب سابق
(1) رحم الله روح الشهيد مصطفى العقاد صاحب <<الرسالة>> و<<عمر المختار>>
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق