الخميس، نوفمبر 03، 2005

مأزق النظام السوري أم مأزق الدولة السورية

عمار ديوب - الحوار المتمدن
دخل النظام السوري في مأزق النهاية ، حيث انقطعت علاقاته الدولية والإقليمية وبدأ- بعد أن غاب عنه طويلاً منطق السياسة واستحكم به منطق الاستبداد – بدأ يحاول الالتفات للداخل والتخلي عن كل بعد إقليمي إلا بما يتوافق مع المشروع الأمريكي للمنطقة ، حارساً حدوده من كل الجهات براً وبحراً وجواً تنفيذاً للمطالب الدولية والأمريكية وتحت تأثير أعاصير كل من لارسن وميلس وتقاريرهم المتتالية ..الالتفات للداخل عدا عن ضغط الخارج مشروطين بعاملين :أولاً: قوة العطالة البيروقراطية والاستبداد ، وانعدام العقلية الحوارية ، وسيادة عقيلة الوصاية على الآخرين ، والتمثيل المطلق عنهم ، وكذلك توقع عقد صفقة مع الأمريكان في أية لحظة ..ثانياً: ضعف المعارضة الديمقراطية بتياراتها المتعددة وبأفرادها القلائل وارتفاع سقف مطالبها من الحوار مع النظام إلى تغييره ديمقراطياً جذرياً وعبر تحالف لا يستثنى منه أحد بما فيه الأخوان المسلمين ؟ مما يجعل " المعارضة" تقدم نفسها بأنها هي الأساس وخاصةً بعد إعلان دمشق واقتراحات الأستاذ رياض الترك في قناة الديمقراطية مساء 28/10/2005 حيث الصيغة الملطفة عن الإعلان والموقف من النظام ورغم ذلك يبقى الإعلان والاقتراح يدعوان النظام إلى الالتحاق بجماعة الإعلان وعندها يمكن البدء بالتغيير وهو ما يرفضه النظام ..هذه الشروط تجعل النظام يتبنى إصلاح ذاته بعيداً عن المعارضة ومطالبها واقتراحاتها حيث بدأ بفكفكة بعض المشكلات عبر حل مشكلة الأكراد المحرومين من الجنسية وحصرها في هذا الإطار ،أو الإعلان عن قانون قادم لتنظيم الأحزاب السياسية ولكن بشروط ، مع العلم أن هاتين المسألتين بالذات تعدان قضيتان نازفتان في سوريا وقد طرحتا في المؤتمر القطري السابق كتوصيات لم يعمل بها وإن المعارضة على اختلاف توجهاتها قد طرحتها منذ خمسة سنوات على الأقل ...هذا الشكل من الإصلاح لا يخدم المواجهة مع الخارج ، وربما ليس المقصود به تلك المواجهة ، لأن الجبهة الداخلية تحتاج لسرعة في تحقيق المطالب المؤجلة ليس من خمس سنوات بل منذ خمس وثلاثين عاماً والمتأججة من خمس وعشرين عاماً ، وهو ما على النظام أن يتفهمه وأن ينشأ مجموعات من الباحثين النزيهين وحتى الاستعانة بكل ما يخرج عن المعارضة والمثقفين للبحث في المشكلات التي تعترض سوريا لا استخدامها فقط في أجهزة الأمن للتنكيل بالمعارضين وبالتالي لا يكفي الوقوف عند بعض القضايا المجتزأة والترقيعية والإصلاحية على أهميتها ، لأنها لا تساعد على حل مشكلاته الدولية ، بل هو بهذا يكرر نفس ما فعله نظام صدام حسين قبل سقوطه ؟ وعلينا الاستفادة ( سلطة ومعارضة) من دروس الماضي خاصة وأن الدرس العراقي ما يزال ماثلاً في الأذهان ، فلا بد من حفظه قبل تكراره ؟ فقد سقط النظام العراقي وفق المشيئة الأمريكية في 2003 بعد أن أجل الرب الأمريكي إسقاطه في 1991 وسقوطه كان بعد حصارٍ دامٍ استمر لأكثر من ثلاثة عشراً عاماً ،فاحتل الأمريكان البلد كمحررين عند بعض المرتزقة ،والطائفيين والمخدوعين والمحبطين وهو ما قد يتكرر الآن في سوريا ولكن عبر الفوضى البناءة أو المخدوعين بقيم الديمقراطية الطائفية وربما بمدة زمنية أقصر كثيراً ..وهذا ما يستدعي الفهم العميق لحدة الضغوط على السلطة وعلى سوريا ،فالمقصود حل مشكلات أمريكا وإسرائيل بخصوص مشروع الشرق الأوسط وعلى جثة الحريري ذاته أو غيرها . هذه الأوضاع تتطلب من القوى الوطنية والعلمانية والماركسية قطع الصلة مع النظام ما دام يتبنى هذا الشكل المميت من الإصلاح لسوريا ، وخوض صراع اجتماعي سياسي ضده وضد الخارج بآن واحد وفضح المقاصد الفعلية لكل هذه الضجة ضد سوريا وعدم السكوت عنها بحجة تداخل العالم والابتعاد عن الانعزال عن الساحة الدولية مع فضح كل أخطاء هذا النظام وأزماته وتحميله المسؤولية عما حدث في سوريا وعما سيحدث إلى حين سقوطه بالإضافة لتحميل القوى الظلامية" الإخوان المسلمين " التي مارست نفس طريقة القتل للشعب السوري في الثمانينيات نفس المسؤولية ، هذا الصراع ضروري لان هذا النظام بسلطاته المتعددة أصبح نافلاً وناهباً وطفيلياً ولأنه يستصرخ الرضا القديم من أمريكا والشروط الدولية بأي ثمن عدا التضحية ببعض أركان السلطة ،إن كان لهم دور ما في جريمة القتل ، والمشكلة تكمن في سقوطه - إن رفض تسليم المشتبه بهم - لان النتيجة ستكون استكمال نهب ثروات سوريا وبيع القطاع العام والتخلي عن كل ما يخص الدولة ومشاريعها وتعميق مشكلاتها الاجتماعية لتصير مشكلات طائفية متفجرة ، وبناء السياسة وفق المحاصصة الطائفية ؟ وهو ما بدأت به السلطة السورية منذ فترة طويلة عبر تغييب القوى العلمانية وبشكل ممنهج ولكل هذا لا بد على السوريين التمسك بمجموعة قضايا:- تأسيس نظام ديمقراطي علماني يرفض الشروط الدولية والأمريكية ومشروع الشرق الأوسط الكبير .- الحفاظ على القطاع العام ومؤسسات الدولة وتشكيل نقابات مستقلة بعيداً عن نقابات السلطة يكون لها دور في تقرير مصير ذلك القطاع وتطبيق مبدأ الرقابة العمالية على آليات تطوره واستمراره ... - الدفاع عن حق الفلاحين بتملك أراضي الإصلاح الزراعي والأراضي الزراعية المملوكة للدولة ...- التزام النظام الحالي بشروط التحقيق الدولي وتقديم كل التسهيلات المطلوبة للوصول الى حل فيما قضية موت الحريري وتسليم الأشخاص المطلوبين للجنة التحقيق الدولي .- التأكيد على أن سوريا بأكثريتها تنتمي إلى القومية العربية مع وجود أقليات قومية أخرى،وأن ديمقراطية الحركة القومية في إحدى أوجهها تكون بمقدار إنصاف الأقليات القومية ، وسعيها لبناء دولة تساوي بين الأفراد أمام القانون بغض النظر عن قوميتهم ..وباعتبار النظام لا يزال لا يفكر إلا بنفسه لا بسوريا ،فإنه يختار الحركة البطيئة والضعيفة والتي تشبه الموت السريري وبالتالي الوضع الحالي في سوريا يحتاج لتغيير حقيقي داخلي من قبل النظام إن أراد البقاء وحماية مصالحه ؟وهو ما يفرض على المعارضة العلمانية واليسارية والديمقراطية بغض النظر عن أفعال النظام السعي الحثيث لتشكيل جبهة جديدة وتحالفات علمانية ديمقراطية في هذه الأوضاع الداخلية المأزومة للنظام حيث عدم قدرته على القمع من جهة وتوجهه الإصلاحي نحو حل بعض المشكلات الداخلية وفقاً لمصالحه ، والعمل على تعميق الخط السياسي للنهج الوطني الديمقراطي الذي امتد وتراكم طيلة عمر هذا النظام وبالتالي فإن حماية سوريا لم تعد من مهامه بل هي هي من مهام القوى الوطنية والديمقراطية والماركسية والعلمانية وهو ما يجعلنا نؤكد أن خطر المشروع الأمريكي الصهيوني على سوريا صار خطراً حقيقاً ، ألا يستدعي الأمر المقارنة بين القرارات التي تدين إسرائيل ولم تنفذ والتي لم تدن النظام السوري الى الآن وتعامل معاملة الإدانة له وللدولة السورية .وهذا ما يستدعي النضال ضده – المشروع الأمريكي - بكل الأساليب الممكنة ،فالمطلوب اذاً من القوى المشار إليها استجماع ذاتها وتشكيل تحالفات علمانية وصياغة برنامج متعدد المستويات لمستقبل سوريا بعيداً عن إصلاحات النظام مع الاستفادة منها وبعيداً عن الشروط الدولية والأمريكية مع الاستفادة من انعكاسات تأثيرها على ضعف النظام " الأمني" وكذلك بعيداً عن روحية إعلان جماعة دمشق لما فيه من قضايا لا تؤسس لنظام علماني ديمقراطي بعد سقوط هذا النظام وتقسيمه السوريين الى أكثرية دينية وأقليات دينية ومذهبية وفكرية تؤسس لعقلية المحاصصة الطائفية ولنظام ديمقراطي طائفي مع هيمنة سنية بسبب الأكثرية العددية للسنة لا بسبب الأكثرية السياسية للشعب فيتم بذلك تغييب البعد القومي عن الشعب وارتباطه ببقية أجزاء الأمة العربية . كل هذا يجعلنا نؤكد رفضنا للضغوط الخارجية أو العقوبات الاقتصادية أو الغزو العسكري على الشعب السوري إن لم يستجب النظام لكامل شروط ميلس في التحقيق ،وحصرها بأفراده المشتبه بهم ، ورفض استمرار هذا النظام الذي يعد استمراره انهياراً للدولة السورية على كل الصعد ...
ونختتم بالقول إن القوى الفاعلة بالتغيير في الوقت الحاضر هي هي القوى الرابحة في المستقبل....

ليست هناك تعليقات: