مطالبات بتقنين زواج المتعة والمسيار واللمس
العربية. نت
يهدد خطاب ديني متشدد يستند على أسس طائفية مذهبية، التعددية الثقافية والإجتماعية البحرينية التي ظلت محافظة على رونقها وقدرتها على التفاعل مع الآخر طوال القرن الماضي.
وفي رأي محللين للحالة البحرينية الطارئة، فإن ذلك يأتي تحت تأثير الظروف المحيطة الاقليمية والدولية، خاصة ما يجري في العراق، والعمليات الارهابية التي شهدتها بعض دول الجوار.
وتثير التغيرات الاجتماعية التي تشهدها البحرين انتقادات التيارات الليبرالية واليسارية والمستقلة في هذه الجزيرة الصغيرة التي اشتهرت بانفتاحها السياسي قبل سنوات قليلة، باعتباره تراجعا عن مكتسبات المرأة البحرينية، ومحاصرة أي محاولة لتقنين حقوقها الزوجية وحقوق أطفالها خاصة مع وجود حالات زواج المتعة والمسيار التي قد يحدث فيها حمل، وآخر ذلك زواج اللمس حيث تقدم بعض الأفراد بطلب عقود زوجية تتيح لهم اقامة علاقة شرعية مع خادماتهن.
مخاض صعب لأول قانون للأحوال الشخصية
ويرى المراقبون أن هذا الخطاب المتشدد وراءه بشكل أساسي بعض الجعفريين الشيعة الذين يشكلون الأغلبية في البحرين، ويقود ذلك الخطاب أحد مراجعهم المهمة وهو الشيخ عيسى قاسم رئيس المجلس الاسلامي العلمائي "شيعي". وهناك في الاتجاه السني تيار سلفي متشدد يلقى الانتقاد ذاته من الليبراليين والناشطات في الجمعيات النسائية، ويرون أنه يحمل أفكارا وهابية قادمة عبر الجسر الذي يمتد لاكثر من 20 كم بين الدمام في السعودية والمنامة في البحرين.
أمام هذا الحصار المتشدد من الشيعة والسنة والانقسامات المذهبية، يواجه صدور أول قانون للأحوال الشخصية في البحرين مخاضا صعبا، فالجعفريون يطالبون بضمانات دستورية لهذا القانون تضمن الاستناد إلى مرجعياتهم الدينية، بينما يطالب السلفيون بضمانات خاصة.
بينما ترى الناشطات النسائيات أن هذا القانون الذي يسمى بقانون "أحكام الأسرة" هو محاولة لتقنين أوضاعهن الاجتماعية وليس لتهميش الشريعة، بدلا من ان يواجهن أحكاما تستند إلى اراء فقهية يميل اليها القاضي، وعلى هذا المنوال قد تأتي أحكام مختلفة في قضايا متشابهة.
وقالت ناشطة لـ"العربية.نت" طلبت اغفال اسمها إن هناك قاضيا وافق على تطليق امرأة مقابل ان تتزوج منه زواج متعة، وأن هناك حالات معلقات بسبب ان القاضي تمسك باراء فقهية متشددة فيما يخصهن، مع أن أزواجهن انفصلوا عنهن واقعيا ونفسيا منذ وقت طويل وتركوهن لزوجات أخريات.
وأضافت أن هؤلاء النساء لا يجدن ما يضمن حقوق اطفالهن بسبب غياب القانون المنظم خاصة في الزواج غير الدائم مثل زواج المتعة والمسيار واللمس، وربما يضطررن للتسول للانفاق عليهم.
وكانت بعض الصحف البحريينة قد نشرت في وقت سابق قصة امراة وافق أحد القضاة على أن يطلقها من زوجها شريطة أن توافق على الزواج منه، كذلك أشارت إلى أن والد طفلة بحرينية (9 سنوات) أخذها من أمها الفلبينية وعقد قرانها على على زوج عمتها، ولم تتم محاسبة القاضي الذي وافق على ذلك الزواج "الباطل شرعا.
وتواجه مسودة مشروع قانون "أحكام الأسرة" معارضة شديدة من المرجعيات الشيعية البحرينية، رغم أن المجلس الإسلامي العلمائي برئاسة الشيخ قاسم عيسى قاسم رحب سابقا بالدعوة التي وجهتها الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة لولوة العوضي إلى قاسم بالحوار بشأن قانون الأحكام الأسرية.
ونقلا عن صحيفة "الوسط" البحرينية، فإن عضو المجلس الشيخ محمد صنقور وضع ثلاثة شروط لهذا الحوار، هي: اعتماد القانون للإسلام مصدرا وحيدا مع المحافظة على الخصوصية المذهبية، وايجاد ضمانات بعدم تغيير القانون في المستقبل وأن يكون الحوار مع من "من بيده القرار".
وكانت الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة لولوة العوضي قد ذكرت أن المجلس لا يعارض إضافة نص يؤكد ضرورة العودة إلى علماء الدين قبل الشروع في تعديل القانون. وقالت: "اذا أراد علماء الدين اضافة نص يقول: لابد من الرجوع والأخذ برأي علماء الدين قبل تعديل القانون فلا مانع من ذلك وهو أمر معمول به في المغرب ومصر ولن يكون استثنائيا لو حصل في البحرين".
وأضافت أن "المجلس الأعلى للمرأة مستعد لدعم تعديل أية مادة تخالف ضوابط الشريعة الإسلامية"، مشيرة الى أن الجميع متفق على هذا المبدأ". وقالت العوضي لجريدة "الوسط" إن المجلس الأعلى للمراة يرصد هذه الانتقادات بكل أنواعها والتي تعد (مؤشرا ايجابيا) اذ ان الجميع متفق على ضرورة التقنين، لكنهم مختلفون على آليات التقنين وخوفهم من ان تمس الشريعة الإسلامية مستقبلا وهو أمر ليس واردا على الاطلاق. لذلك، ندعوهم الى الحوار والى ابداء ملاحظاتهم مباشرة الى المجلس الأعلى للمرأة الذي يرحب بمثل هذه الملاحظات "فلا مانع من إعلام المجلس أين هي مواطن الخلل في القانون والمواد التي تخالف الشريعة الإسلامية"
وقالت العوضي في حوارها مع الزميلة ريم خليفة: "نحن كمجلس مستعدون للحوار مع جميع المعارضين للقانون وفي مقدمتهم طبعا الشيخ عيسى قاسم لمناقشة الملاحظات، وفي حال موافقة سماحته على المبدأ فإن المجلس مستعد لايفاد لجنة للحوار وسماع آرائه بخصوص القانون".
النسخة البحرينية لنوال السعداوي
في هذا الاطار تواجه الناشطة النسائية غادة جشمير دعوى قضائية، اعتبرها بعض الليبراليين كيدية بسبب مواقفها الجريئة والاراء العلنية المناهضة للخطاب الديني المتشدد الذي تبديه لجنة العريضة النسائية التي ترأسها.
وكانت غادة التي يعتبرها بعض الاسلاميين النسخة البحرينية من الناشطة النسائية المصرية المعروفة د.نوال السعداوي، قد دعت مختلف الاوساط الشعبية في البلاد الى مساندة حملة اصدار قانون احكام الاسرة.
وقالت "الوقت الحالي لا يسمح بتبادل الاتهامات بين جميع مؤسسات المجتمع المدني بل على الجميع تكثيف الجهود لان الهدف المرجو منه هو تعديل اوضاع المراة والاسرة معا". جمشير كانت قد اصدرت كتابا يتحدث عن معاناة النساء في المحاكم الشرعية بالبحرين".
وقد أجلت المحكمة الجنائية الصغرى الخامسة الدعوى الموجهة ضد غادة جمشير بتهمة قذف أحد القضاة. وقد دعا مركز "ودرو ويلسون الدولي للدراسات "برنامج الشرق الأوسط" جمشير للمشاركة في ورشة العمل التي ستعقد في الفترة من 2 - 5 /12/2005 في عمان بالأردن تحت عنوان "استراتيجية دور المرأة في التأثير على التشريعات"، وستشارك جمشير بالحديث عن تجربتها وواقع المحاكم الشرعية في البحرين.وستقدم ورقة عنوانها "وضع المرأة البحرينية في المحاكم الشرعية في ظل غياب قانون الأحوال الشخصية" بمشاركة عدد متميز ومتنوع من الناشطات والقياديات من مختلف التخصصات لدول المنطقة العربية.
وسيشارك في الورشة عدد من الناشطات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة مثل القانونية والناشطة المغربية فريدة بناني ورئيسة جمعية الاقتصاديين الكويتية الناشطة رولا دشتي ورئيسة ومؤسسة المجلس الأميركي الإسلامي زينب الزويج والأكاديمية التونسية ليلى ليبابيدي.
ومركز ودرو ويلسون الدولي تاسس في العام 1968 وهو مؤسسة غير ربحية مقرها مدينة واشنطن الأميركية، بينما بدأ العمل ببرنامج الشرق الاوسط في العام 1998 وهو يركز على دراسة وطرح جوانب شتى متعلقة بمنطقة الشرق الأوسط الموسع وشمال إفريقيا مثل السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما فيها قضايا المرأة ومؤسسات المجتمع المدني.
مشاكل البحرينيات تسوء في غياب تقنين حقوقهن
واعتبرت الإعلامية البحرينية ريم خليفة قانون احكام الاسرة " مطلبا نسائيا قديما لا يهدف بأي حال الى تهميش الشريعة الاسلامية، وتساءلت: لماذا يعرض قانون يخص المرأة على الناس ليؤخذ رأيهم بينما حزمة من القوانين الاخرى سواء كانت اقتصادية او تجارية تمر سريعا؟
وقالت إن "المتضررات من المحاكم الشرعية كثيرات وقد تفاقمن المشكلة في ظل غياب تقنين ينظم اوضاعنا الزوجية. النساء لا يجدن في المحاكم الشرعية حلولا عادلة لقضاياهن".
إضافة إلى ذلك تحدثت عن المتغيرات التي تعتبرها ملطخة للوحة الفسيفساء البحرينية التي تميزت بقمة التسامح، فقالت إن هجمة متشددة على الفن وآخرها محاولة منع حفل للمطرب المصري ايهاب توفيق قبل عدة أيام بحجة ان هذه الاحتفالات محرمة دينيا، رغم ان المتعهد وهو مصري الجنسية قال إن مطعمه لا يقدم خمورا او أي من المشروبات الروحية، إلا أن تلك الحملة فشلت في وقف الحفل واصر الحاجزون على حضوره، وقد لوحظ أن عددهم قليل خوفا من تصادمات حصلت بين قوات الشرطة وشبان بحرينيين أثناء تصاد حفلة نانسي عجرم في شهر اكتوبر/ تشرين الأول عام 2003.
وأشارت إلى غياب ملامح احتفالات اعياد الميلاد والكريسماس التي يعتبرها المتشددون منافية للدين الاسلامي، فلا تجرؤ صحيفة صادرة باللغة العربية في البحرين على نشر اعلانات عن مثل هذه الحفلات بعكس الصحف التي تصدر باللغة الانجليزية.
واستطردت ريم خليفة: "نحن لا نطالب بقانون مدني للأحوال الشخصية على غرار القانون التونسي، رغم أن الناس في البحرين كانوا في الثمانينيات يطالبون بقانون مدني. نحن لا نريد أن تمس الشريعة الاسلامية، فأنا مثلا زوجي شيعي من بيت متدين وانا سنية من بيت علمي تعددي. امي طبيبة شيعية وابي سني وتجري في عروقي دماء عربية وفارسية وتركية. نطالب بقانون يحمي حقوق النساء على غرار القانون العماني الموحد الذي يشمل الاباضية والسنة والجعفرية".
مطالب الناشطات لا تتوقف عند حدود تقنين حقوق المرأة في الزواج الدائم، بل إن بعضهن يطالبن أيضا بتقنين زواج المتعة وزواج المسيار، خاصة انه قد يحدث حمل في بعض الحالات وينتج أطفال.
الشيعة يريدون ضمانات دستورية
وفي رأي ناشطة أخرى – طلبت أيضا عدم ذكر اسمها – ان الشيعة بقيادة الشيخ قاسم يعطلون اصدار هذا القانون بحجة الحصول على ضمانات دستورية، ومثل هذه الضمانات ستعتبر في حالة صدورها بدعة دستورية.. وقالت "الشيعة يطالبون بهذه الضمانات حتى لا تمس مرجعياتهم، بل يطالبون بالرجوع إلى المرجعيات الشيعية خارج البحرين، وهذا يواجه بالنقد من طرف آخر لأنهم يرونه تدخلا في شأن داخلي".
وأوضحت هذه الناشطة أن بعض مؤيدي الشيخ عيسى قاسم وزعوا ملصقات تصف قانون الاحوال الشخصية بأنه "قانون الدعارة الشخصية" حيث انهم يعتبرونه املاءات غربية وامريكية وعلمانية.
ورشة نسائية تناقش زواج اللمس
من جهتها أكدت ريم خليفة أن ورشة عقدت مؤخرا في البحرين نظمتها الجمعية البحرينية لحقوق الانسان بالتعاون مع منظمة بيت الحرية الامريكية اشتركت فيها أطراف مؤيدة ومعارضة لقانون الأحوال الشخصية وجهات من دول أخرى.
وقد ناقشت هذه الورشة ما يسمى بزواج اللمس.. والمتاعب التي تتعرض لها المرأة في المحاكم الشرعية مما يستدعي اصدار ذلك القانون " هناك تجاوزات قضائية.. القاضي يقيس كل حالة كيفما يريد. هناك قضايا تظل المرأة فيها معلقة".
وأضافت ريم: التمييز الطائفي موجود على مستوى الأفراد، وتلك هي الخطورة. ليس الشارع الشيعي كله ضد قانون أحكام الأسرة فهناك من هو معه. لكن للأسف بعض العناصر الدينية المناهضة تعطي للحملة المعارضة للقانون صبغة مذهبية. هل تصدق ان هناك من لا تخرج من بيتها في المناطق الريفية البحرينية لا سيما من الجيل الجديد مع ان نسبة الامية عندنا صفر والمتعلمات أعلى من المتعلمين"
الليبراليون واليساريون يطلبون الحماية
وتحدثت ريم خليفة عن ثقافة "الارهاب الفكري" التي تجد لها موضع قدم حاليا في البحرين والمتمثلة في عدم قبول الآخر.. "هناك صبغة دينية متشددة ترتفع على المنابر تنال من حقوق المرأة، لدرجة أن جماعة من الليبراليين واليساريين والديمقراطيين والمستقلين ينادون حاليا بحماية حرياتهم العامة، وهذه الجماعة لا تضم فقط نشطاء وسياسيين وانما تجار أيضا".
وقالت إن المذهبية والطائفية لم تكن موجودة في نسيج المجتمعي البحريني في الماضي" لقد كان لديهم جميعا هم واحد ووطن واحد.. الآن أصبح الهم مذهبيا. أنا متأثرة من هذا التطرف حتي فيما يخص قضايا المرأة. لقد كنا في البحرين أول من دافع عن حقوقها في الخليج.. فلماذا هذه الردة الآن. ان نعرة الطائفية المذهبية والاجتماعية والسياسية تعلو حاليا بسبب ترسبات قديمة، فالوضع متشنج اجتماعيا نتيجة تراكمات من المتغيرات والسياسات الخاطئة التي مورست على فئة دون الأخرى مثل الشيعة في المناطق الفقيرة".
وأوضحت أن ما يحدث في الوقت الحالي هو معارضة من أجل المعارضة وليس من أجل التحديث والتغيير والتطوير " اتحدث كاعلامية ومراقبة للشارع البحريني. ما نراه الآن عبارة عن طفرات نتيجة لسياسة تكميم الأفواه التي كانت موجودة على أيام أمن الدولة. ومنذ عام 2001 بدأ البحرينيون يتنفسون الصعداء، ليس فقط على مستوى النشطاء في مجال الدفاع عن الحقوق العامة مثل حقوق الانسان والحقوق السياسية، وإنما النقلة النوعية التي حدثت على مستوى الصحافة المكتوبة، لكن المؤسف أن النعرة المذهبية تطغى على بعض الكتابات، وهذه النعرة ليست متفشية في الصحافة فقط بل في المجالات الحياتية اليومية ومعاملات الناس"
وقالت ريم خليفة " لقد كانت أزقة المنامة تجمع كل المذاهب والاديان، الاسلام من سنة وشيعة، والاسماعيلية، والمسيحية من الكاثوليك والارثوذكس والبروتستانت، واليهودية والبهائية. كل هذه المذاهب والاديان كانت تتعايش بصورة جميلة في تسامح ديني ومذهبي. ذلك كان موجودا حتى خمسينيات القرن الماضي"
واستطردت "حتى الذين يؤمنون بمفاهيم الوحدة الوطنية بدأت تصير عندهم تنازلات، فمنهم من يذهب لجماعته او فئته. لقد أصبح هذا حالنا بعد أن كان لنا على مدار 30 سنة هم وطني مشترك سواء سنة أو شيعة او بهائية أو يهودية أو مسيحية.
جدير بالذكر ان عدد المسيحيين من أسر بحرينية أصيلة من 5 إلى 6 عوائل. واليهود عددهم حوالي 37 شخصا يعملون في القطاع المصرفي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق