توماس فريدمان - نيويورك تايمز
في الآونة الأخيرة تعرضنا لسيل من أنباء العمليات الإرهابية، إلى درجة بتنا معها غير قادرين على ملاحظة تلك الأعمال التي يتم فيها تجاوز الخطوط الحرجة، كما حدث خلال الأسابيع القليلة الماضية· ففي بداية شهر رمضان المقدس لدى المسلمين، دلف انتحاري سني إلى مسجد في مدينة الحلة العراقية، وقام بتفجير نفسه وسط جمع غفير من الأفراد الذين كانوا يحضرون جنازة· وعقب انتهاء شهر رمضان بفترة، دلف انتحاري سني آخر إلى قاعة فندق ''راديسون ساس'' في العاصمة الأردنية عمّان، وقام بتفجير نفسه وسط حفل زفاف· إن الإرهابيين الذين يريدون تفجير أنفسهم وسط جنازات وأفراح يحضرها أبناء دينهم، هم في رأيي أشخاص قد انفصلوا تماما عن الإنسانية ولا يشعرون بأية قيود أخلاقية على تصرفاتهم· إن المشكلة الحقيقية في العالَم الإسلامي السني اليوم هي أنه لا توجد في هذا العالم مرجعية أخلاقية متحكمة؛ فأية مناسبة يمكن أن تتحول إلى هدف: جنازة، زفاف أو أي شيء آخر· ومن يدري فربما يقوم الجهاديون الأسبوع القادم بتفجير عنبر للولادة مثلا! نعم هناك حرب أهلية تدور رحاها في العالَم الإسلامي اليوم· وهي حرب بين الجهاديين الأصوليين من جانب، وبين الأغلبية المعتدلة في معظمها على الجانب الآخر، ولكن هناك مشكلة واحدة في تلك الحرب وهي أن الذي يخوضها فعلا هم الجهاديون·إن الأغلبية المسلمة السُنية كانت سلبية إلى حد كبير· صحيح أن الأنظمة السُنية تقوم بالقبض على هؤلاء الجهاديين عندما تستطيع ذلك، ولكن تلك الأنظمة والمؤسسات الدينية التي تسيطر عليها، قلما تقوم بانتقاد الأفكار الإسلامية غير المتسامحة التي يقوم هؤلاء الإرهابيون بنشرها وهي أن المسيحيين واليهود والشيعة والهندوس أقل في المنزلة من المسلمين السُنة، وبالتالي فليس هناك ما يمنع من مهاجمتهم· إنني أتساءل: كم فتوى دينية صدرت لإدانة الإرهابي الأردني أبومصعب الزرقاوي، الذي اغتال بالفعل العشرات من الشيعة وغيرهم؟ ليس الكثير على ما أعتقد· لقد كان أمرا مشجعا حقا عندما قام الأردنيون بالخروج إلى الشارع لشجب التفجيرات الانتحارية الثلاثة التي وقعت في عاصمتهم بواسطة الإرهابيين التابعين للزرقاوي· إن الذي يجعلنا نقول ذلك أن مثل هذا الاحتجاج نادراً ما يحدث· والحقيقة أن العاهل الأردني الملك عبدالله كان واحداً من القادة العرب القلائل الراغبين حقا في مواجهة الجهاديين على المستوى الأيديولوجي- الديني، وذلك من خلال رعايته لحوار داخلي إسلامي لهذا الغرض تحديداً· ولكن، من جهة أخرى، كان من الأمور المثبطة أن نستمع إلى أردنيين وإلى أصوات عربية أخرى تقول إنها تعتقد أن الإسرائيليين يقفون وراء التفجيرات التي وقعت في عمّان، أو تقول للإرهابيين إنكم إذا ما أردتم أن تهاجموا أحدا بالقنابل فعليكم مهاجمة المحتلين أي الأميركيين والإسرائيليين والسؤال هنا: لماذا نحن؟ ولكن هاكم صيحة الاحتجاج التي يحتاج العالم إلى سماعها من الشارع العربي السُني: ولماذا أي أحد في الأساس؟ إن التفجيرات الانتحارية عمل مستهجن، ويدعو للاشمئزاز في الحقيقة· إنكم لا تستطيعون أن تبنوا مجتمعا صحيا من مفجرين انتحاريين· انظروا كيف سيكون متحفكم الوطني: سيكون هناك أحمد -الذي فجر 52 مسلما في حفل زفاف- وسيكون هناك محمد الذي فجر 25 شيعياً في جنازة· إذن ما السبب الذي لا يجعل المزيد من الأشخاص في العالَم السني يتحدثون بصراحة ضد العرب السُنة الذين يقومون بهذه الأعمال؟ السبب يرجع جزئياً إلى أن مشاعر العجز والمهانة متفشية في المجتمع السني العربي، وهو ما يؤدي إلى شعور بالاحترام الضمني للمفجرين الانتحاريين المستعدين للتضحية بحياتهم من أجل مقاومة الأجانب والأنظمة السلطوية التي يلقي عليها العرب باللائمة في تخلفهم· وهناك سبب آخر وهو أن الأغلبية السنية الصامتة لا تنزعج بقدر كبير عندما يقوم المفجرون الانتحاريون بتفجير المدنيين من اليهود والمسيحيين والشيعة· فبعض الصحافة العربية تثني على مثل هؤلاء المفجرين الانتحاريين وتصفهم بـ''الشهداء''، أو ''المقاومة''ونظرا لأن تلك المجتمعات قد تسامحت مع هذا النوع من البربرية ضد المدنيين عندما تم استخدامها ضد الآخرين، فإن الإرهابيين السُنة تصوروا -على ما يبدو- أن الأمر سيكون على ما يرام، إذا ما قاموا باستخدام مثل هذه التكتيكات ضد أعدائهم من السُنة أيضاً· إنني متأكد من أن الزرقاوي يشعر بالحيرة البالغة اليوم بسبب المظاهرات التي اندلعت ضده في عمّان ولعله يتساءل الآن: ما الخطب؟ ففي النهاية لم يكن هناك اعتراض عندما قام المفجرون الانتحاريون السُنة بذبح الشيعة في العراق والأحمديين في باكستان، أو السياح المسيحيين في إندونيسيا، أو اليهود في إسرائيل، أو الهندوس في نيودلهي· إن العالَم السُني سيحسن صنعا عندما يعيد قراءة القصيدة الشهيرة التي كتبها ''مارتين نيمولر'' الراعي الألماني الذي حُبس أثناء الحرب العالمية الثانية والتي يقول فيها:''لقد جاءوا في البداية بحثا عن الشيوعيين ولم أتكلم لأني لم أكن شيوعيا· وبعد ذلك جاءوا بحثا عن اليهود وأيضا لم أتكلم لأنني لم أكن يهوديا· ثم جاءوا بعد ذلك بحثا عن الكاثوليك ولم أتحدث لأنني كنت بروتستانتياً· ثم جاءوا في النهاية بحثا عنيّ أنا وساعتها لم يكن هناك من تبقى كي يتحدث عنىّ''· إن الحضارة التي لا تقوم بتحريم التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين الأبرياء تقوم هي نفسها بالانتحار· وهذا بالضبط هو ما يقوم به العالَم المسلم السُني، عندما لا يقوم وبشكل دائم بتوعية أطفاله بأن التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين هي أمر خاطئ تماما، وأن جميع من يشاركون فيها لا يذهبون إلى الجنة، وإنما يذهبون مباشرة إلى النار·
في الآونة الأخيرة تعرضنا لسيل من أنباء العمليات الإرهابية، إلى درجة بتنا معها غير قادرين على ملاحظة تلك الأعمال التي يتم فيها تجاوز الخطوط الحرجة، كما حدث خلال الأسابيع القليلة الماضية· ففي بداية شهر رمضان المقدس لدى المسلمين، دلف انتحاري سني إلى مسجد في مدينة الحلة العراقية، وقام بتفجير نفسه وسط جمع غفير من الأفراد الذين كانوا يحضرون جنازة· وعقب انتهاء شهر رمضان بفترة، دلف انتحاري سني آخر إلى قاعة فندق ''راديسون ساس'' في العاصمة الأردنية عمّان، وقام بتفجير نفسه وسط حفل زفاف· إن الإرهابيين الذين يريدون تفجير أنفسهم وسط جنازات وأفراح يحضرها أبناء دينهم، هم في رأيي أشخاص قد انفصلوا تماما عن الإنسانية ولا يشعرون بأية قيود أخلاقية على تصرفاتهم· إن المشكلة الحقيقية في العالَم الإسلامي السني اليوم هي أنه لا توجد في هذا العالم مرجعية أخلاقية متحكمة؛ فأية مناسبة يمكن أن تتحول إلى هدف: جنازة، زفاف أو أي شيء آخر· ومن يدري فربما يقوم الجهاديون الأسبوع القادم بتفجير عنبر للولادة مثلا! نعم هناك حرب أهلية تدور رحاها في العالَم الإسلامي اليوم· وهي حرب بين الجهاديين الأصوليين من جانب، وبين الأغلبية المعتدلة في معظمها على الجانب الآخر، ولكن هناك مشكلة واحدة في تلك الحرب وهي أن الذي يخوضها فعلا هم الجهاديون·إن الأغلبية المسلمة السُنية كانت سلبية إلى حد كبير· صحيح أن الأنظمة السُنية تقوم بالقبض على هؤلاء الجهاديين عندما تستطيع ذلك، ولكن تلك الأنظمة والمؤسسات الدينية التي تسيطر عليها، قلما تقوم بانتقاد الأفكار الإسلامية غير المتسامحة التي يقوم هؤلاء الإرهابيون بنشرها وهي أن المسيحيين واليهود والشيعة والهندوس أقل في المنزلة من المسلمين السُنة، وبالتالي فليس هناك ما يمنع من مهاجمتهم· إنني أتساءل: كم فتوى دينية صدرت لإدانة الإرهابي الأردني أبومصعب الزرقاوي، الذي اغتال بالفعل العشرات من الشيعة وغيرهم؟ ليس الكثير على ما أعتقد· لقد كان أمرا مشجعا حقا عندما قام الأردنيون بالخروج إلى الشارع لشجب التفجيرات الانتحارية الثلاثة التي وقعت في عاصمتهم بواسطة الإرهابيين التابعين للزرقاوي· إن الذي يجعلنا نقول ذلك أن مثل هذا الاحتجاج نادراً ما يحدث· والحقيقة أن العاهل الأردني الملك عبدالله كان واحداً من القادة العرب القلائل الراغبين حقا في مواجهة الجهاديين على المستوى الأيديولوجي- الديني، وذلك من خلال رعايته لحوار داخلي إسلامي لهذا الغرض تحديداً· ولكن، من جهة أخرى، كان من الأمور المثبطة أن نستمع إلى أردنيين وإلى أصوات عربية أخرى تقول إنها تعتقد أن الإسرائيليين يقفون وراء التفجيرات التي وقعت في عمّان، أو تقول للإرهابيين إنكم إذا ما أردتم أن تهاجموا أحدا بالقنابل فعليكم مهاجمة المحتلين أي الأميركيين والإسرائيليين والسؤال هنا: لماذا نحن؟ ولكن هاكم صيحة الاحتجاج التي يحتاج العالم إلى سماعها من الشارع العربي السُني: ولماذا أي أحد في الأساس؟ إن التفجيرات الانتحارية عمل مستهجن، ويدعو للاشمئزاز في الحقيقة· إنكم لا تستطيعون أن تبنوا مجتمعا صحيا من مفجرين انتحاريين· انظروا كيف سيكون متحفكم الوطني: سيكون هناك أحمد -الذي فجر 52 مسلما في حفل زفاف- وسيكون هناك محمد الذي فجر 25 شيعياً في جنازة· إذن ما السبب الذي لا يجعل المزيد من الأشخاص في العالَم السني يتحدثون بصراحة ضد العرب السُنة الذين يقومون بهذه الأعمال؟ السبب يرجع جزئياً إلى أن مشاعر العجز والمهانة متفشية في المجتمع السني العربي، وهو ما يؤدي إلى شعور بالاحترام الضمني للمفجرين الانتحاريين المستعدين للتضحية بحياتهم من أجل مقاومة الأجانب والأنظمة السلطوية التي يلقي عليها العرب باللائمة في تخلفهم· وهناك سبب آخر وهو أن الأغلبية السنية الصامتة لا تنزعج بقدر كبير عندما يقوم المفجرون الانتحاريون بتفجير المدنيين من اليهود والمسيحيين والشيعة· فبعض الصحافة العربية تثني على مثل هؤلاء المفجرين الانتحاريين وتصفهم بـ''الشهداء''، أو ''المقاومة''ونظرا لأن تلك المجتمعات قد تسامحت مع هذا النوع من البربرية ضد المدنيين عندما تم استخدامها ضد الآخرين، فإن الإرهابيين السُنة تصوروا -على ما يبدو- أن الأمر سيكون على ما يرام، إذا ما قاموا باستخدام مثل هذه التكتيكات ضد أعدائهم من السُنة أيضاً· إنني متأكد من أن الزرقاوي يشعر بالحيرة البالغة اليوم بسبب المظاهرات التي اندلعت ضده في عمّان ولعله يتساءل الآن: ما الخطب؟ ففي النهاية لم يكن هناك اعتراض عندما قام المفجرون الانتحاريون السُنة بذبح الشيعة في العراق والأحمديين في باكستان، أو السياح المسيحيين في إندونيسيا، أو اليهود في إسرائيل، أو الهندوس في نيودلهي· إن العالَم السُني سيحسن صنعا عندما يعيد قراءة القصيدة الشهيرة التي كتبها ''مارتين نيمولر'' الراعي الألماني الذي حُبس أثناء الحرب العالمية الثانية والتي يقول فيها:''لقد جاءوا في البداية بحثا عن الشيوعيين ولم أتكلم لأني لم أكن شيوعيا· وبعد ذلك جاءوا بحثا عن اليهود وأيضا لم أتكلم لأنني لم أكن يهوديا· ثم جاءوا بعد ذلك بحثا عن الكاثوليك ولم أتحدث لأنني كنت بروتستانتياً· ثم جاءوا في النهاية بحثا عنيّ أنا وساعتها لم يكن هناك من تبقى كي يتحدث عنىّ''· إن الحضارة التي لا تقوم بتحريم التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين الأبرياء تقوم هي نفسها بالانتحار· وهذا بالضبط هو ما يقوم به العالَم المسلم السُني، عندما لا يقوم وبشكل دائم بتوعية أطفاله بأن التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين هي أمر خاطئ تماما، وأن جميع من يشاركون فيها لا يذهبون إلى الجنة، وإنما يذهبون مباشرة إلى النار·
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق