راغدة درغام - الحياة
قد تكون أمام جامعة الدول العربية فرصة نادرة لاطلاق ورشة عربية - دولية قائمة على تصور متكامل واستراتيجية واضحة نحو العراق تحول دون تقسيمه أو تفتته في حرب أهلية أو تشرذمه في «حرب الارهاب» التي أتت عليه.
مثل هذه المبادرة يتطلب بالتأكيد حشد استعداد الحكومات العربية لايفاد قوات وجيوش عربية الى العراق لتحل مكان القوات الأميركية والبريطانية تدريجاً ولتقوم بمهمات صعبة ومعقدة ومتضاربة. انما ما تتطلبه هذه الرؤية أولاً هو وضوح بداية هذه الورشة ونهايتها بضمانات لا تجعل الجامعة العربية مجرد وسيلة انتقالية للانقاذ يستغنى عنها اذا عرقلت طموحات محلية أو دولية في العراق، فالفكرة هي إحداث نقلة نوعية في التفكير العربي بالمسؤوليات وبالواجبات بدلاً من المضي بنمط «التفرج» على الأحداث في المنطقة العربية كمراقب مندهش أو غاضب ملتزم بالامتناع عن المساهمة.
الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان قام بجولة على منطقة الشرق الأوسط وعاد منها ليقول ان القادة العرب خائفون من أن تصبح سورية «عراقاً». وهو بنفسه أعرب عن مخاوفه من مثل هذا التطور من دون أن يشرح ما هو المقصود بالخوف من «عرقنة» سورية على نسق تعبير «لبننة» العراق الذي كان متداولاً في الماضي. بكلام آخر، ليس واضحاً ان كان الخوف العربي من تطبيق تجربة العراق في سورية هو الخوف من سقوط النظام أم أنه الخوف من غزو اميركي لسورية لاحتلالها.
المفهوم من التخوف من تصدير «نموذج» العراق هو أن العراق في مأزق وهو مهدد بمستقبل صعب ما لم تحشد الجهود لانقاذه. وليس العراق وحده في مأزق وانما الولايات المتحدة ايضاً في ورطة، وهي في حاجة الآن للانقاذ من المستنقع، بمساعدة عربية أو دولية، بعدما خاضت حرب العراق بانفرادية رغم أنف المعارضة في مجلس الأمن وفي الرأي العام العالمي وتوعدت مَن عارضها بالعقاب.
حتى اليوم، ليس واضحاً تماماً لماذا اتخذ الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش ونائبه ديك تشيني قرار غزو العراق واحتلاله. هناك نظريات تراوح بين «الدعوة الالهية» لنشر الحرية حسب ايمان جورج دبليو بوش وبين شن الحرب على العراق لتقسيمه كما تصور المحافظون الجدد خدمة لاسرائيل وضماناً للسيطرة الاميركية على نفطه. ثم كان هناك مبدأ «الاستباقية» الذي تصور الصقور بموجبه ان الحروب الاستباقية استراتيجية ناجحة بحيث تمنع، مثلاً، علاقة خطيرة بين «الارهابيين» وبين نظام الرئيس المخلوع صدام حسين.
ما حدث هو العكس تماماً حيث تحول العراق الى ساحة لحرب الارهاب استقطبت الجهاديين ووضعتهم في معركة مباشرة مع القوات الاميركية. زمرة المحافظين الجدد التي اقنعت الادارة الاميركية بهذه الحرب لربما تصورت أن استدعاء الجهاديين الى حيث يوجد 150 ألف جندي اميركي سيؤدي الى القضاء عليهم وعلى كامل تنظيم «القاعدة». انما لربما لم تتصور ذلك أبداً بل انها أرادت لهذه الحرب ان تستهلك العراق كي يكون في المستطاع تقسيمه أمام انعدام الخيارات الأخرى.
هذه الزمرة زعمت ان هذه حرب سهلة ستجعل من العراق المحطة العربية لاطلاق الديموقراطيات واسقاط الأنظمة العربية المستبدة. هكذا زعمت. لكن غاياتها الحقيقية كانت دائماً أبعد من مزاعمها... وما زلنا لا نعرفها تماماً.
المحافظون الجدد، زئبقيون هذه الأيام، ساعة يظهرون بقوة ليتظاهروا بأن ما يحدث في العراق هو انجازات تاريخية، وساعة يختفون عن الساحة عندما تعلو أصوات الانتقاد للمغامرة الاميركية في العراق. فهم من ورط اميركا في العراق، لكنهم لا يقرون على الاطلاق بأن هذه ورطة أو أن هناك حاجة للانقاذ.
النقاش في الكونغرس والجدال بين الديموقراطيين والجمهوريين حول حرب العراق اتخذ منعطفاً مختلفاً قبل اسبوع عندما طرح السناتور جاك ميرثا المحافظ رأيه بأنه حان وقت سحب القوات الاميركية من العراق. وانقسم السياسيون والجنرالات السابقون والرأي العام والنخبة بين من يريد الانسحاب الفوري ومن يريد الانسحاب التدريجي من العراق. وبقي السؤال: كيف؟
واضح ان الادارة والكونغرس والرأي العام ليسوا في وارد ارسال المزيد من القوات الاميركية الى العراق حتى وان كانت هذه هي الوسيلة الوحيدة للانتصار ولإلحاق الهزيمة بالجهاديين وبالارهاب. فأميركا ليست مستعدة اليوم لزيادة أعداد الجنود لمهمة غير واضحة. انها مستعدة للخروج من العراق من دون اتمام تلك المهمة المبهمة التي تتأرجح بين القضاء على الارهاب وبين نصب حكومة صديقة للولايات المتحدة ومصالحها النفطية.
لكن الادارة الاميركية ترفض قطعاً فكرة الانسحاب الفوري، أو التعهد بعدم الاصرار على قواعد اميركية عسكرية في العراق. انها، في رأيها، لم تفشل ولذلك ترفض الإقرار علناً بأنها في حاجة للانقاذ من المأزق. لكنها تبحث واقعياً عن أفكار.
مؤتمر «الوفاق» الذي دعت اليه جامعة الدول العربية في القاهرة للمصالحة بين العراقيين خطوة مهمة وناجحة في تسوية بعض الخلافات وفي وضع اللبنة لدور عربي في العراق. الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى لعب دوراً مفيداً ومهماً وقابلاً للتطوير نوعياً. فهو نجح في جمع رئيس الوزراء العراقي الدكتور ابراهيم الجعفري مع رئيس هيئة علماء المسلمين الدكتور حارث الضاري التي سبق وعارضت شرعية الحكومة العراقية الانتقالية. وهو تمكن من حض الأطراف على الاتفاق على مسائل حيوية.
مؤتمر «الوفاق» وضع مخرجاً لمعضلة الانسحاب الاميركي من العراق. ندد بالارهاب واعتبر المقاومة «حقاً مشروعاً» فيما دان «تكفير الشعب العراقي» في اشارة واضحة الى تنظيم «القاعدة» بزعامة ابي مصعب الزرقاوي. وأكد البيان الختامي على «جدولة انسحاب» القوات الأجنبية وبناء الجيش الوطني في العراق. وتم الاتفاق على عقد مؤتمر الوفاق الوطني في بغداد في الاسبوع الأخير من شباط (فبراير) أو الاسبوع الأول من آذار (مارس).
النقطة الرابعة من البيان ملفتة اذ نصت على ان «المقاومة حق مشروع للشعوب كافة، بيد ان الارهاب لا يمثل مقاومة مشروعة. وعليه ندين الارهاب وأعمال العنف والقتل والخطف التي تستهدف العراقيين والمؤسسات الانسانية والمدنية والحكومة والثروة الوطنية ودور العبادة، ونطالب بالتصدي لها فوراً».
المهم في هذا الموقف هو تعريف ما لا يُصنف مقاومة - وهو كل ما يجري في العراق - واعتباره ارهاباً طالما يستهدف عراقيين. أما اعتبار المقاومة «حقاً مشروعاً للشعوب» فهذا موقف عائم رغم انه يتناقض منطقياً مع طلب الحكومة العراقية بقاء القوات الاميركية في العراق. فليس منطقياً ان يُعترف بسيادة الحكومة وبحق المقاومة في آن واحد، احدهما ينسف الآخر بالضرورة، اينما كان.
إحدى أهم مشاكل العراق اليوم هو التداخل بين المقاومة والاحتلال، وبين الاحتلال والارهاب، وبين المقاومة والارهاب. ما حققه مؤتمر «الوفاق» هو بداية الفصل والتمييز بين هذه الجهات المتضاربة.
الخطوة التالية للجامعة العربية وللأمين العام عمرو موسى تشكل تحدياً ضرورياً للدول العربية اذا كان للعرب ان يلعبوا دوراً فاعلاً في العراق ومن أجل العراق.
فبعد انتخابات 15 كانون الأول (ديسمبر) وتشكيل حكومة جديدة، يمكن لهذه الحكومة المنتخبة ان تتقدم رسمياً الى الجامعة العربية بطلب بعث قوات عربية تساعدها في الأمور التالية: تدريب الجيش العراقي وتكليفه ان يحل مكان قوات التحالف التي تنسحب حسب جدولة مقرّة، ومحاربة قوات الارهاب.
بكلام آخر، هناك حاجة عراقية الى الحسم بين السيادة والمقاومة والارهاب والاحتلال، وهناك حاجة الى مساهمة عربية جذرية في تحقيق هذا الهدف. فليس هناك أي وسيلة أخرى لمساعدة العراق أو لإنقاذه من المأزق والورطة والتقسيم والشرذمة سوى في المبادرة العربية الى الشراكة مع العراقيين بصورة لم يسبق لها مثيل في العلاقات العربية - العربية.
لا يهم ان كان ذلك سيساعد الولايات المتحدة على الخروج من ورطتها، وليس مهماً ان أدى ذلك الى انقاذ المحافظين الجدد بدلاً من محاكمتهم. فالمكسب الأهم هو العراق ووحدته بدلاًَ من رميه فدية للارهاب وللاحتلال ولمغامرات هذه الزمرة او تلك.
وبالتأكيد، لن يكون سهلاً اتخاذ قرار ايفاد الجيوش العربية الى العراق لخوض الحرب ضد القوى الارهابية العربية والمسلمة الموجودة في العراق. انما لا مفر من مثل هذا القرار شرط ان يكون مبنياً على وضوح انهاء الاحتلال الاميركي للعراق وموارده.
لذلك، من الضروري درس التصور لاستراتيجية المبادرة العربية بكل دقة للأخذ في الاعتبار جميع اللاعبين وكل المطبات. أحد أهم اللاعبين في العراق في هذه المرحلة هي ايران. لذلك، فمن المهم جداًَ ان توضع استراتيجية عربية للتعامل أو للتفاوض مع ايران في موضوع العراق، خصوصاً في غياب القناة الاميركية المباشرة مع ايران.
الشريك الآخر المهم، الى جانب العراق أولاً واخيراً، يشمل أوروبا والولايات المتحدة والأمم المتحدة وروسيا والصين. ذلك ان مبادرة عربية لتحويل العراق الى ورشة دولية يجب ان تتعلم من دروس السياسات الاميركية الفاشلة في العراق.
أركان النجاح لمثل هذه الاستراتيجية ليست في المزيد من التفرقة وانما في الاستفادة من الفرصة المواتية لاخراج الملف العراقي من العزلة والانفرادية وادخاله مرحلة «التدويل التجديدي» بقرار عربي.
قد تكون أمام جامعة الدول العربية فرصة نادرة لاطلاق ورشة عربية - دولية قائمة على تصور متكامل واستراتيجية واضحة نحو العراق تحول دون تقسيمه أو تفتته في حرب أهلية أو تشرذمه في «حرب الارهاب» التي أتت عليه.
مثل هذه المبادرة يتطلب بالتأكيد حشد استعداد الحكومات العربية لايفاد قوات وجيوش عربية الى العراق لتحل مكان القوات الأميركية والبريطانية تدريجاً ولتقوم بمهمات صعبة ومعقدة ومتضاربة. انما ما تتطلبه هذه الرؤية أولاً هو وضوح بداية هذه الورشة ونهايتها بضمانات لا تجعل الجامعة العربية مجرد وسيلة انتقالية للانقاذ يستغنى عنها اذا عرقلت طموحات محلية أو دولية في العراق، فالفكرة هي إحداث نقلة نوعية في التفكير العربي بالمسؤوليات وبالواجبات بدلاً من المضي بنمط «التفرج» على الأحداث في المنطقة العربية كمراقب مندهش أو غاضب ملتزم بالامتناع عن المساهمة.
الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان قام بجولة على منطقة الشرق الأوسط وعاد منها ليقول ان القادة العرب خائفون من أن تصبح سورية «عراقاً». وهو بنفسه أعرب عن مخاوفه من مثل هذا التطور من دون أن يشرح ما هو المقصود بالخوف من «عرقنة» سورية على نسق تعبير «لبننة» العراق الذي كان متداولاً في الماضي. بكلام آخر، ليس واضحاً ان كان الخوف العربي من تطبيق تجربة العراق في سورية هو الخوف من سقوط النظام أم أنه الخوف من غزو اميركي لسورية لاحتلالها.
المفهوم من التخوف من تصدير «نموذج» العراق هو أن العراق في مأزق وهو مهدد بمستقبل صعب ما لم تحشد الجهود لانقاذه. وليس العراق وحده في مأزق وانما الولايات المتحدة ايضاً في ورطة، وهي في حاجة الآن للانقاذ من المستنقع، بمساعدة عربية أو دولية، بعدما خاضت حرب العراق بانفرادية رغم أنف المعارضة في مجلس الأمن وفي الرأي العام العالمي وتوعدت مَن عارضها بالعقاب.
حتى اليوم، ليس واضحاً تماماً لماذا اتخذ الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش ونائبه ديك تشيني قرار غزو العراق واحتلاله. هناك نظريات تراوح بين «الدعوة الالهية» لنشر الحرية حسب ايمان جورج دبليو بوش وبين شن الحرب على العراق لتقسيمه كما تصور المحافظون الجدد خدمة لاسرائيل وضماناً للسيطرة الاميركية على نفطه. ثم كان هناك مبدأ «الاستباقية» الذي تصور الصقور بموجبه ان الحروب الاستباقية استراتيجية ناجحة بحيث تمنع، مثلاً، علاقة خطيرة بين «الارهابيين» وبين نظام الرئيس المخلوع صدام حسين.
ما حدث هو العكس تماماً حيث تحول العراق الى ساحة لحرب الارهاب استقطبت الجهاديين ووضعتهم في معركة مباشرة مع القوات الاميركية. زمرة المحافظين الجدد التي اقنعت الادارة الاميركية بهذه الحرب لربما تصورت أن استدعاء الجهاديين الى حيث يوجد 150 ألف جندي اميركي سيؤدي الى القضاء عليهم وعلى كامل تنظيم «القاعدة». انما لربما لم تتصور ذلك أبداً بل انها أرادت لهذه الحرب ان تستهلك العراق كي يكون في المستطاع تقسيمه أمام انعدام الخيارات الأخرى.
هذه الزمرة زعمت ان هذه حرب سهلة ستجعل من العراق المحطة العربية لاطلاق الديموقراطيات واسقاط الأنظمة العربية المستبدة. هكذا زعمت. لكن غاياتها الحقيقية كانت دائماً أبعد من مزاعمها... وما زلنا لا نعرفها تماماً.
المحافظون الجدد، زئبقيون هذه الأيام، ساعة يظهرون بقوة ليتظاهروا بأن ما يحدث في العراق هو انجازات تاريخية، وساعة يختفون عن الساحة عندما تعلو أصوات الانتقاد للمغامرة الاميركية في العراق. فهم من ورط اميركا في العراق، لكنهم لا يقرون على الاطلاق بأن هذه ورطة أو أن هناك حاجة للانقاذ.
النقاش في الكونغرس والجدال بين الديموقراطيين والجمهوريين حول حرب العراق اتخذ منعطفاً مختلفاً قبل اسبوع عندما طرح السناتور جاك ميرثا المحافظ رأيه بأنه حان وقت سحب القوات الاميركية من العراق. وانقسم السياسيون والجنرالات السابقون والرأي العام والنخبة بين من يريد الانسحاب الفوري ومن يريد الانسحاب التدريجي من العراق. وبقي السؤال: كيف؟
واضح ان الادارة والكونغرس والرأي العام ليسوا في وارد ارسال المزيد من القوات الاميركية الى العراق حتى وان كانت هذه هي الوسيلة الوحيدة للانتصار ولإلحاق الهزيمة بالجهاديين وبالارهاب. فأميركا ليست مستعدة اليوم لزيادة أعداد الجنود لمهمة غير واضحة. انها مستعدة للخروج من العراق من دون اتمام تلك المهمة المبهمة التي تتأرجح بين القضاء على الارهاب وبين نصب حكومة صديقة للولايات المتحدة ومصالحها النفطية.
لكن الادارة الاميركية ترفض قطعاً فكرة الانسحاب الفوري، أو التعهد بعدم الاصرار على قواعد اميركية عسكرية في العراق. انها، في رأيها، لم تفشل ولذلك ترفض الإقرار علناً بأنها في حاجة للانقاذ من المأزق. لكنها تبحث واقعياً عن أفكار.
مؤتمر «الوفاق» الذي دعت اليه جامعة الدول العربية في القاهرة للمصالحة بين العراقيين خطوة مهمة وناجحة في تسوية بعض الخلافات وفي وضع اللبنة لدور عربي في العراق. الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى لعب دوراً مفيداً ومهماً وقابلاً للتطوير نوعياً. فهو نجح في جمع رئيس الوزراء العراقي الدكتور ابراهيم الجعفري مع رئيس هيئة علماء المسلمين الدكتور حارث الضاري التي سبق وعارضت شرعية الحكومة العراقية الانتقالية. وهو تمكن من حض الأطراف على الاتفاق على مسائل حيوية.
مؤتمر «الوفاق» وضع مخرجاً لمعضلة الانسحاب الاميركي من العراق. ندد بالارهاب واعتبر المقاومة «حقاً مشروعاً» فيما دان «تكفير الشعب العراقي» في اشارة واضحة الى تنظيم «القاعدة» بزعامة ابي مصعب الزرقاوي. وأكد البيان الختامي على «جدولة انسحاب» القوات الأجنبية وبناء الجيش الوطني في العراق. وتم الاتفاق على عقد مؤتمر الوفاق الوطني في بغداد في الاسبوع الأخير من شباط (فبراير) أو الاسبوع الأول من آذار (مارس).
النقطة الرابعة من البيان ملفتة اذ نصت على ان «المقاومة حق مشروع للشعوب كافة، بيد ان الارهاب لا يمثل مقاومة مشروعة. وعليه ندين الارهاب وأعمال العنف والقتل والخطف التي تستهدف العراقيين والمؤسسات الانسانية والمدنية والحكومة والثروة الوطنية ودور العبادة، ونطالب بالتصدي لها فوراً».
المهم في هذا الموقف هو تعريف ما لا يُصنف مقاومة - وهو كل ما يجري في العراق - واعتباره ارهاباً طالما يستهدف عراقيين. أما اعتبار المقاومة «حقاً مشروعاً للشعوب» فهذا موقف عائم رغم انه يتناقض منطقياً مع طلب الحكومة العراقية بقاء القوات الاميركية في العراق. فليس منطقياً ان يُعترف بسيادة الحكومة وبحق المقاومة في آن واحد، احدهما ينسف الآخر بالضرورة، اينما كان.
إحدى أهم مشاكل العراق اليوم هو التداخل بين المقاومة والاحتلال، وبين الاحتلال والارهاب، وبين المقاومة والارهاب. ما حققه مؤتمر «الوفاق» هو بداية الفصل والتمييز بين هذه الجهات المتضاربة.
الخطوة التالية للجامعة العربية وللأمين العام عمرو موسى تشكل تحدياً ضرورياً للدول العربية اذا كان للعرب ان يلعبوا دوراً فاعلاً في العراق ومن أجل العراق.
فبعد انتخابات 15 كانون الأول (ديسمبر) وتشكيل حكومة جديدة، يمكن لهذه الحكومة المنتخبة ان تتقدم رسمياً الى الجامعة العربية بطلب بعث قوات عربية تساعدها في الأمور التالية: تدريب الجيش العراقي وتكليفه ان يحل مكان قوات التحالف التي تنسحب حسب جدولة مقرّة، ومحاربة قوات الارهاب.
بكلام آخر، هناك حاجة عراقية الى الحسم بين السيادة والمقاومة والارهاب والاحتلال، وهناك حاجة الى مساهمة عربية جذرية في تحقيق هذا الهدف. فليس هناك أي وسيلة أخرى لمساعدة العراق أو لإنقاذه من المأزق والورطة والتقسيم والشرذمة سوى في المبادرة العربية الى الشراكة مع العراقيين بصورة لم يسبق لها مثيل في العلاقات العربية - العربية.
لا يهم ان كان ذلك سيساعد الولايات المتحدة على الخروج من ورطتها، وليس مهماً ان أدى ذلك الى انقاذ المحافظين الجدد بدلاً من محاكمتهم. فالمكسب الأهم هو العراق ووحدته بدلاًَ من رميه فدية للارهاب وللاحتلال ولمغامرات هذه الزمرة او تلك.
وبالتأكيد، لن يكون سهلاً اتخاذ قرار ايفاد الجيوش العربية الى العراق لخوض الحرب ضد القوى الارهابية العربية والمسلمة الموجودة في العراق. انما لا مفر من مثل هذا القرار شرط ان يكون مبنياً على وضوح انهاء الاحتلال الاميركي للعراق وموارده.
لذلك، من الضروري درس التصور لاستراتيجية المبادرة العربية بكل دقة للأخذ في الاعتبار جميع اللاعبين وكل المطبات. أحد أهم اللاعبين في العراق في هذه المرحلة هي ايران. لذلك، فمن المهم جداًَ ان توضع استراتيجية عربية للتعامل أو للتفاوض مع ايران في موضوع العراق، خصوصاً في غياب القناة الاميركية المباشرة مع ايران.
الشريك الآخر المهم، الى جانب العراق أولاً واخيراً، يشمل أوروبا والولايات المتحدة والأمم المتحدة وروسيا والصين. ذلك ان مبادرة عربية لتحويل العراق الى ورشة دولية يجب ان تتعلم من دروس السياسات الاميركية الفاشلة في العراق.
أركان النجاح لمثل هذه الاستراتيجية ليست في المزيد من التفرقة وانما في الاستفادة من الفرصة المواتية لاخراج الملف العراقي من العزلة والانفرادية وادخاله مرحلة «التدويل التجديدي» بقرار عربي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق