د. مية الرحبي - كـلـنــــا شركاء في الوطـــن
في رد دار الثقافة على السيدة ديمة ونوس، ادعى ملاّك" دار الأوبرا"، أن ما يقومون به من إجراءات، هي فقط لحماية المواطن، ولا أدري إن كانت عشرات بل مئات الإهانات التي تلقاها عشاق وصناع السينما، تدخل في هذا الباب.
لم يخرج "أصحاب" دار الأوبرا في فهمهم لعقلية "المسؤول" التي سادت في وطننا في العقود الماضية، عن العرف السائد،الذي يعتبر فيه المسؤول المنشأة التي يديرها مزرعة خاصة به يحق له أن يتصرف فيها على هواه، فيدخل إليها من يشاء، ويحرم منها من يشاء، يذل فيها من يشاء من المواطنين، ويهين كرامتهم، وربما يستمتع بإذلالهم.
ولا يشذ عن ذلك ماحدث في دار الأوبرا، ذلك الصرح الثقافي الكبير، الذي كان الهدف منه الارتقاء بذائقة المواطن وحسه وإنسانيته إلى الأعلى، عن طريق الثقافة، الزاد الروحي، الذي يجب أن يتاح لجميع المواطنين دون استثناء.
يخالجك إحساس منذ أن تطا قدماك دار الأوبرا، أن هنالك خوفا لدى القائمين عليها من أن تدنس قدماك، بل وجودك كله قدسيتها، إذ ينتشر في أرجائها مجموعة هائلة من الفتيات، لا عمل لهن سوى إظهار الاستياء والامتعاض الذي يصل على حد الصراخ في وجه الزوار، إن تجرأ أحدهم على الوقوف لحظة في بهو الدار لينتظرصديقا، أو يسأل أحدهم سؤالا، أو يعطي نفسه لحظة تفكير، يختار فيها الفيلم الذي يرغب بحضوره، وإذا ما رد على الفتيات "اللطيفات" بأن ما يفعلنه لا يليق بالدار، يأتي أحد الشبان الموظفين مهرولا، وكأنه وظف لاستخدام عضلاته، في حال لم يستطع صراخ الفتيات قمع الزائر المشاغب.
تصل إلى الدار قبل موعد العرض بربع ساعة مثلا، وتفاجأ أن القائمين عليها قرروا فجأة إغلاق الباب الخارجي، وتركك ترتجف خارجا من البرد، بحجة أن هنالك زحاما، وعندما تناقشهم، وأنت ترى من خلال الزجاج، البهو الواسع ذو المساحة الهائلة دون أي اكتظاظ، يجيبونك بلهجة مخابراتية يعرفها من خبرها تماما: انتظر وسندخلك عندما نرتأي ذلك. تحاول إقناعهم، أنهم بذلك يضيعون عليك وقت قطع التذاكر وحضور الفيلم في وقته، فتعلو نبرة صوتهم، التي تصل إلى حد التهديد بحرمانك من دخول " دارهم"، تسكت على مضض وانت لا زلت ترتجف من البرد. يفتحون الباب أخيرا، تصل إلى شباك قطع التذاكر ، لتجد البطاقات قد نفدت، والعرض سيبدأ ، تقف حائرا في البهو لا تدري ما تفعل بعد أن تركت مهام كثيرة وراءك، لتستعيد بحضورك تلك الأفلام لحظات حلوة من ماض جميل، يأتي من يخرجك من حيرتك، بأن يطردك بكل فظاظة إلى خارج الدار، لأن استمرار وقوفك في البهو، سيجعل سجادها يهترئ وجدرانها تتعرض للحت بأنفاسك وانفاس غيرك. تعزي نفسك وأنت مطرود خارج الدار ، عندما ترى أهم صناع السينما في بلدك، وهم يطردون مثلك، رغم كونهم بصحبة ضيف أجنبي.
تخرج وأنت تكاد تنفجر من الغيظ ، وتسترجع في ذهنك ذكريات لك عن مؤتمرات ومهرجانات حضرتها في الخارج، حيث كنت معززا مكرما، وموضع ترحيب وتقدير لشخصك واهتماماتك، فالمهرجانات والمؤتمرات هي فرص للقاء بين المشاركين والمهتمين، وتعادل أهمية تلك اللقاءات أهمية حضور فعاليات المهرجان أو المؤتمر، كما يعرف الجميع، وكثيرا ما تكون الأحاديث التي تدور في أروقة المهرجانات فرصا لمشاريع تعاونية ، ولحظات انطلاق لمشاركات ابداعية، وتبادل خبرات بين المختصين والمهتمين، تجعل من تلك اللقاءات هدفا أهم من حضور الفعاليات نفسها بالنسبة للكثير من المختصين.
ربما لا تفاجأ بما يحدث لك عندما تتذكر افتتاح المهرجان، فبعد الاستعراضات، والتصفيق والتكريم، ينسحب الكثيرون، ولا يبقى في الصالة سوى عشاق السينما الحقيقيون، الذين يرغبون في رؤية فيلم مهم طالما سمعوا وقرأوا عنه، يبدأ عرض الفيلم دون ترجمة، وبعد ربع ساعة يتمكن الفنيون، الذين من الواضح أنهم لم يجروا أي تجربة سابقة على هذا العرض، يتمكنون من وضع الترجمة بشكل اعتباطي، ترقص الصورة أمامك، فجأة تشعل أضواء الصالة، يلتفت الحضور إلى الخلف غير قادرين على فهم ما يحصل، يبدأ الاحتجاج في الصالة للمطالبة بإطفاء الأضواء، والفيلم مستمر وأنت لا تستطيع المتابعة من الضوء أولا، والضجة ثانيا، تطفأ الأضواء ، ثم تشعل ثانية ، وتستمر لعبة الإشعال والإطفاء حتى ينفد صبرك، تجرجر أذيال خيبتك وأنت تغادر قصر الأمويين مقهورا مغتاظا دون ان تتمكن من مشاهدة الفيلم. على باب الصالة الخارجي، تسمع حوارا بين شخصين مسؤولين عن الصالة، يصر الذي يبدو عليه أنه الأهم - إذ يتصرف كما تعودت أن ترى ك" مالك للصالة" -على أن الأضواء يجب أن تشعل لأن إحداهن " تفركشت" في العتم وانكسرت رجلها، مرددا بشكل آلي " لا يوجد في العالم إطفاء تام، لا يوجد في العالم إطفاء تام" ، في طريق عودتك إلى مركز المدينة تردد أنت ايضا بشكل آلي" لماذا؟ لماذا؟ " متنبها أنه لم يكن في الصالة كلها اشخص و احد فقط من مسؤولي مؤسسة السينما، بقي لحضور عرض الفيلم، وكان بإمكانه منع هذه المهزلة ، أو التدخل لدى "صاحب" " قصر الأمويين". الجميع ذهب مع المشاهير، فالتواجد معهم أمتع من حضور فيلم حاز على جائزة عالمية، وأهم بكثير من متابعة حفل الافتتاح حتى نهايته، ومالداعي للبقاء، فالظلام سيحل، ولن يراك أحد وأنت تمارس مهامك كمسؤول.
تصر أن ترضي عشقك للسينما ، وتتابع الحضور في صالات العرض، وتخرج في كل مرة والقهر يعصف بروحك، عندما تلاحظ التردي الذي وصلت إليه حال السينما، فلا إنتاج كاف كي تقيم مهرجانا تنافس فيه الآخرين بصناعتك السينمائية، دور العرض - عدا سينما الشام ، التي يبلغ ثمن بطاقتها 100 ليرة، ودار الأوبرا، التي ستهان كرامتك فيها- في حال يرثى لها، يعلو صوت آلات العرض المهترئة فيطغى على صوت الفيلم، حتى أنك تضطر أحيانا لقراءة الترجمة الانكليزية الموضوعة أسفل الأفلام السورية!! أما الصالة نفسها والمقاعد فأقل ما يقال عنها أنها غير صالحة للاستعمال البشري، الترجمة غائبة عن العديد من الأفلام، وأنت مضطر لقراءة الترجمة الانكليزية ، وكأنها لغتك الرسمية.
تقاوم كي لا تهزم كل تلك الظروف عشقك للسينما، لكنك في لحظة يأس وأنت خارج من إحدى دور العرض، تقف مذهولا برهة، على الرصيف حيث لا أحد سيطردك، كي تستجمع شجاعتك، ودون أي تفكير، توقف تكسيا، ترى نفسك في بيتك، حيث اخترت أن تكون في السنوات الأخيرة أغلب الوقت، تستعيد سنوات السينما الذهبية من عمرك، وتحلف يمينا معظمة أنك لن تحضر حفل الختام.
في رد دار الثقافة على السيدة ديمة ونوس، ادعى ملاّك" دار الأوبرا"، أن ما يقومون به من إجراءات، هي فقط لحماية المواطن، ولا أدري إن كانت عشرات بل مئات الإهانات التي تلقاها عشاق وصناع السينما، تدخل في هذا الباب.
لم يخرج "أصحاب" دار الأوبرا في فهمهم لعقلية "المسؤول" التي سادت في وطننا في العقود الماضية، عن العرف السائد،الذي يعتبر فيه المسؤول المنشأة التي يديرها مزرعة خاصة به يحق له أن يتصرف فيها على هواه، فيدخل إليها من يشاء، ويحرم منها من يشاء، يذل فيها من يشاء من المواطنين، ويهين كرامتهم، وربما يستمتع بإذلالهم.
ولا يشذ عن ذلك ماحدث في دار الأوبرا، ذلك الصرح الثقافي الكبير، الذي كان الهدف منه الارتقاء بذائقة المواطن وحسه وإنسانيته إلى الأعلى، عن طريق الثقافة، الزاد الروحي، الذي يجب أن يتاح لجميع المواطنين دون استثناء.
يخالجك إحساس منذ أن تطا قدماك دار الأوبرا، أن هنالك خوفا لدى القائمين عليها من أن تدنس قدماك، بل وجودك كله قدسيتها، إذ ينتشر في أرجائها مجموعة هائلة من الفتيات، لا عمل لهن سوى إظهار الاستياء والامتعاض الذي يصل على حد الصراخ في وجه الزوار، إن تجرأ أحدهم على الوقوف لحظة في بهو الدار لينتظرصديقا، أو يسأل أحدهم سؤالا، أو يعطي نفسه لحظة تفكير، يختار فيها الفيلم الذي يرغب بحضوره، وإذا ما رد على الفتيات "اللطيفات" بأن ما يفعلنه لا يليق بالدار، يأتي أحد الشبان الموظفين مهرولا، وكأنه وظف لاستخدام عضلاته، في حال لم يستطع صراخ الفتيات قمع الزائر المشاغب.
تصل إلى الدار قبل موعد العرض بربع ساعة مثلا، وتفاجأ أن القائمين عليها قرروا فجأة إغلاق الباب الخارجي، وتركك ترتجف خارجا من البرد، بحجة أن هنالك زحاما، وعندما تناقشهم، وأنت ترى من خلال الزجاج، البهو الواسع ذو المساحة الهائلة دون أي اكتظاظ، يجيبونك بلهجة مخابراتية يعرفها من خبرها تماما: انتظر وسندخلك عندما نرتأي ذلك. تحاول إقناعهم، أنهم بذلك يضيعون عليك وقت قطع التذاكر وحضور الفيلم في وقته، فتعلو نبرة صوتهم، التي تصل إلى حد التهديد بحرمانك من دخول " دارهم"، تسكت على مضض وانت لا زلت ترتجف من البرد. يفتحون الباب أخيرا، تصل إلى شباك قطع التذاكر ، لتجد البطاقات قد نفدت، والعرض سيبدأ ، تقف حائرا في البهو لا تدري ما تفعل بعد أن تركت مهام كثيرة وراءك، لتستعيد بحضورك تلك الأفلام لحظات حلوة من ماض جميل، يأتي من يخرجك من حيرتك، بأن يطردك بكل فظاظة إلى خارج الدار، لأن استمرار وقوفك في البهو، سيجعل سجادها يهترئ وجدرانها تتعرض للحت بأنفاسك وانفاس غيرك. تعزي نفسك وأنت مطرود خارج الدار ، عندما ترى أهم صناع السينما في بلدك، وهم يطردون مثلك، رغم كونهم بصحبة ضيف أجنبي.
تخرج وأنت تكاد تنفجر من الغيظ ، وتسترجع في ذهنك ذكريات لك عن مؤتمرات ومهرجانات حضرتها في الخارج، حيث كنت معززا مكرما، وموضع ترحيب وتقدير لشخصك واهتماماتك، فالمهرجانات والمؤتمرات هي فرص للقاء بين المشاركين والمهتمين، وتعادل أهمية تلك اللقاءات أهمية حضور فعاليات المهرجان أو المؤتمر، كما يعرف الجميع، وكثيرا ما تكون الأحاديث التي تدور في أروقة المهرجانات فرصا لمشاريع تعاونية ، ولحظات انطلاق لمشاركات ابداعية، وتبادل خبرات بين المختصين والمهتمين، تجعل من تلك اللقاءات هدفا أهم من حضور الفعاليات نفسها بالنسبة للكثير من المختصين.
ربما لا تفاجأ بما يحدث لك عندما تتذكر افتتاح المهرجان، فبعد الاستعراضات، والتصفيق والتكريم، ينسحب الكثيرون، ولا يبقى في الصالة سوى عشاق السينما الحقيقيون، الذين يرغبون في رؤية فيلم مهم طالما سمعوا وقرأوا عنه، يبدأ عرض الفيلم دون ترجمة، وبعد ربع ساعة يتمكن الفنيون، الذين من الواضح أنهم لم يجروا أي تجربة سابقة على هذا العرض، يتمكنون من وضع الترجمة بشكل اعتباطي، ترقص الصورة أمامك، فجأة تشعل أضواء الصالة، يلتفت الحضور إلى الخلف غير قادرين على فهم ما يحصل، يبدأ الاحتجاج في الصالة للمطالبة بإطفاء الأضواء، والفيلم مستمر وأنت لا تستطيع المتابعة من الضوء أولا، والضجة ثانيا، تطفأ الأضواء ، ثم تشعل ثانية ، وتستمر لعبة الإشعال والإطفاء حتى ينفد صبرك، تجرجر أذيال خيبتك وأنت تغادر قصر الأمويين مقهورا مغتاظا دون ان تتمكن من مشاهدة الفيلم. على باب الصالة الخارجي، تسمع حوارا بين شخصين مسؤولين عن الصالة، يصر الذي يبدو عليه أنه الأهم - إذ يتصرف كما تعودت أن ترى ك" مالك للصالة" -على أن الأضواء يجب أن تشعل لأن إحداهن " تفركشت" في العتم وانكسرت رجلها، مرددا بشكل آلي " لا يوجد في العالم إطفاء تام، لا يوجد في العالم إطفاء تام" ، في طريق عودتك إلى مركز المدينة تردد أنت ايضا بشكل آلي" لماذا؟ لماذا؟ " متنبها أنه لم يكن في الصالة كلها اشخص و احد فقط من مسؤولي مؤسسة السينما، بقي لحضور عرض الفيلم، وكان بإمكانه منع هذه المهزلة ، أو التدخل لدى "صاحب" " قصر الأمويين". الجميع ذهب مع المشاهير، فالتواجد معهم أمتع من حضور فيلم حاز على جائزة عالمية، وأهم بكثير من متابعة حفل الافتتاح حتى نهايته، ومالداعي للبقاء، فالظلام سيحل، ولن يراك أحد وأنت تمارس مهامك كمسؤول.
تصر أن ترضي عشقك للسينما ، وتتابع الحضور في صالات العرض، وتخرج في كل مرة والقهر يعصف بروحك، عندما تلاحظ التردي الذي وصلت إليه حال السينما، فلا إنتاج كاف كي تقيم مهرجانا تنافس فيه الآخرين بصناعتك السينمائية، دور العرض - عدا سينما الشام ، التي يبلغ ثمن بطاقتها 100 ليرة، ودار الأوبرا، التي ستهان كرامتك فيها- في حال يرثى لها، يعلو صوت آلات العرض المهترئة فيطغى على صوت الفيلم، حتى أنك تضطر أحيانا لقراءة الترجمة الانكليزية الموضوعة أسفل الأفلام السورية!! أما الصالة نفسها والمقاعد فأقل ما يقال عنها أنها غير صالحة للاستعمال البشري، الترجمة غائبة عن العديد من الأفلام، وأنت مضطر لقراءة الترجمة الانكليزية ، وكأنها لغتك الرسمية.
تقاوم كي لا تهزم كل تلك الظروف عشقك للسينما، لكنك في لحظة يأس وأنت خارج من إحدى دور العرض، تقف مذهولا برهة، على الرصيف حيث لا أحد سيطردك، كي تستجمع شجاعتك، ودون أي تفكير، توقف تكسيا، ترى نفسك في بيتك، حيث اخترت أن تكون في السنوات الأخيرة أغلب الوقت، تستعيد سنوات السينما الذهبية من عمرك، وتحلف يمينا معظمة أنك لن تحضر حفل الختام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق