وضاح شرارة - الحياة
أيقظ «خبر» صحيفة «ديلي ميرور» البريطانية عن إسرار الرئيس الأميركي الى رئيس الوزراء البريطاني برغبته في قصف منبر الفضائية القطرية، «الجزيرة»، في نيسان (ابريل) 2004، أهومة ورؤى وأضغاثاً لم ترقد ولم تهدأ. وحقق الخبر المفترض ما كان الجمهور (وأعلامه) يعرفه ويعلمه علم اليقين من السياسة الأميركية عموماً، ومن سياسة ساستها وحكامها «المحافظين»، اليوم. فاندرج الخبر المفترض من تلقاء نطقه، والتلويح به ثوباً ملطخاً بالدم والعار، في قافلة المثالب والعيوب الأميركية المختبرة والمحققة مثل ابو غريب وغوانتانامو وقلعة كبير (بأفغانستان) والسجون السرية في اوروبا وخارجها. وهذه آخر الغيث. وأما أوله فيعود الى أول التاريخ الأميركي. وتوسلت «الجزيرة» نفسها بالخبر المفترض، وبما تخلف عنه مباشرة، فدعت الى حملة اعتصامات استنكاراً للجريمة الأميركية الناجزة في حق حرية الرأي. فجمعت في جملة واحدة حوادث تشترك في تطاولها الى «الجزيرة» وموظفيها وصحافييها، في ميادين (حرب وإعلام) متفرقة. فجلت قصف مكتبها بكابول، ومقتل احد صحافييها ببغداد، وإدانة مراسلها بإسبانيا، حادثة متصلة وواحدة. وأدخلت الحوادث هذه في باب اضطهاد السياسة الأميركية الرأي «الحر»، والإعلام المخالف او «المعاكس» (على معنيي الصفة، العامي المصري والاصطلاحي الجزيري).
وانحاز الى «الجزيرة» في محنتها الاحتمالية على وجه استرجاعي، ابطال غير متوقعين للرأي «الحر» نفسه، من انصار «الديموقراطية الإيرانية» (الخمينية) وأعداء «الديموقراطية الدينية» (الخاتمية)، ودعاة العمليات الانتحارية، ومعتقدو «البروتوكولات»، والمنددون بخروج قاضي التحقيق الألماني ديتليف ميليس والقضاء الدولي عن الحيدة (الحياد) منذ حادثة «لابيل» الليبية وجريمتي لوكربي وصحراء تشاد، الى قتل عشرات اللبنانيين عنوة وظلماً وإرهاباً.
وما يشكل في النهج الإعلامي التحريضي هذا، ليس التنديد بانتهاكات اميركية بعضها ثابت ومنكر، بل جمع وقائع وحوادث وأخبار وإشاعات في كلٍّ متماسك، يزعم ان حكمه على قدر واحد من الجلاء، ويؤوّل على معنى واحد. فخبر «ديلي ميرور» المفترض خبران او روايتان. فيزعم مصدر اول، على رواية الصحيفة في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، ان التهديد كان من باب المزاح والتندر.
ويزعم مصدر آخر ان بوش كان «بالغ الجد»، فرد بلير قائلاً ان الأمر تنجم عنه «مشكلة خطيرة». فلا تحذف الرواية «المازحة» (أياً كان الرأي في الخوض في هذه الأمور مزاحاً) وحسب، بل تستحضر أرواح حوادث سابقة لا علاقة لها بـ «الحادثة» الحاضرة. فإدانة القضاء الإسباني تيسير علوني بمواطأة بعض افراد «القاعدة» على نقل بعض المال، تدخل في باب التحقيق القضائي الإسباني. ولا شأن له بالأفعال الأميركية الحربية بأفغانستان والعراق.
والرد على المقاضاة الإسبانية طريقُهُ تحقيق قضائي اوسع وأدق، وسبر للربط بين الحكم بالسجن سبعة اعوام وبين ذريعة الحكم. وليس قطعاً المساواة بين كلام قيل، على سبيل المزاح او سبيل الجد، في خلوة، وبين الإجراء القانوني والعلني. ولا المساواة بين الإجراء القضائي هذا، وبين فعل حربي، مثل قصف مكتب الفضائية في مسرح حرب ارتضت الفضائية ان تكون جزءاً منه، وربما طرفاً من اطرافه. وهي نفسها احجمت عن بث بعض الفظائع الزرقاوية، والصدامية ربما، مثل جز الرؤوس، في «الحرب» الإعلامية التي خاضتها جماعات ارهابية بالعراق.
فإذا جنح الإعلام في اثناء الفعل الإعلامي او خارجه (في التظاهر والاعتصام والاستفتاء، أي طلب الفتوى من «مراجع» تروج لها الفضائيات) الى طمس الفروق بين الحوادث، تلك التي يرويها الإعلام وتلك التي تصيبه، وحمل الحوادث المتفرقة على معنى واحد ومشترك، إذا فعل هذا اظهر على الملأ ما تتستر عليه «حريته» المزعومة. وأدخل بن لادن و «القاعدة» والجماعات الإسلامية المسلحة والاغتيالات «القومية» في باب حركات التحرر ومقاومة القهر والاستبداد. ومسرح الإعلام، من هذا الوجه، فاضح. فهو «يُخرج» جهاراً نهاراً ما يقوله وما يتستر عليه، معاً وجميعاً. وحسبان ان ما يرى ويسمع هو «الخارج» وحده، سذاجة لا تنطلي على إعلاميين، ولو مناضلين.
وانحاز الى «الجزيرة» في محنتها الاحتمالية على وجه استرجاعي، ابطال غير متوقعين للرأي «الحر» نفسه، من انصار «الديموقراطية الإيرانية» (الخمينية) وأعداء «الديموقراطية الدينية» (الخاتمية)، ودعاة العمليات الانتحارية، ومعتقدو «البروتوكولات»، والمنددون بخروج قاضي التحقيق الألماني ديتليف ميليس والقضاء الدولي عن الحيدة (الحياد) منذ حادثة «لابيل» الليبية وجريمتي لوكربي وصحراء تشاد، الى قتل عشرات اللبنانيين عنوة وظلماً وإرهاباً.
وما يشكل في النهج الإعلامي التحريضي هذا، ليس التنديد بانتهاكات اميركية بعضها ثابت ومنكر، بل جمع وقائع وحوادث وأخبار وإشاعات في كلٍّ متماسك، يزعم ان حكمه على قدر واحد من الجلاء، ويؤوّل على معنى واحد. فخبر «ديلي ميرور» المفترض خبران او روايتان. فيزعم مصدر اول، على رواية الصحيفة في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، ان التهديد كان من باب المزاح والتندر.
ويزعم مصدر آخر ان بوش كان «بالغ الجد»، فرد بلير قائلاً ان الأمر تنجم عنه «مشكلة خطيرة». فلا تحذف الرواية «المازحة» (أياً كان الرأي في الخوض في هذه الأمور مزاحاً) وحسب، بل تستحضر أرواح حوادث سابقة لا علاقة لها بـ «الحادثة» الحاضرة. فإدانة القضاء الإسباني تيسير علوني بمواطأة بعض افراد «القاعدة» على نقل بعض المال، تدخل في باب التحقيق القضائي الإسباني. ولا شأن له بالأفعال الأميركية الحربية بأفغانستان والعراق.
والرد على المقاضاة الإسبانية طريقُهُ تحقيق قضائي اوسع وأدق، وسبر للربط بين الحكم بالسجن سبعة اعوام وبين ذريعة الحكم. وليس قطعاً المساواة بين كلام قيل، على سبيل المزاح او سبيل الجد، في خلوة، وبين الإجراء القانوني والعلني. ولا المساواة بين الإجراء القضائي هذا، وبين فعل حربي، مثل قصف مكتب الفضائية في مسرح حرب ارتضت الفضائية ان تكون جزءاً منه، وربما طرفاً من اطرافه. وهي نفسها احجمت عن بث بعض الفظائع الزرقاوية، والصدامية ربما، مثل جز الرؤوس، في «الحرب» الإعلامية التي خاضتها جماعات ارهابية بالعراق.
فإذا جنح الإعلام في اثناء الفعل الإعلامي او خارجه (في التظاهر والاعتصام والاستفتاء، أي طلب الفتوى من «مراجع» تروج لها الفضائيات) الى طمس الفروق بين الحوادث، تلك التي يرويها الإعلام وتلك التي تصيبه، وحمل الحوادث المتفرقة على معنى واحد ومشترك، إذا فعل هذا اظهر على الملأ ما تتستر عليه «حريته» المزعومة. وأدخل بن لادن و «القاعدة» والجماعات الإسلامية المسلحة والاغتيالات «القومية» في باب حركات التحرر ومقاومة القهر والاستبداد. ومسرح الإعلام، من هذا الوجه، فاضح. فهو «يُخرج» جهاراً نهاراً ما يقوله وما يتستر عليه، معاً وجميعاً. وحسبان ان ما يرى ويسمع هو «الخارج» وحده، سذاجة لا تنطلي على إعلاميين، ولو مناضلين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق