حازم صاغيّة - الحياة
يندفع الشيعة اللبنانيون، ويُدفعون، الى موقع مقلق لا يُحسدون عليه ولا يُحسد لبنان تالياً. فـ «مقاومة» حزب الله لا تزال تضعهم، مثلما وضعتهم في 8 شباط (فباير) و8 آذار (مارس) الفائتين، في مكان بعيد عن نقاط الإجماع المتوافرة بين باقي اللبنانيين. وهو أساساً ما يتجلى في سياسات «المقاومة» وسائر ما يتفرّع عنها ويترتّب عليها:
فهذه الأخيرة تقدّمهم «انعزاليين» حيال الطوائف الأخرى التي لا تريد ان تحرر المحرَّر كرمىً لأطراف خارجية، وحيال منطقة أقبلت وتقبل على مبدأ التسوية، مهما كان صعباً ومعقداً، حلاً لنزاعاتها الكبرى. فإذا جاز، مثلاً، وصف الموارنة بـ «الانعزالية» حين كان الآخرون، اللبنانيون والعرب، يريدون القتال فيما هم يريدون المسالمة، جاز اطلاق الوصف نفسه على الشيعة اليوم ممن يريدون القتال فيما الآخرون، اللبنانيون والعرب، يريدون المسالمة.
والمسألة الشيعية إذا ما كان مصدرها الأهم ذاك النفور من محطة التقاطع الأبرز بين الطوائف الأخرى، اي معرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، إلا أنها تتغذّى على عوامل عدة مهمة. فهناك انسداد الآفاق أمام أي صوت شيعي لا ينضوي في حزب الله، أو لا يتحالف معه من موقع الالتحاق والتبعية. وهناك اقتصاد موازٍ ينهض عليه الحزب بجيشه ومؤسساته، عماده المساعدات التي يتلقاها من ايران فلا تتأثّر، ولا تتأثّر مواقف الحزب من ثم، بمجريات الاقتصاد اللبناني. وهذا فضلاً عن حدّة الهوية التي يعكسها حزب ذو قيادة ووعي دينيين ومذهبيين، ما يتجسّد في الزي والملبس والشعار والجوانب الطقسية والفولكلورية الأخرى، ناهيك عن سيطرته على مناطق بعينها (الحدود، والضاحية الجنوبية) يحكمها وحده، على رغم حساسيتها، وعلى رغم مشاركته (الانتقائية) في الحكومة. اما الوضع الاقليمي لجهة العلاقات السنية - الشيعية، والتوتر السوري/الإيراني - الغربي فيتكفّل بالباقي.
ولئن أبدت قيادات الطوائف الأخرى بعض الحكمة في التأكيد على داخلية التعاطي مع سلاح حزب الله، وتظاهر مجلس الوزراء بتصديق روايته عن الاشتباكات، ضداً على رواية العالم، بقي أن الأمور ليست هكذا فعلاً. ذاك أن الحكمة المذكورة تخسر الكثير منها حين يصل الأمر الى السويّات الاجتماعيّة الأدنى أو المجالات القاعديّة التي لا تنعكس على السطح بوضوح كافٍ. والحال ان تعابير الاختلاف عن الشيعة، رداً على تعابير الاختلاف الشيعي، تكاد تتحول الى عداء خطر، فيما يكاد العداء هذا ينغلق على نفسه ويستحكم.
طبعاً من الوهم القول ان طريقة التعاطي مع الشيعة هي التي تذلل المشكلة الشيعية، بحيث يناط برد الفعل ان ينوب مناب الفعل. لكن من الخطأ، كذلك، افتراض ان طريقة التعاطي تلك عديمة الاهمية. فإذا صح ان المسؤولية الأولى في تذليل المشكلة الشيعية تقع على عاتق حزب الله، بقي ان المشكلة المذكورة ليست نتاج «عمل خياني»، كما أنها تفيض عن كونها نتاج «وعي مخطوف» أو «صناعة أجهزة». وقد سبق لتصورات كهذه ان حكمت، في 1975، بـ «عزل الكتائب» فتأدّى عن ذلك تماسك المسيحيين حول حزب غدا حزبهم جميعاً.
اننا هنا أمام تعبير حاد من تعابير الأزمة التي تعانيها الوطنية والاجماعات الوطنية في «العالم الثالث»، وفي عداده لبنان. وهو ما يجعل المقياس الوطني الناجز في الحكم على السلوك الشيعي أقرب الى الافتراض منه الى الواقع. وغني عن القول ان تحالف 14 آذار (مارس) الذي صدرت عنه الصورة الأبهى للوطنية اللبنانية، ما لبث ان انشق، هو الآخر، الى مكوّناته الطائفية الأم. فلا الشيعة اليوم خونة، ولا مسيحيو 1975 كانوا خونة، وانما هو إشكال عميق في تاريخنا لا يحول الإقرار به، والتوكيد على الحساسية والمرونة في تفكيكه، دون الإلحاح على ضرورة الإسراع في بتّه. والعالم، في آخر المطاف، لن يعيش مكتّفاً الى ما شاء الله ينتظرنا كيما نبتّ إشكالاتنا.
فهذه الأخيرة تقدّمهم «انعزاليين» حيال الطوائف الأخرى التي لا تريد ان تحرر المحرَّر كرمىً لأطراف خارجية، وحيال منطقة أقبلت وتقبل على مبدأ التسوية، مهما كان صعباً ومعقداً، حلاً لنزاعاتها الكبرى. فإذا جاز، مثلاً، وصف الموارنة بـ «الانعزالية» حين كان الآخرون، اللبنانيون والعرب، يريدون القتال فيما هم يريدون المسالمة، جاز اطلاق الوصف نفسه على الشيعة اليوم ممن يريدون القتال فيما الآخرون، اللبنانيون والعرب، يريدون المسالمة.
والمسألة الشيعية إذا ما كان مصدرها الأهم ذاك النفور من محطة التقاطع الأبرز بين الطوائف الأخرى، اي معرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، إلا أنها تتغذّى على عوامل عدة مهمة. فهناك انسداد الآفاق أمام أي صوت شيعي لا ينضوي في حزب الله، أو لا يتحالف معه من موقع الالتحاق والتبعية. وهناك اقتصاد موازٍ ينهض عليه الحزب بجيشه ومؤسساته، عماده المساعدات التي يتلقاها من ايران فلا تتأثّر، ولا تتأثّر مواقف الحزب من ثم، بمجريات الاقتصاد اللبناني. وهذا فضلاً عن حدّة الهوية التي يعكسها حزب ذو قيادة ووعي دينيين ومذهبيين، ما يتجسّد في الزي والملبس والشعار والجوانب الطقسية والفولكلورية الأخرى، ناهيك عن سيطرته على مناطق بعينها (الحدود، والضاحية الجنوبية) يحكمها وحده، على رغم حساسيتها، وعلى رغم مشاركته (الانتقائية) في الحكومة. اما الوضع الاقليمي لجهة العلاقات السنية - الشيعية، والتوتر السوري/الإيراني - الغربي فيتكفّل بالباقي.
ولئن أبدت قيادات الطوائف الأخرى بعض الحكمة في التأكيد على داخلية التعاطي مع سلاح حزب الله، وتظاهر مجلس الوزراء بتصديق روايته عن الاشتباكات، ضداً على رواية العالم، بقي أن الأمور ليست هكذا فعلاً. ذاك أن الحكمة المذكورة تخسر الكثير منها حين يصل الأمر الى السويّات الاجتماعيّة الأدنى أو المجالات القاعديّة التي لا تنعكس على السطح بوضوح كافٍ. والحال ان تعابير الاختلاف عن الشيعة، رداً على تعابير الاختلاف الشيعي، تكاد تتحول الى عداء خطر، فيما يكاد العداء هذا ينغلق على نفسه ويستحكم.
طبعاً من الوهم القول ان طريقة التعاطي مع الشيعة هي التي تذلل المشكلة الشيعية، بحيث يناط برد الفعل ان ينوب مناب الفعل. لكن من الخطأ، كذلك، افتراض ان طريقة التعاطي تلك عديمة الاهمية. فإذا صح ان المسؤولية الأولى في تذليل المشكلة الشيعية تقع على عاتق حزب الله، بقي ان المشكلة المذكورة ليست نتاج «عمل خياني»، كما أنها تفيض عن كونها نتاج «وعي مخطوف» أو «صناعة أجهزة». وقد سبق لتصورات كهذه ان حكمت، في 1975، بـ «عزل الكتائب» فتأدّى عن ذلك تماسك المسيحيين حول حزب غدا حزبهم جميعاً.
اننا هنا أمام تعبير حاد من تعابير الأزمة التي تعانيها الوطنية والاجماعات الوطنية في «العالم الثالث»، وفي عداده لبنان. وهو ما يجعل المقياس الوطني الناجز في الحكم على السلوك الشيعي أقرب الى الافتراض منه الى الواقع. وغني عن القول ان تحالف 14 آذار (مارس) الذي صدرت عنه الصورة الأبهى للوطنية اللبنانية، ما لبث ان انشق، هو الآخر، الى مكوّناته الطائفية الأم. فلا الشيعة اليوم خونة، ولا مسيحيو 1975 كانوا خونة، وانما هو إشكال عميق في تاريخنا لا يحول الإقرار به، والتوكيد على الحساسية والمرونة في تفكيكه، دون الإلحاح على ضرورة الإسراع في بتّه. والعالم، في آخر المطاف، لن يعيش مكتّفاً الى ما شاء الله ينتظرنا كيما نبتّ إشكالاتنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق