الأربعاء، يناير 11، 2006

مكتوم يرحل "فجأة" وانتقال هادئ للسلطة لم يحسم كل شي

محمد بن راشد رجل دبي القوي يصبح حاكما لها
قدس برس
بالرغم من الانتقال الهادئ للسلطة في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، بعد إعلان وفاة حاكمها الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم بصورة مفاجئة الأربعاء (4/12)، إلا أن هذا الانتقال لم يحسم أمر كل المناصب السياسية التي كان يتقلدها الرجل، حيث كان الراحل، يشغل منصب نائب رئيس دولة الإمارات، ورئيس مجلس الوزراء، إضافة إلى كونه حاكم دبي.
وبانتقال حكم دبي، أنشط مدن المنطقة اقتصاديا، إلى الشقيق الأصغر الشيخ محمد بن راشد، تكون مسألة حكم دبي قد حسمت، إلا أن منصب نائب رئيس الدولة ورئيس الوزراء، إضافة إلى منصب وزير الدفاع الذي يشغله الشيخ محمد، أصبح الآن في دائرة "الجدل".
وتوقع مراقبون في الإمارات، أن يجتمع مجلس الحكم الأعلى في البلاد، والذي يتكون من حكام الإمارات السبع التي تكون دولة الإمارات، لحسم مجمل هذه القضايا، مستبعدين حدوث أي خلافات تذكر حولها.
ويشكل تركيبة الحكومة الاتحادية في الإمارات، أهمية كل إمارة ومساهمتها في دعم الدولة، ويشير احتفاظ آل مكتوم بمنصب نائب الحاكم ورئاسة الحكومة، إضافة إلى وزارة الدفاع، إلى الدور لإمارة دبي في دولة الإمارات. إلا أنه وبعد مرور ساعات عديدة من وفاة نائب رئيس الدولة ورئيس الحكومة، ظل المراقبون يتساءلون عن مستقبل هذين المنصبين، وأن كان حاكم دبي الجديد الشيخ محمد بن راشد سيشغلهما كما كان يفعل شقيقه الراحل.
وتولى الشيخ مكتوم بن راشد (1939 - 2006)، منصب رئيس الحكومة الاتحادية، منذ إعلان قيام دولة الإمارات عام 1971، بينما كان والده يشغل منصب حاكم دبي.
وأشار قانونيون في الإمارات في حديث لـ "قدس برس"، إلى أنه لا يوجد بند في الدستور الإماراتي يحدد آلية لخلافة رئيس مجلس الوزراء في حال وفاته، باستثناء تلك البنود التي تتحدث عن الإعفاء أو الاستقالة. الأمر الذي يجعل مصير الحكومة الإماراتية الحالية كله موضع جدل، حيث يتوقع أن يتم تشكيل حكومة جديدة في الدولة.
وعلى الصعيد ذاته، ألمحت مصادر مقربة من ديوان الحاكم في دبي، أن الشيخ محمد بن راشد قد يرفض شغل المناصب التي كان يشغلها شقيقه مكتوم، باعتبار أن الرجل متفرغ لتصريف شؤون إماراته المزدهرة اقتصاديا، حيث يعتبر منذ نحو عقدين من الزمان المحرك الرئيس للنجاحات التي حققتها الإمارة، بالرغم من أن التوقعات تشير إلى أن المجلس الأعلى الحاكم يميل إلى انتخاب الشيخ محمد بن راشد نائبا لرئيس الدولة ورئيسا للحكومة كما كان شقيقه من قبل.
وإلى أن تنجلي الصورة في دولة الإمارات، الدولة العربية الوحيدة التي يكونها تحالف فيدرالي، تبقى الحقيقة الماثلة، أن رجل دبي القوي أصبح الآن حاكمها المتوج، وبالرغم من أي تغيير في السياسات العامة لدبي لن يكون متوقعا باعتبار أن محمد بن راشد كان يصرف أمور المدينة منذ عدة سنوات، إلا أن المناصب الشاغرة في الحكومة الاتحادية حاليا، ستظل موضع جدل إلى حين حسمها.
أو خلو منصبه لأي سبب من الأسباب تؤدي إلى استقالة الوزارة بكاملها، ولرئيس الاتحاد أي يطلب إلى الوزراء البقاء في مناصبهم مؤقتاً ، لتصريف العاجل من الأمور إلى حين تشكيل الوزارة الجديدة. بينما تشير المادة 59 من نفس الفصل إلى أن "يتولى نائب رئيس مجلس الوزراء (وهو المنصب الذي يشغله كلا من الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان والشيخ حمدان بن زايد آل نهيان) جميع مهام الأخير ومنها رئاسة جلسات المجلس ويدعوه للانعقاد ويدير مناقشاته ويتابع نشاط الوزراء ويشرف على تنسيق العمل بين الوزارات المختلفة وفي كافة الأجهزة التنفيذية للاتحاد في حالة غياب الرئيس لأي سبب من الأسباب".
لكن مصادر سياسية عليمة أكدت أن هناك شبه اتفاق بين أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد وهم في نفس الوقت حكام الإمارات الست الباقية على تولي الشيخ محمد بن راشد (في حالة موافقته) المنصبين اللذين شغرا بوفاة شقيقه الأكبر إلا إذا رأى حاكم دبي الجديد التفرغ لشؤون إمارته، خصوصا أنه اعتذر كما قيل عن تولي رئاسة مجلس الوزراء خلفا للشيخ مكتوم نفسه في صيف العام الجاري نظرا لكثرة مشاغله في إمارة دبي.
أما بالنسبة لمنصب نائب رئيس الدولة فتنص المادة 53 من الفصل الثاني من الدستور انه "عند خلو منصب الرئيس أو نائبه بالوفاة أو الاستقالة أو انتهاء حكم أي منهما في أمارة لسبب من الأسباب يدعى المجلس الأعلى للاتحاد خلال شهر من ذلك التاريخ للاجتماع لانتخاب خلف لشغل المنصب الشاغر للمدة المنصوص عليها في المادة (52) من هذا الدستور".
يسعى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الحاكم الجديد لإمارة دبي الذي يعتبر منذ زمن بعيد "الحاكم" الفعلي للإمارة، إلى أن يقدم للعالم نوعا جديدا من الزعماء العرب المعتدلين ورواد الحداثة.
وقد قال في منتدى نظم في دبي في 13 كانون الأول (ديسمبر) 2004، "أقول لإخواني المسؤولين العرب إن لم تغيروا ستتغيرون".
وأضاف "إذا لم تبادروا إلى إصلاحات جذرية تعيد الاحترام للعمل العام وترسي مبادئ الشفافية والعدالة والمساءلة ستنصرف عنكم شعوبكم وسيكون حكم التاريخ عليكم قاسيا".
والشيخ محمد (56 عاما) الذي يشغل أيضا منصب وزير الدفاع في دولة الإمارات، أصبح
تلقائيا حاكما لدبي إثر وفاة شقيقه الأكبر الشيخ مكتوم الأربعاء في استراليا عن 67 عاما.
وإذا تم اتباع ما جرت عليه العادة، فسيعين حكام باقي إمارات الدولة قريبا الشيخ محمد في منصب نائب رئيس الإمارات العربية المتحدة ثم في منصب رئيس الوزراء بناء على اقتراح من الرئيس. ويرجح أن يتخلى عندها عن منصب وزير الدفاع.
وتمكن الشيخ محمد في غضون 20 عاما من القيام بتغييرات جذرية في إمارة دبي التي تعد 1.2 مليون نسمة، لتصبح وجهة سياحية مميزة خاصة بالنسبة إلى الأوروبيين.
ومن ابرز إنجازاته في هذا المجال إنشاء شركة "طيران الإمارات" التي أضحت اليوم ضمن محور استراتيجية تنمية دبي، وتم تأسيس الشركة سنة 1985، وبعد عشرين عاما أضحت "طيران الإمارات" تثير حماسة منافسيها.
وشهدت السنوات التالية إطلاق العديد من المشاريع السياحية الكبيرة التي أتاحت لدبي أن تحتل مكانا في السوق العالمي، إضافة إلى إقامة مناطق حرة خاصة في مجالات الإعلام والإنترنت أسهمت في تحويل المدينة إلى مركز أعمال مهم.
وفي زمن ارتبطت فيه صورة الإسلام في الغرب بصور أسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي، فإن أهمية دبي بالنسبة إلى العالم العربي تفوق بمراحل الفنادق الفخمة والأبراج العديدة التي ترتفع في سماء دبي. وبتوجيه من الشيخ محمد، تقدم دبي نفسها على أنها نموذج لتعايش الأجناس والأديان.
وفي دبي كما في باقي إمارات الدولة، يشكل الإماراتيون أقلية (20 في المائة) مقارنة بالآسيويين (أكثر من 60 في المائة)، في حين تمثل باقي الجنسيات العربية 15 في المائة والأوروبيون حوالي 5 في المائة.
ويمكن للأجانب من غير المسلمين ممارسة طقوسهم الدينية بحرية في دبي، حيث يوجد العديد من الكنائس، غير أن لهذه الحرية الدينية حدودها، إذ يمنع التبشير باديان أخرى غير الدين الإسلامي في الإمارة.
وأمام إمارة دبي، كما هو حال باقي الإمارات ودول الخليج، الكثير للقيام به في مجال الانفتاح السياسي إذ أن الأحزاب والنقابات محظورة ولم تنظم فيها انتخابات، كما أن حرية التعبير محدودة.
ويسعى الشيخ محمد منذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 من خلال الأقوال والأفعال إلى رفض أي خلط بين الإسلام والإرهاب والى تأكيد أن الإسلام والحداثة ليسا نقيضين.
وقال في هذا السياق "لقد تفهمنا الغضب الناجم عن أعمال إجرامية ومواقف وسلوكيات شاذة ارتكبها نفر قليل من اتباع ديننا وشاركنا في الحملة الدولية على الإرهاب لكننا نرفض وصم المسلمين كافة بهذه الأعمال وتصويرهم بأبشع صور التخلف والهمجية وتصوير الإسلام باعتباره نقيضا للمدنية الحديثة والحضارة الغربية".
ولد الشيخ محمد سنة 1949 في دبي وتلقى دروسه في مدرسة عسكرية بريطانية وبدأ مسيرة حياته العامة سنة 1968 مديرا للأمن العام والشرطة في دبي التي كانت حينها محمية بريطانية.
وبعيد استقلال الإمارات في كانون الأول (ديسمبر) 1971، رقاه شقيقه، رئيس الوزراء الراحل الشيخ مكتوم، إلى رتبة لواء، كما عين في منصب وزير الدفاع ليكون أصغر وزير دفاع في العالم.
والشيخ محمد مغرم بسباقات الخيل وهو شغوف أيضا بالشعر. وتزوج أخيرا من الأميرة "هيا" كريمة العاهل الأردني الراحل الملك حسين.

ليست هناك تعليقات: