الأحد، يناير 01، 2006

خدام ينفي تكرار السيناريو العراقي في سوريا والبعث يفصله من الحزب

تقرير نهاية العام : هل ستصمد سوريا أمام الضغوط الدولية والإقليمية؟
العربية.نت
فيما اعتبر نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام ان السيناريو العراقي "غير وارد اطلاقا" في سوريا، قرر حزب البعث الحاكم في سوريا طرد نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام, معتبرا في بيان الاحد 1-1-2005 ان "افتراءاته وتلفيقاته تشكل تنكرا واضحا وفاضحا للتقاليد والقيم الوطنية والقومية".
وقالت القيادة القومية للحزب في بيانها ان "خدام خان الحزب والوطن والامة وجاءت افتراءاته وتلفيقاته لتشكل تنكرا واضحا وفاضحا للتقاليد والقيم الوطنية والقومية".
وفي سياق متصل، قالت مصادر سورية رفيعة المستوى إن السلطات السورية "ستحاسب" خدام وستحاكمه بتهم تتعلق بـ "الفساد"، عبر إعادة فتح ملف نفايات تدمر التي تعود الى نهاية الثمانينات و "بث أخبار كاذبة في الخارج تسيئ الى الشعور القومي السوري"، وذلك على خلفية تصريحاته الى قناة "العربية"، فيما وذهب اعضاء في مجلس الشعب السوري (البرلمان) الى ضرورة "تحريك دعوى ضد خدام بتهمة الخيانة العظمى".
ويتوقع ان تتخذ القيادة القومية لحزب "البعث" الحاكم، بحسب ما أوردته صحيفة "الحياة" اللندنية الأحد 1-1-2006، قراراً يتضمن نزع عضوية الحزب والقيادة عن خدام، علماً انه أعفي من منصبه كنائب للرئيس وخسر عضويته في القيادة القطرية لـ "البعث" في المؤتمر العاشر في بداية حزيران (يونيو) الماضي. ودعت مصادر اخرى الى ضرورة "محاسبة الخداميين" في النظام السوري.

"السنياريو العراقي غير وارد في سوريا"
من جهته، قال خدام في حديث الى قناة العربية "في رايي ان السيناريو العراقي بمعنى الحرب غير وارد اطلاقا" في سوريا, معتبرا ان الولايات المتحدة "لن تستخدم القوة العسكرية ضد سوريا". واضاف خدام "الا ان حالة الضغوط النفسية والسياسية حالة معيقة للبلاد ومقلقة لان سوريا تعيش في وضع لم تره منذ الاستقلال".
واعتبر ان سوريا تعيش اليوم "في عزلة عربية وعزلة دولية وتهديدات مستمرة وهذا يشكل قلقا كبيرا عند المواطن السوري". واضاف خدام "ليس هناك من سبيل لحماية سوريا الا بتعزيز الوحدة الوطنية مع كل الاطراف حتى مع الذين كانت بيننا وبينهم خصومات دامية", في اشارة الى جماعة الاخوان المسلمين الذين حصلت مواجهة بينهم وبين قوات الامن السورية في العام 1982 ادت الى حظر نشاط هذا التنظيم.
وتابع خدام ان هذا الامر "يتطلب اتخاذ قرارات جريئة بما فيها تعديل الدستور". واضاف "لا يجب ان نرتكب خطيئة (الرئيس العراقي المخلوع) صدام حسين الذي اغلق اذنيه وعقله عن نداء المعارضة العراقية للحوار, فماذا كانت النتيجة ؟ (...) امر لم يكن احد يتوقعه وهو ان المعارضة العراقية والتي هي حليفة لسوريا وايران شكلت الغطاء السياسي للحرب الاميركية على العراق".
واعتبر انه "علينا الا نترك مبررا لاي مواطن سوري في ان ينزلق خارج مصلحة الوطن من دون ان اقول ان سوريين سيتعاملون مع الاميركيين". وتابع "عندما يرى المواطن السوري ان قيادته عملت على تحقيق الاجماع الوطني وعملت على جلب كل الناس الى داخل الوطن وعلى ان تكون الوحدة الوطنية هي الجدار لحماية الوطن عندها (...) سيكون هناك اجماع شعبي على النظام وسينسى الناس كل الاخطاء السابقة".
وتساءل قائلا "لكن عندما نرى عشرات السوريين ممنوع عليهم العودة الى سوريا واذا عادوا سيدخلون السجن, الا يغذي هذا الامر الاحقاد؟ ان البلد اهم من النظام".

ضغوط دولية وإقليمية غير مسبوقة
ويعتبر العام 2005 سنة الضغط على سورية بفعل الأحداث التي كان لبعضها تأثيرات طاولت التاريخ والجغرافيا, فضلا عما تناولته تقارير غربية عن النظام السياسي والأمني وحزب البعث الحاكم منذ أكثر من 40 عاما . وقد تسببت بذلك الأوضاع في العراق الذي كرس الفراق مع الولايات المتحدة على خلفية موقف دمشق المعارض لهذه الحرب والمؤيد لخيار المقاومة, واغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري وتطورات الملف اللبناني-السوري.
ويجمع مراقبون على أن سورية لم تشهد من قبل ضغوطا كالتي عرفتها هذا العام, خصوصا عقب اغتيال الحريري إذ علت أصوات لبنانية كانت متحالفة معها تتهمها بعملية الاغتيال وتطالبها بالخروج من لبنان بعد 9 2 عاما من دخولها , وهو ما حصل في ابريل الماضي بضغط من القرار الدولي 9 5 5 1 الذي أعده تيري رود لارسن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان .

العلاقات السورية اللبنانية
وشهدت العلاقات بين لبنان وسورية, التي غالبا ما توصف بان صياغتها تقوم على عناصر التاريخ والجغرافيا والعائلات, تدهورا غير مسبوق وصل إلى حد مطالبة قوى لبنانية متنوعة بترسيم الحدود وتبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين.
ويؤازر دعوة اللبنانيين إلى ذلك, ضغط دولي تمارسه الأمم المتحدة بشخص ممثل أمينها العام تيري رود لارسن, وفقا لما قاله الوزير فاروق الشرع أخيرا. وشكل هذا المطلب عنصرا إضافيا في الخلاف السوري اللبناني, إذ أكد الشرع أن فؤاد السنيورة رئيس الوزراء اللبناني طلب من سورية ترسيم الحدود وفتح سفارة وجاءت الإجابة السورية أن الأمر ممكن, لكن الأجواء غير مناسبة حاليا.
ويرى مراقبون أن الوضع على الحدود السورية اللبنانية يمثل الشاهد الأكبر على التدهور الذي وصلت إليه العلاقات بين البلدين, إذ تبدو هذه الحدود مهجورة باستثناء بضعة سيارات معدودة من هذا الجانب أو ذاك, بعد أن كانت هذه الحدود الأفعل خلال السنوات الماضية, وكان اللبنانيون يعدون بمئات الألوف فيشكلون النسبة الأكبر بين زوار اليوم الواحد إلى سورية والمحرك الأكبر للأسواق التجارية.
لكن أكثر ما تسبب بتوتر العلاقات الثنائية هو تدويل التحقيق باغتيال الحريري الذي قامت به لجنة كلف مجلس الأمن برئاستها القاضي الألماني ديتليف ميليس ,الذي خلص إلى التأكيد لصحيفة الشرق الأوسط الصادرة في لندن تورط سورية بعملية الاغتيال,فضلا عن اشتباه اللجنة بعدد من المسؤولين الأمنيين والعسكريين السوريين.

التعاطي السوري مع الأزمة
إلا أن التعاطي السوري الداخلي مع المسألة عكس حجم هذه الضغوط ,فلأول مرة تظهر في مواقع هامة من العاصمة السورية لافتات تدل إلى حالة اليأس من الحلفاء وإلى القدرية كاللافتة التي تقول" سورية الله حاميها " كما أن الشرع أقر أخيرا أن النظام العربي ليس مع سورية خلافا للشارع العربي ومعظم الصحافة العربية.
وفقدت سورية أغلب حلفائها اللبنانيين الذين انقلبوا عليها , فيما بدا أن بعضهم لا يزال على علاقته بها , بل وبالعكس اندفع أكثر للدفاع عن دورها في لبنان الذي وصفه البعض بالاحتلال والهيمنة, والأبرز من بينهم كان حزب الله الشيعي .

غياب غازي كنعان
واللافت في الملف اللبناني غياب اللواء غازي كنعان الذي قضى بطلق في الفم وأعلن رسميا عن انتحاره , على الرغم من أنه كان وزيرا للداخلية ولا يتعاطى في الشأن اللبناني مباشرة, إلا أن جهات رسمية سورية اعتبرت انتحاره نتيجة للإحباط الذي عانى منه جراء تدهور العلاقات السورية- اللبنانية.
ومن المعروف أن كنعان كان رجل سورية القوي في لبنان, وأسهم مباشرة في صياغة العلاقات بين البلدين.ويشار الى أن الداخلية السورية ما تزال من دون وزير مكلف رسميا بإدارتها, في حين يسير اللواء صقر خير بك معاون كنعان شؤونها.

سوريا تتهم وسائل إعلام عربية
ويرى مراقبون أن التوتر مع لبنان أسهم بزعزعة العلاقات السورية مع أكثر من نظام عربي كان يحسب حليفا,وبرزت تجليات ذلك في الموقف من بعض الصحف التي منعتها السلطات من التوزيع في سورية كالشرق الأوسط السعودية,فضلا عن الآراء الرسمية الغاضبة من التغطية التي تقوم بها قناة العربية معتبرة إياها تغطية منحازة ضد سورية ولا تعكس موضوعية أو حيادا. والضغوط على دمشق أخذت أشكالا متنوعة, فعندما كان يتراجع الضغط من الجهة اللبنانية كان يقوى بسبب الملف العراقي وما يقوله مسؤولون عراقيون وأميركيون في هذا الصدد عن تدخل سوري لدعم الجماعات المتمردة وتسهيل عبور المقاتلين الأجانب إلى الداخل العراقي عبر حدودها .

العلاقات مع العراق
ويقول مصدر رسمي إن العلاقة مع العراق في وضعه الراهن ما زالت "قلقة ومتوترة", مشيرا إلى أن الضغوط على سورية من الجهة العراقية لم تتوقف منذ سقوط بغداد عام 3 0 0 2 , لكنه لفت إلى أنها " خفّت بعض الشيء مع تراجع التصريحات المعادية لسورية".
وقال نقيب الصحافيين صابر فلحوط ليونايتد برس انترناشيونال "ان سورية ضبطت الحدود مع العراق لعلمها المسبق أن عدم ضبطها ينعكس خطرا على سورية نفسها". وحمّل فلحوط الجانب العراقي مسؤولية أي خلل في هذا الأمر "إذ ناشدت سورية الأشقاء لتوقيع اتفاقيات تقوم بموجبها دوريات ولجان مشتركة بضبط الحدود إلا أن الإرادة السلبية للقيادة العراقية الراهنة جعلت الأمور في حال من المراوحة" خلال العام 5 0 0 2. وأمل فلحوط أن يتغلب منطق العقل والحكمة على العلاقات خلال العام 6 0 0 2 وان يكون هناك عقب الانتخابات التي جرت في ديسمبر الماضي "أجندة لخروج الاحتلال الأميركي من العراق تمهيدا لعودته إلى الأسرة العربية".
وتحدث الشرع أخيرا عن ضغوط تعرضت لها بلاده طيلة السنوات الخمس الماضية , هي فترة حكم الرئيس الشاب بشار الأسد, معتبرا أن دبلوماسية الأسد مكنت سورية من الصمود على الرغم من الإحساس بالإحباط وخيبات الأمل في كثير من الأحيان وميّز بين النظام السوري وبقية النظام العربي الرسمي حين أكد أنه ليس سرا وجود أنظمة عربية تخشى أميركا .
وما قاله الشرع وفقا للمراقبين يشكل نوعا من التحدي للولايات المتحدة الأميركية يعززه المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث الذي أسفر عن تغييرات في القيادة القطرية , الجهة الفاعلة في الحزب الحاكم.

مؤتمر حزب البعث
فالبعث عقد مؤتمره رغم كل الضغوط على سورية في وقت سقط سقوطا مدويا رديفه العراقي على يد قوات التحالف.كما أن حزب البعث عقد مؤتمر الشبيبة في إطار شبيبة الثورة لليافعين وعقد مؤتمر طلائع البعث للصغار رغم كل ما تردد عن ضغوط أميركية لإلغاء التنظيمين السابقين بصفتهما يهدفان إلى تجيش الصغار والشباب عقائديا.
ومعلوم أن حزب البعث هو الحاكم في البلاد منذ العام 3 6 9 1 كما أن منظمتي الشبيبة والطلائع تتبعان للحزب في إطار التنظيمات الجماهيرية التي تعنى بالشباب والصغار وفقا للعقيدة البعثية.

سياسة القبض على العصا من منتصفها
ويعترف المراقبون بالتحدي السابق , إلا أنهم يلفتون إلى بقاء السياسة السورية التي تتقن القبض على العصا من منتصفها على حالها, فدمشق وفقا لاعتقادهم, قدمت خدمات للإدارة الأميركية في الملف العراقي لتأمين سير الانتخابات وكذلك في الملف الفلسطيني عبر دعم جهود التهدئة التي رعتها مصر بين الفصائل ولاسيما حماس والجهاد الإسلاميين والسلطة الفلسطينية.
وعلى الرغم من الإحباط السوري من موقف بعض أطراف المعارضة العراقية التي دأبت على مهاجمة دمشق , إلا أن سورية لم تغير موقفها من الانتخابات العراقية الداعم للفصيل الرئيس الذي وصفها بالمزورة , أي للقوى السنية التي اتهمت مفوضية الانتخابات بالتزوير.

العلاقات السوريا الأردنية
أما على الضفة الأردنية من الحدود , فإن التطور اللافت تمثل بترسيم الحدود مع سورية وإذ يعتبر بعض المحللين أن الأمر يتعلق بإستقواء أردني على سورية في فترة تعاني الأخيرة فيه ضعفا على الساحتين الإقليمية والدولية, فإنهم يرون في الأمر استباقا احترازيا لأي مخططات أميركية أو غربية مستقبلية قد تطال الحدود الدولية, في إشارة إلى اتفاق سايكس-بيكو جديد قد يكون معدا للمنطقة.
والخشية من سايكس بيكو جديد ليست سرية, إذ أن الرئيس بشار الأسد أعلن عقب سقوط بغداد بيد قوات التحالف الأميركية البريطانية الخشية من أن لا تبقى دول في المنطقة في حين أكد الشرع القناعة بوجود مخطط سايكس- بيكو جديد للمنطقة إلا أنه لن ينجح وفقا لاعتقاده.

العلاقات التركية السورية
ورهانات سورية الدولية ومحاولاتها لإيجاد ثغرة في جدار الضغوط عليها بدت واضحة في تصريحات الشرع عن علاقات تركية- سورية "جيدة جدا", وعن بدء روسيا بأخذ دورها وعن منافسة صينية وهندية اقتصادية مستقبلية للولايات المتحدة وعن الرغبة بعلاقات إستراتيجية مع فرنسا وإن أضاف القول في المسألة الأخيرة إن البعض الذي لم يسمه يحول دون ذلك "لذرائع غير مفهومة".
وبدت تلك المحاولات واضحة في النشاطات السورية الداخلية والتي عكست رغبة بكسر العزلة المفروضة على سورية فاستضافت البلاد الكثير من مؤتمر لرجال الأعمال والاستثمار والمؤتمرات السياحية والاقتصادية والمالية والطبية واجتماعات اللجان العليا المشتركة كاللجنة السورية الإيرانية أو التركية أو اليمينية أو الروسية وقد أسفرت الأخيرة عن تسوية موضوع الديون الشائك مع الاتحاد السوفيتي السابق لتصبح المديونية السورية الخارجية الأقل مقارنة بالدول ذات المديونيات الخارجية.

تعزيز الوضع السياسي الداخلي
وغالبا ما ردت سورية على الضغوط الخارجية بتعزيز الوضع السياسي الداخلي , وهذا ما بدا واضحا خلال المؤتمر الذي عقد أخيرا بين البعث وأطراف الجبهة الوطنية التقدمية,الائتلاف الحاكم من 8 أحزاب قومية عربية ويسارية, لبحث سبل تطوير عمل الجبهة وفقا للمتغيرات الدولية والإقليمية وللتشديد على دعم البعث في توجهاته السياسية الخارجية.
واستبق البعث الذي يرأسه الأسد المؤتمر بإضافة الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى قائمة الأحزاب الحاكمة في البلاد لاستيعاب عشرات الألوف من المتعاطفين مع الحزب المحظور سابقا ولتكريس امتداده اللبناني كحليف لسورية في هذه المرحلة الحرجة من العلاقات مع لبنان.
ويعتبر مراقبون أن عشرات التشريعات والقوانين الاقتصادية الصادرة خلال العامين الأخيرين خصوصا نوع من الرد على التهجم على النظام السوري,وأن الرسالة السورية من وراء ذلك تؤكد أن دمشق تسير باتجاه التطوير والتحديث وتحث الخطى نحو اقتصاد السوق مع محاولة المحافظة على الخصائص الإنسانية للاقتصاد الاشتراكي بعد بقائها دولة وحيدة في المنطقة تنتهج هذا النظام ,ومع اقتراب مواعيد تحديات منظمة التجارة الحرة والاقتصادات والأسواق المفتوحة أوروبيا وعربيا .

ليست هناك تعليقات: