د. خالد الدخيل - الاتحاد الاماراتية
ظهر الإرهاب أول ما ظهر في العالم العربي من داخل الخطاب الديني· حدث هذا نتيجة للتطرف الذي انحرف إليه الخطاب· لكنه حدث أيضا لأن التطرف حظي بسلطة اجتماعية طاغية· لم يكن له أن يحظى بهذه السلطة من دون غطاء رسمي، حتى وإن لم يكن الهدف أو النية توفير هذا الغطاء أو الحماية· فعندما لا يتسع هامش حرية الحركة، وحرية التعبير إلا للخطاب الديني، هكذا بشكل عام ومن دون تحديد أو ضوابط، فإن التطرف سوف يستفيد من هذا الغطاء، وسوف يستخدمه لتحقيق مآربه وأفكاره· هامش الحرية لا يتسع لخطابات أخرى تختلف عن، أو مع الخطاب الديني السائد، سواء من داخله أو من خارجه· تبقى هذه خطابات لا تحظى بالمشروعية التي يتمتع بها الخطاب الديني الإقصائي السائد، ولا تحظى بالرعاية، ولا بدرجة الحلم والتسامح اللذين يحظى بهما الخطاب الديني من قبل المؤسسات الرسمية للدولة· والنتيجة أن الخطاب الديني توفرت له مساحة من الحرية تنافس حتى تلك التي تمنحها الدولة لنفسها· والدليل هو حرية الخطاب الديني في أن يتناقض، أو يتصادم بشكل مباشر وعلني مع سياسات الدولة ومفاهيمها من دون حدود أحيانا· الأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها دعوة شباب المجتمع إلى الجهاد خارج حدود وسلطات الدولة، وخارج حدود سياساتها، وضداً على أهدافها أحيانا· ومنها كذلك تبني ونشر مفاهيم ومواقف عقدية تصطدم وتتناقض بشكل صارخ مع سياسات ومصالح مبدئية وثابتة للدولة· والغريب، أو ما يبدو كذلك، أن الخطاب الديني يفعل ذلك من داخل مؤسسات الدولة، مستخدماً في ذلك سلطات الدولة، ومال الدولة، ومنابر الدولة· تصور مثلاً أن هذا الخطاب الديني تمكن وبسهولة مذهلة من السيطرة على مناهج وزارة التربية والتعليم، وبالتالي السيطرة الكاملة على تقرير ما يمكن أن تشتمل عليه هذه المناهج، خاصة المناهج الاجتماعية والشرعية، وما يجب استبعاده منها وفقا لمعايير يقررها أصحاب الخطاب بناء على ما يرونه هم، وبغض النظر عن سياسات، وقوانين، ومصالح الدولة· مثال على ذلك استبعاد كل ما يتعلق بتاريخ العالم، بما في ذلك تاريخ أوروبا وأميركا، عدا التاريخ الإسلامي من مقرر التاريخ لكل مراحل التعليم العام، وذلك بناء على مرئيات أصحاب الخطاب الديني فقط· هذا على الرغم من حقيقة أن السعودية هي جزء من العالم وترتبط به، وخاصة مع أوروبا وأميركا، باتفاقيات ومصالح متشابكة· لماذا يُحرم الطلاب من التعرف على تاريخ العالم، خاصة منه التاريخ الأوروبي والأميركي؟ وما هو الهدف التربوي والمعرفي من وراء ذلك؟ إن أبسط مبادئ التربية وتصميم المناهج تؤكد على فكرة توسيع نطاق معارف الطالب قدر الإمكان، وقدر ما تسمح به خبراته وقدراته العقلية· وقرار استبعاد تاريخ العالم بأكمله لا يمكن أن يؤدي إلا إلى تجهيل الطالب بهذا العالم، وعزله عن إمكانية التعرف عليه، والتعامل معه على أسس معرفية واضحة، وعلى أساس من الوعي به وبتاريخه· وبهذا القرار تضع وزارة التربية والتعليم علامة استفهام كبيرة حول المؤهلات التربوية والمعرفية، والاتجاهات السياسية والفكرية لمن توليهم مسؤولية وضع وتطوير مناهج التعليم العام·لماذا استبعاد تاريخ العالم من مقررات التاريخ للمراحل الثانوية مثلا؟ الأرجح أن السبب يعود إلى خوف أصحاب الخطاب الديني من أن تعرض الطلاب، وهم في مرحلة الشباب، لتاريخ أوروبا وأميركا تحديداً قد يتسبب في انبهار الطلاب والطالبات بهذا التاريخ، وبإنجازاته المعرفية والتكنولوجية والسياسية، الأمر الذي قد يؤدي إلى اهتزاز وضعف قناعتهم وإيمانهم بتاريخهم الإسلامي، وبهويتهم الإسلامية، ومن ثم يؤدي ذلك إلى انحرافات عقدية لدى الطلاب والطالبات، ثم إلى نشوء حالة من الاغتراب بين هؤلاء الطلاب وتاريخهم الإسلامي· والحقيقة أن هذه لا تعدو كونها مخاوف مرضية غير طبيعية، وبالتالي غير مبررة على الإطلاق· بل إنها مخاوف تنم عن ضعف فكري ومنهجي، وعن عدم ثقة بالنفس، وعدم قناعة راسخة بقوة الإسلام، وبغنى التاريخ الإسلامي· ثم إن هذه المخاوف تخص أصحابها على قاعدة أن ''كل إناء بما فيه ينضح''· فربما أن أصحاب الخطاب الإقصائي لجأوا إليه، وإلى تأكيد توجهه الإقصائي نتيجة لشعورهم بالضعف وعدم الثقة بقدرتهم على الحوار والتفاعل مع الآراء والأطروحات المخالفة من دون خوف على قناعاتهم أن تتعرض للاهتزاز· وربما أن اتصال هؤلاء مع الغرب (وهم يتصلون به عبر قنوات عدة ومفتوحة سواء من حيث القراءة، أو من حيث الاستفادة اليومية من منتجاته التكنولوجية في المأكل والمشرب، وفي المواصلات والطب، والإعلام···الخ) ومع منجزاته وخطاباته، سبب لهم نوعاً من الانبهار، ومن الشك، نتج عنه شيء من الاهتزاز في قناعاتهم الموروثة· وانطلاقا من تجربتهم الشخصية اعتقدوا أن تعرض غيرهم، خاصة الشباب، إلى الشيء نفسه سوف يؤدي بهؤلاء الشباب إلى النتيجة نفسها، أي إلى الضعف وإلى اهتزاز المنطلقات العقدية لديهم، واهتزاز هويتهم وانتمائهم الإسلاميين·وهذه نظرة تعميمية ساذجة، تنطلق من تجارب شخصية وفردية لتجعل منها نموذجاً تربوياً قابلاً للتعميم على المجتمع كله، هكذا من دون تجارب، ولا تحليل أو براهين تستند إليها· التجارب الشخصية، بل والأمزجة الشخصية هنا، هي المقياس، وعلى المجتمع والدولة التعايش معها من دون سؤال، ومن دون أدنى شك في صحتها· ما علاقة هذا بمبادئ التربية والمناهج؟ لا شيء· إنها نظرة على الضد تماماً من مبادئ التربية، ومن مبادئ تطوير المناهج، بل وضداً على طبيعة المجتمع، والطبيعة السوسيولوجية لثقافة المجتمع· بل الواقع أنها في العمق نظرة تشكك في الإسلام وقدرته على التعايش مع الأنظمة الفكرية الأخرى من دون خوف في أن يتعرض هو للاهتزاز والضعف، ثم الهزيمة· الشخص المهزوم، والشخص المأزوم لا ينتج إلا فكرا مهزوماً، وفكرا مأزوماً· وهذا ما يحصل لمناهج التربية والتعليم في بلادنا·هذا مثال على كيف اختطف الخطاب الديني الإقصائي مناهج التربية والتعليم، وانحرف بها عن جادة صواب العلم، وصواب المنهج، وصواب التربية· وهو بذلك يحرم الدولة من شبابها· لكن هناك مثالاً آخر يضع فيه الخطاب الديني سياسات الدولة محل اتهامات عقدية يصعب تفاديها· ففي كتاب التوحيد للصف الثالث الثانوي، مثلاً، جاء في الفصل الخامس عشر ما يلي: ''الانتماء إلى المذاهب الإلحادية كالشيوعية والعلمانية والرأسمالية وغيرها من مذاهب الكفر ردة عن دين الإسلام، فإن كان المنتمي إلى تلك المذاهب يدعي الإسلام، فهذا من النفاق الأكبر···''· الدولة السعودية، مثل غيرها من بقية دول العالم، تنتمي الآن إلى النظام الرأسمالي· السؤال هنا: هل يفهم من هذا أن أصحاب ذلك النص يُكفّرون الدولة السعودية بحكم انتمائها للنظام الرأسمالي العالمي؟ بل إن السعودية احتفلت قبل أيام بانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، العقل العالمي المدبر للتجارة الرأسمالية· كيف يمكن التوفيق بين نص يكفر الرأسمالية، وسياسة تحتفل بالانتماء إلى الرأسمالية؟التناقض هنا يكشف أن الدولة لا تجد سبيلاً، وربما لا تريد أن تجد سبيلاً إلى عقلنة الخطاب، وإلى الحد من سلطته التي كثيراً ما يبدو أنها تمثل سلطة موازية لسلطة الدولة· يتضح هذا من أن الساحة العامة، ساحة تشكيل الثقافة وصياغة الوعي الجمعي، تكاد تكون حكراً على أصحاب هذا الخطاب· يملكون من المناعة حتى ضداً على اعتراضات ومصالح الدولة· والنتيجة الطبيعية لذلك أن هذا الخطاب الإقصائي المهيمن استبد بكل شيء تقريباً، استبد بالمدرسة وبالجامعة، وبالمسجد، وبالقضاء، وبالمؤسسات الإعلامية والثقافية الأخرى· نحن هنا أمام حالة تناقض بين الدولة من ناحية، وبين خطاب، أو ما يفترض أنه خطاب الدولة من ناحية أخرى· أم أن الأمر غير ذلك؟
ظهر الإرهاب أول ما ظهر في العالم العربي من داخل الخطاب الديني· حدث هذا نتيجة للتطرف الذي انحرف إليه الخطاب· لكنه حدث أيضا لأن التطرف حظي بسلطة اجتماعية طاغية· لم يكن له أن يحظى بهذه السلطة من دون غطاء رسمي، حتى وإن لم يكن الهدف أو النية توفير هذا الغطاء أو الحماية· فعندما لا يتسع هامش حرية الحركة، وحرية التعبير إلا للخطاب الديني، هكذا بشكل عام ومن دون تحديد أو ضوابط، فإن التطرف سوف يستفيد من هذا الغطاء، وسوف يستخدمه لتحقيق مآربه وأفكاره· هامش الحرية لا يتسع لخطابات أخرى تختلف عن، أو مع الخطاب الديني السائد، سواء من داخله أو من خارجه· تبقى هذه خطابات لا تحظى بالمشروعية التي يتمتع بها الخطاب الديني الإقصائي السائد، ولا تحظى بالرعاية، ولا بدرجة الحلم والتسامح اللذين يحظى بهما الخطاب الديني من قبل المؤسسات الرسمية للدولة· والنتيجة أن الخطاب الديني توفرت له مساحة من الحرية تنافس حتى تلك التي تمنحها الدولة لنفسها· والدليل هو حرية الخطاب الديني في أن يتناقض، أو يتصادم بشكل مباشر وعلني مع سياسات الدولة ومفاهيمها من دون حدود أحيانا· الأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها دعوة شباب المجتمع إلى الجهاد خارج حدود وسلطات الدولة، وخارج حدود سياساتها، وضداً على أهدافها أحيانا· ومنها كذلك تبني ونشر مفاهيم ومواقف عقدية تصطدم وتتناقض بشكل صارخ مع سياسات ومصالح مبدئية وثابتة للدولة· والغريب، أو ما يبدو كذلك، أن الخطاب الديني يفعل ذلك من داخل مؤسسات الدولة، مستخدماً في ذلك سلطات الدولة، ومال الدولة، ومنابر الدولة· تصور مثلاً أن هذا الخطاب الديني تمكن وبسهولة مذهلة من السيطرة على مناهج وزارة التربية والتعليم، وبالتالي السيطرة الكاملة على تقرير ما يمكن أن تشتمل عليه هذه المناهج، خاصة المناهج الاجتماعية والشرعية، وما يجب استبعاده منها وفقا لمعايير يقررها أصحاب الخطاب بناء على ما يرونه هم، وبغض النظر عن سياسات، وقوانين، ومصالح الدولة· مثال على ذلك استبعاد كل ما يتعلق بتاريخ العالم، بما في ذلك تاريخ أوروبا وأميركا، عدا التاريخ الإسلامي من مقرر التاريخ لكل مراحل التعليم العام، وذلك بناء على مرئيات أصحاب الخطاب الديني فقط· هذا على الرغم من حقيقة أن السعودية هي جزء من العالم وترتبط به، وخاصة مع أوروبا وأميركا، باتفاقيات ومصالح متشابكة· لماذا يُحرم الطلاب من التعرف على تاريخ العالم، خاصة منه التاريخ الأوروبي والأميركي؟ وما هو الهدف التربوي والمعرفي من وراء ذلك؟ إن أبسط مبادئ التربية وتصميم المناهج تؤكد على فكرة توسيع نطاق معارف الطالب قدر الإمكان، وقدر ما تسمح به خبراته وقدراته العقلية· وقرار استبعاد تاريخ العالم بأكمله لا يمكن أن يؤدي إلا إلى تجهيل الطالب بهذا العالم، وعزله عن إمكانية التعرف عليه، والتعامل معه على أسس معرفية واضحة، وعلى أساس من الوعي به وبتاريخه· وبهذا القرار تضع وزارة التربية والتعليم علامة استفهام كبيرة حول المؤهلات التربوية والمعرفية، والاتجاهات السياسية والفكرية لمن توليهم مسؤولية وضع وتطوير مناهج التعليم العام·لماذا استبعاد تاريخ العالم من مقررات التاريخ للمراحل الثانوية مثلا؟ الأرجح أن السبب يعود إلى خوف أصحاب الخطاب الديني من أن تعرض الطلاب، وهم في مرحلة الشباب، لتاريخ أوروبا وأميركا تحديداً قد يتسبب في انبهار الطلاب والطالبات بهذا التاريخ، وبإنجازاته المعرفية والتكنولوجية والسياسية، الأمر الذي قد يؤدي إلى اهتزاز وضعف قناعتهم وإيمانهم بتاريخهم الإسلامي، وبهويتهم الإسلامية، ومن ثم يؤدي ذلك إلى انحرافات عقدية لدى الطلاب والطالبات، ثم إلى نشوء حالة من الاغتراب بين هؤلاء الطلاب وتاريخهم الإسلامي· والحقيقة أن هذه لا تعدو كونها مخاوف مرضية غير طبيعية، وبالتالي غير مبررة على الإطلاق· بل إنها مخاوف تنم عن ضعف فكري ومنهجي، وعن عدم ثقة بالنفس، وعدم قناعة راسخة بقوة الإسلام، وبغنى التاريخ الإسلامي· ثم إن هذه المخاوف تخص أصحابها على قاعدة أن ''كل إناء بما فيه ينضح''· فربما أن أصحاب الخطاب الإقصائي لجأوا إليه، وإلى تأكيد توجهه الإقصائي نتيجة لشعورهم بالضعف وعدم الثقة بقدرتهم على الحوار والتفاعل مع الآراء والأطروحات المخالفة من دون خوف على قناعاتهم أن تتعرض للاهتزاز· وربما أن اتصال هؤلاء مع الغرب (وهم يتصلون به عبر قنوات عدة ومفتوحة سواء من حيث القراءة، أو من حيث الاستفادة اليومية من منتجاته التكنولوجية في المأكل والمشرب، وفي المواصلات والطب، والإعلام···الخ) ومع منجزاته وخطاباته، سبب لهم نوعاً من الانبهار، ومن الشك، نتج عنه شيء من الاهتزاز في قناعاتهم الموروثة· وانطلاقا من تجربتهم الشخصية اعتقدوا أن تعرض غيرهم، خاصة الشباب، إلى الشيء نفسه سوف يؤدي بهؤلاء الشباب إلى النتيجة نفسها، أي إلى الضعف وإلى اهتزاز المنطلقات العقدية لديهم، واهتزاز هويتهم وانتمائهم الإسلاميين·وهذه نظرة تعميمية ساذجة، تنطلق من تجارب شخصية وفردية لتجعل منها نموذجاً تربوياً قابلاً للتعميم على المجتمع كله، هكذا من دون تجارب، ولا تحليل أو براهين تستند إليها· التجارب الشخصية، بل والأمزجة الشخصية هنا، هي المقياس، وعلى المجتمع والدولة التعايش معها من دون سؤال، ومن دون أدنى شك في صحتها· ما علاقة هذا بمبادئ التربية والمناهج؟ لا شيء· إنها نظرة على الضد تماماً من مبادئ التربية، ومن مبادئ تطوير المناهج، بل وضداً على طبيعة المجتمع، والطبيعة السوسيولوجية لثقافة المجتمع· بل الواقع أنها في العمق نظرة تشكك في الإسلام وقدرته على التعايش مع الأنظمة الفكرية الأخرى من دون خوف في أن يتعرض هو للاهتزاز والضعف، ثم الهزيمة· الشخص المهزوم، والشخص المأزوم لا ينتج إلا فكرا مهزوماً، وفكرا مأزوماً· وهذا ما يحصل لمناهج التربية والتعليم في بلادنا·هذا مثال على كيف اختطف الخطاب الديني الإقصائي مناهج التربية والتعليم، وانحرف بها عن جادة صواب العلم، وصواب المنهج، وصواب التربية· وهو بذلك يحرم الدولة من شبابها· لكن هناك مثالاً آخر يضع فيه الخطاب الديني سياسات الدولة محل اتهامات عقدية يصعب تفاديها· ففي كتاب التوحيد للصف الثالث الثانوي، مثلاً، جاء في الفصل الخامس عشر ما يلي: ''الانتماء إلى المذاهب الإلحادية كالشيوعية والعلمانية والرأسمالية وغيرها من مذاهب الكفر ردة عن دين الإسلام، فإن كان المنتمي إلى تلك المذاهب يدعي الإسلام، فهذا من النفاق الأكبر···''· الدولة السعودية، مثل غيرها من بقية دول العالم، تنتمي الآن إلى النظام الرأسمالي· السؤال هنا: هل يفهم من هذا أن أصحاب ذلك النص يُكفّرون الدولة السعودية بحكم انتمائها للنظام الرأسمالي العالمي؟ بل إن السعودية احتفلت قبل أيام بانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، العقل العالمي المدبر للتجارة الرأسمالية· كيف يمكن التوفيق بين نص يكفر الرأسمالية، وسياسة تحتفل بالانتماء إلى الرأسمالية؟التناقض هنا يكشف أن الدولة لا تجد سبيلاً، وربما لا تريد أن تجد سبيلاً إلى عقلنة الخطاب، وإلى الحد من سلطته التي كثيراً ما يبدو أنها تمثل سلطة موازية لسلطة الدولة· يتضح هذا من أن الساحة العامة، ساحة تشكيل الثقافة وصياغة الوعي الجمعي، تكاد تكون حكراً على أصحاب هذا الخطاب· يملكون من المناعة حتى ضداً على اعتراضات ومصالح الدولة· والنتيجة الطبيعية لذلك أن هذا الخطاب الإقصائي المهيمن استبد بكل شيء تقريباً، استبد بالمدرسة وبالجامعة، وبالمسجد، وبالقضاء، وبالمؤسسات الإعلامية والثقافية الأخرى· نحن هنا أمام حالة تناقض بين الدولة من ناحية، وبين خطاب، أو ما يفترض أنه خطاب الدولة من ناحية أخرى· أم أن الأمر غير ذلك؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق