د. كامل النجار - إيلاف
لا يختلف اثنان اليوم في أن الشعوب الإسلامية تأتي في آخر قائمة التخلف والجهل والفقر والأمية بين دول العالم، فما الذي أدى إلى هذا التخلف؟ الأسباب عديدة وأكثر من أن نحصرها في مقال واحد، ولكني سوف أذكر بعضها:
السبب الأول: عندما جاء الإسلام كان نصارى الشام والكوفة واليمن على علم بالقراءة والكتابة والترجمة بينما كانت قريش في غالبيتها أمية ماعدا بعض التجار وبعض الأحناف والنصارى من أمثال ورقة بن نوفل وعدد قليل من النساء. وبسبب هذه الأمية لم يستطع غالبية المسلمين كتابة القرآن، ولذلك اعتمدوا على الذاكرة لحفظه. وحتى الذين كانوا على علم بالقراءة والكتابة كانوا يجدون صعوبة في قراءة القرآن لأن الحروف لم تكن منقطة مما جعل القراءة دون معلّم من الأمور شبه المستحيلة. ولهذا ظهرت طبقة من الذين حفظوا القرآن أو بعضه وصاروا يعلّمون الناس القرآن ويشرحونه لهم. سُميت هذه الطبقة من الناس "القُرّاء"، وأصبح لهم وزن خاص في المجتمع الإسلامي أعطاهم قوة ومنزلة رفيعة بين الناس. وبما أن قريش كانت قبيلة تجارية يكثر فيها السماسرة الذين كانوا الواسطة بين البائع والمشتري، أصبحت طبقة القراء تمثل لهم السماسرة بين الله والمسلمين. وحتى تمنع طبقة السماسرة هذه بقية الناس من معرفة القرآن، اخترعوا للقرآن قواعد ترتيل وتجويد وتهذيب وتلاوة وتفسير وما إليه، رغم أن القرآن جاء بلسان عربي مبين لا يحتاج شرحاً. واحتكرت هذه الطبقة قراءة وتفسير القرآن الذي أصبح بعيداً عن العامة. وبمرور الزمن أصبحت طبقة القراء تملي على العامة وعلى خلفاء بني أمية وبني العباس ما يجب أن يفعلوه لإرضاء الله وما يجب أن يمتنعوا عنه. ومن أسباب أهمية هذه الطبقة أن النبي ظل شهراً كاملاً يدعو بعد كل صلاة على الذين قتلوا القُراء عند بئر معونة (زاد المعاد لابن قيم الجوزية، ج3، ص 123)، فشعر الناس وقتها أن القراء هم أهم الناس في المجتمع لأن النبي أولاهم كل هذا الاهتمام. وازدادت طبقة العامة جهلاً بالدين مع تفشي العامية الكتابية وسيطرت عليهم روح القطيع الذي تحركه طبقة القراء. وانضم إلى طبقة القراء رواة الحديث الذين أغدق عليهم الخلفاء وقرّبوهم إلى موائدهم. فتكونت طبقة من رجال الدين الذين جعلوا الدين حكراً عليهم ووضعوا قواعد الحديث والجرح والتعديل والتفسير والفقه. ووضعوا أحاديث تقول إن العلماء خلفاء الله في الأرض. ولا يخشى الله من عباده إلا العلماء. ولزيادة تسلطهم على العامة رجعوا إلى الأحاديث التي وضعوها وجعلوا منها مصدراً فوق القرآن، فنسخوا بها جميع ما يبيح للمسلمين نوعاً من الاستمتاع بالحياة الدنيوية مثل الموسيقى والغناء والرقص، رغم أن القرآن يقول: " ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون "(النحل 116) وقال كذلك: "قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق" (الأعراف، 32). ولكن السنة تغلبت على هذه الآيات وعلى غيرها. وحرمت هذه الطبقة من الفقهاء تدريس العلوم الأخرى من جغرافيا وفلك وكيمياء على أساس أن هذه العلوم تشارك الله في قدراته. وقال ابن رجب عن عبد السلام بن عبد الوهاب الملقب بالركن (ت عام 611 هجرية): "كان أديباً كيساً مطبوعاً عارفاً بالمنطق والفلسفة والتنجيم وغير ذلك من العلوم الرديئة" (فتاوي النساء،لابن الجوزي، ص 36، حاشية). ويقول ابن قيم الجوزية في شرح الآية: "ومن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام" (الأنعام 125)، يقول الآتي: "من أسباب شرح الصدر، العلم، فإنه يشرح الصدر، ويوسِّعه حتى يكون أَوسعَ من الدنيا، والجهلُ يورثه الضِّيق والحَصْر والحبس، فكلما اتَّسع علمُ العبد، انشرح صدره واتسع، وليس هذا لكل عِلم، بل للعلم الموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو العلمُ النافع، فأهلُه أشرحُ الناس صدراً، وأوسعهم قلوباً، وأحسُنهم أخلاقاً، وأطيبُهم عيشاً". (زاد المعاد، ج2، ص 11). ولتكملة هذه الصورة عن العلم أضافوا دعاءاً بعد الصلاة يقول: "اللهم قِنا شر علم لا ينفع". فهل هناك علم لا ينفع؟ وأصبحت زوايا وخلاوي القرآن هي مدارس المسلمين على مدى قرون من الزمان. وما زال هذا الوضع شبه قائم في باكستان واليمن. وظلت روح القطيع تسود المجتمعات المسلمة، كما أثبت المسلمون في الإسكندرية حديثاً.
السبب الثاني: الخوف من انشقاق المسلمين إلى فُرق، كما حدث لليهود والنصارى قبلهم، حسب قول الفقهاء، ولذلك بالغوا في اتفاق الأمة على الشئ الواحد، وجعلوا ما يختاره الخليفة هو اختيار جميع المسلمين، وبالتالي أصبحت طاعة ولى الأمر هي طاعة الله ورسوله. لا مكان لاختلاف الرأي في الأمة الإسلامية. ولذلك لما طعن أبو لؤلؤة الخليفة عمر، جمع عمر ستةً من الصحابة: عليّ بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله، وأمرهم أن يجتمعوا بعد وفاته ليختاروا الخليفة من بينهم، وحدد لهم مهلة ثلاثة أيام لاختياره، وعيّن المقداد بن الأسود حاجباً لهم، وقال له: "إن أجمع خمسة على رجل منهم وأبى الآخر فاضرب عنقه." (أحداث التاريخ الإسلامي بترتيب السنين، د. عبد السلام الترمانيني، دار طلاس، دمشق). وأصبح ضرب العنق جزاء من يختلف في الرأي مع الفقهاء. ولذلك اعتبروا آراء المعتزلة والقدرية والخوارج خروجاً على إجماع الأمة، فأنشأ الخليفة المتوكل وظيفة "صاحب الزنادقة" ليصطاد ويدق عنق الزنادقة من أمثال ابن المقفع وبشار بن برد وصالح بن عبد القيوم وحماد عجرد وأبي العتاهية وابن الراوندي وغيرهم. واتهموا الفلاسفة في دينهم، حتى أن الدمشقي، صاحب كتاب شذرات الذهب قال عنهم: "توفي أبو نصر الفارابي صاحب الفلسفة محمد بن محمد بن طرخان التركي ذو المصنفات المشهورة في الحكمة والمنطق والموسيقى التي من ابتغى الهدى فيها أضله الله وكان مفرط الذكاء قدم دمشق ورتب له سيف الدولة كل يوم أربعة دراهم إلى أن مات وله نحو من ثمانين سنة قاله في العبر وقال ابن الأهدل قيل هو أكبر فلاسفة المسلمين لم يكن فيهم من بلغ رتبته وبه أي بتآليفه تخرج أبو على بن سينا وكان يحقق كتاب ارسطاطاليس وكُتب عنه في شرحه سبعون سفراً ولم يكن في وقته مثله ولم يكن في هذا الفن أبصر من الفارابي وسئل من أعلم أنت أو أرسطاطاليس فقال لو أدركته لكنت أكبر تلامذته ويقال أن آلة الصابون من وضعه قال الفقيه حسين هؤلاء الثلاثة متهمون في دينهم يعنى الفارابي والكندي وابن سينا فلا تغتر بالسكوت عنهم ." (شذرات الذهب، ج2، ص 349). (لعله من المفيد أن نذكر أن سيف الدولة الذي جعل للفارابي أربعة دراهم في اليوم كان يجزل أضعافها إلى أبي الطيب المتنبي ليمدحه ويُعلى من شأنه). والذي ساعدهم على قتل الفلسفة وعلم المنطق كان حجة الإسلام الغزالي عندما أخرج كتابه " تهافت الفلاسفة " فتمكن به الفقهاء من ضرب المسمار الأخير في نعش الفلسفة وعلم المنطق. وأخيراً تمكن فقهاء بغداد من إغلاق باب الاجتهاد في القرن الثاني عشر وحل النقل مكان العقل. وأدت تعاليم طاعة الإمام إلى عدم نمو الديمقراطية في البلاد المسلمة واكتفى المسلمون بالمقولة " وأمرهم شورى بينهم " بينما لم يكن أحد يعرف ما هي الشورى في عالم الواقع وكيف يتم تطبيقها. وظل المسلمون يرزحون تحت نير التسلط الأسري أو العسكري.
السبب الثالث: ربما كان هذا السبب مكملاً للسبب السابق، أي خوفهم من الانشقاق الذي لازمه خوفهم من تحريف القرآن. فرغم أن الخليفة عثمان بن عفان قد فرض رأيه وحرق جميع المصاحف غير المصحف الذي أقره هو، وأطاعه المسلمون لأن طاعة ولي الأمر من طاعة الله، إلا أن الخوف من التحريف ظل مسيطراً عليهم. ولذلك ظلت كتابة المصحف والكتب الدينية محصورة في المدن الكبيرة مثل دمشق والقاهرة واستنبول تحت إشراف رجال الدين، لدرجة أن المثل السائر وقتها كان "القرآن نزل في مكة، ويرتل في القاهرة ويُكتب في استنبول". ورغم أن الصينيين كانوا قد اخترعوا ماكينة الطباعة في القرن الثامن الميلادي وأصدروا صحيفة أخبارية، لم يتم اختراع الطباعة في أوربا إلا في عام 1430 على يد "يوهان جوتنبرج". وأصدر الإنكليز صحيفة لندن جازيت في عام 1665 وانتشرت الصحف والطباعة في أوربا تباعاً.وعندما فتح السلطان محمد الفاتح القسطنطينية في عام 1453 عرض عليه رجل الأعمال جوتنبرج شحن ماكينة طباعته إلى استنبول إلا أن السلطان رفض العرض ولكنه أقام مصنعاً للورق في المدينة بعد أن كانوا يستوردون الورق من إيطاليا. وأصدر السلطان بايزيد الثاني فرماناً في عام 1483 منع به قراءة إي مطبوعات، ومن خالف الأمر تكون عقوبته الشنق. وجدد السلطان سليم الأول المنع السلطاني. وظل كل شئ، خاصة المصحف والكتب الدينية، يكتب باليد حتى عام 1627 عندما أنشأ الإغريقي نيكوميدس ميتاكسس Nichomedus Metaxas أول مطبعة في القسطنطينية، وفرض عليه رجال الدين ألا يطبع أي شئ له علاقة بالدين (Columbia Encyclopedia, printing press). وكتب الرحالة الفرنسي فولني Volney ملخصاً لرحتله في مصر والشام وتركيا في عام 1785 قال فيه إنه اندهش لعدم وجود أي كتب ماعدا نسخ قليلة في النحو والإنشاء وتفسير القرآن. وقال إنه رأى نسختين فقط من كتاب ألف ليلة وليلة. وأنشأ محمد على الكبير أول مطبعة في بولاق في عام 1822 وأول مطبعة في إيران في عام 1837. فرجال الدين وخوفهم من تحريف المصحف أخر ظهور الطباعة في العالم الإسلامي أكثر من ثلاثمائة عام. وحتى بعد أن سمحوا بماكينات الطباعة ظل كل ما يطبع خاضعاً لرقابة رجال الدين، كما كان الحال في أوربا حتى عام 1768 عندما بدأت الرقابة تتحول من الكنيسة إلى الحكومة قبل أن تزول نهائياً. والعالم الإسلامي دائماً يسير في الاتجاه المعاكس. فقد أصدر وزير العدل المصري حديثاً أمراً نقل بموجبه الرقابة على الكتب والمطبوعات من الحكومة إلى الجامع الأزهر. وقد صادر مجمع البحوث بالأزهر عدة كتب منها: "جهد الدين الانفرادي" لمحمد بن صابر لخروجه عن الذوق العام، وكتاب "استحالة ظهور المسيح الدجال" وكتاب "حوار مع جن مسلم" للمؤلف مصطفي عيسي وكتاب "البدوي الأخير". وجاء في تقرير المجمع:" أن تلك النوعية من الكتب تستهدف إحداث فتنة لدى العامة وبالتالي فإن علماء المجمع يحظرون تداولها إيمانا بقاعدة سد الذرائع (شفاف الشرق الأوسط 12 أغسطس 2005). كما صادر الأزهر كتاب " ملامح النصوص الأدبية في العصر الحديث" للدكتور عبد الحميد علي عميد كلية اللغة العربية في جامعة الأزهر بالزقازيق والذي كان يدرسه لطلاب الكلية ضمن المقررات الدراسية وذلك لاحتوائه على نصوص أدبية وأشعار ومسرحيات تخالف المنهج الذي يسير عليه الأزهر. والقائمة تطول. وما زالت نسبة الكتب التي تباع في العالم الإسلامي لا تساوي خمسة بالمائة مما يباع في أي قطر أوربي وهكذا يزداد الأوصياء على العقل المسلم لأن شيوخ الإسلام يعتقدون أن المرأة ناقصة عقل ودين والرجل ناقص عقل فقط. ولذلك لا يسمحون له بقراءة أي كتاب لم يصدر منهم.
السبب الرابع: ربط الزمن بالمؤذن: نسبة لطول ورتابة الزمن في الصحراء وخلو حياة العربي من محطات مهمة تستدعي مراعاة الزمن، لم يهتم العربي بتحديد الزمن بغير شروق الشمس ومغيبها. وجاء الإسلام فأدخل مفهوم الصلوات الخمس التي يجب أن تقام في أوقاتها، وحددوا هذا الوقت بالأذان. فأصبح المؤذن الساعة الناطقة للمسلمين منذ هجرة النبي إلى المدينة. وفي حوالي العام 996 ميلادية يقال أن الراهب جيربيرت الذي أصبح فيما بعد البابا سيلفستر الثاني، اخترع أول ساعة ميكانيكية. وفي العام 1286 نُصبت هلى كاتدرائية القديس بولس في لندن أول ساعة تدق جرساً على رأس الساعة لتعلن الوقت. ومنذ ذلك الحين أصبح الزمن محور حياة الغربيين وساعدهم ذلك على تنظيم حياتهم وتجارتهم ومصانعهم ومدارسهم، وببداية القرن التاسع عشر قال وزير التربية الفرنسي إنه يستطيع أن يقول بكل ثقة ماذا يفعل أي طالب في فرنسا في أي ساعة من ساعات الدراسة. و ظل العالم المسلم متمسكاً بالمؤذن. ولأن السلطان مراد الثالث كان مولعاً بالساعات الغربية وطريقة عملها، فقد كلف منجمه الخاص بإنشاء مرصد للنجوم وتصنيع ساعة ميكانيكية. وفعلاً نجح الرجل في العام 1561 في صنع ساعة تعلن وقت كل صلاة بأن تقرع على جرس (أندرو ويتكروفت، تاريخ الصدام بين المسيحية والإسلام، ص 308). وبدل أن يفرح رجالات الدين بالساعة الجديدة التي تعلن الصلاة، أفتوا بأنها من باب التشبه بالكفار وأنها بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وأن الساعة سوف تحل محل المؤذن. وأضطر السلطان مراد أن يحطم الساعة، وظل الأذان هو ساعة الإمبراطورية المسلمة. وحتى في العام الماضي عندما حاولت وزارة الشؤون الدينية المصرية توحيد الأذان في القاهرة لاسلكياً قال السيد حسين إبراهيم نائب الأخوان في البرلمان إنها بدعة مرفوضة شكلاً وفعلاً (الشرق الأوسط 20 أكتوبر 2004). وما زال المسلمون لا يقدرون الوقت حق قدره ولا يحترمون المواعيد. وحتى في القرن الحادي والعشرين ما زال صيام شهر رمضان يعتمد على رؤية الهلال بالعين المجردة رغم وجود أحدث التلسكوبات في البلاد الخليجية. وما زالت الشركات الغربية تلعب على عقول المسلمين وتبيع لهم سجادات وهواتف نقالة تبين لهم اتجاه القبلة، والقرآن يقول: "لله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله).
السبب الخامس: تشجيع الفقهاء لثقافة التوكل على الله والاتكال. فمنذ أن نزلت آية "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون" (التوبة 51) ظل الفقهاء يكررونها وزادوا عليها آيات مثل "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" (الأنفال 17). فأصبح المسلم لا يهتم بما يأتي في الغد لأنه متوكل على الله، فهو مسير لا يملك من نفسه حق القرار. وقيل إن أعرابياً جاء يزور النبي وترك ناقته دون عقال أمام منزله لأنه متوكل على الله، وعندما أخبر النبي بذلك، قال النبي له " أعقلها وتوكل ". فالتوكل دون عقال لا يفيد. لكن المسلمين ظلوا يتوكلون دون عقال. والسبب في ذلك أنهم لا يريدون أن يتحملوا أي مسؤولية عن قراراتهم، فكل شئ متروك لإرادة الله. ولا شئ يحدث بدون "إن شاء الله". فإذا ذهبت إلى مكتب حكومي تطلب معاملة، يكون الجواب "بكرة إن شاء الله". فإذا لم تكن جاهزة بكرة فذلك لأن الله لم يشأ. والحديث يقول: " لا تقل إني فاعلٌ كذا في غدٍ بل قل إن شاء الله ". ونحن نرى علماء "ناسا" يرسلون مركبة إلى الفضاء ويقولون بعد أربعة سنوات وكذا شهراً وكذا يوماّ وكذا ثانية سوف تصل إلى النقطة أكس. ولا يقولون إن شاء الله، وتصل مركبتهم كما قالوا. وإذا ركبنا طائرة خليجية نسمع قبل الإقلاع "الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين" ونستغرب لماذا لم يسخر الله لنا هذا قبل أن تصنعه شركة بوينج. ثم يأتي الدعاء المعهود الذي كان يدعو به النبي قبل أربعة عشر قرناً عندما كان السفر بالحمير وفيه من الوعثاء ما قد يضر بالإنسان، ولكن في طائرة إيربص ليس هناك أي وعثاء، ومع ذلك نسمع "اللَّهم إنَّا نَسْألُكَ في سَفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتَّقْوَى (وهم مسافرون إلى بانكوك لمعاينة البضائع الجنسية)، وَمِنَ العَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُم هَوِّن عَلَيْنَا سَفَرَنَا هذا، وَاطْوِ عَنَّا بُغدَهُ، اللَّهم أَنْتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ، وَالخَلِيفَةُ في الأَهْلِ (والأهل في طريقهم إلى لندن للتسويق لأن رب العائلة في الفلبين)، اللَهُمَّ إنيِّ أَعُوذُ بِكَ مِن وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ المنقَلَبِ، وَسوءِ المَنْظَرِ في الأَهلِ وَالمَالِ". ومع أن طائرات البلاد الإسلامية لا تمثل إلا جزءاً صغيراً من طائرات البلاد الأخرى، فإن الآخرين لا يدعون بأي دعاء عند الإقلاع وتصل طائراتهم وترجع بالسلامة، ونسبة الحوادث عندهم لا تزيد عن نسبتها في البلاد المسلمة إن لم تقل كثيراً نسبة للصيانة المنتظمة. ولكنها روح التوكل والاتكال، فلا بد أن نترك كل شئ لله. ولا يخطط المسلمون إلى المستقبل لأن ذلك علمه عند الله والرزق على الله، بينما يخطط الغربيون من أول يوم في السنة الجديدة ما ينون أن يفعلوه حتى نهاية العام. ولتوكيد الاتكال على الله يوصي الفقهاء بصلاة الخيرة عندما يكون على المسلم اتخاذ قرار مهم. وتتكون الخيرة من صلاة عدة ركعات قبل النوم ثم تسأل الله أن يختار لك ما يراه في صالحك، ثم تنام وتحلم بالقرار الإلهي. ويقال إن الإمام البخاري كان يختار الأحاديث التي ضمها في صحيحه بطريقة الاستخارة.
السبب السادس: جاء القرآن بالآية: "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرّم الربا" (البقرة 275). والقرآن لم يوضح لنا ما هو الربا، وأي نسبة من الفوائد تُعتبر رباً، إنما قال "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله" (آل عمران 130). وجاء حفظة التراث فشرعوا وحسبوا وجعل كل الفوائد ربا، وبالتالي قتلوا التجارة والاستثمار في العالم الإسلامي. فازداد المسلمون فقراً على فقر، اللهم إلا الذين وهبهم الله ثرواتٍ نفطية استغلوا ريعها في نشر التطرف والقتل.
السبب السابع: خاطب القرآن نساء النبي وقال لهن: "وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى" فاتخذ الفقهاء هذه الآية ذريعةً لهم لكبت المرأة مع أن القرآن نفسه يقول، مخاطباً نساء النبي: "يا نساء النبي لستن كأحد من النساء" فإذاً نساء النبي يختلفن عن النساء العاديات، ولذلك خاطبهن الله وأمرهن بالبقاء في بيوتهن. ولكن الفقهاء رؤوا غير ذلك وسجنوا وعطلوا نصف المجتمعات المسلمة مما زاد في تأخرهم وفقرهم. وبما أن الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعب المستقبل، وبما أن الأم مهمشة وجاهلة، فالمجتمع المسلم سوف يستمر في جهله
السبب الثامن: الإيمان بالخرافة وبالغيبيات أصبح من لحمة وسدى الإسلام. فكل ما يحدث من شر في العالم الإسلامي هو من عمل الشيطان الذي نلعنه ليل نهار. ولتفادي ضرر الشيطان ما زال أطفال المسلمين يلبسون الخرز الأزرق والبالغون يلبسون الحجاب والتمائم، ومن لا يلبسها يتمسح بأضرحة الأولياء ليقوه الشر ويجلبوا له الخير أو يزيلوا عنه المرض. ونساء المسلمين يلجأن إلى حلقات الزار لعلاج أمراضهن النفسية المتعددة التي يسببها الضرار والإهمال والعنف البدني ضدهن. ويبارك شيوخ الإسلام ذلك لأنه من باب قوامة الرجل على المرأة. والواضح هنا أن الدين الإسلامي هو السبب الرئيسي في تخلف وجهل المسلمين، تماماً كما كانت المسيحية سبباً في تخلف الدول الغربية إلى أن فصلوا الدين عن الدولة. فهل من أمل للعالم الإسلامي ونحن في خضم الصحوة الإسلامية التي فرضت الحجاب على نساء مصر والجزائر والسودان والأردن وتطالب بالحاكمية الإلهية والرجوع إلى عهد الإسلام الذهبي الذي لم يحدث إلا في مخيلتهم؟
لا يختلف اثنان اليوم في أن الشعوب الإسلامية تأتي في آخر قائمة التخلف والجهل والفقر والأمية بين دول العالم، فما الذي أدى إلى هذا التخلف؟ الأسباب عديدة وأكثر من أن نحصرها في مقال واحد، ولكني سوف أذكر بعضها:
السبب الأول: عندما جاء الإسلام كان نصارى الشام والكوفة واليمن على علم بالقراءة والكتابة والترجمة بينما كانت قريش في غالبيتها أمية ماعدا بعض التجار وبعض الأحناف والنصارى من أمثال ورقة بن نوفل وعدد قليل من النساء. وبسبب هذه الأمية لم يستطع غالبية المسلمين كتابة القرآن، ولذلك اعتمدوا على الذاكرة لحفظه. وحتى الذين كانوا على علم بالقراءة والكتابة كانوا يجدون صعوبة في قراءة القرآن لأن الحروف لم تكن منقطة مما جعل القراءة دون معلّم من الأمور شبه المستحيلة. ولهذا ظهرت طبقة من الذين حفظوا القرآن أو بعضه وصاروا يعلّمون الناس القرآن ويشرحونه لهم. سُميت هذه الطبقة من الناس "القُرّاء"، وأصبح لهم وزن خاص في المجتمع الإسلامي أعطاهم قوة ومنزلة رفيعة بين الناس. وبما أن قريش كانت قبيلة تجارية يكثر فيها السماسرة الذين كانوا الواسطة بين البائع والمشتري، أصبحت طبقة القراء تمثل لهم السماسرة بين الله والمسلمين. وحتى تمنع طبقة السماسرة هذه بقية الناس من معرفة القرآن، اخترعوا للقرآن قواعد ترتيل وتجويد وتهذيب وتلاوة وتفسير وما إليه، رغم أن القرآن جاء بلسان عربي مبين لا يحتاج شرحاً. واحتكرت هذه الطبقة قراءة وتفسير القرآن الذي أصبح بعيداً عن العامة. وبمرور الزمن أصبحت طبقة القراء تملي على العامة وعلى خلفاء بني أمية وبني العباس ما يجب أن يفعلوه لإرضاء الله وما يجب أن يمتنعوا عنه. ومن أسباب أهمية هذه الطبقة أن النبي ظل شهراً كاملاً يدعو بعد كل صلاة على الذين قتلوا القُراء عند بئر معونة (زاد المعاد لابن قيم الجوزية، ج3، ص 123)، فشعر الناس وقتها أن القراء هم أهم الناس في المجتمع لأن النبي أولاهم كل هذا الاهتمام. وازدادت طبقة العامة جهلاً بالدين مع تفشي العامية الكتابية وسيطرت عليهم روح القطيع الذي تحركه طبقة القراء. وانضم إلى طبقة القراء رواة الحديث الذين أغدق عليهم الخلفاء وقرّبوهم إلى موائدهم. فتكونت طبقة من رجال الدين الذين جعلوا الدين حكراً عليهم ووضعوا قواعد الحديث والجرح والتعديل والتفسير والفقه. ووضعوا أحاديث تقول إن العلماء خلفاء الله في الأرض. ولا يخشى الله من عباده إلا العلماء. ولزيادة تسلطهم على العامة رجعوا إلى الأحاديث التي وضعوها وجعلوا منها مصدراً فوق القرآن، فنسخوا بها جميع ما يبيح للمسلمين نوعاً من الاستمتاع بالحياة الدنيوية مثل الموسيقى والغناء والرقص، رغم أن القرآن يقول: " ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون "(النحل 116) وقال كذلك: "قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق" (الأعراف، 32). ولكن السنة تغلبت على هذه الآيات وعلى غيرها. وحرمت هذه الطبقة من الفقهاء تدريس العلوم الأخرى من جغرافيا وفلك وكيمياء على أساس أن هذه العلوم تشارك الله في قدراته. وقال ابن رجب عن عبد السلام بن عبد الوهاب الملقب بالركن (ت عام 611 هجرية): "كان أديباً كيساً مطبوعاً عارفاً بالمنطق والفلسفة والتنجيم وغير ذلك من العلوم الرديئة" (فتاوي النساء،لابن الجوزي، ص 36، حاشية). ويقول ابن قيم الجوزية في شرح الآية: "ومن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام" (الأنعام 125)، يقول الآتي: "من أسباب شرح الصدر، العلم، فإنه يشرح الصدر، ويوسِّعه حتى يكون أَوسعَ من الدنيا، والجهلُ يورثه الضِّيق والحَصْر والحبس، فكلما اتَّسع علمُ العبد، انشرح صدره واتسع، وليس هذا لكل عِلم، بل للعلم الموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو العلمُ النافع، فأهلُه أشرحُ الناس صدراً، وأوسعهم قلوباً، وأحسُنهم أخلاقاً، وأطيبُهم عيشاً". (زاد المعاد، ج2، ص 11). ولتكملة هذه الصورة عن العلم أضافوا دعاءاً بعد الصلاة يقول: "اللهم قِنا شر علم لا ينفع". فهل هناك علم لا ينفع؟ وأصبحت زوايا وخلاوي القرآن هي مدارس المسلمين على مدى قرون من الزمان. وما زال هذا الوضع شبه قائم في باكستان واليمن. وظلت روح القطيع تسود المجتمعات المسلمة، كما أثبت المسلمون في الإسكندرية حديثاً.
السبب الثاني: الخوف من انشقاق المسلمين إلى فُرق، كما حدث لليهود والنصارى قبلهم، حسب قول الفقهاء، ولذلك بالغوا في اتفاق الأمة على الشئ الواحد، وجعلوا ما يختاره الخليفة هو اختيار جميع المسلمين، وبالتالي أصبحت طاعة ولى الأمر هي طاعة الله ورسوله. لا مكان لاختلاف الرأي في الأمة الإسلامية. ولذلك لما طعن أبو لؤلؤة الخليفة عمر، جمع عمر ستةً من الصحابة: عليّ بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله، وأمرهم أن يجتمعوا بعد وفاته ليختاروا الخليفة من بينهم، وحدد لهم مهلة ثلاثة أيام لاختياره، وعيّن المقداد بن الأسود حاجباً لهم، وقال له: "إن أجمع خمسة على رجل منهم وأبى الآخر فاضرب عنقه." (أحداث التاريخ الإسلامي بترتيب السنين، د. عبد السلام الترمانيني، دار طلاس، دمشق). وأصبح ضرب العنق جزاء من يختلف في الرأي مع الفقهاء. ولذلك اعتبروا آراء المعتزلة والقدرية والخوارج خروجاً على إجماع الأمة، فأنشأ الخليفة المتوكل وظيفة "صاحب الزنادقة" ليصطاد ويدق عنق الزنادقة من أمثال ابن المقفع وبشار بن برد وصالح بن عبد القيوم وحماد عجرد وأبي العتاهية وابن الراوندي وغيرهم. واتهموا الفلاسفة في دينهم، حتى أن الدمشقي، صاحب كتاب شذرات الذهب قال عنهم: "توفي أبو نصر الفارابي صاحب الفلسفة محمد بن محمد بن طرخان التركي ذو المصنفات المشهورة في الحكمة والمنطق والموسيقى التي من ابتغى الهدى فيها أضله الله وكان مفرط الذكاء قدم دمشق ورتب له سيف الدولة كل يوم أربعة دراهم إلى أن مات وله نحو من ثمانين سنة قاله في العبر وقال ابن الأهدل قيل هو أكبر فلاسفة المسلمين لم يكن فيهم من بلغ رتبته وبه أي بتآليفه تخرج أبو على بن سينا وكان يحقق كتاب ارسطاطاليس وكُتب عنه في شرحه سبعون سفراً ولم يكن في وقته مثله ولم يكن في هذا الفن أبصر من الفارابي وسئل من أعلم أنت أو أرسطاطاليس فقال لو أدركته لكنت أكبر تلامذته ويقال أن آلة الصابون من وضعه قال الفقيه حسين هؤلاء الثلاثة متهمون في دينهم يعنى الفارابي والكندي وابن سينا فلا تغتر بالسكوت عنهم ." (شذرات الذهب، ج2، ص 349). (لعله من المفيد أن نذكر أن سيف الدولة الذي جعل للفارابي أربعة دراهم في اليوم كان يجزل أضعافها إلى أبي الطيب المتنبي ليمدحه ويُعلى من شأنه). والذي ساعدهم على قتل الفلسفة وعلم المنطق كان حجة الإسلام الغزالي عندما أخرج كتابه " تهافت الفلاسفة " فتمكن به الفقهاء من ضرب المسمار الأخير في نعش الفلسفة وعلم المنطق. وأخيراً تمكن فقهاء بغداد من إغلاق باب الاجتهاد في القرن الثاني عشر وحل النقل مكان العقل. وأدت تعاليم طاعة الإمام إلى عدم نمو الديمقراطية في البلاد المسلمة واكتفى المسلمون بالمقولة " وأمرهم شورى بينهم " بينما لم يكن أحد يعرف ما هي الشورى في عالم الواقع وكيف يتم تطبيقها. وظل المسلمون يرزحون تحت نير التسلط الأسري أو العسكري.
السبب الثالث: ربما كان هذا السبب مكملاً للسبب السابق، أي خوفهم من الانشقاق الذي لازمه خوفهم من تحريف القرآن. فرغم أن الخليفة عثمان بن عفان قد فرض رأيه وحرق جميع المصاحف غير المصحف الذي أقره هو، وأطاعه المسلمون لأن طاعة ولي الأمر من طاعة الله، إلا أن الخوف من التحريف ظل مسيطراً عليهم. ولذلك ظلت كتابة المصحف والكتب الدينية محصورة في المدن الكبيرة مثل دمشق والقاهرة واستنبول تحت إشراف رجال الدين، لدرجة أن المثل السائر وقتها كان "القرآن نزل في مكة، ويرتل في القاهرة ويُكتب في استنبول". ورغم أن الصينيين كانوا قد اخترعوا ماكينة الطباعة في القرن الثامن الميلادي وأصدروا صحيفة أخبارية، لم يتم اختراع الطباعة في أوربا إلا في عام 1430 على يد "يوهان جوتنبرج". وأصدر الإنكليز صحيفة لندن جازيت في عام 1665 وانتشرت الصحف والطباعة في أوربا تباعاً.وعندما فتح السلطان محمد الفاتح القسطنطينية في عام 1453 عرض عليه رجل الأعمال جوتنبرج شحن ماكينة طباعته إلى استنبول إلا أن السلطان رفض العرض ولكنه أقام مصنعاً للورق في المدينة بعد أن كانوا يستوردون الورق من إيطاليا. وأصدر السلطان بايزيد الثاني فرماناً في عام 1483 منع به قراءة إي مطبوعات، ومن خالف الأمر تكون عقوبته الشنق. وجدد السلطان سليم الأول المنع السلطاني. وظل كل شئ، خاصة المصحف والكتب الدينية، يكتب باليد حتى عام 1627 عندما أنشأ الإغريقي نيكوميدس ميتاكسس Nichomedus Metaxas أول مطبعة في القسطنطينية، وفرض عليه رجال الدين ألا يطبع أي شئ له علاقة بالدين (Columbia Encyclopedia, printing press). وكتب الرحالة الفرنسي فولني Volney ملخصاً لرحتله في مصر والشام وتركيا في عام 1785 قال فيه إنه اندهش لعدم وجود أي كتب ماعدا نسخ قليلة في النحو والإنشاء وتفسير القرآن. وقال إنه رأى نسختين فقط من كتاب ألف ليلة وليلة. وأنشأ محمد على الكبير أول مطبعة في بولاق في عام 1822 وأول مطبعة في إيران في عام 1837. فرجال الدين وخوفهم من تحريف المصحف أخر ظهور الطباعة في العالم الإسلامي أكثر من ثلاثمائة عام. وحتى بعد أن سمحوا بماكينات الطباعة ظل كل ما يطبع خاضعاً لرقابة رجال الدين، كما كان الحال في أوربا حتى عام 1768 عندما بدأت الرقابة تتحول من الكنيسة إلى الحكومة قبل أن تزول نهائياً. والعالم الإسلامي دائماً يسير في الاتجاه المعاكس. فقد أصدر وزير العدل المصري حديثاً أمراً نقل بموجبه الرقابة على الكتب والمطبوعات من الحكومة إلى الجامع الأزهر. وقد صادر مجمع البحوث بالأزهر عدة كتب منها: "جهد الدين الانفرادي" لمحمد بن صابر لخروجه عن الذوق العام، وكتاب "استحالة ظهور المسيح الدجال" وكتاب "حوار مع جن مسلم" للمؤلف مصطفي عيسي وكتاب "البدوي الأخير". وجاء في تقرير المجمع:" أن تلك النوعية من الكتب تستهدف إحداث فتنة لدى العامة وبالتالي فإن علماء المجمع يحظرون تداولها إيمانا بقاعدة سد الذرائع (شفاف الشرق الأوسط 12 أغسطس 2005). كما صادر الأزهر كتاب " ملامح النصوص الأدبية في العصر الحديث" للدكتور عبد الحميد علي عميد كلية اللغة العربية في جامعة الأزهر بالزقازيق والذي كان يدرسه لطلاب الكلية ضمن المقررات الدراسية وذلك لاحتوائه على نصوص أدبية وأشعار ومسرحيات تخالف المنهج الذي يسير عليه الأزهر. والقائمة تطول. وما زالت نسبة الكتب التي تباع في العالم الإسلامي لا تساوي خمسة بالمائة مما يباع في أي قطر أوربي وهكذا يزداد الأوصياء على العقل المسلم لأن شيوخ الإسلام يعتقدون أن المرأة ناقصة عقل ودين والرجل ناقص عقل فقط. ولذلك لا يسمحون له بقراءة أي كتاب لم يصدر منهم.
السبب الرابع: ربط الزمن بالمؤذن: نسبة لطول ورتابة الزمن في الصحراء وخلو حياة العربي من محطات مهمة تستدعي مراعاة الزمن، لم يهتم العربي بتحديد الزمن بغير شروق الشمس ومغيبها. وجاء الإسلام فأدخل مفهوم الصلوات الخمس التي يجب أن تقام في أوقاتها، وحددوا هذا الوقت بالأذان. فأصبح المؤذن الساعة الناطقة للمسلمين منذ هجرة النبي إلى المدينة. وفي حوالي العام 996 ميلادية يقال أن الراهب جيربيرت الذي أصبح فيما بعد البابا سيلفستر الثاني، اخترع أول ساعة ميكانيكية. وفي العام 1286 نُصبت هلى كاتدرائية القديس بولس في لندن أول ساعة تدق جرساً على رأس الساعة لتعلن الوقت. ومنذ ذلك الحين أصبح الزمن محور حياة الغربيين وساعدهم ذلك على تنظيم حياتهم وتجارتهم ومصانعهم ومدارسهم، وببداية القرن التاسع عشر قال وزير التربية الفرنسي إنه يستطيع أن يقول بكل ثقة ماذا يفعل أي طالب في فرنسا في أي ساعة من ساعات الدراسة. و ظل العالم المسلم متمسكاً بالمؤذن. ولأن السلطان مراد الثالث كان مولعاً بالساعات الغربية وطريقة عملها، فقد كلف منجمه الخاص بإنشاء مرصد للنجوم وتصنيع ساعة ميكانيكية. وفعلاً نجح الرجل في العام 1561 في صنع ساعة تعلن وقت كل صلاة بأن تقرع على جرس (أندرو ويتكروفت، تاريخ الصدام بين المسيحية والإسلام، ص 308). وبدل أن يفرح رجالات الدين بالساعة الجديدة التي تعلن الصلاة، أفتوا بأنها من باب التشبه بالكفار وأنها بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وأن الساعة سوف تحل محل المؤذن. وأضطر السلطان مراد أن يحطم الساعة، وظل الأذان هو ساعة الإمبراطورية المسلمة. وحتى في العام الماضي عندما حاولت وزارة الشؤون الدينية المصرية توحيد الأذان في القاهرة لاسلكياً قال السيد حسين إبراهيم نائب الأخوان في البرلمان إنها بدعة مرفوضة شكلاً وفعلاً (الشرق الأوسط 20 أكتوبر 2004). وما زال المسلمون لا يقدرون الوقت حق قدره ولا يحترمون المواعيد. وحتى في القرن الحادي والعشرين ما زال صيام شهر رمضان يعتمد على رؤية الهلال بالعين المجردة رغم وجود أحدث التلسكوبات في البلاد الخليجية. وما زالت الشركات الغربية تلعب على عقول المسلمين وتبيع لهم سجادات وهواتف نقالة تبين لهم اتجاه القبلة، والقرآن يقول: "لله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله).
السبب الخامس: تشجيع الفقهاء لثقافة التوكل على الله والاتكال. فمنذ أن نزلت آية "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون" (التوبة 51) ظل الفقهاء يكررونها وزادوا عليها آيات مثل "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" (الأنفال 17). فأصبح المسلم لا يهتم بما يأتي في الغد لأنه متوكل على الله، فهو مسير لا يملك من نفسه حق القرار. وقيل إن أعرابياً جاء يزور النبي وترك ناقته دون عقال أمام منزله لأنه متوكل على الله، وعندما أخبر النبي بذلك، قال النبي له " أعقلها وتوكل ". فالتوكل دون عقال لا يفيد. لكن المسلمين ظلوا يتوكلون دون عقال. والسبب في ذلك أنهم لا يريدون أن يتحملوا أي مسؤولية عن قراراتهم، فكل شئ متروك لإرادة الله. ولا شئ يحدث بدون "إن شاء الله". فإذا ذهبت إلى مكتب حكومي تطلب معاملة، يكون الجواب "بكرة إن شاء الله". فإذا لم تكن جاهزة بكرة فذلك لأن الله لم يشأ. والحديث يقول: " لا تقل إني فاعلٌ كذا في غدٍ بل قل إن شاء الله ". ونحن نرى علماء "ناسا" يرسلون مركبة إلى الفضاء ويقولون بعد أربعة سنوات وكذا شهراً وكذا يوماّ وكذا ثانية سوف تصل إلى النقطة أكس. ولا يقولون إن شاء الله، وتصل مركبتهم كما قالوا. وإذا ركبنا طائرة خليجية نسمع قبل الإقلاع "الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين" ونستغرب لماذا لم يسخر الله لنا هذا قبل أن تصنعه شركة بوينج. ثم يأتي الدعاء المعهود الذي كان يدعو به النبي قبل أربعة عشر قرناً عندما كان السفر بالحمير وفيه من الوعثاء ما قد يضر بالإنسان، ولكن في طائرة إيربص ليس هناك أي وعثاء، ومع ذلك نسمع "اللَّهم إنَّا نَسْألُكَ في سَفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتَّقْوَى (وهم مسافرون إلى بانكوك لمعاينة البضائع الجنسية)، وَمِنَ العَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُم هَوِّن عَلَيْنَا سَفَرَنَا هذا، وَاطْوِ عَنَّا بُغدَهُ، اللَّهم أَنْتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ، وَالخَلِيفَةُ في الأَهْلِ (والأهل في طريقهم إلى لندن للتسويق لأن رب العائلة في الفلبين)، اللَهُمَّ إنيِّ أَعُوذُ بِكَ مِن وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ المنقَلَبِ، وَسوءِ المَنْظَرِ في الأَهلِ وَالمَالِ". ومع أن طائرات البلاد الإسلامية لا تمثل إلا جزءاً صغيراً من طائرات البلاد الأخرى، فإن الآخرين لا يدعون بأي دعاء عند الإقلاع وتصل طائراتهم وترجع بالسلامة، ونسبة الحوادث عندهم لا تزيد عن نسبتها في البلاد المسلمة إن لم تقل كثيراً نسبة للصيانة المنتظمة. ولكنها روح التوكل والاتكال، فلا بد أن نترك كل شئ لله. ولا يخطط المسلمون إلى المستقبل لأن ذلك علمه عند الله والرزق على الله، بينما يخطط الغربيون من أول يوم في السنة الجديدة ما ينون أن يفعلوه حتى نهاية العام. ولتوكيد الاتكال على الله يوصي الفقهاء بصلاة الخيرة عندما يكون على المسلم اتخاذ قرار مهم. وتتكون الخيرة من صلاة عدة ركعات قبل النوم ثم تسأل الله أن يختار لك ما يراه في صالحك، ثم تنام وتحلم بالقرار الإلهي. ويقال إن الإمام البخاري كان يختار الأحاديث التي ضمها في صحيحه بطريقة الاستخارة.
السبب السادس: جاء القرآن بالآية: "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرّم الربا" (البقرة 275). والقرآن لم يوضح لنا ما هو الربا، وأي نسبة من الفوائد تُعتبر رباً، إنما قال "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله" (آل عمران 130). وجاء حفظة التراث فشرعوا وحسبوا وجعل كل الفوائد ربا، وبالتالي قتلوا التجارة والاستثمار في العالم الإسلامي. فازداد المسلمون فقراً على فقر، اللهم إلا الذين وهبهم الله ثرواتٍ نفطية استغلوا ريعها في نشر التطرف والقتل.
السبب السابع: خاطب القرآن نساء النبي وقال لهن: "وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى" فاتخذ الفقهاء هذه الآية ذريعةً لهم لكبت المرأة مع أن القرآن نفسه يقول، مخاطباً نساء النبي: "يا نساء النبي لستن كأحد من النساء" فإذاً نساء النبي يختلفن عن النساء العاديات، ولذلك خاطبهن الله وأمرهن بالبقاء في بيوتهن. ولكن الفقهاء رؤوا غير ذلك وسجنوا وعطلوا نصف المجتمعات المسلمة مما زاد في تأخرهم وفقرهم. وبما أن الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعب المستقبل، وبما أن الأم مهمشة وجاهلة، فالمجتمع المسلم سوف يستمر في جهله
السبب الثامن: الإيمان بالخرافة وبالغيبيات أصبح من لحمة وسدى الإسلام. فكل ما يحدث من شر في العالم الإسلامي هو من عمل الشيطان الذي نلعنه ليل نهار. ولتفادي ضرر الشيطان ما زال أطفال المسلمين يلبسون الخرز الأزرق والبالغون يلبسون الحجاب والتمائم، ومن لا يلبسها يتمسح بأضرحة الأولياء ليقوه الشر ويجلبوا له الخير أو يزيلوا عنه المرض. ونساء المسلمين يلجأن إلى حلقات الزار لعلاج أمراضهن النفسية المتعددة التي يسببها الضرار والإهمال والعنف البدني ضدهن. ويبارك شيوخ الإسلام ذلك لأنه من باب قوامة الرجل على المرأة. والواضح هنا أن الدين الإسلامي هو السبب الرئيسي في تخلف وجهل المسلمين، تماماً كما كانت المسيحية سبباً في تخلف الدول الغربية إلى أن فصلوا الدين عن الدولة. فهل من أمل للعالم الإسلامي ونحن في خضم الصحوة الإسلامية التي فرضت الحجاب على نساء مصر والجزائر والسودان والأردن وتطالب بالحاكمية الإلهية والرجوع إلى عهد الإسلام الذهبي الذي لم يحدث إلا في مخيلتهم؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق