الأحد، نوفمبر 06، 2005

المونتيفردي

احمد عياش - النهار اللبنانية
في انتظار ان يتحقق طلب القاضي ديتليف ميليس حضور الضباط السوريين الكبار الى المونتيفيردي حيث مقر لجنة التحقيق الدولية فان مقولة كان يحب الرئيس الشهيد رفيق الحريري استخدامها وهي "ان لبنان لا يُحكم من سوريا ولكن لا يُحكم ضدها" يطرأ عليها اليوم تعديل. فزلزال اغتيال الرئيس الحريري طرح امر "حكم سوريا من لبنان" اما أمر "الحكم ضدها" فهو يثير تباينات. بالطبع ليس لبنان الخارج من الزلزال معيدا تشكيل سلطته ومغيرا اثوابه السياسية، هو تحديدا من يحكم سوريا، بل من يحكم هو لبنان الدولي الذي اجتمع من اجله في نهاية الشهر الماضي مجلس الامن واصدر قرارا بالاجماع يطلب من دمشق التعاون الى اقصى الحدود مع لجنة ميليس. والقاضي الالماني الذي اختار لبنان مقرا لعمله سيقدم طلبات تجعل سوريا في موقع المتلقي لها على غرار ما كانت تفعله سوريا قبل انسحابها في نيسان الماضي من لبنان. فهي كانت تطلب ولبنان ينفّذ. الصورة انقلبت الآن رأسا على عقب، وسيكون مشهد حاكم لبنان السابق رستم غزالي في المونتيفردي تعبيرا عن هذا التغيير الهائل. وربما لم يكن يخالجه شعور، عندما كان يهم بالصعود الى سيارة المرسيدس الفاخرة مغادرا مقره في عنجر للمرة الاخيرة ملوحا بيديه لمودعيه، ان المسألة ستتجاوز هذا الحد. باعتبار ان الانسحاب السوري تم بموجب القرار 1559 من دون ان يدور بخلده ان القرار 1595 بالمرصاد وهو يستمر بقرار رقمه 1636 على نحو ادهى واشد.
لفتني اخيرا ان عبارات تهاجم القاضي الالماني بأشد ما يمكن ترد على قناة فضائية تبثت اغاني ام كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الاطرش وفيروز وعبد الحليم حافظ وسائر المطربين الكبار في العالم العربي. هذه العبارات التي يبعث بها عادة المشاهدون عبر هواتفهم الخليوية للافصاح عن حماستهم للفنانين تحولت عند بعضهم الى مواقف من القاضي الالماني مرورا بالرئيس الاميركي جورج بوش الذي لم يسلم من الهجوم، وصولاً الى الرئيس السوري بشار الاسد الذي كان موضع تعظيم عند المرسلين وهم من سوريا كما يتضح من مصدر الارسال. ولا بد من الاقرار بأن ما يجري على صعيد التحقيق الدولي في اغتيال الحريري سيغير امزجة كثيرة حتى وان تكن تتابع برنامجا طربيا. ولكن ليس بالضرورة ان يكون التغيير في اتجاه واحد. بل له ايضا اتجاه آخر. فاذا كان من رابع المستحيلات ان نشاهد الضباط السوريين الكبار في لبنان في حالة شهود على جريمة وامام قاض يمثل المجتمع اللبناني او السوري او العربي، فانه صار ممكنا ان يتحقق هذا المشهد امام قاض يمثل المجتمع الدولي. لذلك فان كثيرين يشعرون بالفرح الغامر حيال ما يحصل على طريق العدالة التي كانت كلمة محرمة، ولا تزال، في امة تنتشر ما بين المحيط والخليج.
يبقى امر "حكم لبنان ضد سوريا". بالتأكيد ان لبنان اللبناني ليس في الموقع الذي يتيح له ان يمارس هذا الدور بل هو يريد السترة في هذه المرحلة من تاريخ المنطقة. اما لبنان الدولي فأمره منوط بمجلس الامن الذي هو يسأل. وسيكون على حكام سوريا تولي هذه المهمة.

ليست هناك تعليقات: