الجمعة، يناير 27، 2006

وهل تموت الإلهة؟

أ. رابحة الزيرة - جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية
"يحكى أنه في ليلة مظلمة غابت نجومها أراد اثنان من الخلد (حيوان قارض) أن يتسللا في جنح الظلام، فصرخت بهما البومة أنتما مكانكما؟ فارتجفا في خوف وذهول، كيف يستطيع أحد أن يبصر في الليل، ثم هرعا إلى حيوانات الغابة فقالا إن البومة إلهة؟ فجاء طير كبير ليختبرها: كم مخلباً أخفي؟ قالت اثنان، فرجع وقال إن البومة أعظم وأحكم حيوان في العالم لأنها تستطيع أن ترى في الظلام وتجيب على كل سؤال. فصاح ثعلب أحمر، ولكن هل تستطيع أن ترى في النهار مثل الليل؟ ضحكت حيوانات الغابة من هذا السؤال السخيف، وهجموا عليه وعلى أصدقائه فطردوهم من الغابة. ثم ما لبثوا أن أرسلوا إلى البومة يتشفّعون إليها أن تكون زعيمتهم إلى الأبد. وعندما ظهرت البومة بين الحيوانات كانت الشمس في أشد سطوعها، فأخذت تسير ببطء ما أضفى عليها شيئاً من الوقار، وراحت تحملق بعيداً بعينين واسعتين ما أعطاها هالة من الهيبة، هنا صرخت دجاجة: إنها إلهة، فردّد الجميع مؤيّدين: نعم إنها إلهة، فتبعوا البومة أينما ذهبت. وعندما بدأت تتعثر وتصطدم بالأشياء فعلوا نفس الشيء (!!) وهم يظنون أنها عين الحكمة. وأخيراً وصلت إلى شارع عريض وراحت تحملق في منتصفه بذهول ولا تكاد تبين، فلاحظ صقر مرافق للموكب شاحنة تقترب بسرعة خمسين ميلاً في الساعة فصرخ: هناك خطر قادم؛ وسألها من حولها: ألا تخافين؟ فردّت البومة: ممن؟ وكانت هادئة لأنها لم ترَ الشاحنة فصرخت المخلوقات كلها: إنها إلهة ولا شك. وكانت تردّد الهتاف بالدم بالروح نفديك يا بومتنا الغالية! وبعد لحظات دهست الشاحنة البومة ومعها معظم الموكب. أما من نجا من الباقين فاحتار كيف تموت الآلهة"
قصة رمزية فيها الكثير من الدلالات العميقة، نعرّضها لمجموعة من الأسئلة لعلمنا بأن للسؤال قوة لا يمتلكه الجواب، وأن طريقة السؤال مفتاح للكشف عن الحقيقة، وكيفية السؤال هي التي تحدّد نوعية الإجابة، وأن طبيعة السؤال وعمقه يمهّد للوصول إلى الحكمة، أو التوصّل إلى الحقائق، فكثير من الناس رأى أن تفاحاً يتساقط ولكن شخص واحد فقط سأل لماذا فكان "نيوتن" الذي اكتشف قانون الجاذبية؛ فطلباً لشيء من الحكمة ومحاولة للوصول إلى بعض الحقائق ولو من خلال فك شفرات هذه الحكاية الرمزية نسأل:
لماذا اعتقد الخلد أن البومة إلهة؟ ألمجرد أنها مارست دور الآمر الناهي أوحت لهما بأن لها الحق أن تمنح وتمنع؟
أم لأنها أبصرت ما لم تبصره بقية الدواب والطيور؟ وهل كان ذلك لنقص فيهم أو لميزة وحيدة اختُصت بها دون غيرها من الحيوانات؟
وهل القدرة على الرؤية في الليل والإجابة على سؤال واحد دليل على أنها أحكم وأعظم حيوان -كما ظن الطير- ويؤهّلها لتُنصب إلهة؟
وماذا عن سؤال الثعلب، ألم يكن وجيهاً؟ فلماذا استُهزئ به إذاً؟
ولماذا استحق هو وأصدقاؤه الطرد من الغابة؟ هل أرادوا أن يجعلوهم عبرة لغيرهم فيغلقوا باب كل تشكيك في ألوهية البومة المبني على الوهم والظن؟
لماذا لم ينتظروا حتى الصباح ليختبروا ألوهيتها (المزعومة) قبل أن يقلّدوها وسام الزعامة الأبدي؟
وما شأن الدجاجة هنا، وإلى ما ترمز؟ ولماذا الدجاجة هي التي أخذت هذا الدور وفي هذا الوقت؟
ثمّ هب أنهم خُدعوا بمشيها البطيء وحملقتها وظنّوا كلّ ذلك وقاراً (!!) فلماذا لم يسألوا عن سبب تعثّرها واصطدامها بالأشياء؟ لماذا لم يجنّبوا أنفسهم عناء هذا السقوط والعثار الطوعي الذي هم في غنى عنه؟
هل هم معذورون في تقليدها حتى في أخطائها لاعتقادهم أنّ كل ما تفعله هو عين الحكمة؟
وماذا عن الصقر الذي أبصر من عُلا وحذّرهم بالخطر القادم؟ ألا يعبّر الصقر عن صوت العقل والروح التي ترى من فوق وتُبصر ما لا يبصره الآخرون؟
ولماذا لم يتّخذ أيٌّ من التابعين موقفاً مسئولاً وغيّر وجهة الركب المندفع نحو هلاكه مادام هو يبصر والزعيم أعمى؟
ألم يكن هدوءُها الغريب لحظة قدوم الخطر دليل على أنها فعلاً عمياء؟ وهل كل هدوء دليل على الاطمئنان والسكينة، أم أنه قد يكون دليل غفلة وقلة بصيرة أو ضعف بصر؟
وإلى ما ترمز الشاحنة؟ أللزمن؟ وهل الزمن يقف لنا لكي نسأل وننتظر الجواب ثم نحلّله؟
وهل كانوا بحاجة لأن يموت أكثرهم لكي ينتبهوا ويسألوا (كيف تموت الإلهة)؟
بل هل كان السؤال "كيف تموت الآلهة" سؤالاً حكيماً، أم أنهم لو سألوا: "وهل تموت الآلهة" لتجلّت لهم الحقيقة ناصعة بأن البومة لم تكن إلهة، إن هو إلاّ ظنّ ولا يُغني الظن من الحق شيئاً، بل ما هو إلا اسم أطلقوه على البومة المسكينة ما أنزل الله به من سلطان.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

تجسيد حي ومفهوم