الاثنين، ديسمبر 12، 2005

هل تقود النجادية للفاشية والشوفينية؟ نموذج إيراني ل إسلام هو الحل

جورج كتن
حصول الإخوان المسلمين في مصر على ربع مقاعد البرلمان والحضور القوي للتيار الإسلامي في السلطة والجمعية الوطنية العراقية ونجاحات أخرى...، جعلت المتابعين السياسيين يتوقعون انتشاراً واسعاً لتيار الإسلام السياسي في المنطقة.
إلا أن عوامل النجاح لا تقاس بالنفوذ السياسي أو الوصول للسلطة بل بالحلول التي يقدمها التيار لأزمات مجتمعه، إذ يمكن دغدغة المشاعر الدينية للمواطنين بشعارات إسلامية في مجتمعات متخلفة عانت طويلاً من التجهيل والاستبداد, فتمسكت بالدين لمواجهة أوضاعها الحياتية المتردية، فيما تصويتها للإسلاميين أبقى أوضاعها على حالها إن لم يؤد للتراجع إلى مواقع أكثر تخلفاً وبؤساً.
جرب "الإسلام هو الحل" في الجزائر إذ تحولت أقسام كبيرة من تيار الإسلام السياسي بعد إلغاء نتائج الانتخابات التي فازت بها جبهة الإنقاذ, إلى عصابات إرهابية أطلقت لغرائزها العنان في قتل المواطنين دون تمييز, وليس بعيداً الفشل الذريع للإسلاميين السودانيين في السلطة الذين وجهوا جهودهم الأساسية "لحل" اعتمد حروباً أهلية مدمرة لأسلمة الجنوب وتعريب دارفور الإفريقية.
التجربة الإيرانية هي الأهم حيث مزجت الجمهورية الإسلامية في دستورها النظام الديني لولاية الفقيه بنظام ديمقراطي غربي، خرق التوازن بينهما منذ البداية بإلغاء الديمقراطية بحجة الحرب مع العراق، ثم أعيدت للعمل بشكل محدود في ولاية خاتمي الذي حاول إنجاز إصلاحات اصطدمت بالتيار المحافظ الذي استشعر خطورتها على تفرده بالسلطة فقام بإفشالها برفض القوانين الإصلاحية الصادرة عن مجلس الشورى, ومنع ترشيح نواب الشورى المخالفين، وإسقاط المرشح الإصلاحي للرئاسة لصالح أحمدي نجاد مرشح التيار المحافظ.
تفسر هزيمة الخاتمية بفشل المزاوجة بين الدولة الدينية والحداثة، والمصالحة بين الإسلام السياسي وحقوق الإنسان، فالنتيجة إنهاء التوازن القلق بين الدولة الدينية وعلى رأسها المرشد غير المنتخب ذو السلطات الواسعة، وبين النظام الجمهوري برئيسه المنتخب ذو الصلاحيات المحدودة وبمجلسه المقيد بهيئات رجال الدين المعينين.
الرئيس نجاد يعمل الآن لإزالة آثار الخاتمية وإعادة إيران للمربع الأول للثورة الإسلامية، بالرجوع لمقولات الإمام الخميني حول محي إسرائيل من الخارطة والتشكيك بالمحرقة اليهودية وحض الفلسطينيين على تدمير إسرائيل، وتهديد الدول العربية التي تعترف بها بالحرق "بنيران غضب شعوبها"، أي الدعوة من جديد لسياسة تصدير الشعارات الثورية التي كانت عواقبها وبالاً على إيران.
كما هدد نجاد بمزيد من الرقابة الداخلية على ما سماه "الميوعة الأخلاقية" أي المزيد من كبت الحريات والتشدد في مكافحة العلمانية بعد الادعاء أن الشعب أثبت في الانتخابات الأخيرة إيمانه بالثورة الإسلامية، مما يمهد برأي نجاد لعودة الإمام الغائب، "ليقود عهداً من العدالة الإسلامية"... وهي عناوين تصب في التعبئة الأيديولوجية الدينية لثورة "تصحيحية" لما غيره التيار الإصلاحي في الدولة الدينية!!!
يتناقض خطاب نجاد "الثورجي" مع حملته الانتخابية التي سعت لاستمالة الفقراء وإجزال الوعود بإخراجهم من أوضاعهم المعيشية البائسة، كبديل عما وعد به التيار الإصلاحي بتوفير الحريات واحترام حقوق الإنسان، وقد يؤدي التوجه النجادي للتسبب بكوارث وصراعات مع الجوار الإقليمي، خاصة في حالة الاستمرار بالبرنامج النووي بالتعارض مع المجتمع الدولي، الذي "بشره" نجاد بان "الثورة الإسلامية ستشمل قريباً العالم كله"!!!.
النجادية ليست أكثر من الطبعة الإيرانية المتشيعة "للإسلام هو الحل"، حيث لا حلول للأوضاع المعيشية المتدهورة في بلد الفقر والتخلف رغم إنتاجه يومياً لأكثر من 5 مليون برميل نفط, مع دخل قومي يزيد عن مائة مليار دولار سنوياً, فالعاطلون عن العمل يريدون عملاً ودخلاً, والشباب والنساء يتطلعون لمزيد من التحرر الاجتماعي والسياسي، والقوميات الإيرانية تسعى لنيل حقوقها، والجميع لا يريدون حروباً جديدة تشن لصالح الأيديولوجيا الدينية، ولا يقبلون العودة لسياسات "ثورية" قديمة جربت وفشلت.
إذا كان النظام الإسلامي الإيراني لم ينجح حتى الآن بعد ربع قرن من الثورة في إيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية وللمسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإنه كذلك فشل في تقديم حل إنساني لمسألة اضطهاد القوميات الإيرانية العابر لكل العهود، المهددة بالتفجر في حال استمرار تجاهلها.
لم ينجح "الإسلام هو الحل" في التخفيف من تعصب القومية الفارسية المهيمنة - التي لا يتجاوز أفرادها نصف السكان ويتوزع الباقي على قوميات أخرى أذرية وكردية وعربية وبلوشية وتركمانية...- وإذا كان الإصلاحيون في السلطة حققوا مطالب محدودة للقوميات الإيرانية كتمثيل أفضل لها في البرلمان وغض النظر عن إنشاء أحزابها وجمعياتها وسماح محدود بالنشر باللغات المحلية وزيادة ميزانية بعض الأقاليم, إلا أن برامجهم المعلنة تجاه القوميات أعيقت من قبل المحافظين، فقد فشلوا فيما وعدوا به من تفعيل تنفيذ المادتين 15 و19 من الدستور التي تضمن الحق في استعمال اللغات القومية إلى جانب الفارسية في التعليم والثقافة والإعلام وحقهم في إدارة أقاليمهم.
قمع المحافظون الحركة المطلبية للقوميات بذريعة الدفاع عن المصالح "الوطنية العليا"، مسترشدين بأفكار الخميني الذي اعتبر القومية معادية للإسلام، متهمين أنصار الحقوق القومية بالخيانة الوطنية وبأن تحريكهم يتم من الخارج، فاتهم العرب بالارتباط بالبعث الصدامي رغم مساهمتهم مع جميع القوميات في انتصار الثورة على الشاه وتقديم أعداد كبيرة من الضحايا في الحرب مع العراق.
سياسة الاضطهاد والتمييز تعمل على صهر القوميات بوسائل شتى منها مصادرة الأراضي الزراعية ومنحها لأفراد من الأجهزة الأمنية و"أبطال الحرب", وبناء مجمعات سكنية ومشاريع زراعية وتجارية وصناعية لهم وسط التجمعات القومية لتغيير النسيج السكاني, وحرف الأنهار الكبرى إلى مناطق فارسية ولو أدى ذلك إلى تدمير الزراعة والتسبب في أزمة مياه وصلت إلى حد أن نصف القرى في الأهواز العربية محرومة من مياه الشرب، وإهمال ترميم المدن الحدودية المدمرة في الإقليم العربي وتطهيره من حقول ألغام الحرب مع العراق لمنع عودة سكانه المهجرين.
بالإضافة للقمع المشدد لأي مظاهرة سلمية احتجاجية ومواجهتها بإطلاق الرصاص, وملأ السجون بالمعتقلين وتنفيذ أحكام إعدام جائرة في الساحات العامة لإرهاب السكان، إلى تدمير الآثار التاريخية التي تدل على وجود القوميات من عهود بعيدة ومنع تسمية المواليد بأسماء غير فارسية ومنع ارتداء الأزياء القومية في الدوائر الرسمية، وإهمال مناطق القوميات حتى وصلت الأمية في الأهواز ثلاثة أضعاف والبطالة أربعة أضعاف مثيلاتها في لإيران.
لا يتوقع من العهد الجديد النجادي أفضل مما سبقه إذا كان التوجه لفتح صراعات خارجية مع الجوار والمجتمع الدولي، وتقويض الإصلاحات الخاتمية المحدودة والعودة لسياسة التضييق على الحريات السياسية والاجتماعية والفشل في تحسين الأوضاع المعيشية طالما أن معظم الدخل القومي يذهب لتطوير الأسلحة ومراكمتها بدل مراكمة التنمية والاستثمار المدني، والمزيد من الاضطهاد والتمييز والتعصب الشوفيني تجاه القوميات الإيرانية.
ولا يمكن الاعتماد على اهتمام عربي جدي بقضايا القوميات في إيران، فمعظم الأنظمة العربية ونخبها القومية تفضل السياسة التمييزية التي تمارسها حيال أقليات بلدانها، إلا أن المجتمع الدولي يطور اهتمامه وتدخله الإنساني والسياسي والاقتصادي لصالح الدفاع عن حقوق الأقليات القومية, فقد صدرت قرارات عن برلمان الاتحاد الأوروبي بدعم قضاياها، وضم الكرد والعرب في إيران إلى "منظمة الشعوب غير الممثلة في هيئة الأمم المتحدة" وإلى اللجان الثقافية والإنسانية التابعة لها...
إن حل المسألة القومية يعتمد على تطور الوعي لدى الأقليات القومية التي نبذت غالبيتها العنف وتعمل للحفاظ على هويتها القومية وللمشاركة في إدارة أقاليمها، وتسعى لائتلاف للحركات السياسية لمختلف القوميات الإيرانية ينسق مع التيار الليبرالي الإيراني ويستفيد من الضغوط الخارجية على النظام للفوز بالديمقراطية، التي يعتمد ضمان استمرارها بعد فشل شعار "الإسلام هو الحل" على قيام نظام ديمقراطي علماني.
georgecat@mail.sy

ليست هناك تعليقات: