حازم صاغيّة الحياة - 01/10/05//
أنذرت محاولة اغتيال الزميلة مي شدياق، في ما أنذرت، بحدود العناد التي يبلغها التمسك بوضع قائم ما، ومدى الثأرية والانحطاط اللذين يبديهما المتمسكون بوضع كهذا. وهما ثأرية وانحطاط انطلقا، وينطلقان، هائجين مسعورين، عاجزين حتى عن خدمة الأهداف المفترضة التي يتوخّاها المرتكبون. والعناد، أقلّه هنا، هو وقوف في وجه ما لم يعد منه بدّ، وتعويل على تذليل الواقع ومعطياته بالارهاب. وهذا، بالمناسبة، أحد أبرز أهداف الارهاب.
فكيف متى انطوى الوضع، الذي يراد له أن يبقى، أو يراد الحؤول دون تحوله في وجهة واعدة، على هيمنة تمارسها دولة على دولة أخرى؟
ولنقل، بلغة أوضح، ان اخراج الجيش والنفوذ السوريين من لبنان كان، وسوف يكون، مكلفاً ومؤلماً ودموياً. وليس من سابقة معروفة تنمّ عن أن نظاماً مأزوماً، وتوسعياً بطبيعته، ينسحب هكذا، بطيبة خاطر، من البلد الذي يصرّف أزماته فيه. ولا بأس بالتذكير بالآلام والأكلاف الدموية التي استدعاها تمهيد الوضع اللبناني وتجهيزه لوفادة الجيش والنفوذ السوريين: توسيعاً للتناقضات اللبنانية - اللبنانية، واللبنانية - الفلسطينية، وتأسيساً لتناقضات جديدة كلما لزمت حاجة الجيش والنفوذ المذكورين للبقاء والتمكّن.
واذا كان بديهياً التمنّي ان تقلّ عذابات الخروج عن عذابات الدخول، بقي أن نلاحظ العود على بدء الخطة الأولى، عبر ضخّ المخيمات وغير المخيمات بالأسلحة، تماماً كما كان يحصل قبيل اندلاع الحرب. فالحنين هذا الى الماضي يكمّل التوق الى منع المستقبل على ما تشي محاولة الاغتيال الأخيرة بعد الاغتيالات والمحاولات السابقة.
لكن ما ينبغي التحذير منه، خصوصاً ان أجواء التحقيق تغري بالوقوع فيه، هو الانحراف نحو نقاش تقني. ذاك ان الأحداث الجرمية لا تقف خارج نظام بعينه، فيما النظام المذكور ليس منزّهاً عن قضايا ومصالح، كبيرة كانت أم صغيرة.
فهذا الذي خرج من لبنان «نظام» بالمعنى الشامل للكلمة، بحيث يستحيل فصل أيٍ من «القضايا» عنه، بما في ذلك القضايا التي يبرع النظام إياه في استخدامها وتوظيفها، بل في ابتذالها. وبالمعنى هذا، ليس جائزاً ما يفعله وليد جنبلاط وميشال عون، كلٌ بطريقته، إذ يفصلان الأشخاص او الأجهزة عن النظام، والنظام عن القضايا. فالى ذرائعيتها الانتهازية، تقع النظرة هذه في تقنية بوليسية حينما تعامل الأشخاص أو الأجهزة كمسألة مستقلة بذاتها، لكنها تقع في طوباوية مزعومة ومدّعاة حين ترى الى القضايا في معزل عن النظام، نظامها.
وهو منحى «ثقافي» أعرض من الزعيمين اللبنانيين، كما سبق له أن صدر، ويصدر، عن بيئات تتعدى بيئتيهما. فنحن نعرف، مثلاً، تلك الحجة التي ذاعت بعيد الانفصال السوري عن مصر في 1961، ومفادها انه «كائناً ما كان النظام ينبغي الدفاع عن الوحدة». وقد ترددت في لبنان أصوات من هذا القبيل، مرةً في ما خص المقاومة «المقدسة» في معزل عن «تجاوزاتها»، ومرة في ما خص «الأخوّة» مع سورية (والمقصود، الا عند قلة، نظامها وضباطها) في معزل عن «أخطائها». وبالطبع، كان النظام دائماً، لأنه أعرف وأذكى، يعيد ربط القضايا به على نحو لا يترك للخطأ مجالاً. وهو «نهج» كان بلغ أوجه ذات مرة حين أعلن النظام، بعد حرب 1967، ان عدم سقوطه انتصار، على رغم خسارة الأرض!
وتتركنا التجارب المتكررة أمام سؤال لا يُطرح، هو: ما سر التلازم الذي يتكرر على نحو يجمع البلادة الى الرسوخ، بين هذه الأنظمة وتلك القضايا؟ وما لم نطرح السؤال ونحاول التوصل الى إجابات دقيقة وحاسمة، ستبقى سكاكين النظام، الآتية من القضايا، تحزّ على أوردتنا وشراييننا فيما نحن نتهم... «الأجهزة».
أنذرت محاولة اغتيال الزميلة مي شدياق، في ما أنذرت، بحدود العناد التي يبلغها التمسك بوضع قائم ما، ومدى الثأرية والانحطاط اللذين يبديهما المتمسكون بوضع كهذا. وهما ثأرية وانحطاط انطلقا، وينطلقان، هائجين مسعورين، عاجزين حتى عن خدمة الأهداف المفترضة التي يتوخّاها المرتكبون. والعناد، أقلّه هنا، هو وقوف في وجه ما لم يعد منه بدّ، وتعويل على تذليل الواقع ومعطياته بالارهاب. وهذا، بالمناسبة، أحد أبرز أهداف الارهاب.
فكيف متى انطوى الوضع، الذي يراد له أن يبقى، أو يراد الحؤول دون تحوله في وجهة واعدة، على هيمنة تمارسها دولة على دولة أخرى؟
ولنقل، بلغة أوضح، ان اخراج الجيش والنفوذ السوريين من لبنان كان، وسوف يكون، مكلفاً ومؤلماً ودموياً. وليس من سابقة معروفة تنمّ عن أن نظاماً مأزوماً، وتوسعياً بطبيعته، ينسحب هكذا، بطيبة خاطر، من البلد الذي يصرّف أزماته فيه. ولا بأس بالتذكير بالآلام والأكلاف الدموية التي استدعاها تمهيد الوضع اللبناني وتجهيزه لوفادة الجيش والنفوذ السوريين: توسيعاً للتناقضات اللبنانية - اللبنانية، واللبنانية - الفلسطينية، وتأسيساً لتناقضات جديدة كلما لزمت حاجة الجيش والنفوذ المذكورين للبقاء والتمكّن.
واذا كان بديهياً التمنّي ان تقلّ عذابات الخروج عن عذابات الدخول، بقي أن نلاحظ العود على بدء الخطة الأولى، عبر ضخّ المخيمات وغير المخيمات بالأسلحة، تماماً كما كان يحصل قبيل اندلاع الحرب. فالحنين هذا الى الماضي يكمّل التوق الى منع المستقبل على ما تشي محاولة الاغتيال الأخيرة بعد الاغتيالات والمحاولات السابقة.
لكن ما ينبغي التحذير منه، خصوصاً ان أجواء التحقيق تغري بالوقوع فيه، هو الانحراف نحو نقاش تقني. ذاك ان الأحداث الجرمية لا تقف خارج نظام بعينه، فيما النظام المذكور ليس منزّهاً عن قضايا ومصالح، كبيرة كانت أم صغيرة.
فهذا الذي خرج من لبنان «نظام» بالمعنى الشامل للكلمة، بحيث يستحيل فصل أيٍ من «القضايا» عنه، بما في ذلك القضايا التي يبرع النظام إياه في استخدامها وتوظيفها، بل في ابتذالها. وبالمعنى هذا، ليس جائزاً ما يفعله وليد جنبلاط وميشال عون، كلٌ بطريقته، إذ يفصلان الأشخاص او الأجهزة عن النظام، والنظام عن القضايا. فالى ذرائعيتها الانتهازية، تقع النظرة هذه في تقنية بوليسية حينما تعامل الأشخاص أو الأجهزة كمسألة مستقلة بذاتها، لكنها تقع في طوباوية مزعومة ومدّعاة حين ترى الى القضايا في معزل عن النظام، نظامها.
وهو منحى «ثقافي» أعرض من الزعيمين اللبنانيين، كما سبق له أن صدر، ويصدر، عن بيئات تتعدى بيئتيهما. فنحن نعرف، مثلاً، تلك الحجة التي ذاعت بعيد الانفصال السوري عن مصر في 1961، ومفادها انه «كائناً ما كان النظام ينبغي الدفاع عن الوحدة». وقد ترددت في لبنان أصوات من هذا القبيل، مرةً في ما خص المقاومة «المقدسة» في معزل عن «تجاوزاتها»، ومرة في ما خص «الأخوّة» مع سورية (والمقصود، الا عند قلة، نظامها وضباطها) في معزل عن «أخطائها». وبالطبع، كان النظام دائماً، لأنه أعرف وأذكى، يعيد ربط القضايا به على نحو لا يترك للخطأ مجالاً. وهو «نهج» كان بلغ أوجه ذات مرة حين أعلن النظام، بعد حرب 1967، ان عدم سقوطه انتصار، على رغم خسارة الأرض!
وتتركنا التجارب المتكررة أمام سؤال لا يُطرح، هو: ما سر التلازم الذي يتكرر على نحو يجمع البلادة الى الرسوخ، بين هذه الأنظمة وتلك القضايا؟ وما لم نطرح السؤال ونحاول التوصل الى إجابات دقيقة وحاسمة، ستبقى سكاكين النظام، الآتية من القضايا، تحزّ على أوردتنا وشراييننا فيما نحن نتهم... «الأجهزة».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق