الجمعة، أكتوبر 28، 2005

طهران .. شعارات على ابواب المرافق العامة

صباح الموسوي - إيلاف
لقد استطاع النظام الإيراني خلال العقدين والنصف من عمره أن يسجل رقما قياسيا في عدد الشعارات التي رفعها والتي اغلبها مستوحاة من شعارات أنظمة ذات إيديولوجيات بالية كالاتحاد السوفيتي أو مشابهة لتلك الشعارات التي كان يرفعها بعض الحاكم العرب الدكتاتوريين الذين كانت تهويهم الخطابات والشعارات الفارغة و التي كانوا يطلقونها بمعنا ودوني معنى حتى أصبحوا موضعا للتهكم لكثرة ما رفعوا من شاعرات لم يحققوا واحدة منها يمكن أن تجلب الخير لشعوبهم وأمتهم. وقد أصبحت الشعارات التي اغلبها تحمل التهديد والوعيد للمعارضة الداخلية والخصوم الخارجيين جزأ من برنامج عمل الحكومات الإيرانية المتعاقبة حتى بات لكل حكومة منها وزير دولة غير مسمى يعرف بوزير الشعارات مهمته اختيار الشعارات الحماسية وترويجها. فميدان هذه الشعارات كان ومازال هو مصلى الجمعة بجامعة طهران حيث يخرج وزير الشعارات قبل و بعد خطبة إمام الجمعة ليطلق الشعارات ويرددها خلفه المصلون لتأخذ بعدها طريقها إلى الكتابة على حيطان المدارس والبيوت في الأزقة والشوارع العامة وتعلق باليافطات على أبواب الوزارت وسائر الدوائر الحكومية وتطرز بها صفحات الجرائد والمجلات وتكتب أيضا على أبواب دورات المياه دون أي شعور بالخجل لدى أصحابها الذين يستوجب ان تكون هذه الشعارات مقدسة لديهم. ومن بين أكثر هذه الشعارات ترديدا على لسان مسؤلي النظام الإيراني ووسائل إعلامه شعار (الموت لأمريكا والموت لإسرائيل ) فهذين الشعارين يلهج بهما المسئولون الإيرانيون صباح مساء بمناسبة ودون مناسبة جاعلين منها مطرقة على رؤوس المعارضة الداخلية ووسيلة لخديعة وكسب قلوب البسطاء من العرب والمسلمين الذين باتوا يعولون على الشعارات الإيرانية بعد أن قطعوا الرجاء بأنظمتهم ويأسوا من قدرة هذه الأنظمة على إعادة المقدسات والحقوق التي اغتصبها الصهاينة منهم.لقد استطاع النظام الإيراني من خلال رفعه لشعار( الموت لإسرائيل ) ان ينسي هؤلاء العرب والمسلمين ان ايران ذاتها دولة غاصبة ولا تقل جرما وجريرة بحق العرب والمسلمين من مثيلها الكيان الصهيوني فهي التي سبقت الصهاينة في اغتصاب فلسطين باحتلالها واغتصابها للاحواز. وإذا كان هذا الكيان مازال يحتفظ بأراضٍ عربية أخرى في سوريا ومصر ولبنان فان ايران وفضلا عن الأحواز فهي ما تزال أيضا تحتفظ بأراض عراقية وثلاث جزر إماراتية وما انفك عتات العنصريين الإيرانيين يرددون شعار المطالبة بدولة البحرين إضافة الى تمسكهم أللامشروع بفارسية الخليج العربي ولا نعلم كيف لهؤلاء العرب الذين استهوتهم الشعارات أن يلغوا كل هذه الجرائم الإيرانية من ذاكرتهم و يفضلوا احتلالا على آخر. فمن قال ان الأحواز بثرواتها الهائلة ومساحتها الكبيرة هي اقل شأنا من فلسطين أم أن مرتفعات الجولان أكثر أهمية من الجزر الإماراتية الثلاث؟. ولا نعلم هل تم ذلك بمقياس الأنظمة القومية التي ساعدت على تأييد ضرب بغداد واحتلالها أم أنه تم بمقياس دعاة الإسلام الذين تغاضوا عن احتلال أفغانستان الإسلامية وحرق جثث المقاومين وتدنيس القرآن وهدم المساجد على يد الأمريكان؟. الم يكن الذين رفعوا شعار الموت لأمريكا هم من أعانوا أمريكا على ضرب أفغانستان وهذا ما اقر به كبار المسئولين الإيرانيين وعلى رأسهم مرشدهم وولي أمر نظامهم علي خامنئي قبل اشهر قليلة حينما صرح قائلا و من على منبر صلاة الجمعة في طهران انهلولا تأييد ايران ومساهمتها الفعالة في مؤتمر بون لما استطاعت أمريكا من احتلال أفغانستان وإزاحة نظام طالبان!!. ثم أليس من نعتوا أمريكا بالشيطان الأكبر هم من أعانوها وهيأا لها ووضعوا أنصارهم وعملائهم من أحزاب سياسية و دينية في خدمة أمريكا لاحتلال العراق. فكيف بعد ذلك يستقيم شعار الموت لأمريكا مع إعطاء الشركات الأمريكية النصيب الأكبر من الاستثمارات في الحقول النفطية الإيرانية . أليست شركة "هيلبرتون" التي يترأسها نائب الرئيس الأمريكي ديك شيني هي التي تستحوذ على النصيب الأكبر من هذه الاستثمارات من خلال فروعها الكندية و الأوروبية؟. أما شعار الموت ( لإسرائيل ) فهو الأخر لا يقل سخفا من مثيله السابق " الموت لأمريكا " والذي ينطلق سخف مطلقيه الذين جعلوه في حدود الشعار فقط ولم ينفذوه على ارض الواقع وإنما رفعوه ليستغفلوا به البسطاء وأصحاب المشاعر الطيبة والعواطف الجياشة للتغطية على تمرير مشاريعهم الخارجية و ضرب المعارضة الداخلية وإسكات أصوات المظلومين من العرب الأحوازيين والمسلمين السنة الإيرانيين الذين يحرمون من ابسط حقوقهم المشروعة. لقد بلغ تعامل النظام الإيراني مع الكيان الصهيوني في المجالات العسكرية في حياة الخميني وبعده مبلغا لا يمكن نكرانه أو إخفاءه ففي العديد من المرات انكشف هذا التعاون إلى المراي العام وإذاعته وسائل الإعلام العالمية ولم يكذبه النظام الإيراني أبداً . وهنا يمكن الإشارة إلى بعض وثائق هذا التعاون التي أستلت من كتب " إسرائيلية " و ترجم بعضها ونشرها احد الكتاب العرب ونختصر بعضا منها : الوثيقة الأولى : هي برقية تلكس يطلب إذنا بالسماح لطائرة من شركة ((ميد لأند البريطانية )) للقيام برحلة نقل أسلحة أمريكية بين تل أبيب و طهران في الرابع من حزيران (يونيو)1981م . و من هذه الوثيقة يثبت أن الأسلحة الإسرائيلية بدأت بالوصول إلى طهران منذ بداية الحرب الإيرانية-العراقية. الوثيقة الثانية : تقع في ثمان صفحات وهي عبارة عن عقد بين الإسرائيلي يعقوب نمرودي و الكولونيل ك.دنغام و قد وقع هذا العقد في يوليو 1981م. و يتضمن بيع أسلحة إسرائيلية بقيمة 135,848,000 دولار. و يحمل العقد توقيع كل من شركة (( أي.دي.أي)) التي تقع في شارع كفرول في تل أبيب و وزارة الدفاع الوطني الإسلامي يمثلها نائب وزير الدفاع الإيراني. الوثيقة الثالثة : هي رسالة سرية جدا من يعقوب نمرودي إلى نائب وزير الدفاع الإيراني . وفي الرسالة يشرح نمرودي أن السفن التي تحمل صناديق ألأسلحة من أمستردام يجب أن تكون جاهزة عند وصول السفن الإسرائيلية إلى ميناء أمستردام. الوثيقة الرابعة : في هذه الوثيقة هي يطلب نائب وزير الدفاع الإيراني العقيد إيماني من مجلس الدفاع تأجيل الهجوم إلى حين وصول الأسلحة الإسرائيلية . الوثيقة الخامسة : رسالة جوابية من مجلس الدفاع الإيراني حول الشروط الإيرانية لوقف النار مع العراق وضرورة اجتماع كل من العقيد دنغام والعقيد إيماني . وفي هذا يتضح أن إي هجوم إيراني ضد العراق لم يتحقق إلا بعد وصول شحنة من الأسلحة الإسرائيلية إلى إيران . الوثيقة السادسة : رسالة سرية عاجلة تفيد بأن العراق سيقترح وقف إطلاق النار خلال شهر محرم , وان العقيد إيماني يوصي بألا يرفض الإيرانيون فورا هذا الاقتراح لاستغلال الوقت حتى وصول الأسلحة الإسرائيلية. الوثيقة السابعة: طلب رئيس الوزراء الإيراني من وزارة الدفاع و ضع تقرير حول شراء أسلحة إسرائيلية. الوثيقة الثامنة: وفيها يشرح العقيد إيماني في البداية المشاكل الاقتصادية والسياسية وطرق حلها , ثم يشرح بأن السلاح سيجري نقلة من إسرائيل إلى نوتردام ثم إلى بندر عباس حيث سيصل في بداية ابريل 1982م . الوثيقة التاسعة : هي صورة لتأشيرة الدخول الإسرائيلية التي دمغت على جواز سفر صادق طبطبائي قريب آية الله الخميني، الذي قام بزيارة لإسرائيل للاجتماع مع كبار المسئولين الأسرائيلين ونقل رسائل لهم من القادة الإيرانيين. الوثيقة العاشرة : رسالة وجهها رئيس الوزراء الإيراني في ذلك الوقت حسين موسوي في يوليو 1983م يحث فيها جميع الدوائر الحكومية الإيرانية لبذل أقصى جهودها للحصول على أسلحة أمريكية من إي مكان في العالم , ويضيف انه على جميع الوزارت والمسئولين ان يضعوا شهريا كشفا بهذه المحاولات. الوثيقة الحادية عشرة : تلكس إلى مطار فرانكفورت هو رحلة الأربعاء التي تقوم بها طائرات إسرائيلية . وفي الوثيقة تفصيل لأرقام الطائرات التي تهبط في مطار فرانكفورت في الجزء ب5 وقرب البوابة 42و20 وهنا تبدأ عمليات نقل صناديق الأسلحة مباشرة إلى طائرة إيرانية تنتظر في نفس المكان . الوثيقة الثانية عشرة: أمر سري من نائب القيادة اللوجستية في الجمهورية الإيرانية يطلب إزالة الإشارات الإسرائيلية عن كل الأسلحة الواردة. الوثيقة الثالثة عشرة: طلب صرف مليار و 781 مليون ريال إيراني لشراء معدات عسكرية إسرائيلية عبر بريطانيا.هذا غيض من فيض عن وثائق التعاون الإيراني – " الإسرائيلي" وهناك المزيد الذي كشف عنه مسئولون إيرانيون سابقون انشقوا عن النظام من بينهم الرئيس الأسبق ابو الحسن بني صدر أواخر التسعينيات فقد كشف عن إصدار الخميني أمرا بالتغاضي عن صفقة السلاح المبرومة مع مصر واستبدالها بأخرى "إسرائيلية" بناء على مشورة من مصطفى شمران وزير الدفاع آنذاك وقد تمت هذا الصفقة وغيرها فيما كان النظام الإيراني في أوج فورانه الثوري المزعوم ليتضح فيما بعد انه أراد بهذه الشعارات الإسلامية الثورية تمرير الصفقات والمؤامرات التي حيكت على العراق ودول عربية أخرى.أذن فليس من الغرابة بمكان أن يكون الرئيس الإيراني محمود احمد نجاد الذي ردد يوم الأربعاء الماضي شعار الخميني الداعي إلى إزالة " إسرائيل" من الخارطة قد هدف من ورائه إلى تمرير صفقة أو مشروع مشبوه خصوصا وان ايران تعيش حالة من التأزم في العلاقات الدولية إضافة إلى أزماتها الداخلية .. فالنظام الإيراني قد تعود على تصدير أزماته الداخلية ولفت انتباه الري لعام الداخلي إلى الخارج و خلق أعداء وهميين له ليتخذ من هذا العداء الخارجي وسيلة لقمع المعارضة الداخلية. ان محمود احمد نجاد وعلى الرغم مرور اشهر عدة على توليه منصب الرئاسة ما يزال عاجزا عن أكمال تشكيلته حكومية الأمنية فهناك أربع وزارات من بين واحد وعشرون وزارة ما تزال شاغرة والصراع يدور على أشده بين أجنحة النظام التي يسعى كل منها على الاستحواذ على هذه الوزارة ومن بينها وزارة النفط .. أضف إلى ذلك ان الشارع الإيراني بات كالصفيح على النار من شدت المعانات المعشية والاحتباس السياسي وهو ما ينذر بتفجره في أي لحظة. هذا ناهيك عن التهديدات التي باتت تشكلها قضايا الشعوب والقوميات المضطهدة في ايران والتي أصبحت هي الأخرى تشكل هاجسا حقيقيا للنظام الإيراني الذي حاول طوال الوقت الماضي قمعها وخنق صوتها وعدم الاعتراف بوجودها جاعلا من نفسه كمثل النعامة.اخيرا .. ان شعار الموت "لإسرائيل" كلمة حقا يراد بها باطل لان النظام الإيراني اثبت انه الأحرص على بقاء هذا الكيان لكون وجوده يساعده على إعطائه الفرصة لتمرير مشاريعه الخارجية وقمع معارضته الداخلية .. ولكن من يا ترى سيكون هذه المرة قرباننا على مذبح هذا الشعار الذي جدد الصياح به الرئيس الإيراني يوم الأربعاء اهو حزب الله اللبناني الصنيعة الإيرانية البحتة أم حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية التي يتسابق امينها العام رمضان عبد الله شلح مع حسن نصر الله على ثبات الولاء للنظام الإيراني؟ أم شيعة العراق وأحزابهم هم من سيكونون قربانا جديدا تقدمه إيران لإسرائيل وأمريكا وبعض الدول الغربية الكبرى لتفتدي به برنامجها النووي و تفك عنها المأزق التي دخلته؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام.

كاتب المقال رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي