الخميس، أكتوبر 27، 2005

المظاهرات السورية

عبدالغني مصطفى - إيلاف
منذ أن عرفت الأحزاب والمجاميع السياسية المظاهرات الشعبية في الشوارع والساحات العامة ما قامت مثل هذه المظاهرات إلا لإعلان المعارضة والإستنكار لسياسات معينة لها تأثير مباشر ومحسوس على حياة الناس. فأكثر المظاهرات شرعية ومصداقية هي تلك المظاهرات التي ترفع شعارات ضد رفع أسعار المواد الأساسية في حياة الجماهير الشعبية مثل الخبز أو الوقود وما على شاكلتهما.أما أن تقام مظاهرات ضد تقرير ميليس فهذا أغرب مما يمكن لأي إنسان أن يتصوره. فميليس محقق ومن صلب عمله أن يبحث عن ظروف الجريمة موضوع التحقيق والأشخاص الذين إقترفوها أو شاركوا في إقترافها. مثل هذا العمل غير قابل للتسييس بغض النظر عن كفاءة وحرفية المحقق. الحقائق هي التي توجه التحقيق وليس المحقق. وعندما طعن السوريون بتقرير ميليس الذي يشرح لمجلس الأمن الأعمال التي قامت بها لجنة التحقيق المنتدبة من قبله كان سهلاً على ميليس أن يطلب من السوريين أن يقوموا هم بالتحقيق ويريحوا اللجنة من وظيفتها الصعبة والمعقدة متجاهلاً بهذا الطلب كل ما يمكن أن تقوم به الجهات السورية من حرف مسار التحقيق لأن التحقيق لا يتحقق إلا بالحقائق.ما شأن الشعب السوري إذا ما قام أحدهم في إغتيال الحريري أو في المشاركة في إغتياله، بل إن هذا الشعب ومهما كانت معتقداته وآراؤه السياسية يفضل أن يعرف الجاني ويحاكم وينال عقابه العادل حتى ولو كان شقيق رئيس الجمهورية وصهر رئيس الجمهورية. بل إن الرئيس السوري نفسه لا يستطيع أن يعلن على الملأ أنه راغب في حماية أخيه وصهره إذا ما كانا متورطين في الجريمة.
إذاً لماذا المظاهرة ؟ لعل أكثر المتظاهرين لم يسمعوا باسم ميليس ولم يعرفوا من هو ميليس وما هي مهاراته كقاضي تحقيق ولا من يشاركه التحقيق وهم أكثر من مائة قاض ومتخصص في التحقيق من أطراف مختلفة من العالم أوكل إليهم مجلس الأمن الدولي مهمة التحقيق في جريمة إرهابية أودت بحياة رجل الدولة البارز رفيق الحريري وأكثر من عشرين من رفاقه. إذا ما كان السوريون متشككين في مسار التحقيقات فعليهم إذاً أن يشيروا إلى المسار الصحيح. وطالما أنهم لم يشيروا حتى هذه اللحظة إلى أي مسار محتمل في التحقيق فليس لهم أي حق في الطعن في مسار ميليس ولجنته الدولية. وإذا ما قاموا بالتظاهر شجباً لمسار ميليس دون أدنى إشارة إلى أي مسار آخر محتمل فما ذلك من جانبهم إلا إعتراف بأنهم هم المتورطون في الجريمة وأن مظاهراتهم إن هي إلا محاولات يائسة لقطع الطريق على مسار التحقيق الصحيح لئلا ينكشف المجرمون على حقيقتهم. ما أخذ ميليس لهذا المسار هو موقع الجريمة ومن أصدر الأمر بإزالة معالم الجريمة من الموقع. لو كان صاحب الأمر عادة في مثل هذه الحالة هو رئيس الحرس الجمهوري لما اشتبه التحقيق بمصطفى حمدان الذي أصدر أمر إزالة معالم الجريمة وبسـرعة تستدعي الإشـتباه إلى مديـر الأمن الداخـلي علي الحاج. مدراء الأجهزة الأمنية الأربعة هم الذين إجتذبوا ميليس إلى مسار التآمر الذي هم فيه. هؤلاء الأربعة هم الذين كانوا لا يحركون صغيرة أو كبيرة إلا بأمر سيدهم الذي عينهم رستم غزالي وإلا فلتق سوريا بأن هؤلاء الجنرالات الأربعة كانوا من المتواطئين مع الموساد الإسرائيلي خاصة وأن العصابة الحاكمة في سوريا تعلق دائماً جرائمها القذرة على الموساد وعلى إسرائيل. إن قول ميلي بأن مؤامرة على قدر خطورة إغتيال الحريري لا يمكن أن تأخذ طريقها إلى التنفيذ دون معرفة سوريا على الأقل، هذا إن لم يكن قد تم بأمرها، هو إستنتاج صحيح دون أدنى شك.إذا كان ميليس ورفاقه المحققون متآمرين على سوريا ودبجوا من بنات أفكارهم قصصاً تتهم الأجهزة السورية بإقتراف الجريمة فليترك إكتشاف مثل هذا التآمر للمحكمة التي ستقيم حكمها إستناداً على الحقائق الواردة في قرار الإتهام الذي سيوجهه قضاة مختصون من غير ميليس ورفاقه. هل علم المتظاهرون في دمشق وحلب ضد تقرير ميليس أن رستم غزالي كان قد سحب مئات الملايين من الدولارات من بنك المدينة ؟ لمن هذه الأموال وأين ذهب بها ؟ إذا سحبها غزالي بأمر من السلطات السورية فلتعلن هذه السلطات ذلك. وهل قام أي من خطباء المظاهرتين بإعلام المتظاهرين عن سحب كل هذه الملايين من بنك المدينة بواسطة غزالي إخوان ؟متى يدرك البعثيون أنهم ليسوا بحاجة لأن يقولوا لأنفسهم ما يقولون فليس غيرهم من يسمعه ؟كاد المريب أن يقول خذوني !