الثلاثاء، ديسمبر 13، 2005

جبران أيها القديس الجميل

إحسان طالب
كانت التهديدات حقيقة والتحذيرات شديدة كانت المخاطر محدقة وجاثمة فوق الرؤوس وفي الطرقات، متسللة داخل أدق تفاصيل الحياة الشخصية للشهيد وكل الشهداء المحتملين. كانت آلة القتل تخطط وتنفذ وترتع بكل حرية في كل مكان وفي أي زمان ( لا تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها ).
ماكينة ضخمة ودقيقة قادرة على كل شيء قابلة للتحرك حيث ما تشاء وأينما تشاء وضد من تشاء لا تعبأ بقيم أو شرائع أو قوانين ,لا تعبأ بشعب ولا وطن ولا مجتمع دولي ولا أمم متحدة أو متفرقة , جبروت وطغيان وكراهية, حقد لا حدود له هي وقود تلك الماكينة الشرسة القبيحة .
ما الذي كان ينقص جبران ولا يدفعه للحرص والتمسك بالحياة بأي ثمن ،كان لديه كل ما يريده أو يتمناه أو يرجوه إنسان على وجه الأرض.
يمتلك الاسم والصورة والجاه والمنصب والعائلة والمال يمتلك شهرة كونية ومكانة تعز على الملوك والرؤساء والأثرياء وفوق ذلك كله جرأة وشجاعة لو وزعت على أهل الأرض لكفتهم .يمتلك عقلاُ وفكراُ وقلماُ وقلباُ نابضاُ بالحب والحنان إلى جانب كنز من الوطنية لا يفنى .
عندما تكون القيم العليا والمثل الإنسانية الرفيعة حاضرة في جسد.. فهي جبران تويني. عندما تتمثل الوطنية وحب الناس والإخلاص للشعب والأرض.. عندما تكون الرجولة بأسمى وأرقى وأرفع معانيها حاضرة وماثلة للعيان تقف بين الجموع تسير بين الناس تتكلم تبتسم تدافع عن الحق والحرية والعدالة والاستقلال ، يكون جبران حاضراُ وأمثولة .
يا إلهي ما أمضى ذلك السلاح بين أصابعك وبين شفتيك, يا إلهي ما أشد ذلك الضياء الذي يشع من ابتسامتك الرائعة وأنت تتحدى قوى الظلام والليل. كلمات وقلم.. هز أركاناُ وعروش وزلزل الأرض تحت أقدام احترفت طحن الشعوب وقهر الأوطان.
لم يكن جبران قائد ميليشيا أو زعيم حزب مسلح يحرك غرائز الناس بالحقد والكراهية, لم يكن جبران جنرال يتقن قواعد الحرب ويفقه أصول القتال ولم يرفع السلاح في وجه أحد أو يدعو إليه, كان سياسياُ وصحفياُ ومفكراُ وكاتباُ يرعى الأدب والفكر ويدعو للتغيير السلمي , حريصاُ كل الحرص على اللبنانيين واحداُ واحداُ دون تمييز بين عرق أو دين أو طائفة أو مذهب, ابتدع قسم الوفاء والوحدة في لبنان وفاض نور فكره وضياء مداده فأنار قلوباُ وضمائر وعقولا ُفي سائر أرجاء المعمورة حتى غدا رمزاُ للصحافة العربية الحرة ونبراساُ للحرية والديمقراطية .
في قرنة شهوان عمل مع رفاقه لتأسيس تجمع يناهض الباطل ويدعم وحدة لبنان العربي المقاوم وفي آخر لقاء أجري معه قبل استشهاده بأيام قال : أنا لا أقف في مواجهة حزب الله بل أقف معه وأقاوم معه من أجل لبنان الحر العربي المستقل. فالمقاومة واجب كل اللبنانيين وليس فئة واحدة منهم وأنا أدعو إلى تنظيم عمل المقاومة ( إشارة إلى المقابلة التي أجراها معه الطالب مصطفى درويش وسجلها بكاميرة فيديو وعرضتها قناة الـ ل ب س الفضائية ) هذا هو قدر الشهداء أن يقدموا أرواحهم قرابين في محراب الوطن ليبقى اسمه عالياُ خفاقاُ يعيش فيه أبناؤه بحرية واستقلال وكرامة, لن تذهب روحه هدراُ ولن تذرو رياح الغدر تضحياته الثمينة وستبقى الكلمة الحرة والفكر المستقل الأساس المتين لبناء الأوطان ودحر الظلام .
الحق أقوى من القتل ..
الطغيان أضعف من الأمل
والحقد لا يقوى على الحب
والكلمة أمضى من السيف
هذا ما يوحي به استشهاد القديس الجميل جبران تويني , لو كان القتل أقوى من الحق ما لحق جبران بسمير , لو كان الأمل أضعف من الطغيان لكف جبران عن الكلام ,لو كان الحقد يطغى على الحب لتوجه الناس للانتقام بدل العزاء والمواساة , لو كان السيف أقوى من الكلمة لاستطاع إسكاتها.
دمت حياُ في القلوب وفي الجنان يا جبران.

ليست هناك تعليقات: