الأربعاء، نوفمبر 30، 2005

قناة الجزيرة بين الوهم و تحقيق الوهن

إحسان طالب
أثار اهتمامي التضخم المبالغ فيه لتقرير صحيفة الديلي ميرور والذي أشار إلى وجود مخطط لقصف مكاتب قناة الجزيرة الفضائية في بغداد وكابول ،ولدى قراءتي لمقالة الأستاذ داوود البصري عن نفس المسألة وجدت كثيرا من الأفكار التي ينبغي طرحها قد وردت في مقالته ( قصف قناة الجزيرة بين الجد والهزل ) لذا أنصح بالرجوع إليها على موقع إيلاف كذلك مقال لطارق الحميد في الشرق الأوسط ، وهنا أود طرح بعض الأسئلة على مسئولي ومدراء فضائية الجزيرة التي ربما يكون للإجابة عليها أثر في بيان الحق والحقيقة وكشف أغالط التوجهات وصوابية الادعاءات.
مكاتب الجزيرة في أمريكا منتشرة في معظم الولايات الهامة وكذلك مراسليها. وكما هو الحال في المملكة المتحدة والسؤال لماذا لا تسحب الجزيرة مراسليها ومكاتبها احتجاجا على التقرير المذكور، ومن جهة أخرى إذا كان تحالف أمريكا وبريطانيا متأثرا إلى هذا الحد من بث الجزيرة فلماذا لا تغلق تلك الدول مكاتب الجزيرة وتطرد المراسلين كما فعلت في حالة سابقة تم من خلالها منع بث لقنوات فضائية عربية ( المنار مثلاً ) لقناعة أصحاب الشأن بتأثيرها السلبي .
ومن المعروف أن تسهيلات عديدة منحت لقناة الجزيرة في كابول قبل وبعد بدء المعارك وإبان اشتدادها وإلى حين توقفها ،تلك التسهيلات لم تعط لأية قناة أخرى، وكان هناك اتفاق بين قناة الجزيرة وقناة الـ CNN الأمريكية بحيث يكون للجزيرة الحق الحصري والوحيد لبث الوحي المقدس لأسامة بن لادن ( كما كانت توحي به أساليب الرعاية والاهتمام المحيطة ببث رسائله بدءا من تسميته بالشيخ الفقيه من قبل عبد الباري عطوان وانتهاءً بإعلانه إماماً للمجاهدين ). فهل يعقل أن يحصل هذا التفاهم الشديد وتلك المزايا الممنوحة على أنه رغبة في قصف تلك المكاتب أم على العكس تماما أي أن قناة الجزيرة كان لها دور محدد ومتفق عليه لإتمام العملية العسكرية وما بعدها في كابول وبغداد ولعل ما يفسر جزءا من ذلك الغموض هو قيام الحكومة الوطنية العراقية بإغلاق مكاتب الجزيرة وطرد مراسليها من بغداد.
بالعقل والمنطق كيف نفهم أن تقوم أهم وأقرب عملاء ( أو أصدقاء أو سمهم ما شئت ) الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط وفي قلب الجزيرة العربية ( دولة قطر) بترك ذلك العملاق الإعلامي دون أن يكون له دور وشراكة ضرورية ومهمة في إنجاح السياسات الأمريكية المخطط لها والمرسومة والجاري تنفيذها . وبعبارة أوضح تشير الدلائل إلى أن قناة الجزيرة جزء أساسي وقاعدي في سياسات إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش من أجل تطبيق مشروع الشرق الأوسط الكبير وهنا أشير إلى حيثية بسيطة قبل وجود قناة العربية والحرة كانت الجزيرة هي المنبر الوحيد للمسئولين الإسرائيليين والأمريكيين للتحدث إلى الرأي العام العربي وكان المبرر لسماعه من قبل المتلقي العربي هو قناعته في بداية الأمر بأن قناة الجزيرة لديها من الجرأة والحرية ما يكفي أو ما يغفر لها ذنب الاتصال بمن يعتقدهم أعداء ألداء .
عندما تناصب منظمة أو مؤسسة أو هيئة أو حكومة أو مخابرات العداء لطرف آخر سواء كان تنظيماً أو نظاماً فإنها تحتاج إلى معرفة أساليب تفكيره ومنطلقاته وإذا أمكن مخططاته، لذلك فهناك حاجة ملحة للسماع إليه والتقرب الشديد منه لتكون على إطلاع كافي على ما يدور في أروقة دماغه وأروقة تنظيمه.
وهنا يأتي السؤال ألم تقم قناة الجزيرة الفضائية بذلك الدور بين إسرائيل والتحالف الغربي من جهة والمتشددين والمتطرفين والإرهابيين ودعاة الموت للشعوب والدول الكافرة من جهة أخرى، ألم تستطع قناة الجزيرة أن تحظى بالقرب الشديد من ابن لادن في قندهار ومن صدام في تكريت ومن أبو حمزة المصري في لندن ومن جماعة الزرقاوي في الأردن ، ألم تستطع الجزيرة الوصول إلى داخل أشد التنظيمات الإرهابية في الجزائر وإجراء المقابلات والحوارات الحصرية مع مشايخ الذبح والقتل ، ألم تتمكن الجزيرة والجزيرة وحدها من الوصول إلى بعض ملفات ال سي آي أيه السرية وكذلك بعض ملفات المخابرات البريطانية ونشرها بصورة حصرية من خلال برنامج سري للغاية ؟ فهل هكذا أمر يتم بين الأعداء أم بين الحلفاء والأصدقاء إنه بلا شك يتم بين الدول والحكومات وصديقتهم اللدودة الجزيرة.
عندما استشهد طارق أيوب مراسل الجزيرة العسكري في بغداد نتيجة لوجوده خطأً قرب مصدر نار عراقي أجرت القناة لقاءً مع زوجته المخلصة والمتألمة كانت تبكي بحرقة شديدة وتقول ( الله يجازي الذي كان السبب ) كل من شاهد المقابلة تأثر تأثراً شديداً لمصاب تلك المرأة الطاهرة والبعض كانت رد فعله الغيظ الشديد والحنق على قناة الجزيرة لأنها كانت السبب .
فطارق أيوب كان مراسلاً الكترونياً للقضايا الاقتصادية يبث تقارير اقتصادية الكترونية لقناة الجزيرة وبين عشية وضحاها ألبسته الجزيرة درع الحرب وألقته في أتون المعارك الجارية في العراق وكانت النتيجة ترمل زوجته بعد أيام.
ولعل من أكثر المظاهر والدلالات على عدم صدقية قناة الجزيرة والتناقض الفاضح في مواقفها وتوجهاتها وتأثيراتها السلبية على المتلقي العربي ( وعذراً لاستعمال لفظة المتلقي فغالبية متابعي الجزيرة من الذين لا يمحصون ولا يدققون فيما تنشره وتبثه . وتغلب عليهم العاطفة والانجرار خلف الصراخ ورفع العقيرة بالتهديد والوعيد والاقتناع المسبق بمنطق المؤامرة في الأحداث الدائرة وما سبقها والنتائج المترتبة عليها ) .
هي ظاهرة الشيخ يوسف القرضاوي الذي يعد مثالاً صارخاً لتطويع الدين والشريعة وفقاً للتوجهات السياسية و أهواء السادة منظري القناة ورغباتهم الآنية، فالشيخ الجليل القرضاوي الذي لا يغيب عن الشاشة حتى يظهر عليها ثانية كان من دعاة الصلح مع إسرائيل وجهد في طرح الأدلة الشرعية على ذلك من صلح الحديبية إلى وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ثم ادخلوا في السلم كافة. كان ذلك إبان مفاوضات الرئيس عرفات في أوسلو ولكن عندما ارتأى الزعيم الراحل الخروج من تحت قبة المفاوضات السلمية وتأييد الانتفاضة المسلحة والدعوة إلى الجهاد والاستشهاد لقناعته بسرعة ذلك الطريق ونجاعته . رأينا تغير بوصلة فتاوى الشيخ الجليل نحو واقتلوا المشركين كافة، أيضاً واقتلوهم حيث ثقفتموهم، ودار الحرب ودار السلم وفي حينها سأل الأستاذ عماد الدين الأديب العلامة القرضاوي عن قتل المدنيين الإسرائيليين فأجاب : إن إسرائيل دار حرب وكل من فيها يعدون محاربين حتى ولو لم يكونوا جنوداً . وبذلك برر القرضاوي قتل النساء والأطفال والشيوخ والآمنين في كل مكان طالما أنهم يقطنون دار الحرب التي قد لا تكون في مفهوم الجهاديين بقعة محددة بل صفة اعتبارية يمكن إطلاقها على مجموعات أو تجمعات تحمل صفات معينة أو انتماءات أو ولاءات تخالف ما يعتقدونه الحق وهذا بالضرورة ساهم في نشر الإرهاب الذي يسلط على رقاب الآمنين في العراق والأردن والسعودية والعالم أجمع.
وعندما حصلت تفجيرات إرهابية في دولة قطر خرج الشيخ الجليل في مظاهرة مناهضة للإرهاب وعاد إلى ....وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.
إن توجهات الشيخ الجليل يوسف القرضاوي منطوية ومتسقة مع توجهات قناة الجزيرة التي تستغل جهل وعاطفة وقناعات الناس المسبقة كما تستغل إيمانهم ودينهم منتهزة حالة ضعفهم وهزائمهم. بما يوصل الشعوب والأمة إلى الوهن والعجز.( ربما كان للشيخ الجليل عذره أو قناعاته الخاصة التي تختلف مع هذا التوجه.)
نعم للإعلام الليبرالي الذي يتسع للجميع، نعم للإعلام الواضح والصريح الذي يدعم قضايا الحرية والسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان التي تكفل حق الشعوب في استرجاع أراضيها ونبذ الاحتلال، الإعلام الذي لا يروج للإرهاب أو الفكر الإرهابي تحت حجج واهية أو ادعاءات براقة بمناهضة ومحاربة أعداء العروبة والإسلام ولا تكون المحصلة المرحلية والنهائية لعمله الكيد بالشعوب وإثارة الوهن وتشويش الفكر والسياسة ، فتبقى الشعوب في حالة ضياع وتوهان ، إن العمل الإعلامي الصحيح يعتبر الإنسان أساساً ينبغي الحرص عليه وبذل الجهود لنصرته وإحقاق حقوقه واستعادة كرامته

ليست هناك تعليقات: