الجمعة، سبتمبر 01، 2006

نيويورك تايمز: المدّ الإسلامي يتزايد في سوريا بقيادة نسائية


"الدولة قلقة من الجماعات الإسلامية التي تعمل خارج إطارها"

دبي-العربية.نت

رصد تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تزايد ظاهرة المدّ الإسلامي في سوريا تحت قيادة نسائية بالدرجة الأولى واعتبر ان هذا المدّ كفيل بإضعاف الهوية القومية للبلاد الأمر الذي يشكل "أحد التحديات التي تواجهها هذه الدولة العلمانية" وذلك رغم النفي الشديد والمتكرر من قبل المسؤولين الحكوميين، وحذرت الصحيفة أنه "إذا حل الاسلام محل القومية في سورية فإن ذلك قد يضعف مجتمعا يضم عدة مجموعات دينية وتحكمه أقلية هي العلويين".

ويقول التقرير الذي نشرته الصحيفة الثلاثاء 29-8-2006، إن النساء في سوريا استفدن من حريتهن الواسعة نسبيا لتشكيل جماعات اسلامية، أصبحت قوة متجذرة لنشر ممارسات إسلامية أكثر صرامة ومحافظة بين أفراد عائلاتهن وفي أوساطهن.

وعلى الرغم من حرص الحكومة السورية خلال السنوات الأخيرة على الإشارة في الخطابات الرسمية إلى إرث سوريا الاسلامي وإظهار أنها لا تخشى من الاسلام، إلا أن الدولة -حسب التقرير- لا تزال تشعر بقلق حيال الجماعات الاسلامية التي تعمل خارج أجهزة الدولة والتهديد الذي تمثله من احتمال خسارة الدولة لسيطرتها.

ويقول التقرير إن المسؤولين السوريين "الذين كانوا في المقاعد الأمامية عندما جرّ حزب الله لبنان الى الحرب، يدركون -بألم- الطرق الكثيرة التي يمكن أن تقوض بها الجماعات الدينية، التي تزداد قوة وجذبا للجماهير، سلطة الدولة. وعلى الرغم من أن الحكومة السورية تدعم حزب الله فإنها تتخذ خطوات لضمان ألا تلاحقها الظاهرة التي ساعدت على وجودها في لبنان في عقر دارها".

وقال عضو مجلس الشعب السوري محمد حبش، وهو عالم دين أيضا، للصحيفة انه في الماضي "كان يقال لنا ان علينا ان نترك الاسلام وراءنا لنجد مستقبلنا"، و"لكن في هذه الأيام إذا ما سألتم معظم الناس في سورية حول تاريخهم فانهم سيجيبونكم: تاريخنا هو التاريخ الاسلامي، والجيل الشاب كله يقرأ القرآن".

وتنفرد سورية دون دول العالم العربي، بكونها الوحيدة تقريبا التي تشهد انبعاث تقليد كان قائما منذ قرون، وهو تقليد "الشيخات" أي الواعظات الإناث، ويقول معلمو الدين هناك إن مدارس البنات تزداد بسرعة أكبر من مدارس البنين. وبالرغم من عدم وجود إحصاء رسمي بشأن المدارس الاسلامية المخصصة للسيدات من بين 700 مدرسة في البلاد، لكن بحثا نشرته صحيفة "الحياة" اللندنية حول التعليم الاسلامي في سورية، أشار إلى أن هناك 80 مدرسة في دمشق وحدها مخصصة لهذا الغرض وتقدم خدماتها لما يزيد عن 75 ألف فتاة وسيدة، ويتبع نصف تلك المدارس جماعة القبيسيات.

القبيسيات.. اجتماعات سرية

واعتبر التقرير ان سوريا كانت تنظر ولسنوات عدة إلى أي مظهر من مظاهر التقوى الدينية بارتياب، وفيما كان يتم التحقيق مع الرجال المشتبه في نشاطهم الاسلامي وسجنهم، فإن إخضاع النساء لمثل هذه المعاملة يمكن أن يسبب احتجاجا عاما لا يمكن للحكومة ان تغامر بمجابهته". وحيث ان عملاء المخابرات ما زالوا يراقبون التجمعات السرية التي تقوم بمناقشة قضايا الاسلام، فان جماعات مثل القبيسيات غالبا ما تلتقي بصورة سرية، بل وفي بعض الأحيان تقوم سيدات بحراسة الباب من جانب نساء لمنع المتطفلين. وتنسب الجماعة إلى مؤسستها الشيخة منيرة القبيسي. وهي سيدة سورية ذات شخصية مؤثرة.

وتقدم امرأة ثرية في الخمسينات من عمرها وتعيش في دمشق وتحضر اجتماعات القبيسيات وطلبت عدم نشر اسمها خوفا من التعرض لعقاب، وصفا عاما لنشاطات الجماعة. تقول المرأة ان "البنت التي يعتقد انها جادة بشأن دينها قد تدعى من جانب قريبة لها او صديقة في مدرستها لحضور الاجتماع، وهناك تجلس الشيخة على منصة مرتفعة وتخاطب النساء المجتمعات في الأمور الدينية وتتلقى أسئلتهن.

وقالت المرأة ان "عضوات القبيسيات يربطن الحجاب حتى يكون جزءا من القماش تحت الذقن، مثل ضفيرة متدلية. واذ تتقدم النساء والبنات في دراستهن الاسلام ويحصلن على منزلة مميزة في الجماعة فان لون غطاء الرأس يتغير. فالأعضاء الجديدات يرتدين الأبيض مع المعاطف ذات اللون الكاكي عادة، وفي وقت لاحق يتدرجن لارتداء غطاء الرأس الازرق والمعطف الأزرق الغامق، وفي المرحلة الأخيرة قد تمنحهن الشيخة إذنا بتغطية أنفسهن كاملا بالأسود".

استهداف الثريات والمتفوقات

ووصفت هديل، وهي شابة في أوائل العشرينات من عمرها وطلبت أن يشار إليها باسمها الأول فقط، كيف ان صديقة طفولتها التي اصبحت واحدة من "القبيسيات" شجعتها على الانضمام الى الجماعة. وتقول هديل "تتصل بي رشا احيانا وتقول لي أنها ذاهبة الى التسوق". و"التسوق" كلمة تستخدم للتمويه وهي تعني درس السابعة والنصف مساء. وتضيف "ذهبت ثلاث مرات، وكان الأمر رائعا. إنهم يقدمون أغلى وأفضل أنواع الطعام للفتيات قبل بدء الدرس، ولديهم أيضا سيارات مرسيدس فاخرة لنقلهن إلى منازلهن". تقول هديل انها اصيبت بالدهشة ازاء الطريقة التي تستخدمها القبيسيات في انتقاء بنات الأسر الثرية وذات النفوذ والبنات اللائي تبدو عليهن سمات القيادة.

وتضيف هديل ان الجمعية تبدي اهتماما بالبنات اللائي يتحدرن من "اسر معروفة وذات نفوذ". إلا ان هديل نفسها اختيرت "بسبب كونها طالبة متفوقة". وطلبت عضوات القبيسيات عدم ذكر اسمائهن لأن الجماعة تعتبر منظمة غير شرعية، على الرغم من أن السلطات تتغاضى عن نشاطاتها متعمدة فيما يبدو. ويقول معن عبد السلام، وهو ناشط في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، ان تقديم الدعوة الى امرأة للانضمام الى الجماعة يشكل امتيازا هاما، وأضاف قائلا "ان مثل هذه الجمعيات السرية تستقطب النساء بصورة مختلفة اعتمادا على الوضع الاجتماعي لكل منهن. وتعلم الجماعة النساء الفقيرات كيفية التواضع والبساطة أمام أزواجهن وكيفية الصلاة، فيما تعلم نساء الطبقة العليا كيفية التأثير في المجال السياسي".

مدرسة إسلامية بدون أجندة سياسية

وتقف ايناس الخالدي في رواق مدرستها الاسلامية للبنات وتستمع لزميلتها الصغيرة وهي تتلو آيات من القرآن، وتقول ايناس، 16 عاما، بفخر "صحيح انهن لا يفهمن ما يحفظنه في هذا العمر ولكننا نعتقد ان الاستيعاب يأتي عندما يكون القرآن جزءا منك".

ولا توجد لدى المدرسة الاسلامية التي تدرس فيها ايناس الخالدي وتعمل كمشرفة أي اجندة سياسية واضحة، لكنها تعتبر بصورة عامة مكانا يزدهر فيه التمسك بالإسلام واستكشاف مكانة المرأة فيه.

ويشعر زائر المدرسة الإسلامية التي تقع داخل مسجد الزهراء في إحدى ضواحي غرب دمشق، بالراحة والاسترخاء. فالأرضية مفروشة بالسجاد الشرقي وتركض مجموعات من التلميذات صغيرات السن في المكان وهن يرتدين جواربهن. وتقضي ايناس الخالدي الصيف والعطلات، وفترات ما بعد الظهيرة في بعض الأحيان، في تحفيظ القرآن للأطفال. وأصبحت بفضل عملها مدرسة للتحفيظ شخصية مهمة في هذا العالم، وتلقي كثير من التلميذات التحية عليها بحياء وهن في طريقهن.

وتقبل المدرسة الطالبات من سن الخامسة لفصول تحفيظ القرآن ابتداء من السور القصيرة. ويتم استخدام وسائل الترغيب في مساعدة الفتيات الصغيرات على الحفظ. الجو بصورة عامة في المدرسة يدعو الى الشعور بالراحة والاسترخاء. وعادة ما يقتسم الاطفال الحلوى والوجبات الصغيرة خلال ساعات الدراسة. وتعمل تلميذات اخريات على التحضير للاختبارات التي تمكنهن من الانتقال الى مستويات دراسية أعلى وهن يرددن بصوت عالي بعض الآيات التي يتوقع ان ترد في الاختبارات المرتقبة. وعقب التحفيظ في مدرسة الزهراء تدرس التلميذات قواعد التجويد والتفسير وهو ما قد يستغرق سنوات عدة.

الحركة الإسلامية الجديدة

وتقول ايناس خالدي ان تفسير القرآن هو الذي يميز جيلها عن الأجيال السابقة. أما صديقتها فاطمة غاية، 16 عاما، التي تأمل أن تعمل مصممة غرافيك في المستقبل، فترى أن الجيل القديم، وهي تقصد النساء في العشرينات والثالثينات من عمرهن الآن، يسمحن دائما لآبائهن وأزواجهن بإملاء ما يرونه من أمور الدين عليهن. وتوضح ان السبب في ذلك أيضا هو انهن نشأن قبل أن تجتاح الحركة الاسلامية الجديدة سورية. ونتيجة لذلك تشعر الكثيرات منهن أنهن لم يحصلن على التعليم الاسلامي الكافي الذي توفر للأخوات الأصغر سنا.

وتقول فاطمة انه كان يقال لهن "بأن هذا هو الاسلام وانه يجب عليهن التصرف وفقا لذلك، ويشعرن بعدم قدرتهن على طرح أسئلة". وتضيف ان ذلك حدث "منذ 10 سنين عندما كانت سورية منغلقة تماما، ولم يكن هناك الكثير من المدارس الاسلامية. ولكن المجتمع تغير. وتقول الفتيات الآن إنهن يرغبن في القيام بشئ من أجل الاسلام" وترى إنهن أكثر نشاطا وقدرة على طرح الأسئلة.

السماح بارتداء الحجاب في المدارس

وتتذكر ايناس وفاطمة بتأثر اليوم الذي غير فيه الرئيس بشار الأسد قانونا ليسمح بارتداء الحجاب في المدارس العامة وهو ما كان ممنوعا خلال حكم والده حافظ. كما قلل الرئيس الحالي، الذي تولى الحكم عام 2000، من الساعات التي يجب أن يقضيها التلاميذ في فصول لتدريس أفكار حزب البعث كما سمح للجنود بالصلاة في المساجد. ولاقت هذه التغييرات ارتياحا لدى السنة، الذي يشكلون 70% من سكان البلاد، ولكن هذه التغييرات تحمل في طياتها أسبابا لمخاوف سياسية بالنسبة للحكومة التي كانت دائما ما تشعر بحساسية من أي مظاهر لسلوك ديني.

وحرصت الحكومة خلال السنوات الأخيرة من مثل هذه التغييرات ومن خلال الإشارة في الخطابات الرسمية إلى إرث سوريا الاسلامي إلى إظهار أنها لا تخشى من الاسلام. وخلال الحرب بين اسرائيل وحزب الله، اشارت الحكومة كثيرا إلى القضية الاسلامية وإلى "المقاومة اللبنانية" كما يشار إلى حزب الله في وسائل الاعلام السورية التي تسيطر عليها الدولة، من أجل اللعب على مشاعر السوريين والحصول على دعمهم.

وتقول الفتيات في المدارس الاسلامية إن التعمق في الايمان يجعلهن على فهم بحقوقهن في اطار الاسلام. وفي السنوات العليا في مدرسة الزهراء يدور نقاش بشأن ما إذا كان للمرأة حق التصويت بشكل مختلف عن الزوج. وهو ما علقت عليه إحدى التلميذات بالقول إنه أمر افتراضي في سوريا، لأن الرئيس بشار سيفوز في الانتخابات بنسبة 99% كما كان يفعل والده من قبل.

وتقول ايناس "إن الناس تخلط ما بين العادات وبين الدين. فالرجال يقولون دائما إن النساء لا يمكنهن فعل هذا الأمر بسبب الدين، وفي الحقيقة فان هذا الأمر مجرد تقاليد. ومن المهم لهن أن يدرسن لمعرفة الفرق.

ليست هناك تعليقات: