شام برس
رغم صدور عدد كبير من القوانين والمراسيم الجمهورية في السنوات القليلة الماضية، ضمن ما سمي بمسيرة التطوير والتحديث، إلا أن الحكومة عطلت معظم تلك القوانين والمراسيم، فمنها ما بقي حبراً على ورق، ومنها ما يطبق بشكل جزئي، ومنها ما يطبق بشكل كيفي، ومنها ما عطلته إجراءاته التنفيذية. فمبررات تعطيل تلك القوانين جاهزة دائماً لدى عدد من مسؤولينا. فبمجرد أن يجدوا تبريراً لتعطيل القانون يصبحون غير ملزمين بتطبيقه، دون أية مساءلة لهم، وكأن القانون الجديد غير ملزم لأولئك المسؤولين. علماً أن تعطيل القوانين بالطرق التي أشرنا إليها، له نتائج سلبية مضاعفة، فكلنا يعلم أن معظم القوانين والمراسيم التي تصدر تلغي ما قبلها، وبالتالي فحين لا يطبق القانون الذي صدر حديثاً يكون قد تعطل وعطل القانون الذي كان سائداً قبله، فنجد أن الوضع بعد صدور القانون قد أصبح في كثير من الأحيان أسوأ منه قبل صدوره. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لو أخذنا قانون البيئة رقم 50 لعام 2002 الذي أحدثت بموجبه (هيئة عامة لشؤون البيئة) هو قانون متكامل وضع لزيادة الاهتمام، ومراقبة ومكافحة التلوث الحاصل في بيئتنا (طبعاً هذا نظرياً)، أما عملياً فنجد أن السلطة التنفيذية قد عطّلت عمل مديرية مكافحة التلوث التي كانت تقوم بدور فعال في مجال مكافحة التلوث البيئي على أساس أن القانون 50 يحل محل المرسوم 2145 لعام 1971 الذي أنشئت بموجبه مديرية مكافحة التلوث. إلا أن القانون 50 قد عطل أيضاً لأسباب وحجج واهية أهمها عدم توفر الإمكانات (من مخابر وغيرها) لدى الهيئة للقيام بعملها حسب القانون 50، إضافة إلى أن السيد رئيس مجلس الوزراء منع الهيئة من القيام بعملها في مراقبة مياه الشرب (بحسب مديرة سلامة المياه في الهيئة)، وحصر هذا الأمر بالجهة التي تقدم خدمة المياه وهي وزارة الإسكان. و كانت النتيجة زيادة مؤشرات التلوث في بلدنا زيادة مخيفة، دون وجود أية خطوة عملية للحد منه، وانحصر دور الهيئة برفع بعض الشعارات البيئية وإصدار بيانات للاستهلاك، لا تعبر عن الواقع الفعلي لعمل تلك الهيئة. ومن القوانين التي تطبق تطبيقاً كيفياً القانون 25 للاستعلام الضريبي ومكافحة التهرب الضريبي، الذي يدخل إلى خزينة الدولة فيما لو طبق ما بين 100 و 200 مليار ليرة سورية سنوياً (حسب تصريحات وزير المالية ورئيس مجلس الوزراء). ومع هذا ورغم مرور أكثر من سنتين على نفاذ هذا القانون ما تزال أقسام الاستعلام الضريبي غير مؤهلة ولا تقوم بالدور المنوط بها وفق القانون الجديد، ولم يزل المكلفون بالضرائب لا يعرفون عن شيء اسمه استعلام ضريبي. ولم يسمعوا حتى الآن بالقانون 25. وإن كل ما حصل هو تعيين الموظفين المدعومين في أقسام الاستعلام الضريبي لأنهم يستفيدون من طبيعة عمل أكثر من باقي الأقسام. وما يزال تطبيق القانون يتم بشكل كيفي. ولمعرفة مدى جدية وزارة المالية في تطبيق هذا القانون، ما علينا سوى معرفة مقدار ما تم إدخاله إلى خزينة الدولة نتيجة لتطبيقه. ونجزم بأن القيمة لا تتعدى الـ 1% من القيمة التي صرح وزير المالية بإمكانية جبايتها في حال طبق القانون، فهل تطبيق قانون بنسبة لا تصل إلى واحد بالمئة يعد إنجازاً، أم أن هناك تقصيراً في تطبيقه؟ ومن القوانين التي تطبق بشكل جزئي القانون رقم 1 لعام 2003 الخاص بمنع البناء في مناطق المخالفات. فبدلاً من أن يمنع البناء في مناطق المخالفات حسب هذا القانون، ويتبعه إجراءات من وزارة الإسكان بإصدار مخططات تنظيمية للمناطق التي هي قيد التوسع، وبذلك ينتفي سبب المخالفة نجد أنه لم يصدر أي مخطط تنظيمي لمنطقة قيد التوسع، كما أن الأبنية المخالفة قد ازدادت أكثر فما كانت عليه قبل صدور القانون. وإن ما تغير فعلياً هو قيمة الرشا التي تدفع للبلديات من أجل غض الطرف عن المخالفات (لأن مخالفة قانون صادر عن رئيس الجمهورية تستدعي رشوة أكبر من مخالفة قرار صادر عن الإدارة المحلية). ومن القوانين التي عطلتها إجراءاتها التنفيذية، (القسم المتعلق بإذن السفر في القانون الأساسي للعاملين). فقد ورد في هذا القسم زيادة القيمة المالية لإذن السفر ما يعادل سبعة أضعاف القيمة السابقة، ومع هذا فإن الاعتماد المالي لإذن السفر في بعض الإدارات لم يزد شيئاً، وبالتالي فقد تعطل قسم كبير من أعمال هذه الإدارات التي تحتاج أعمالها إلى أذونات سفر، بسبب عدم وجود اعتمادات مالية لها. وجاءت بعض القرارات الحكومية لحل هذا الإشكال بأن دعت إلى التقنين في أذون السفر مما تسبب في إرباك معظم الدوائر في تفسيرها، فمنهم من فسر التقنين على أنه اختصار في القيمة المادية لإذن السفر، ومنهم من فسره على أنه اختصار عدد الأيام، والنتيجة كانت حصول المستفيد من إذن سفر على نفس المبلغ الذي كان يحصل عليه قبل صدور القانون، لأن الاعتماد المالي لم يتغير، والشيء الوحيد الذي تغير هو الإرباك في تفسير القانون. هذا باختصار غيضٌ من فيض القوانين التي عطلتها السلطة التنفيذية. إن هذا الاستهتار بالقوانين والمراسيم يعود إلى سببين رئيسيين: أولهما عدم جدية الحكومة في مكافحة الفساد، وعدم اعتمادها لخطة منطقية في هذا المجال، إضافة إلى عدم متابعة تطبيق القوانين من قبل هذه السلطة بدءاً من رأس الهرم وصولاً إلى القاعدة. ثانياً: غياب الرقابة عن السلطة التنفيذية وغياب دور مجلس الشعب، الذي يفترض أن تكون من أولويات مهامه، محاسبة الحكومة وتقييم أدائها، وحسن تنفيذها للقوانين التي يقرها المجلس، لا أن يقتصر دوره على الموافقة على مشاريع القوانين التي تعرضها عليه الحكومة. طبعاً هذا إضافة إلى فتح جميع ملفات الفساد في البلد دون استثناء لأحد مهما علا شأنه، فيجب أن نكون قد تعلمنا بأن الفساد والوطنية لا يجتمعان، أن المفسد مستعد لأن يبيع وطنه في كل لحظة.
رغم صدور عدد كبير من القوانين والمراسيم الجمهورية في السنوات القليلة الماضية، ضمن ما سمي بمسيرة التطوير والتحديث، إلا أن الحكومة عطلت معظم تلك القوانين والمراسيم، فمنها ما بقي حبراً على ورق، ومنها ما يطبق بشكل جزئي، ومنها ما يطبق بشكل كيفي، ومنها ما عطلته إجراءاته التنفيذية. فمبررات تعطيل تلك القوانين جاهزة دائماً لدى عدد من مسؤولينا. فبمجرد أن يجدوا تبريراً لتعطيل القانون يصبحون غير ملزمين بتطبيقه، دون أية مساءلة لهم، وكأن القانون الجديد غير ملزم لأولئك المسؤولين. علماً أن تعطيل القوانين بالطرق التي أشرنا إليها، له نتائج سلبية مضاعفة، فكلنا يعلم أن معظم القوانين والمراسيم التي تصدر تلغي ما قبلها، وبالتالي فحين لا يطبق القانون الذي صدر حديثاً يكون قد تعطل وعطل القانون الذي كان سائداً قبله، فنجد أن الوضع بعد صدور القانون قد أصبح في كثير من الأحيان أسوأ منه قبل صدوره. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لو أخذنا قانون البيئة رقم 50 لعام 2002 الذي أحدثت بموجبه (هيئة عامة لشؤون البيئة) هو قانون متكامل وضع لزيادة الاهتمام، ومراقبة ومكافحة التلوث الحاصل في بيئتنا (طبعاً هذا نظرياً)، أما عملياً فنجد أن السلطة التنفيذية قد عطّلت عمل مديرية مكافحة التلوث التي كانت تقوم بدور فعال في مجال مكافحة التلوث البيئي على أساس أن القانون 50 يحل محل المرسوم 2145 لعام 1971 الذي أنشئت بموجبه مديرية مكافحة التلوث. إلا أن القانون 50 قد عطل أيضاً لأسباب وحجج واهية أهمها عدم توفر الإمكانات (من مخابر وغيرها) لدى الهيئة للقيام بعملها حسب القانون 50، إضافة إلى أن السيد رئيس مجلس الوزراء منع الهيئة من القيام بعملها في مراقبة مياه الشرب (بحسب مديرة سلامة المياه في الهيئة)، وحصر هذا الأمر بالجهة التي تقدم خدمة المياه وهي وزارة الإسكان. و كانت النتيجة زيادة مؤشرات التلوث في بلدنا زيادة مخيفة، دون وجود أية خطوة عملية للحد منه، وانحصر دور الهيئة برفع بعض الشعارات البيئية وإصدار بيانات للاستهلاك، لا تعبر عن الواقع الفعلي لعمل تلك الهيئة. ومن القوانين التي تطبق تطبيقاً كيفياً القانون 25 للاستعلام الضريبي ومكافحة التهرب الضريبي، الذي يدخل إلى خزينة الدولة فيما لو طبق ما بين 100 و 200 مليار ليرة سورية سنوياً (حسب تصريحات وزير المالية ورئيس مجلس الوزراء). ومع هذا ورغم مرور أكثر من سنتين على نفاذ هذا القانون ما تزال أقسام الاستعلام الضريبي غير مؤهلة ولا تقوم بالدور المنوط بها وفق القانون الجديد، ولم يزل المكلفون بالضرائب لا يعرفون عن شيء اسمه استعلام ضريبي. ولم يسمعوا حتى الآن بالقانون 25. وإن كل ما حصل هو تعيين الموظفين المدعومين في أقسام الاستعلام الضريبي لأنهم يستفيدون من طبيعة عمل أكثر من باقي الأقسام. وما يزال تطبيق القانون يتم بشكل كيفي. ولمعرفة مدى جدية وزارة المالية في تطبيق هذا القانون، ما علينا سوى معرفة مقدار ما تم إدخاله إلى خزينة الدولة نتيجة لتطبيقه. ونجزم بأن القيمة لا تتعدى الـ 1% من القيمة التي صرح وزير المالية بإمكانية جبايتها في حال طبق القانون، فهل تطبيق قانون بنسبة لا تصل إلى واحد بالمئة يعد إنجازاً، أم أن هناك تقصيراً في تطبيقه؟ ومن القوانين التي تطبق بشكل جزئي القانون رقم 1 لعام 2003 الخاص بمنع البناء في مناطق المخالفات. فبدلاً من أن يمنع البناء في مناطق المخالفات حسب هذا القانون، ويتبعه إجراءات من وزارة الإسكان بإصدار مخططات تنظيمية للمناطق التي هي قيد التوسع، وبذلك ينتفي سبب المخالفة نجد أنه لم يصدر أي مخطط تنظيمي لمنطقة قيد التوسع، كما أن الأبنية المخالفة قد ازدادت أكثر فما كانت عليه قبل صدور القانون. وإن ما تغير فعلياً هو قيمة الرشا التي تدفع للبلديات من أجل غض الطرف عن المخالفات (لأن مخالفة قانون صادر عن رئيس الجمهورية تستدعي رشوة أكبر من مخالفة قرار صادر عن الإدارة المحلية). ومن القوانين التي عطلتها إجراءاتها التنفيذية، (القسم المتعلق بإذن السفر في القانون الأساسي للعاملين). فقد ورد في هذا القسم زيادة القيمة المالية لإذن السفر ما يعادل سبعة أضعاف القيمة السابقة، ومع هذا فإن الاعتماد المالي لإذن السفر في بعض الإدارات لم يزد شيئاً، وبالتالي فقد تعطل قسم كبير من أعمال هذه الإدارات التي تحتاج أعمالها إلى أذونات سفر، بسبب عدم وجود اعتمادات مالية لها. وجاءت بعض القرارات الحكومية لحل هذا الإشكال بأن دعت إلى التقنين في أذون السفر مما تسبب في إرباك معظم الدوائر في تفسيرها، فمنهم من فسر التقنين على أنه اختصار في القيمة المادية لإذن السفر، ومنهم من فسره على أنه اختصار عدد الأيام، والنتيجة كانت حصول المستفيد من إذن سفر على نفس المبلغ الذي كان يحصل عليه قبل صدور القانون، لأن الاعتماد المالي لم يتغير، والشيء الوحيد الذي تغير هو الإرباك في تفسير القانون. هذا باختصار غيضٌ من فيض القوانين التي عطلتها السلطة التنفيذية. إن هذا الاستهتار بالقوانين والمراسيم يعود إلى سببين رئيسيين: أولهما عدم جدية الحكومة في مكافحة الفساد، وعدم اعتمادها لخطة منطقية في هذا المجال، إضافة إلى عدم متابعة تطبيق القوانين من قبل هذه السلطة بدءاً من رأس الهرم وصولاً إلى القاعدة. ثانياً: غياب الرقابة عن السلطة التنفيذية وغياب دور مجلس الشعب، الذي يفترض أن تكون من أولويات مهامه، محاسبة الحكومة وتقييم أدائها، وحسن تنفيذها للقوانين التي يقرها المجلس، لا أن يقتصر دوره على الموافقة على مشاريع القوانين التي تعرضها عليه الحكومة. طبعاً هذا إضافة إلى فتح جميع ملفات الفساد في البلد دون استثناء لأحد مهما علا شأنه، فيجب أن نكون قد تعلمنا بأن الفساد والوطنية لا يجتمعان، أن المفسد مستعد لأن يبيع وطنه في كل لحظة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق