إحسان طالب
البابا الراحل يوحنا بولس الثاني وجه انتقادا ً حادا ً للرئيس الأمريكي جورج بوش كون ذلك الأخير اعتاد ختم خطاباته بعبارة "بارك – أو حفظ – الله أمريكا" و اعتبر البابا في ذلك الدعاء أو تلك الصلاة إيحاء ً أو توجها ً نحو الاعتقاد برضا الله عن أمريكا، و تبني الله لأمريكا دون غيرها من شعوب العالم. و لوحظ بعد ذلك عدم استعمال جورج بوش لتلك العبارة لدى انتهاء خطاباته.
في عالمنا العربي و الإسلامي لم تجرؤ أي حركة أو حزب ديني على إلحاق اسمها بلفظ الجلالة فنحن نعرف حزب التحرير و جماعة الإخوان المسلمين و الجماعة الإسلامية الباكستانية و تنظيم القاعدة و غيرها. في حين جاء حزب لبناني إسلامي مرتبط بإيران و ألصق اسم الجلالة به و دعا نفسه حزب الله في لبنان كما في إيران. و الواقع أن التسمية في الأساس جاءت من القرآن الكريم "فإن حزب الله هم الغالبون" المائدة – 56. لكن فيما مضى كان المسلمون مع اختلافاتهم الطائفية و المذهبية يبتعدون عن تلك التسمية لأن فيها صك بامتلاك الحق الكامل و الصدق المطلق و ذلك يعني باصطلاح أصول الفقه: "المفهوم بالمخالفة" أي عندما تصف نفسك بأنك حزب الله فليس بعدك أو قبلك حق فالتصاقك بالحق المطلق يعطيك نفس الصفة.
و المضاف لغة يعرف بالمضاف إليه و يكتسب صفته منه و بذلك يكون الحزب المعني أعطى لنفسه الحق بامتلاك الخير المطلق في حين نفى ذلك عن غيره، و ليس ببعيد عن ذلك التعبير الفقهي اللغوي ما يطرحه الشيخ حسن نصر الله في كل مرة تتاح له الفرصة فيها بتأكيد قناعاته بمطلق بخير الذي يمثله "أنا لا أدعوكم للتواضع بل أدعوكم للإباء. و من مظاهر هذا الإباء: أننا أشرف و أرفع و أرقى و أنقى و أصفى و أطهر و أخلص و أكبر من أن يجرؤ أحد على اتهامنا في خلفيتنا الوطنية" – من خطاب السيد نصر الله في مراسم تشييع شهداء مواجهة الغجر – فهذه العبارات و مثيلاتها من صيغ المبالغة اللغوية التي لا يخلو الخطاب السياسي للشيخ حسن منها و يصف بها حزبه و جماعته تزيل أي إشكال عن قناعته بحيازة تلك الجماعة للخير المطلق دون سواها و في ذلك باعتقادي بلا ريب شطط و غلو ينطبق عليه ما جاء في القرآن الكريم "و يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا" آل عمران – 188.
و من الثابت تاريخيا ً أن الذين بدؤوا بالمقاومة و قدموا الضحايا و الشهداء في مواجهة العدوان الإسرائيلي على لبنان الحزب الشيوعي بزعامة الراحل جورج حاوي ذلك ما قبل عام 1982 و جاء بعده حزب الله و بإرادة سورية تم نزع سلاح المقاومة غير الشيعية و أصبغ عليها صفة الإسلامية الطائفية. و توالت الأخطاء السورية في لبنان إلى حين وصول القرار 1559 الذي نص على خروج القوات السورية و نزع سلاح الميليشيات. و امتثلت سورية للقرار الدولي من جهة انسحاب جيوشها من لبنان لكنها أبقت على تزويد حزب الله بالسلاح و دعم موقفه الإعلامي و السياسي بل ذهبت أكثر من ذلك و أزالت الرماد عن السلاح الفلسطيني و تم تعويمه فوق الأحداث ليربك و يعقد مشكلة السلاح الموجود خارج سيادة الدولة اللبنانية.
إذا كان حزب الله يعترف بالدولة اللبنانية يجب أن يعترف بقدرتها على التصدي و الوقوف بوجه إسرائيل.
و لقد أثبتت أحداث 8 آذار و 14 آذار و كل العواصف التي مرت على لبنان إلى الآن أن الجيش اللبناني قادر على تمثيل كل اللبنانيين بكونه وطنيا ً لبنانيا ً صرفا ً لا طائفيا ً و يعمل لصالح الشعب و الدولة و يقف على مسافة واحدة من الجميع و لقد كان قيادة الجيش اللبناني و ما زالت رمزا ً يسمو فوق الطائفية و يعكس الوجه الحضاري لوظيفة الجيش في الدول المتقدمة و الديمقراطية. لذلك من غير المقبول أن يُحصر قرار الحرب و السلم في دولة مستقلة لديها حكومة منتخبة بيد حزب واحد يشترك وزراؤه في صياغة و صنع القرارات من داخل منظومة الدولة فكيف يصح أن تنفرد ثلة من مكونات المجتمع السياسي اللبناني بقرارات خطيرة و مصيرية كإعطاء الأمر بالمواجهة و التصدي و الحوار مع دولة معادية هي إسرائيل دون الرجوع إلى القيادة العليا المتمثلة برئاسة الوزراء و قيادة الجيش و حتى دون الرجوع إلى ممثلي الشعب في البرلمان و هذا في الواقع يشيع روح الفوضى السياسية من جهة كما يعكر الأجواء بروح الترعيب و الخوف لدى التنظيمات السياسية و الأهلية الأخرى المنطوية تحت قبة القرار الحكومي اللبناني.
و إذا كان السيد نصر الله يفتخر بولائه و صداقته و دعمه للنظام السوري فينبغي عليه أن يحذو حذوه و يعيد للدولة اللبنانية حقها باتخاذ قرارات الدفاع و المواجهة و التحرير و حتى الحوار و التفاوض مع جهات أجنبية عادة ما يسير حزب الله فيها إلى النهاية دون أن يلتفت إلى مشاورة أو إذن من الدولة الحاكمة التي صُنعت بقرار شعبي ساهم أتباعه و أنصاره و مؤيدوه في بنائه و إيصال حكومة فؤاد السنيورة إلى سدة القيادة.
و كما في سورية لا يستطيع أحد دون القيادة العليا اتخاذ قرارات ما لم يتم إصدارها من فوق فكذلك ينبغي على حزب الله أن يلتزم الأسس الدولية و الوطنية و يضع الشق العسكري من حزبه تحت قيادة الجيش اللبناني المنضبط بأوامر الشرعية الحكومية.
لا ينبغي أن يكون الصراع مع إسرائيل شعارا ً و راية ترفع في وجه المخالفين في الرأي و سلاحا ً معنويا ً يشهر للحصول على حصة أكبر مما يستحقه حزب الله، فإذا كان شرف المقاومة ينسحب على كل اللبنانيين فلا ينبغي حصره بحزب واحد أو فئة أو طائفة و إذا كانت دولة مثل سورية طيلة عقود جعلت من صراعها مع إسرائيل استراتيجية شاملة تبنى عليها كل القرارات و الخطط العسكرية و السياسية و التنموية للبلاد، منذ عقود و مع ذلك ما زالت الأرض السورية محتلة ً و ليس هناك في الأفق ما يشير إلى تحرير قريب و بالمنطق البسيط أسأل السيد حسن نصر الله: هل تعتبر نفسك قوة عسكرية قادرة على استرجاع الأراضي العربية المحتلة و تحرير القدس و إزالة دولة إسرائيل من الوجود كما يرغب الحليف الإيراني؟ بنفس المنطق البسيط أجيب: لا، فطالما أن سيد المقاومة "كما يرغب أتباعه بتسميته" يؤمن بقوة سورية و قومية و وطنية نظامها فلماذا لا يكون هو و حزبه جزءا ً من جيشها و يذهب إلى الجولان و يحرره و يترك للحكومة اللبنانية حقها في التفاوض مع إسرائيل و استرجاع كامل أرضها و ذلك بعد أن تقوم سورية الحليفة الاستراتيجية لحسن نصر الله ببيان أحقية لبنان بما يخصه من منطقة شبعا.
روي في الأثر: رحم الله امرئ عرف قدره فوقف عنده.
لقد أكد التنظيم السياسي لحزب الله منذ بدء العملية الانتخابية الأخيرة و حتى الآن وعيا ً براجماتيا ً جعله قادرا ً على السير في اللعبة السياسية حتى النهاية و أضاف له مكانة متميزة و وجها ً حضاريا ً سلميا ً يزيد في رصيد عمله الاجتماعي و الثقافي.
حزب الله لن يتخلى عن نصيبه من المائدة اللبنانية التي حصل عليها من جراء استمرار وجود وزرائه في الحكومة و قدرتهم على الفعل و هو يدرك أنه لن يستطيع بكل قوته و جبروته و أصوليته أن يسيطر على لبنان كل لبنان و لا حتى على أبناء شيعته، و كل اللبنانيين يؤمنون و يعلمون بأنه لن يستخدم و لن يستطيع أن يستخدم سلاحه في وجههم لأنه عندما يطلق أول سهم نحو داخل لبنان سيسقط كحزب سياسي اجتماعي ثقافي ديني و سيتحول إلى رمز للطائفية و الحرب و هذا ما لا نظنه فيه و لا يظنه هو في نفسه.
البابا الراحل يوحنا بولس الثاني وجه انتقادا ً حادا ً للرئيس الأمريكي جورج بوش كون ذلك الأخير اعتاد ختم خطاباته بعبارة "بارك – أو حفظ – الله أمريكا" و اعتبر البابا في ذلك الدعاء أو تلك الصلاة إيحاء ً أو توجها ً نحو الاعتقاد برضا الله عن أمريكا، و تبني الله لأمريكا دون غيرها من شعوب العالم. و لوحظ بعد ذلك عدم استعمال جورج بوش لتلك العبارة لدى انتهاء خطاباته.
في عالمنا العربي و الإسلامي لم تجرؤ أي حركة أو حزب ديني على إلحاق اسمها بلفظ الجلالة فنحن نعرف حزب التحرير و جماعة الإخوان المسلمين و الجماعة الإسلامية الباكستانية و تنظيم القاعدة و غيرها. في حين جاء حزب لبناني إسلامي مرتبط بإيران و ألصق اسم الجلالة به و دعا نفسه حزب الله في لبنان كما في إيران. و الواقع أن التسمية في الأساس جاءت من القرآن الكريم "فإن حزب الله هم الغالبون" المائدة – 56. لكن فيما مضى كان المسلمون مع اختلافاتهم الطائفية و المذهبية يبتعدون عن تلك التسمية لأن فيها صك بامتلاك الحق الكامل و الصدق المطلق و ذلك يعني باصطلاح أصول الفقه: "المفهوم بالمخالفة" أي عندما تصف نفسك بأنك حزب الله فليس بعدك أو قبلك حق فالتصاقك بالحق المطلق يعطيك نفس الصفة.
و المضاف لغة يعرف بالمضاف إليه و يكتسب صفته منه و بذلك يكون الحزب المعني أعطى لنفسه الحق بامتلاك الخير المطلق في حين نفى ذلك عن غيره، و ليس ببعيد عن ذلك التعبير الفقهي اللغوي ما يطرحه الشيخ حسن نصر الله في كل مرة تتاح له الفرصة فيها بتأكيد قناعاته بمطلق بخير الذي يمثله "أنا لا أدعوكم للتواضع بل أدعوكم للإباء. و من مظاهر هذا الإباء: أننا أشرف و أرفع و أرقى و أنقى و أصفى و أطهر و أخلص و أكبر من أن يجرؤ أحد على اتهامنا في خلفيتنا الوطنية" – من خطاب السيد نصر الله في مراسم تشييع شهداء مواجهة الغجر – فهذه العبارات و مثيلاتها من صيغ المبالغة اللغوية التي لا يخلو الخطاب السياسي للشيخ حسن منها و يصف بها حزبه و جماعته تزيل أي إشكال عن قناعته بحيازة تلك الجماعة للخير المطلق دون سواها و في ذلك باعتقادي بلا ريب شطط و غلو ينطبق عليه ما جاء في القرآن الكريم "و يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا" آل عمران – 188.
و من الثابت تاريخيا ً أن الذين بدؤوا بالمقاومة و قدموا الضحايا و الشهداء في مواجهة العدوان الإسرائيلي على لبنان الحزب الشيوعي بزعامة الراحل جورج حاوي ذلك ما قبل عام 1982 و جاء بعده حزب الله و بإرادة سورية تم نزع سلاح المقاومة غير الشيعية و أصبغ عليها صفة الإسلامية الطائفية. و توالت الأخطاء السورية في لبنان إلى حين وصول القرار 1559 الذي نص على خروج القوات السورية و نزع سلاح الميليشيات. و امتثلت سورية للقرار الدولي من جهة انسحاب جيوشها من لبنان لكنها أبقت على تزويد حزب الله بالسلاح و دعم موقفه الإعلامي و السياسي بل ذهبت أكثر من ذلك و أزالت الرماد عن السلاح الفلسطيني و تم تعويمه فوق الأحداث ليربك و يعقد مشكلة السلاح الموجود خارج سيادة الدولة اللبنانية.
إذا كان حزب الله يعترف بالدولة اللبنانية يجب أن يعترف بقدرتها على التصدي و الوقوف بوجه إسرائيل.
و لقد أثبتت أحداث 8 آذار و 14 آذار و كل العواصف التي مرت على لبنان إلى الآن أن الجيش اللبناني قادر على تمثيل كل اللبنانيين بكونه وطنيا ً لبنانيا ً صرفا ً لا طائفيا ً و يعمل لصالح الشعب و الدولة و يقف على مسافة واحدة من الجميع و لقد كان قيادة الجيش اللبناني و ما زالت رمزا ً يسمو فوق الطائفية و يعكس الوجه الحضاري لوظيفة الجيش في الدول المتقدمة و الديمقراطية. لذلك من غير المقبول أن يُحصر قرار الحرب و السلم في دولة مستقلة لديها حكومة منتخبة بيد حزب واحد يشترك وزراؤه في صياغة و صنع القرارات من داخل منظومة الدولة فكيف يصح أن تنفرد ثلة من مكونات المجتمع السياسي اللبناني بقرارات خطيرة و مصيرية كإعطاء الأمر بالمواجهة و التصدي و الحوار مع دولة معادية هي إسرائيل دون الرجوع إلى القيادة العليا المتمثلة برئاسة الوزراء و قيادة الجيش و حتى دون الرجوع إلى ممثلي الشعب في البرلمان و هذا في الواقع يشيع روح الفوضى السياسية من جهة كما يعكر الأجواء بروح الترعيب و الخوف لدى التنظيمات السياسية و الأهلية الأخرى المنطوية تحت قبة القرار الحكومي اللبناني.
و إذا كان السيد نصر الله يفتخر بولائه و صداقته و دعمه للنظام السوري فينبغي عليه أن يحذو حذوه و يعيد للدولة اللبنانية حقها باتخاذ قرارات الدفاع و المواجهة و التحرير و حتى الحوار و التفاوض مع جهات أجنبية عادة ما يسير حزب الله فيها إلى النهاية دون أن يلتفت إلى مشاورة أو إذن من الدولة الحاكمة التي صُنعت بقرار شعبي ساهم أتباعه و أنصاره و مؤيدوه في بنائه و إيصال حكومة فؤاد السنيورة إلى سدة القيادة.
و كما في سورية لا يستطيع أحد دون القيادة العليا اتخاذ قرارات ما لم يتم إصدارها من فوق فكذلك ينبغي على حزب الله أن يلتزم الأسس الدولية و الوطنية و يضع الشق العسكري من حزبه تحت قيادة الجيش اللبناني المنضبط بأوامر الشرعية الحكومية.
لا ينبغي أن يكون الصراع مع إسرائيل شعارا ً و راية ترفع في وجه المخالفين في الرأي و سلاحا ً معنويا ً يشهر للحصول على حصة أكبر مما يستحقه حزب الله، فإذا كان شرف المقاومة ينسحب على كل اللبنانيين فلا ينبغي حصره بحزب واحد أو فئة أو طائفة و إذا كانت دولة مثل سورية طيلة عقود جعلت من صراعها مع إسرائيل استراتيجية شاملة تبنى عليها كل القرارات و الخطط العسكرية و السياسية و التنموية للبلاد، منذ عقود و مع ذلك ما زالت الأرض السورية محتلة ً و ليس هناك في الأفق ما يشير إلى تحرير قريب و بالمنطق البسيط أسأل السيد حسن نصر الله: هل تعتبر نفسك قوة عسكرية قادرة على استرجاع الأراضي العربية المحتلة و تحرير القدس و إزالة دولة إسرائيل من الوجود كما يرغب الحليف الإيراني؟ بنفس المنطق البسيط أجيب: لا، فطالما أن سيد المقاومة "كما يرغب أتباعه بتسميته" يؤمن بقوة سورية و قومية و وطنية نظامها فلماذا لا يكون هو و حزبه جزءا ً من جيشها و يذهب إلى الجولان و يحرره و يترك للحكومة اللبنانية حقها في التفاوض مع إسرائيل و استرجاع كامل أرضها و ذلك بعد أن تقوم سورية الحليفة الاستراتيجية لحسن نصر الله ببيان أحقية لبنان بما يخصه من منطقة شبعا.
روي في الأثر: رحم الله امرئ عرف قدره فوقف عنده.
لقد أكد التنظيم السياسي لحزب الله منذ بدء العملية الانتخابية الأخيرة و حتى الآن وعيا ً براجماتيا ً جعله قادرا ً على السير في اللعبة السياسية حتى النهاية و أضاف له مكانة متميزة و وجها ً حضاريا ً سلميا ً يزيد في رصيد عمله الاجتماعي و الثقافي.
حزب الله لن يتخلى عن نصيبه من المائدة اللبنانية التي حصل عليها من جراء استمرار وجود وزرائه في الحكومة و قدرتهم على الفعل و هو يدرك أنه لن يستطيع بكل قوته و جبروته و أصوليته أن يسيطر على لبنان كل لبنان و لا حتى على أبناء شيعته، و كل اللبنانيين يؤمنون و يعلمون بأنه لن يستخدم و لن يستطيع أن يستخدم سلاحه في وجههم لأنه عندما يطلق أول سهم نحو داخل لبنان سيسقط كحزب سياسي اجتماعي ثقافي ديني و سيتحول إلى رمز للطائفية و الحرب و هذا ما لا نظنه فيه و لا يظنه هو في نفسه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق