بلال خبيز - إيلاف
ينص أحد بنود المبادرة العربية لحل أزمة العلاقات اللبنانية – السورية على اقتراح إنشاء لجنة امنية مشتركة، سورية – لبنانية لمعالجة الأوضاع الأمنية في كلا البلدين.
بطبيعة الحال، ثمة ما يمكن مناقشته على هذا الصعيد بين البلدين، توضيحاً لأي التباس ومنعاً لأي تفسيرات خاطئة. حيث ترى القيادة السورية أن أمنها ايضاً مهدد من لبنان، وان ثمة عمليات تهريب أسلحة وبضعة أصوليين طاردتهم على الحدود كانوا قد قدموا من لبنان. وتالياً فإن الخرق متبادل بين البلدين، ودائماً بحسب الإدعاء السوري، يتم من دون معرفة القيادة السورية رغم ان هذه القيادة تشك في ان تكون القيادات اللبنانية على غير معرفة بالأمر.
بل وتذهب التصريحات السورية المتأخرة في موضوع اغتيال رفيق الحريري، إلى نفي التهمة قطعاً عن سورية رغم ان بعض كبار ضباط الاستخبارات السورية قيد الاشتباه الفعلي لدى لجنة التحقيق الدولية، وتذهب رواية بعض كبار المسؤولين السوريين إلى ترتيب سيناريو بالغ الغرابة والطرافة في آن لعملية اغتيال الحريري.
إذ ذهبت احدى هذه الروايات إلى التصريح أن الرئيس المقتول غيلة قبل بالتمديد للرئيس إميل لحود لكنه لم يستطع تبرير قبوله لأسياده إلا بالقول انه تعرض لتهديدات مباشرة. وبما أن هؤلاء لم يصدقوا ما ادعاه لأنه لم يحصل اصلاً، فإنه اراد الإثبات، باغتياله، ان التهديدات اكثر من جدية. هكذا عمد الحريري باغتياله إلى احراج سورية. كما لو ان الرواية تقول من وجه آخر، ان الشهيد الحريري وضع المتفجرة لنفسه لإحراج سوريا فقط.
على هذه الأسس من ادعاء البراءة من كل ما يحصل في لبنان، يستقيم المطلب السوري القاضي بتشكيل لجنة أمنية مشتركة تبحث في الاوضاع الأمنية في البلدين. لكن هذا الممر الذي تريد القيادة السورية ان تشرّع تدخلها من خلاله في لبنان مرة اخرى، لا يمكن ان يصمد منطقاً وحجة امام أول اختبار. فالاغتيالات والتفجيرات الامنية في لبنان لم تتوقف في ظل الهيمنة السورية على لبنان. بل تفاقمت إلى الحد الذي صار معه الاغتيال او التفجير والتوتير مجهول الهوية دائماً ولا يمكن اكتشاف منفذيه والمحرضين عليه. فلم تنجح الاستخبارات السورية طوال عهدها في لبنان في كشف خيوط اي جريمة سياسية او امنية إذا لم يكن يراد الكشف عنها. وشكلت جريمة اغتيال الحريري قمة على هذا المستوى، إذ تصرفت الاستخبارات السورية العاملة في لبنان كما لو انه من الطبيعي والمفهوم، لبنانياً وعربياً ودولياً، ان تعجز الاجهزة الامنية اللبنانية والسورية معاً عن كشف اي خيط من خيوط هذه الجريمة مثلما حدث في جرائم سبقتها، كان ابرزها واقربها عهداً، من جريمة اغتيال الحريري، محاولة اغتيال الوزير مروان حماده. وعليه فإن المنطق العاري، إذا اراد ان يكون عربياً او دولياً او حتى سورياً، لا يستطيع ان يسلّم هذه الإدارة الامنية مرة أخرى مهمة كشف الجرائم. إلا إذا كان المطلوب مرة أخرى تجهيل الفاعل ودفن القتيل بصمت وهدوء.
من ناحية ثانية لا يمكن الحديث عن استهداف متبادل بين البلدين. ذلك ان تاريخ القتل والاغتيال دائماً كان يصيب الجانب اللبناني ولم يصب الجانب السوري تحت اي ظرف من الظروف. وفي وسع أي كان ان يعد القتلى والجرحى واحداً واحداً ليكتشف ان الموت من نصيب اللبنانيين في هذه المعادلة الخانقة. حتى على مستوى مواجهة العدو الإسرائيلي كان الموت من نصيب اللبنانيين، لكن ثمار الانتصار أينعت في دمشق وعلى باب الرئيس حافظ الاسد منذ تفاهم نيسان 1996 وحتى تاريخ اعلان "حزب الله" المتأخر انه مع سورية سواء اكانت قد قتلت الحريري ام لا.
في المحصلة، هذا الخرق يصيب الجانب اللبناني دائماً. لكن المعالجة يجب أن تكون من الجانبين. هذا يعيدنا إلى الموقف العربي المألوف من لبنان والذي يفترض ان هذا البلد لم يبلغ سن الرشد وأنه طفل مدلل ويجب معاقبته وتربيته بالشدة احياناً وباللين في احيان اخرى على يد اشقائه الأنضج والاكبر سناً. وان هذا البلد عاجز عن ضبط أمنه وسياسته وقضائه ويحتاج مساعدة سورية على ترتيب شؤونه.هذا من جهة اولى، اما الأدهى من ذلك فيتعلق تعلقاً مباشراً بقسر اهل القتيل على الاعتراف ببراءة المتهم بقتله. ففي الوقت الذي يتهم احد اركان النظام السوري السابقين رئيسه بعلاقة وثيقة بقتل الحريري وتطالبه لجنة التحقيق الدولية بالخضوع لجلسة استماع، يُطلب من الجانب اللبناني ان يوكّل إلى المتهم بقتل قتيله التحقيق في الجريمة وملاحقة المشتبه بهم. ذلك ان تشكيل مثل هذه اللجنة يعني على نحو لا التباس فيه ان الجانب اللبناني يبرئ نظيره السوري من دماء اللبنانيين وإن لم يكن واثقاً، اي الجانب اللبناني، من قدرة الجانب السوري على مساعدته في حقن الدم المراق في عموم لبنان.
لم يكن مفاجئاً والحال على ما هي عليه، ان يلقى الاقتراح اعتراضاً لبنانياً حاداً. "لم تمر المبادرة" على حد ما عنونت إحدى الصحف افتتاحياتها لأن القبول بها لن يحقن الدم اللبناني قطعاً، لكنه سيجعله اقل دوياً ويجعل الحزانى والمكلومين أميل إلى الصمت والتأسي والتسليم بقضاء العرب وقدرهم على لبنان. وهذا قد يكون اقصر السبل المفضية إلى ضرب ما تبقى من الرابطة العروبية في لبنان. فحين تجور العروبة على استقلال البلد وعلى امنه وتجعل دمه رخيصاً والبكاء على قتلاه خافتاً، لن تنجح في ضبط البلد تحت سقف مصالحها الآنية والمستعجلة.
يعرف المعترضون على المبادرة ان الجرح اللبناني سيبقى مفتوحاً. لكنهم يعرفون ايضاً انهم اليوم أحرار في البكاء على موتاهم، وهم أحرار ايضاً في دفنهم ونصب شواهد على قبورهم تعرّف بصورهم واسمائهم، وفي هذا ما يعزيهم لأن المقترح عليهم ليس اكثر من الدفن في مقابر جماعية حيث لا شواهد ولا اسماء.
بطبيعة الحال، ثمة ما يمكن مناقشته على هذا الصعيد بين البلدين، توضيحاً لأي التباس ومنعاً لأي تفسيرات خاطئة. حيث ترى القيادة السورية أن أمنها ايضاً مهدد من لبنان، وان ثمة عمليات تهريب أسلحة وبضعة أصوليين طاردتهم على الحدود كانوا قد قدموا من لبنان. وتالياً فإن الخرق متبادل بين البلدين، ودائماً بحسب الإدعاء السوري، يتم من دون معرفة القيادة السورية رغم ان هذه القيادة تشك في ان تكون القيادات اللبنانية على غير معرفة بالأمر.
بل وتذهب التصريحات السورية المتأخرة في موضوع اغتيال رفيق الحريري، إلى نفي التهمة قطعاً عن سورية رغم ان بعض كبار ضباط الاستخبارات السورية قيد الاشتباه الفعلي لدى لجنة التحقيق الدولية، وتذهب رواية بعض كبار المسؤولين السوريين إلى ترتيب سيناريو بالغ الغرابة والطرافة في آن لعملية اغتيال الحريري.
إذ ذهبت احدى هذه الروايات إلى التصريح أن الرئيس المقتول غيلة قبل بالتمديد للرئيس إميل لحود لكنه لم يستطع تبرير قبوله لأسياده إلا بالقول انه تعرض لتهديدات مباشرة. وبما أن هؤلاء لم يصدقوا ما ادعاه لأنه لم يحصل اصلاً، فإنه اراد الإثبات، باغتياله، ان التهديدات اكثر من جدية. هكذا عمد الحريري باغتياله إلى احراج سورية. كما لو ان الرواية تقول من وجه آخر، ان الشهيد الحريري وضع المتفجرة لنفسه لإحراج سوريا فقط.
على هذه الأسس من ادعاء البراءة من كل ما يحصل في لبنان، يستقيم المطلب السوري القاضي بتشكيل لجنة أمنية مشتركة تبحث في الاوضاع الأمنية في البلدين. لكن هذا الممر الذي تريد القيادة السورية ان تشرّع تدخلها من خلاله في لبنان مرة اخرى، لا يمكن ان يصمد منطقاً وحجة امام أول اختبار. فالاغتيالات والتفجيرات الامنية في لبنان لم تتوقف في ظل الهيمنة السورية على لبنان. بل تفاقمت إلى الحد الذي صار معه الاغتيال او التفجير والتوتير مجهول الهوية دائماً ولا يمكن اكتشاف منفذيه والمحرضين عليه. فلم تنجح الاستخبارات السورية طوال عهدها في لبنان في كشف خيوط اي جريمة سياسية او امنية إذا لم يكن يراد الكشف عنها. وشكلت جريمة اغتيال الحريري قمة على هذا المستوى، إذ تصرفت الاستخبارات السورية العاملة في لبنان كما لو انه من الطبيعي والمفهوم، لبنانياً وعربياً ودولياً، ان تعجز الاجهزة الامنية اللبنانية والسورية معاً عن كشف اي خيط من خيوط هذه الجريمة مثلما حدث في جرائم سبقتها، كان ابرزها واقربها عهداً، من جريمة اغتيال الحريري، محاولة اغتيال الوزير مروان حماده. وعليه فإن المنطق العاري، إذا اراد ان يكون عربياً او دولياً او حتى سورياً، لا يستطيع ان يسلّم هذه الإدارة الامنية مرة أخرى مهمة كشف الجرائم. إلا إذا كان المطلوب مرة أخرى تجهيل الفاعل ودفن القتيل بصمت وهدوء.
من ناحية ثانية لا يمكن الحديث عن استهداف متبادل بين البلدين. ذلك ان تاريخ القتل والاغتيال دائماً كان يصيب الجانب اللبناني ولم يصب الجانب السوري تحت اي ظرف من الظروف. وفي وسع أي كان ان يعد القتلى والجرحى واحداً واحداً ليكتشف ان الموت من نصيب اللبنانيين في هذه المعادلة الخانقة. حتى على مستوى مواجهة العدو الإسرائيلي كان الموت من نصيب اللبنانيين، لكن ثمار الانتصار أينعت في دمشق وعلى باب الرئيس حافظ الاسد منذ تفاهم نيسان 1996 وحتى تاريخ اعلان "حزب الله" المتأخر انه مع سورية سواء اكانت قد قتلت الحريري ام لا.
في المحصلة، هذا الخرق يصيب الجانب اللبناني دائماً. لكن المعالجة يجب أن تكون من الجانبين. هذا يعيدنا إلى الموقف العربي المألوف من لبنان والذي يفترض ان هذا البلد لم يبلغ سن الرشد وأنه طفل مدلل ويجب معاقبته وتربيته بالشدة احياناً وباللين في احيان اخرى على يد اشقائه الأنضج والاكبر سناً. وان هذا البلد عاجز عن ضبط أمنه وسياسته وقضائه ويحتاج مساعدة سورية على ترتيب شؤونه.هذا من جهة اولى، اما الأدهى من ذلك فيتعلق تعلقاً مباشراً بقسر اهل القتيل على الاعتراف ببراءة المتهم بقتله. ففي الوقت الذي يتهم احد اركان النظام السوري السابقين رئيسه بعلاقة وثيقة بقتل الحريري وتطالبه لجنة التحقيق الدولية بالخضوع لجلسة استماع، يُطلب من الجانب اللبناني ان يوكّل إلى المتهم بقتل قتيله التحقيق في الجريمة وملاحقة المشتبه بهم. ذلك ان تشكيل مثل هذه اللجنة يعني على نحو لا التباس فيه ان الجانب اللبناني يبرئ نظيره السوري من دماء اللبنانيين وإن لم يكن واثقاً، اي الجانب اللبناني، من قدرة الجانب السوري على مساعدته في حقن الدم المراق في عموم لبنان.
لم يكن مفاجئاً والحال على ما هي عليه، ان يلقى الاقتراح اعتراضاً لبنانياً حاداً. "لم تمر المبادرة" على حد ما عنونت إحدى الصحف افتتاحياتها لأن القبول بها لن يحقن الدم اللبناني قطعاً، لكنه سيجعله اقل دوياً ويجعل الحزانى والمكلومين أميل إلى الصمت والتأسي والتسليم بقضاء العرب وقدرهم على لبنان. وهذا قد يكون اقصر السبل المفضية إلى ضرب ما تبقى من الرابطة العروبية في لبنان. فحين تجور العروبة على استقلال البلد وعلى امنه وتجعل دمه رخيصاً والبكاء على قتلاه خافتاً، لن تنجح في ضبط البلد تحت سقف مصالحها الآنية والمستعجلة.
يعرف المعترضون على المبادرة ان الجرح اللبناني سيبقى مفتوحاً. لكنهم يعرفون ايضاً انهم اليوم أحرار في البكاء على موتاهم، وهم أحرار ايضاً في دفنهم ونصب شواهد على قبورهم تعرّف بصورهم واسمائهم، وفي هذا ما يعزيهم لأن المقترح عليهم ليس اكثر من الدفن في مقابر جماعية حيث لا شواهد ولا اسماء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق