تورونتو – جمال عزت - العربية.نت
شهدت الأسابيع الأخيرة في كندا ما يمكن وصفه بمعركة صامتة تدور رحاها بين جماعات الضغط العربية والمسلمة من جهة، واللوبي اليهودي المتنفذ في الساحة السياسية الكندية من جهة أخرى، وذلك بهدف التأثير على موقف الحكومة الكندية تجاه مجريات الأحداث في الشرق الأوسط.
وتجلت آخر مظاهر هذا التنافس بقيام الجانبين مؤخرا بتنظيم ما يسمى ببعثات استبيان الحقائق في الشرق الأوسط والتي تهدف لاستقطاب واستمالة أكبر عدد من المسؤولين والسياسيين البارزين وصناع القرار الكنديين واطلاعهم على حقيقة الوقائع والأحداث في المنطقة، كلاّ وفق رؤيته، من خلال اعداد وتمويل جولات لهم في دول مثل لبنان وفلسطين وسوريا ومصر وإسرائيل.
وفي هذا السياق يقوم وفد برلماني مثل كافة أحزاب المعارضة الكندية وكان يفترض أن يضم في جنباته عضوا عن حزب "المحافظين" الحاكم بزيارة بدأت يوم الأربعاء في سوريا وستشمل لبنان ومصر وإسرائيل، وينظمها المجلس الوطني للعلاقات العربية الكندية NCCAR وتستمر أسبوعا، حيث سيلتقي الوفد بوزير الخارجية السوري وليد المعلم ورئيس البرلمان السوري محمود الابرش يوم الخميس قبل أن يتوجه إلى لبنان
وقد أثار انسحاب ممثل حزب "المحافظين" الحاكم دين ماسترو الذي كان يعتزم المشاركة في الوفد وعدوله عن ذلك في الساعات الأخيرة قبل بدئه مهمته انتقادات واسعة من قبل أحزاب المعارضة والجالية العربية الذين يتهمون الحكومة الكندية بزعامة ستيفن هاربر باتخاذ موقف منحاز لإسرائيل، معتبرين هذه الخطوة تأتي استكمالا للنهج الذي اتبعه حزب "المحافظين" منذ فوزه في الانتخابات ووصوله إلى سدة الحكم في يناير/كانون ثاني الماضي، والذي توّج باصطفاف كندا إلى جانب إسرائيل في الحرب الأخيرة في لبنان، واعتبار هاربر الأعمال التي قام بها الجيش الإسرائيلي هناك "مبررة ومدروسة" بالرغم من مقتل ثمانية مدنيين كنديين بالإضافة إلى كندي آخر يعمل مع قوات الأمم المتحدة جراء القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان.
كما شهدت المدن الكندية كافة خلال الأسابيع الماضية مسيرات اعتبرت الأضخم من نوعها في تاريخ كندا وشارك بها عشرات الآلاف، ونددوا فيها بالعدوان الإسرائيلي على لبنان وفلسطين، ودانوا خلالها موقف الحكومة الكندية المنحاز لإسرائيل.
وكشفت استطلاعات الرأي عن معارضة 77% من الكنديين لتوجهات حكومتهم بتغيير سياسة كندا المحايدة والمتوازنة تجاه قضية الشرق الأوسط، ما حمل اللوبي اليهودي على استنفار مؤسساته لمواجهة هذا الوضع، حيث طالبت اثنتان من أبرز المؤسسات اليهودية الكندية هما منظمة "بناي بريث" والكونغرس اليهودي الكندي بحظر هذه المظاهرات بدعوى تشجيعها لحزب الله وحركة حماس اللتين ضمتهما الحكومة الكندية إلى "قائمة المنظمات الإرهابية" مطلع العام 2003.
معركة غير متكافئةمن جانبه قال مازن شعيب الرئيس التنفيذي للمجلس الوطني للعلاقات العربية الكندية والذي يرافق الوفد البرلماني الكندي في جولته في تصريحات لـ "العربية.نت" إن مثل هذه الجولات لها اثر كبير في تكوين القناعات السياسية وتحديد المواقف لدى المسؤولين في كندا، مضيفا أنها تساهم في كسر دائرة الاحتكار وتغيير سياسة المنظور الأحادي التي عمل اللوبي الإسرائيلي صاحب الإمكانات والمقدرات الواسعة لفرضها على دوائر صنع القرار.
وقد دأبت جماعات الضغط الإسرائيلية على تنظيم عشرات الجولات المشابهة منذ 35 عاما، وضمت إحداها والتي نظمت خلال الصيف الماضي كلا من رئيس حزب "المحافظين" الذي كان ضمن صفوف أحزاب المعارضة آنذاك دون بليت وكذلك ساندرا باكلر التي استلمت منصب السكرتير الصحفي والمتحدث باسم رئيس الوزراء بعد وصول "المحافظين" لسدة الحكم، فيما انتهت أحدث جولة نظمها اللوبي الإسرائيلي الأسبوع الماضي وشملت نخبة من الباحثين وكبار العاملين في البرلمان الكندي واقتصرت على زيارة إسرائيل دون غيرها من المناطق. في حين تمكن اللوبي العربي من تنظيم 10 جولات شارك فيها 25 من أعضاء البرلمان.
إسرائيل تسعى لدور كندي في لبنانمن جهة أخرى أعلن السفير الإسرائيلي في اوتاوا الأربعاء أنه سيبلغ رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر ووزير الخارجية الكندي بيتير ماكاي رغبة إسرائيل باضطلاع كندا بدور في قوات حفظ السلام التي ستنتشرها الأمم المتحدة في جنوب لبنان وفق القرار 1701، مشيرا إلى أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني ستقوم بزيارة إلى كندا لهذه الغاية، وأضاف أن إسرائيل ترغب بان تشارك القوات الكندية في دوريات عسكرية بين الحدود اللبنانية السورية لضمان عدم تهريب الأسلحة إلى منظمة حزب الله.
ويشار إلى أن اللوبي الإسرائيلي الذي يستند بشكل أساس على دعم الكنديين اليهود الذين يبلغ عددهم نحو 320 ألف شخص ويمثلون 1% من سكان كندا يسيطر على الجزء الأكبر من وسائل الإعلام الكندية من خلال شركة "كان ويست" الإعلامية التي يملكها الكندي اليهودي "إسرائيل اسبر" وتصدر أهم الصحف وأكثرها توزيعا وانتشارا في كندا، كما تعتبر الجالية اليهودية أكثر تنظيما وأقوى نفوذا من الجالية المسلمة التي يقدر عدد أفرادها بنحو مليون شخص ويمثلون أكثر من 3% من عدد السكان.
ويذكر أن رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر عمد الأسبوع الماضي إلى الإعلان عن تعيين عضو البرلمان من حزب "الليبرال" المعارض واجد خان وهو مسلم من أصول باكستانية مستشارا لشؤون الشرق الأوسط وأفغانستان، في محاولة لامتصاص الغضب الذي أثارته مواقف هاربر في صفوف الجالية المسلمة وفي سعي منه لإظهار نوع من التوازن وتخفيف حدة الانتقادات التي طالت حكومته نتيجة سياساتها في منطقتي الشرق الأوسط وأفغانستان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق