الأحد، أبريل 24، 2005

إحسان طالب_التغيير الراهن في سورية و دور المعارضة في تجنب التجربة العراقية


التغيير الراهن في سورية و دور المعارضة في تجنب التجربة العراقية

قبل سبعين يوما فقط كان الحال مختلفا تماما ولم يكن أحد في لبنان يجرؤ صراحة على التظاهر ورفع شعارات منددة بالسياسات السورية وموجهة التهم إلى كبار المسؤولين السوريين والمناداة بالاستقلال بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
قبل عشرة أيام فقط كان النائب ناصر قنديل الصوت الأقوى والأعمى في دعم الموقف السوري والدفاع عنه باستماتة بدوية على مبدأ انصر أخاك ظالما أو مظلوما، ما كان يدور بخلد أحد أن يتحول ذلك الرجل الذي ما إن يبدأ بالكلام حتى يصعب الاستمرار في الاستماع إليه لشدة تصلبه وتخشبه، حيث كان يلقي التهم جزافا على كل من يعارض أو يسأل .
كانت أجهزة الإعلام السورية ( في الواقع هي أجهزة إعلان كما قال أنور البني ) كلما أرادت لبنانيا يتشدق بالقيم والمبادئ التي يجد بعض المثقفين السوريين الموالين غضاضة بالخوض في غمارها تلجأ إلى ناصر قنديل حتى يسرح ويمرح فهو المضمون مئة بالمئة ولا داعي لأية مراجعة أو مراقبة لما يقول لذلك كانت معظم لقاءات الإعلان السوري مع ناصر قنديل تتم على الهواء مباشرة.
نشرت جريدة الحياة بتاريخ 24/4/2005 م الخبر التالي :
تتداعى التركيبة السورية في لبنان على نحو دراماتيكي هذا على الأقل ما تشير إليه تصريحات وتصرفات أشد حلفاء سورية اللبنانيين شراسة حين يطلب النائب ناصر قنديل من سورية اعتذارا لأنصار جعجع وعون ا.ه
ن. ق الذي يشعر بحزن شديد على رفيق الحريري لكنه لم يتمكن من إبراز حزنه قبل هذه الأيام و يضع إمكاناته في تصرف آل الحريري, كما جاء في البيان الصادر عنه و الذي نشرته جريدة الديار بنفس التاريخ السابق.
هل هي براعة الساسة في لبنان أم أنها قدرة فائقة على استقراء التطورات القادمة؟ إنها بلا شك دلالات لا يخفيها الصمت و لا يعيقها انتظار المؤتمرات و لن يقف قي طريقها استمرار الآلة الإعلامية الرسمية في سورية في التركيز على كل شيء إلا الداخل السوري.
إن التغيير غدا حقيقة ماثلة للعيان لا يغفل عنها إلا أعمى البصيرة و القلب, كل الإحصاءات و الأرقام عن التنمية الإنسانية و الاقتصادية في سورية تدعو إلى مزيد من الاحتقان و الضيق لدى المثقف السوري بما يدفعه نحو العمل من أجل التغيير حرصاً على مصلحة البلاد و العباد.
المعارضة السورية و آليات التغيير:
سورية ليست بخير و المستقبل المنظور لا يبشر بالاستقرار و الأمن و كل الدلالات و التصريحات الدولية الصديقة لسورية و المعادية لها توحي بأجواء ما قبل غزو العراق و الرئيس بشار قال في أحد مقابلاته للصحافة الغربية: (أنا لست صدام). و هذه حقيقة واضحة للعيان يجب تأكيدها بالعمل و النتائج على أرض الواقع و أقصد بذلك الداخل السوري.
المعارضة السورية ما فتئت تطالب بتغييرات مباشرة تعطي أملاً حقيقياً برغبة النظام في التغير و إزالة الأوضاع الشاذة التي يعاني منها أبناء الوطن و ما ظهر على أرض الواقع لا يشكل سوى خطوة في طريق الألف ميل و ليس مقبولاً الانتظار حتى انتهاء مؤتمر البعث فالمطالب المشروعة يأتي على رأسها استفراد الحزب الواحد و تحكمه في مقادير البلاد و العباد.
دعا بعض أطياف المعارضة إلى مؤتمرات وطنية تمهيدية يتم فيها التوافق على وثيقة وفاق وطني كما رأى آخرون ضرورة الاستمرار في الحوار من أجل بلورة الأفكار و المفاهيم و الأوليات الوطنية و الديمقراطية التي على أساسها يرتكز مشروع التغيير المفترض العمل على صياغته, و لم يكف رجال مناضلون في صفوف المعارضة عن القول بضرورة إدخال الثقافة العلمانية كمحرك لاجتذاب الأطياف المتباعدة في المناهج و المتفقة على ضرورة التغيير الجذري.
و الواقع أن الآراء السابقة آليات مهمة ينبغي العمل على نقلها إلى حيز الوجود بما يساهم في تأسيس تيار معارض ينتقل من حيز الحراك الذاتي فكرياً و عملياً إلى حيز الحقيقة الراهنة و المؤثرة. فصلابة المعارضة و ثباتها على مطالبها في الديمقراطية و حقوق المواطن التي أساسها حقوق الإنسان كما نصت عليها شرعة الأمم المتحدة, تعد الركيزة الأولى في وجود هذه المعارضة و تناميها و قدرتها على استقطاب المثقفين المهمشين داخل النظام و الوطنيين الغيورين على بلدهم و لا يجدون الجرأة و الفرصة للعمل من أجل رفع المظالم الدستورية و القانونية و الاقتصادية التي يرزح تحت عبئها أبناء سورية.
إن الكتابات الأخيرة لطيب تيزيني و عماد الشعيبي و برهان غليون تبشر بتنامي تيار عالي الثقافة و المعرفة أخذ يدلي بقوة في بيان مأساوية الأوضاع الحالية و ضرورة تبديل عباءة الماضي بما يكفل حماية المواطن كإنسان والبلد كوطن و لست أبالغ إذا تصورت أن النواة القابلة للنمو من أجل بزوغ منتدى ربيع سورية موجودة و سوف تتعزز بخروج رواد ربيع دمشق من الأسر.
تجمع المعارضة السورية بكل أطيافها على الاعتماد على الذات و تضافر الجهود الداخلية من أجل تغيير سلمي يستوعب الدرس العراقي و يتجنب بحر الدم و نار الفتنة من هذا الباب نرى أهمية كبرى في الارتقاء بالمعارضة السورية عن كل دعوة طائفية أو عرقية أو مناطقية و الاستذكار بأن الشعب السوري الذي ضحى باستقلاله من أجل وحدة مع مصر لهو جدير و قادر على التضحية بالمصالح الذاتية و الضيقة المرتبطة بالفئوية و العشائرية و النزعات الدينية من أجل مصلحة الوطن العليا.
و بذلك نفوت الفرصة على ضرب الوحدة الوطنية باسم الأمن و الاستقرار و نقف في وجه مخططات خارجية تضع في حسبانها مصالحها و مصالح حلفائها في المنطقة قبل و بعد مصلحة المواطن السوري و وطنه.
و لعل أول المعنيين بالوصول إلى بر الأمان بالبلد و الناس هم أهل السلطة ولا يجوز لهم بحال من الأحوال دفن رؤوسهم في التراب و محاولة حل الأزمة الراهنة خارجياً فقط, فالدرس اللبناني حي ماثل شديد الوضوح و من المخزي تجاوز مدلولاته و عدم الاعتراف بالهزيمة في تحقيق أي من مبررات الوجود السوري في لبنان و أقصد هنا المبررات المشروعة على الأقل التي كان يمكن للبنانيين النظر فيها سابقاً.
إن فرضيات القضاء على الفساد و عمليات الإصلاح الإداري و الاقتصادي و محاولة زيادة الدخل و دعاوى التطوير و التجديد كانت محاولات جادة نحو الأفضل إلا أنها في الواقع لم ترتق ِ إلى المطلوب و لم تحقق النتائج المأمولة. و لعل سبباً حاسما في ذلك إنما يعود إلى المعوقات المتمثلة في الفكر القديم المسيطر على زمام الأمور و الذي يعارض التغيير لأهداف غير نبيلة بل و للحفاظ على مكاسب قديمة و طموحات لا حدود لها في المستقبل.
أود الإشارة هنا إلى ضرورة طرح الثقة المتبادلة بين أطراف التيارات المنطوية تحت لواء مسمى المعارضة و عدم التشكيك في النوايا و التطلعات فالغاية المرجوة التي نهدف إليها جميعاً هي وطن ديمقراطي حر مستقل بدستور علماني يترك الباب مشرعاً لكل الإثنيات المتواجدة على أرض الوطن و الراسخة في الأذهان.
ختاماً أقول لكل الوطنيين السوريين الديمقراطيين من مثقفين و مناضلين سابقين علينا جميعاً العمل يداً بيد من أجل مشروع وفاق وطني يختزل التجارب النضالية و الثقافية و يؤصل لمفاهيم معرفية تسهل تحديد آليات معينة للتغيير بما يضمن مشاركة كل أبناء الوطن المؤمنين بأن شعب سورية يستحق الديمقراطية و قادر على التعامل مع التغيير السلمي بكل رقي و حضارة.

ليست هناك تعليقات: